وهذه الآية فيها فوائد:
منها: الأمر باجتناب الظن، وعلى المسلم أن يكون معياره في تمييز أحد الظنين من الآخر: أن يعرضه على ما بينته الشريعة في أحكامها من الكتاب والسنة، وما أفاده الاجتهاد الصحيح وتتبع مقاصد الشريعة، فمنه: ظن يجب اتباعه؛ كالحذر من مكائد العدو في الحرب، قال الله عز وجل:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ
[النساء:71]، وقال سبحانه:
وَخُذُوا حِذْرَكُمْ
[النساء:102]، وكالظن المستند إلى الدليل الحاصل من دلالة الأدلة الشرعية؛ لأن أغلب الأحكام الفرعية مبنية على الظن، ولذلك كان الإمام مالك رحمه الله لا يفتي فتوى إلا قال: إن نظن إلا ظناً وما نحن بمستيقنين.
ومنها: وجوب اجتناب كل ظن لا قرينة ولا حالة قوية تدعو إليه.
ومنها: حرمة التجسس باتباع عورات المسلمين، واتباع عورات المسلمين قد يكون بالتسمع، كأن يسمع إنسان في بيت جاره مثلاً جلبة؛ ويكون الجار عنده مشكلة مع زوجته فيعمد إلى استراق السمع، ويقول لأطفاله: ماذا حصل؟ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( من تسمع حديث قوم وهم له كارهون صب في أذنيه الآنك يوم القيامة )، والآنك هو الرصاص المذاب.
وقد يكون التجسس كذلك باستراق النظر، وقد يكون التجسس بالجس باليد، فمثلاً: إنسان تجد جيبه منتفخاً فتتعمد أن تضرب جيبه لترى ما في هذه النفخة.
ومنها: حرمة الغيبة، ولكن يجوز ذكر الشخص وهو غائب في بعض المواطن كالتظلم والاستعانة على تغيير المنكر، وتحذير المسلمين من شره.
فمثلاً: أن إنساناً جاء يقول لك: أنا أريد أن أشارك فلاناً في تجارة مثلاً، وأنت تعرف بأن فلاناً هذا ممن يأكل الربا، فتقول له: لا تشاركه، فإذا قال لك: لم؟ تقول له: هو يأكل الربا، وتقتصر على موضع الحاجة، ولو جاءك فلان وقال: إن فلاناً خطب ابنتي، فتقول له: لا تزوجه، فإذا قبل كلامك فالحمد لله، وإن لم يقبل كلامك وقال: لم؟ تقول: فيه كذا وكذا، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( أما معاوية فصعلوك لا مال له، وأما أبو الجهم فضراب للنساء؛ ولكن انكحي أسامة بن زيد )، وهذا داخل في قوله صلى الله عليه وسلم: ( الدين النصيحة )، وفي قوله صلى الله عليه وسلم: ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ).
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.