إسلام ويب

تفسير سورة الكهف - الآيات [25-26]للشيخ : عبد الحي يوسف

  •  التفريغ النصي الكامل
  • مكث أصحاب الكهف في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعاً، وقد اختصهم الله بعنايته وحفظه، وجعلهم عبرة لغيرهم إلى يوم القيامة، واختص الله نفسه بالحكم الكوني والشرعي فلا حكم إلا لله، والولاية هي لمن توالت طاعاته لله من غير تخلل معصية، وليس لازماً للولي أن يكون عنده كرامات أو أنه معصوم من الخطأ، وليس كل من جرى على يديه خارق للعادة كان ولياً لله فلا تلازم بين الولاية وخرق العادة.

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وكما ينبغي لجلال وجهه، وعظيم سلطانه، الحمد لله عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته.

    اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد عدد ما ذكره الذاكرون الأخيار، وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد ما اختلف الليل والنهار، وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى المهاجرين والأنصار.

    سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم.

    اللهم علمنا علماً نافعاً، وارزقناً عملاً صالحاً، ووفقنا برحمتك لما تحب وترضى، أما بعد:

    يقول تعالى: وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً * قُلْ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً [الكهف:25-26].

    يقول سبحانه: وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً [الكهف:25].

    قراءة الجمهور بالتنوين ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا [الكهف:25] وقرأ حمزة و الكسائي و خلف العاشر : (ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعاً)، أما على قراءة الجمهور فـ(سنين) منتصبة على البدلية، أو تمييز للعدد، وأما على قراءة حمزة و الكسائي فهي مجرورة بالإضافة (ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعاً)، ويمكن كذلك أن تكون تمييزاً.

    هذا خبر من الله عز وجل عن مدة مكث أصحاب الكهف في كهفهم، وهو تفسير للآية التي مضت حتى قال سبحانه: فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً [الكهف:11]، فالسنين مفسرة بهذه الآية، بأنها كانت ثلاثمائة سنة شمسية بحساب أهل الكتاب؛ وهم اليهود الذين أرشدوا المشركين إلى سؤال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ثلاثمائة سنين وعليها زيادة تسع بحساب السنين القمرية التي يتعامل بها المسلمون في ذلك العهد وفي كل عهد، فالتسع السنوات هي الفرق ما بين الحسابين: الحساب بالسنوات الشمسية، والحساب بالسنوات القمرية.

    وقول الله عز وجل: وَازْدَادُوا تِسْعاً [الكهف:25]، بعض المفسرين طرح سؤالاً: أهي تسع سنين أم تسع شهور أم تسع جمع؟ ما هو التمييز المقدر؟

    والذي عليه جمهورهم أنها تسع سنين؛ لأن العرب تقول: عندي مائة درهم، وخمسة، أي: وخمسة دراهم، أو عندي مائة دينار وخمسة، أي: خمسة دنانير، فإذا كان المعطوف مخالفاً للعدد المعطوف عليه فلا بد من ذكره صراحة، فالله عز وجل لما قال: وَازْدَادُوا تِسْعاً [الكهف:25]، علم أن هذا المعطوف موافق لما سبق وهو السنين.

    وقول الله: وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً [الكهف:25]، بعض المفسرين قالوا: بأن هذا حكاية عن مقولة أهل الكتاب، أي أن أهل الكتاب قالوا: إن أهل الكهف لبثوا في كهفهم ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعاً، قالوا: والدليل على ذلك أن الله عز وجل قال بعدها: قُلْ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا [الكهف:26]، ولكن كما رجح الطبري رحمه الله أن هذا كلام الله وخبره، يخبر سبحانه بأن أهل الكهف قد بقوا هذه المدة نائمين في الكهف، مضروباً النوم على آذانهم، وهم أحياء سالمون.

    أما قول الله عز وجل: قُلْ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا [الكهف:26]، فالمراد به المدة التي هي من حين بعثهم والإعثار عليهم إلى بعثة محمد صلى الله عليه وسلم، يعني: كأن هؤلاء القوم لما أجيبوا عن سؤالهم، وفصل لهم خبر أصحاب الكهف، وذكر لهم بأنهم قد مكثوا في كهفهم ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعاً، كأنهم طرحوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم سؤالاً آخر، قالوا له: فكم المدة من حين بعثهم من رقادهم والإعثار عليهم إلى أن نبئت وأرسلت؟ فجاء الجواب: قُلْ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا [الكهف:26]؛ لئلا يولد السؤال سؤالاً ثالث وهكذا، وكما علمنا أن أهل الكتاب ما كان غرضهم التعلم، وإنما غرضهم طرح الشبه على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى عباد الله المؤمنين، فالله عز وجل قطع حجتهم، وأبطل كيدهم بقوله: قُلْ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا [الكهف:26]، لا تسألوا عن ذلك.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088982821

    عدد مرات الحفظ

    780346227