إسلام ويب

تفسير سورة الأنعام - الآيات [39-47]للشيخ : عبد الحي يوسف

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من المشاهد في الكون أنه لا يوجد شيء من المخلوقات والدواب إلا أمم كالبشر، لها أرزاقها وآجالها، والله عز وجل كامل العلم بأحوالها، تام القدرة على تسيير أمورها، وكلها تسير بإرادته وبتقديره؛ ومع ذلك جعل العبد مخيراً مسيراً، ووضح طريق الخير لمن أراد الهداية وطريق الشر لمن رغب في الغواية.

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد، الرحمة المهداة والنعمة المسداة والسراج المنير، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا؛ إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا علماً نافعاً وارزقنا عملاً صالحاً، ووفقنا برحمتك لما تحب وترضى، أما بعد:

    ففي الآيات التي سبق تفسيرها بين ربنا جل جلاله أنه يستجيب لدعوته وينتفع بكلامه من رزقه الله عز وجل سمعاً واعياً وقلباً حافظاً، أما الكفار فإنهم بالموتى أشبه، لا ينتفعون بسمعهم ولا أبصارهم ولا قلوبهم، إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ [الأنعام:36]، وبين ربنا جل جلاله أن الكفار المعاندين المستكبرين كانوا يقترحون الآيات على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويطلبون منه معجزات بعينها: وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً [الأنعام:37]، لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ [الأنعام:37]، لا يعلمون أن هذه الآيات لو نزلت، وهذه المعجزات لو تحققت، ثم استمروا على كفرهم وعنادهم فلا بد أن يأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر، وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ [الأنعام:37].

    قال تعالى: وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ [الأنعام:37]، أي: في الأرض ولا في السماء، وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ [الأنعام:38]، هذه المثلية إما أن تكون مثلية الخلق والرزق، فيكون المعنى يا بني آدم كما أنكم مخلوقون مرزوقون، والخالق والرازق هو الله الواحد، فكذلك ما على الأرض من الدواب والطيور إنما هي مخلوقة لله، مرزوقة من الله، وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا [هود:6].

    وإما أن تكون المثلية مثلية معرفة الله عز وجل وتسبيحه، كما أنكم يا بني آدم تعرفون الله وتسبحونه، فكذلك هذه الدواب والأنعام والطيور تعرف الله وتسبحه، ويشهد لهذا قول ربنا سبحانه: تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ [الإسراء:44]، ويشهد لهذا قوله سبحانه: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ [النور:41]، ويشهد لهذا قوله سبحانه: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ [الحج:18].

    وإما أن تكون المثلية مثلية صفات، كما قال سفيان بن عيينة رحمه الله: من الناس من يعدو عدو الذئب ويفترس افتراس الأسد ويمكر مكر الثعلب.

    قال تعالى: مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ [الأنعام:38]، قد يكون المراد بالكتاب اللوح المحفوظ الذي أحصى الله فيه كل شيء عدداً وأحاط بكل شيء علماً، أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ [الحج:70].

    وقد يكون المراد بالكتاب القرآن، ويشهد لهذا قول ربنا: وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ [النحل:89]، مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ ، هذه الدواب، هذه الأنعام هذه الطيور، وكذلك بنو آدم كلهم إلى ربهم يرجعون، كلهم عند ربهم محشورون.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088987826

    عدد مرات الحفظ

    780399843