بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:
فأسأل الله سبحانه أن يجعلنا من المقبولين.
ومع النداء السبعين في الآية الثانية من سورة الحجرات، وهو قول ربنا تبارك وتعالى:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ
[الحجرات:2].
سبب نزول الآية
سبب نزول هذه الآية هو الجدال الذي دار بين أبي بكر، و عمر رضي الله عنهما، وقد ارتفعت أصواتهما بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
معاني مفرادات الآية
قال الله عز وجل: (لا تَرْفَعُوا) الرفع هنا: مستعار لجهر الصوت جهراً متجاوزاً لمعتاد الكلام، وشبه جهر الصوت بارتفاع الجسم في أنه أشد بلوغاً إلى الأسماع.
(أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ) أي: متجاوزين صوت النبي صلى الله عليه وسلم.
(وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ) أي: لا تنادوه باسمه، كقول القائل: يا محمد! كما ينادي بعضكم بعضاً.
(أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ) أي: لا تفعلوا ذلك لئلا تحبط أعمالكم، أو كراهة أن تحبط أعمالكم.
(وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ) أي: لا تعلمون بذلك.
المعنى الإجمالي للآية
هذه الآية الكريمة علم الله فيها المؤمنين أدباً يتعلق بتعظيم رسول الله صلى الله عليه وسلم، واحترامه، وتوقيره، فنهاهم جل جلاله عن أن يرفعوا أصواتهم أو أن يجهروا له بالقول كجهر بعضهم لبعض، أي: لا تنادوه باسمه يا محمد! يا أحمد! وإنما خاطبوه خطاباً يليق بمقامه ليس كخطاب بعضكم لبعض، وقولوا: يا رسول الله! يا نبي الله! ونحو ذلك.
وفي الآية فوائد:
أولاً: قال القرطبي رحمه الله: وفي هذا دليل على أنهم لم ينهوا عن الجهر مطلقاً حتى لا يسوغ لهم إلا أن يكلموه بالهمس والمخافتة، وإنما نهوا عن جهر مخصوص مقيد بصفة. أعني: الجهر المنعوت بمماثلة ما قد اعتادوه منه فيما بينهم، وهو: الخلو عن مراعاة أبهة النبوة وجلالة مقدارها، وانحطاط سائر الرتب وإن جلت عن رتبتها.
ثانياً: هذا النهي مخصوص بغير المواضع التي يؤمر فيها بالجهر كالأذان، والتكبير يوم العيد، وبغير ما أذن فيه النبي صلى الله عليه وسلم إذناً خاصاً، كقوله للعباس يوم حنين: ( نادي قل: يا أصحاب السمرة! يا أصحاب سورة البقرة! ).
ثالثاً: ظاهر هذه الآية -نسأل الله العافية- أن الإنسان قد يحبط عمله وهو لا يشعر.
رابعاً: دلت الآية على أن عدم الاحتراز من سوء الأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم قد يفضي بفاعله إلى إثم عظيم يأتي على عظيم من صالحاته، أو يفضي به إلى الكفر والعياذ بالله!
خامساً: قال العلامة الشنقيطي رحمه الله: حرمة النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته كحرمته في أيام حياته، وبه تعلم: أن ما جرت به العادة اليوم من اجتماع الناس قرب قبره صلى الله عليه وسلم -وهم في صخب ولغط وأصواتهم مرتفعة ارتفاعاً مزعجاً- كله لا يجوز ولا يليق، وإقرارهم عليه من المنكر.
سادساً: اعلم أن عدم احترام النبي صلى الله عليه وسلم المشعر بتنقيصه والاستخفاف به أو الاستهزاء به ردة عن الإسلام وكفر بالله، وقد قال تعالى في الذين استهزءوا بالنبي عليه الصلاة والسلام وسخروا منه في غزوة تبوك لما ضلت راحلته:
وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ
[التوبة:65-66].
أسأل الله أن يجعلنا من المقبولين!
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.