إسلام ويب

تفسير سورة الأنعام - الآيات [1-9]للشيخ : عبد الحي يوسف

  •  التفريغ النصي الكامل
  • افتتحت سورة الأنعام بـ(الحمد لله) تنبيهاً على استحقاق الله سبحانه للحمد وحده؛ لأنه وحده خالق كل شيء، وإليه كل شيء، ورداً على كفر الكافرين، ولهذا كما بدأت الآية الأولى بالحمدلة ختمت بالتشنيع على الكافرين، ثم تلتها آيات تبين أنواعاً من كفرهم وعنادهم.

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين حمداً كثيراً، طيباً، مباركاً فيه، كما يحب ربنا ويرضى، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد الرحمة المهداة والنعمة المسداة والسراج المنير، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

    فقد مضى معنا الكلام في مقدمة هذه السورة، وعرفنا أنها من السور المكية، وقد نزلت دفعة واحدة؛ لأنها جاءت على سبيل المحاجة للمشركين، وتزييف ما هم عليه من المنكر والباطل في تحليل ما حرم الله وتحريم ما أحل الله.

    فضل الحمد واستحقاق الله له دون غيره

    وهذه السورة المباركة قد افتتحت بالحمد كما افتتحت سور أربع سواها: سورة الفاتحة، وسورة الكهف، وسورة سبأ، وسورة فاطر.

    وكلمة (الحمد لله) تفيد استحقاق الله جل جلاله الحمد وحده دون غيره، فهو المحمود سبحانه وتعالى دون سواه، لا يستحق الشكر والحمد أحد سواه، وهذه الكلمة -كلمة الحمد لله- لا ينبغي أن تفارق لسان عبد الله المؤمن، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحمد الله عز وجل إذا أصابته نعمة وإذا أصابه بلاء، إذا أصابته نعمة قال: ( الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات )، وإذا أصابه بلاء قال: ( الحمد لله على كل حال )، وأخبرنا صلوات ربي وسلامه عليه: ( أن الله تعالى يرضى من العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها، أو يشرب الشربة فيحمده عليها ).

    وكان من هديه صلوات ربي وسلامه عليه أنه يحمد الله إذا ثار من فراشه، فيقول: ( الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور )، وكان يحمد الله إذا فرغ من طعامه: ( الحمد لله الذي أطعمني هذا ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة )، بل حمد ربه بعدما أصابه الذي أصابه يوم أحد، بعدما شج وجهه وكسرت رباعيته، وجحشت ركبتاه، صلوات الله وسلامه عليه، قال لأصحابه: ( اصطفوا لأثني على ربي، فقال: اللهم لك الحمد، لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا قابض لما بسطت، ولا باسط لما قبضت، ولا هادي لمن أضللت، ولا مضل لمن هديت )، إلى آخر ما قال صلوات الله وسلامه عليه.

    دلالة خلق السموات والأرض على صفات الكمال لله وعلى وجوب عبادته

    افتتح ربنا هذه السورة المباركة بهذه الكلمة المباركة (الحمد لله)، ثم وصف نفسه جل جلاله بصفات الكمال والجلال، وأولها الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ [الأنعام:1]، والسموات والأرض آيتان من آيات الله عز وجل، لفت أنظارنا إليها في كثير من آي القرآن، يقول الله عز وجل: أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ * وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ [ق:6-7]، ويقول سبحانه: وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْيدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ * وَالأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ [الذاريات:47-48]، ويقول سبحانه: إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ * وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ [الصافات:6-7]، ويقول سبحانه في آية أخرى: وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِلشَّيَاطِينِ [الملك:5]، إلى غير ذلك من الآيات، فهو سبحانه خلق السموات والأرض أوجدهما على غير مثال سابق، كما قال سبحانه: بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [البقرة:117]، بديع: أوجدهما على غير مثال سابق، والنتيجة التي ينبغي أن يفضي إليها كل عاقل أن الذي خلق هو الذي ينبغي أن يُعبد، ولا يُعبد معه غيره؛ ولذلك أول نداء في القرآن: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ [البقرة:21]، من ربكم؟ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنْ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:21-22].

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088975840

    عدد مرات الحفظ

    780290437