أيها الإخوة الكرام! هذه الآية المباركة لا بد من التنبيه فيها على مسائل:
واجب الآمر والمأمور بالحق
الأمر والنهي عن علم
مراعاة المفاسد عند الأمر والنهي
المسألة الثالثة: يشترط في جواز الأمر بالمعروف ألا يؤدي إلى مفسدة أعظم من ترك المعروف، ويشترط في جواز النهي عن المنكر ألا يؤدي إلى مفسدة أكبر من ارتكاب المنكر؛ لإجماع المسلمين على ارتكاب أخف الضررين، فإن جزمت بعدم الفائدة -يعني: أن الأمر بالمعروف في هذا الموضع لا تترتب عليه فائدة، أو النهي عن المنكر لا تترتب عليه فائدة- فلا تأمر ولا تنه؛ لأن الله عز وجل قال:
فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتْ الذِّكْرَى
[الأعلى:9]، أما إذا كانت الذكرى لا تنفع فلا تذكر.
الحكمة من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
أحوال الرعية مع الإمام من حيث الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
المسألة الخامسة: من أعظم أنواع الأمر بالمعروف: كلمة حق عند سلطان جائر، كما في حديث أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر )، رواه أبو داود و الترمذي ، وقال: حديث حسن.
قال الشيخ العلامة محمد الأمين رحمه الله: واعلم أن الحديث الصحيح قد بين أن أحوال الرعية مع ارتكاب السلطان ما لا ينبغي ثلاث:
الحال الأولى: أن يقدر على نصحه وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر من غير أن يحصل منه ضرر أكبر من الأول، فآمره في هذه الحال مجاهد سالم من الإثم، ويجب أن يكون نصحه للسلطان بالموعظة الحسنة مع اللطف؛ لأن ذلك هو مظنة الفائدة؛ لأن السلطان غشوم، والسلطان الذي في يده القوة لو لم تستعمل معه الحكمة والموعظة الحسنة قد يغضب، وإذا غضب فسيكون شر عظيم.
الحال الثانية: ألا يقدر على نصحه لبطشه بمن يأمره؛ ولأن نصيحته ستؤدي إلى منكر أعظم كما حصل في بعض البلاد، كأن يقوم بعض أئمة الجمعة فيأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، فتغلق المساجد وتمنع صلاة الجمعة، نسأل الله العافية! وفي هذه الحال يكون الإنكار عليه بالقلوب، وكراهة منكره والسخط عليه، وذلك أضعف الإيمان.
الحال الثالثة: أن بعض الرعية قد يكون راضياً بالمنكر الذي يفعله السلطان متابعاً له عليه، فهذا شريكه في الإثم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إنه يستعمل عليكم أمراء فتعرفون وتنكرون، فمن كره فقد برئ، ومن أنكر فقد سلم، ولكن من رضي وتابع. قالوا: يا رسول الله! ألا نقاتلهم؟ قال: لا. ما أقاموا فيكم الصلاة ). أي: طالما أنهم ما منعوكم من الصلاة فلا تقاتلوهم، والحديث رواه مسلم .
أسأل الله أن يجعلنا ممن يقولون بالحق وبه يعدلون. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.