إسلام ويب

تفسير سورة الأنعام - الآيات [36-38]للشيخ : عبد الحي يوسف

  •  التفريغ النصي الكامل
  • مما تضمنته سورة الأنعام الإخبار عن عناد الكفار، وأنهم يطلبون الآيات، فإذا جاءت كفروا بها، وقد بين الله عز وجل أن كفرهم بسبب جهلهم، كما بين الله عز وجل فيها أن الدواب والأنعام والطيور كلها أمم مثلها مثل بني آدم، ثم أخبر الله عز وجل أنه ما فرط في الكتاب من شيء، وأنه تضمن كل شيء من آجال العباد وأرزاقهم وأعمالهم وغير ذلك.

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، كما يحب ربنا ويرضى، وكما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته.

    اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد عدد ما ذكره الذاكرون الأخيار، وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد ما اختلف الليل والنهار، وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى المهاجرين والأنصار.

    سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا علماً نافعاً، وارزقنا عملاً صالحاً، ووفقنا برحمتك لما تحب وترضى، أما بعد:

    فتقدم معنا الكلام في الآيات السابقة التي بين فيها ربنا جل جلاله أن الكفار كذابون مفترون، وأنهم يوم القيامة حين يوقفون على النار ويعاينون العذاب، يتمنون على الله عز وجل أن يردهم إلى الدنيا؛ ليصلحوا أعمالهم، وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ [الأنعام:27]، قال الله عز وجل: بَلْ بَدَا لَهمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ [الأنعام:28]، ما كانوا يخفون من الفطرة السليمة، وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ * وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ * قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ [الأنعام:28-31].

    ثم سلى الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم، الذي كان يعاني من تكذيبهم وإعراضهم وجحودهم وعنادهم، فقال الله عز وجل له: قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ [الأنعام:33]، يحزنك: يسبب لك الحزن، وهو قولهم: ساحر، كاهن، شاعر، مجنون، تتنزل عليه أساطير الأولين، قال الله عز وجل: فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ [الأنعام:33]، أي: هم يعلمون بأنك صادق أمين، وأنك لا تكذب على الناس فضلاً عن أن تكذب على الله عز وجل، وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللهِ يَجْحَدُونَ [الأنعام:33]، كما قال سبحانه: وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ [النمل:14]، وكما قال سبحانه على لسان موسى مخاطباً فرعون لَقَدْ عَلِمْتَ [الإسراء:102]، أي: يا فرعون ! مَا أَنزَلَ هَؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا [الإسراء:102].

    قال الله عز وجل: وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ [الأنعام:34]، كل الأنبياء الذين كانوا من قبلك قد كذبوا وأوذوا، وواجههم قومهم بالقول الفاحش، واللفظ البذيء، فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا [الأنعام:34]، كما قال في آية أخرى: وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا المُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ المَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ [الصافات:171-173].

    قوله: وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ [الأنعام:34]، أي: قضائه وقدره جل جلاله، وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ المُرْسَلِينَ * وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ [الأنعام:34-35]، يقول الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم: إن هؤلاء الناس مهما فعلت لهم، ومهما أريتهم من الآيات، وأجرى الله على يديك من المعجزات؛ لن يؤمنوا، ماذا أنت صانع؟

    هل تبتغي نفقاً في الأرض؟ أم أنك ستبتغي سلماً إلى السماء؟ كل هذا ليس بنافعهم؛ لأنهم قالوا: وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُه [الإسراء:93]، وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ ...[الأنعام:7]، هكذا كانت مطالبهم، فالله عز وجل قال: وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى [الأنعام:35]؛ لو أنه سبحانه وتعالى شاء مشيئة كونية قدرية، فلا راد لمشيئته، ما شاءه كوناً وقدراً لا بد أن يكون، إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [النحل:40]، وهذه هي الإرادة الكونية القدرية، وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى [الأنعام:35]، والهدى المراد به في هذه الآية: هدى التوفيق للإيمان، فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ [الأنعام:35]، هذه موعظة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088982944

    عدد مرات الحفظ

    780347086