أيها الفضلاء! هذه الآية يستفاد منها فوائد:
الفائدة الأولى: الأمر بتقوى الله على كل الأحوال، وقد مضى معنى قول نبينا صلى الله عليه وسلم: ( اتق الله حيثما كنت ).
الفائدة الثانية: أن من تقوى الله ترك القتل وإخافة السبيل؛ لأن الآية جاءت عقب الآية التي تكلمت عن شأن البغي والإفساد في الأرض.
الفائدة الثالثة: وجوب التقرب إلى الله تعالى بأنواع الطاعات، ووجوب الجهاد في سبيل الله تعالى وأن الجهاد يكون للأعداء الظاهرين والأخفياء.
جعل العبد واسطة بينه وبين ربه
حكم دعاء المخلوق والتوسل به
أقول: عندنا مسألتان:
الأولى: دعاء المخلوق بأن تدعوه وتطلب منه، أياً كان هذا المخلوق، فهذا والعياذ بالله! شرك، كما قال أبو يزيد البسطامي : استغاثة المخلوق بالمخلوق كاستغاثة المسجون بالمسجون، قال الله عز وجل:
إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ
[فاطر:14]، فسماه الله شركاً،
وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ
[فاطر:14]، فهذه قضية لا خلاف فيها بين أهل الإسلام.
المسألة الثانية: التوسل بالمخلوق، بعض الناس إذا دعا قال: اللهم إني أسالك بنبيك محمد صلى الله عليه وسلم، أو أسألك بجاه نبيك صلى الله عليه وسلم، أو أسألك بالصالحين من عبادك كذا وكذا.
أقول: هناك حديث صحيح ثابت في جامع الإمام البخاري : أن الناس قحطوا في زمان عمر رضي الله عنه، فقاموا يصلون الاستسقاء، ثم لما نهضوا للدعاء قدم عمر رضي الله عنه العباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبيك صلى الله عليه وسلم فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبيك صلى الله عليه وسلم فاسقنا، فلو كان الأمر المستساغ والمستحب التوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم ما كان عمر رضي الله عنه والصحابة سيعدلون عن التوسل بجاهه إلى التوسل بدعاء عمه رضي الله عنه.
صور التوسل المشروع
ومن هنا نقول: التوسل مشروع بإجماع المسلمين في الصور الثلاث:
الصورة الأولى: التوسل بدعاء العبد الصالح، كما توسل عمر بدعاء العباس ، ولا يشترط أن يكون المتوسل به أفضل من المتوسل، بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـعمر : ( لا تنسني من صالح دعائك )، والنبي صلى الله عليه وسلم يقيناً أفضل من عمر رضي الله عنه، فالتوسل بدعاء العبد الصالح من الأحياء هذا لا خلاف فيه.
الصورة الثانية: التوسل بالعمل الصالح كقول: اللهم إني أسألك بصيامي، أسألك بقيامي، أسألك بحبي لنبيك صلى الله عليه وسلم أن تدخلني الجنة.
الصورة الثالثة: التوسل بأسماء الله عز وجل وصفاته، وهذا مما لا خلاف فيه بين المسلمين.
الرد على أدلة القائلين بمشروعية الاستغاثة بالصالحين