إسلام ويب

تفسير سورة الأنعام - الآيات [134-140]للشيخ : عبد الحي يوسف

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لقد أخبر الله تعالى عن المشركين أنه ولابد سيأتيهم ما وعدهم به من البعث والحساب والجزاء، أخبر أنهم عاجزون عن الهرب منه تعالى، وذلك يدعوهم للعمل النافع في العاقبة. وقد تطرق القرآن الكريم إلى ذكر شيء من شريعة الجاهلية الأولى في الزرع والثمار والأنعام وقتل الأولاد، وأوضح أن ذلك كله افتراء على الله وتزيين الشيطان.

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين, حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه, وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد، الرحمة المهداة والنعمة المسداة والسراج المنير, وعلى آله وصحبه أجمعين.

    سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم, اللهم علمنا علماً نافعاً, وارزقنا عملاً صالحاً, ووفقنا برحمتك لما تحب وترضى, أما بعد:

    ففي الآيات التي مضى شرحها يقول الله عز وجل: يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ [الأنعام:130], بين ربنا جل جلاله ما يكون يوم القيامة من سؤال الإنس والجن عما فعلوه مع دعوة المرسلين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين, الذين تلوا عليهم الآيات وأنذروهم يوم القيامة وما فيه من الأهوال.

    في هذه الآيات المباركة يقول الله عز وجل: إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ [الأنعام:134], (ما) هنا موصولة بمعنى: الذي, وعائد الصلة محذوف, تقديره إن الذي توعدونه لآت, أي: لجاءٍ, ولقريب.

    إنفاذ الله لوعده ووعيده

    قوله تعالى: إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ [الأنعام:134], (توعدون) هاهنا, إما أن تكون من الوعد, وإما أن تكون من الوعيد. أما إذا كانت من الوعد فقد أجمع المسلمون على أن الله تعالى إذا وعد بخير فإنه سبحانه لا يخلف الميعاد؛ لقوله سبحانه: إِنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ المِيعَادَ[آل عمران:9].

    وأما إذا أوعد بالشر جل جلاله ففي هذا تفصيل:

    فإذا كان الموعد بالشر مسلماً فهو تحت المشيئة, إن شاء الله أنفذ وعيده فيه وإن شاء عفا، كما قال سبحانه: إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48], فكل ذنب دون الشرك فأمره إلى الله، إن شاء عذب وإن شاء غفر, وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من أصاب من هذه الحدود شيئاً فأخذ به في الدنيا فهو كفارة له وطهور, ومن لم يؤخذ به في الدنيا فأمره إلى الله, إن شاء عذبه وإن شاء غفر له ), (من أصاب من الحدود شيئاً): من زنا، من قذف، من سرق، من أخاف السبيل، من شرب الخمر، من بغى على الإمام العدل فأمره إلى الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له, ولا يعاب جل جلاله بإخلاف الوعيد، بل لا يعاب الإنسان لو أخلف وعيده, فلو أنك توعدت إنساناً بسوء، ثم بعد ذلك تمكنت منه فعفوت عنه، فإن ذلك يكون محموداً، وكما قال القائل:

    وإني إذا أوعدته أو وعدته لمخلف إيعادي ومنجز موعدي

    الموعد ينجزه, أما الوعيد فإنه يخلفه, إذا كان الوعيد في حق المسلم فالله عز وجل جعله تحت المشيئة.

    أما إذا كان الوعيد للكافر المشرك، الذي مات وهو صاد عن سبيل الله, ومحاد لله ورسوله فالوعيد نافذ؛ لأن الله تعالى قال: إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ [المائدة:72], وبين ربنا جل جلاله أن أهل النار يوم القيامة -عياذاً بالله- من حالهم يقولون لأهل الجنة: أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ المَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ [الأعراف:50], فيكون جواب أهل الجنة: إِنَّ اللهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ * الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ [الأعراف:50-51].

    عجز المشركين عن الهرب من الله تعالى

    يقول الله عز وجل: وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ [الأنعام:134], وما أنتم أيها الكفار والمشركون والفجار والعاصون بمعجزين الله جل جلاله, المعجزون: جمع تصحيح لمعجز, والمعجز: اسم فاعل من الإعجاز، وهو الفوت والهرب, يقول الله عز وجل: ما أنتم أيها الكفار والمشركون بفائتين الله عز وجل ولا بهاربين من قضائه وقدره وعقوبته وبطشه جل جلاله, وهذا المعنى هو الذي أقرت به الجن حين قالوا: وَأَنَّا ظَنَنَّا [الجن:12] بمعنى: أيقنا, أَنْ لَنْ نُعجِزَ اللهَ فِي الأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَبًا [الجن:12], أي: لا أحد يفر من قضاء الله عز وجل وقدره؛ ولذلك الكفار يوم القيامة يقولون: أَيْنَ المَفَرُّ [القيامة:10], والجواب: لا مفر.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3089088487

    عدد مرات الحفظ

    781536477