إسلام ويب

تفسير سورة الأنعام - الآيات [17-26]للشيخ : عبد الحي يوسف

  •  التفريغ النصي الكامل
  • ركزت أوائل سورة الأنعام على تثبيت دعائم التوحيد من خلال بيان قدرة الله وحده على إنزال الضر أو الخير، وأنه وحده القاهر فوق عباده، والعجيب أن كثيراً من الكفار كانوا يعملون هذا ومع ذلك جحدوا ألوهيته سبحانه، وأنكروا نبوة نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم، فجمعوا بين سيئتين: الشرك بالله والتكذيب بآياته لكن الله توعدهم بيوم يحشرون فيه مع شركائهم، وسيندمون على شركهم وتكذيبهم أيما ندم.

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد؛ الرحمة المهداة والنعمة المسداة والسراج المنير، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم, اللهم علمنا علماً نافعاً، وارزقنا عملاً صالحاً، ووفقنا برحمتك لما تحب وترضى.

    تقدم معنا الكلام في أن هذه السورة المباركة قد نزلت دفعة واحدة على قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنها جاءت على سبيل المجادلة للمشركين الذين أعرضوا عن الدعوة وصدوا عن سبيل الله، وأبوا الانقياد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا يريدون الشبه، وقد قال الله عز وجل في ما مضى من الآيات مخاطباً نبيه عليه الصلاة والسلام: وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون * قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ * قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ [الأنعام:10-12].

    وهذه الآيات تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الأنبياء من قبله قد استهزئ بهم وسخر منهم، وقد أنزل الله بالمستهزئين الساخرين العقوبات، وهؤلاء المشركون على الدرب نفسه.

    ولعل سائلاً منهم سأل: لم لا تنزل بنا العقوبات عاجلة غير آجلة، فالله عز وجل أجابهم بقوله: كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ[الأنعام:12]، يعني: في ذلك اليوم ستحاسبون أيها المشركون! وستجازون على سخريتكم واستهزائكم.

    ثم إن المشركين عرضوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجمعوا له مالاً حتى يصير أغناهم، أو أن يملكوه عليهم حتى يصير سيداً فيهم, قال الله عز وجل: وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ[الأنعام:13], الله الذي أرسل محمداً صلى الله عليه وسلم هو الغني عن العالمين، هو بكل شيء عليم, هو على كل شيء قدير, هو القادر على أن يحول بطحاء مكة ذهباً لنبيه عليه الصلاة والسلام, فليس محمد صلى الله عليه وسلم محتاجاً لعروضكم أيها المشركون؛ لأن الله الذي أرسله له ما سكن في الليل والنهار وهو السميع العليم.

    ثم قال: قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ [الأنعام:14-16], يلقن الله عز وجل محمداً صلى الله عليه وسلم حجته, قل لهؤلاء المشركين: لا يمكن أن أتخذ غير الله ولياً؛ لأن وليي الله جل جلاله، هو فاطر السموات والأرض، هو مبدعهما على غير مثال سابق؛ لأن وليي الله جل جلاله هو الذي يطعم ولا يطعم، ولا يمكن أن أتخذ غيره ولياً؛ لأني أعبد الله عز وجل بالخوف مع الرجاء، إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ [الأنعام:15]، وهو يوم القيامة، مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ [الأنعام:16].

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3089368226

    عدد مرات الحفظ

    784239637