إسلام ويب

تفسير سورة الأنعام - الآيات [77-83]للشيخ : عبد الحي يوسف

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن الله سبحانه آتى إبراهيم الحجة على قومه فحاجهم وخصمهم، ولما كان لهم معبودات في الأرض وأخرى في السماء وهي الكواكب أراد أن يبطلها ويبين ضعفها ووهنها، فقال عن الكوكب والقمر والشمس هذا ربي، فلما أفلت جميعاً بين لهم أن من يحصل منه الأفول والغياب لا يصلح أن يكون رباً، فعند ذلك هددوه وتوعدوه فلم يخف منهم، بل اعتزلهم وتركهم فعوضه الله عنهم بالذرية الطيبة يأنس بها ويبقى معها.

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد الرحمة المهداة والنعمة المسداة، والسراج المنير، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا علماً نافعاً، وارزقنا عملاً صالحاً، ووفقنا برحمتك لما تحب وترضى، أما بعد:

    تقدم معنا الكلام في إبراهيم صلوات الله وسلامه عليه، وأنه أوتي حجة وبياناً، وقدرة على مناظرة من جحد بالله عز وجل وكفر به، يقول سبحانه: وَإِذْ قَالَ [البقرة:30]، أي: واذكر، وعرفنا أن تقدير الفعل "واذكر" باستقراء القرآن، فدائماً إذ يأتي قبلها الفعل "واذكر" كما في قول ربنا جل جلاله: وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالأَحْقَافِ [الأحقاف:21]، وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ [الأنفال:26]، فيكون المعنى: واذكر، يا محمد! لقومك: وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ [الأنعام:74]، وآزر هو أبو إبراهيم عليه السلام، وليس كما قال بعض أهل التاريخ بأنه تارح وأن آزر هو اسم الصنم، بل آزر اسم أبي إبراهيم؛ لأن آيات القرآن دلت على أن الخطاب كان للوالد مباشرة، كقول الله عز وجل: إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ [الأنبياء:52]، وقوله: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ * إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ [الشعراء:69-70]، وقوله تعالى في سورة مريم: وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَبِيّاً * إِذْ قَالَ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً [مريم:41-42]، فالخطاب لأبيه مباشرة، وليس لعمه، كما قال بعض أهل التفسير، ولا لجده، بل هو لأبيه، وأبوه آزر ، وآزر بدل من أبيه، أو عطف بيان، وفي قراءة شاذة: وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ [الأنعام:74] بضم الراء، أي: يا آزرُ ! أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً [الأنعام:74]، وهذا استفهام على سبيل الإنكار، ثم أعقب ذلك بقوله: إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ [الأنعام:74]، أي: في بعد عن الحق، وانصراف عن الهدى، واضح بين.

    رؤية إبراهيم لملكوت السموات والأرض

    قال الله عز وجل: وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [الأنعام:75]، "ملكوت" بمعنى: ملك، والواو والتاء زائدتان؛ للمبالغة، كما قالت العرب في رهبة: رهبوت، وفي رغبة: رغبوت، وفي جبر: جبروت، وهاهنا أيضاً في الملك: ملكوت، وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ، وقد أراه الله عز وجل آياته، في سماواته وأرضه، كما قال سبحانه: أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ * وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ [ق:6-7]، فهذا هو ملكوت السموات والأرض، وليس كما قال بعضهم: بأن الله تعالى أرى إبراهيم تخوم الأرض إلى الأرض السابعة، وأنه رفعه فوق السموات العلى إلى عرشه جل جلاله، وأطلعه على أعمال بني آدم، وأنه كان كلما رأى واحداً منهم على فاحشة دعا عليه فهلك، فنهاه ربه، فهذا كله لم يقم عليه دليل.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088970108

    عدد مرات الحفظ

    780248823