والمستفاد من هذه الآية جملة أحكام وفوائد:
الفائدة الأولى: النهي عن موالاة اليهود والنصارى.
الفائدة الثانية: أن الموالاة المنهي عنها هي موالاة المحبة والنصرة بدليل سبب النزول.
الفائدة الثالثة: أخذ بعض أهل العلم كـأبي حنيفة و الشافعي من هذه الآية: أن اليهودي والنصراني يتوارثان؛ لقول الله عز وجل:
بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ
[المائدة:51].
الفائدة الرابعة: أن اليهود والنصارى يتفقون إذا كان العدو هو الإسلام وأهله، وهذه الآية تبينها آية آل عمران:
إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً
[آل عمران:28]، فمحل النهي عند الاختيار كما يقول العلامة الشنقيطي رحمه الله: محل النهي عن الموالاة عند الاختيار. أما عند الخوف والتقية فيرخص في موالاتهم بقدر المداراة التي تدفع شرهم، ويشترط في ذلك سلامة الباطن من تلك الموالاة.
وقد أحسن في تطبيق هذه الآية سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقد روى ابن أبي حاتم : أن عمر أمر أبا موسى رضي الله عنهما أن يرفع إليه ما أخذ وما أعطى في أديم واحد -يعني: الصادر والوارد كله يكون في كتاب واحد- وكان له كاتب نصراني، ففعل ذلك، فأعجب عمر وقال: إن هذا لحفيظ -يعني :هذا الكاتب ممتاز- ثم قال له: هل أنت قارئ لنا كتاباً في المسجد جاء من الشام، فقال له أبو موسى : إنه لا يستطيع، أي: لا يستطيع أن يقرأ في المسجد. فقال له عمر : أجنب هو؟ أي: إذا كان عليه جنابة فليذهب يغتسل، فقال أبو موسى : لا. بل نصراني، فانتهره عمر وضربه على فخذه ثم قال: أخرجوه. وقرأ:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ
[المائدة:51]. ثم قال: لا تكرموهم إذ أهانهم الله، ولا تأمنوهم إذ خونهم الله، ولا تدنوهم إذ أقصاهم الله، قال له أبو موسى : يا أمير المؤمنين! لا قوام للبصرة إلا به -يعني: لا نستطيع أن نستغني عنه- فقال له عمر : مات النصراني والسلام، يعني: هب أن هذا النصراني مات، فماذا كنت صانعاً؟ يعني: التصرف الذي ستفعله لو مات النصراني تصرفه الآن.
وسئل ابن سيرين عن رجل أراد بيع داره من نصارى يتخذونها كنيسة فتلى هذه الآية.
إخوتي الكرام! لو تأملتم في واقع الناس اليوم، وتلفتم يميناً وشمالاً لوجدتم هذه الآية عند كثير من الناس حبر على ورق، لا وجود لها في واقعهم، بل موالاة اليهود والنصارى عند كثير من الناس دينهم وديدنهم، نسأل الله العافية!
حتى بلغ الحال بأن بعض المسلمين قد ييسر للكفار سبيلاً من أجل أن يضرب مسلمين آخرين، وبعض المسلمين قد يستعين بالكفار على ضرب المسلمين، وقد تجد بعض المسلمين في كثير من بلاد الله إذا اختلفوا فيما بينهم فلا يبالون بأن يستنصروا بالكافر على إخوانهم، وهذا كثير ولو نظرت يميناً وشمالاً ومن فوق ومن تحت لوجدت الشواهد تسود الصفحات.
نسأل الله أن يحيينا مسلمين، وأن يتوفانا مسلمين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.