أولاً: محبة الله جل جلاله, والتعلق به وحده, والتوكل عليه؛ لأنه الذي بيده مقاليد كل شيء.
ثانياً: أن الله سبحانه هو الحاكم بين عباده في الدنيا والآخرة, وحكمه بالعدل والقسط, هو جل جلاله يحكم بين عباده بالعدل والقسط, منزه عن الظلم:
وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا
[الكهف:49].
وبناء على ذلك نجد أن الرسل صلوات الله وسلامه عليهم توجهوا إلى ربهم ليفتح بينهم وبين أقوامهم, أي ليحكم بينهم وبين أقوامهم بالحق, وأقوامهم كانوا معاندين, مخاصمين بالباطل, كما قال الله عز وجل:
بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ
[الزخرف:58].
وقال نوح عليه السلام:
قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ * فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ المُؤْمِنِينَ
[الشعراء:117-118], فاستجاب الله عز وجل له فقال:
فَأَنجَيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ المَشْحُونِ
[الشعراء:119]، وقال في آية أخرى:
وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ
[الصافات:77].
وقال شعيب عليه السلام:
رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ
[الأعراف:89], فاستجاب الله عز وجل دعاءه:
فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ
[الأعراف:78].
وقال سبحانه عمن كذبوا رسلهم:
وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ
[هود:59], قال سبحانه:
وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ
[إبراهيم:15].
وكذلك يوم القيامة, فالله جل جلاله هو الذي يحكم بين عباده فيما كانوا فيه يختلفون؛ ولذلك من أسماء يوم القيامة أنه يوم الفتح:
وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ
[السجدة:28-29].
رابعاً: نوقن بأن الفتح والنصر من الله, فهو سبحانه يفتح على من يشاء, ويخذل من يشاء, وقد نسب الفتوح إلى نفسه جل جلاله لينبه عباده على طلب النصر منه وحده، قال تعالى:
إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا
[الفتح:1]، وقال سبحانه:
فَعَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ
[المائدة:52].
وعليك أن توقن بأن الفتاح جل جلاله بيده مفاتيح خزائن السموات والأرض، قال تعالى:
لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ
[الشورى:12], وأن الله تعالى لو فتح لك رحمته لا يستطيع أحد أن يحول بينك وبينها، قال تعالى:
مَا يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ
[فاطر:2].
فلو أن الله عز وجل فتح أبواب السماء بماء منهمر, من الذي يستطيع أن يمسكها, ولو أدت إلى إغراق الناس وتدمير بيوتهم, وإتلاف ممتلكاتهم ما يمسكها إلا الله عز وجل.
يقول صاحب الظلال عليه رحمة الله: وما من نعمة يمسك الله معها رحمته حتى تنقلب هي بذاتها نقمة, يعني: مثل نعمة الأولاد ونعمة الأموال, لو أن الله لم يرحمك في هاتين النعمتين فإنهما تتحولان إلى عذاب، قال تعالى:
وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا
[التوبة:85], يعذبهم بالأموال والأولاد.
فما من نعمة تمسك عنها رحمة الله حتى تنقلب هي بذاتها نقمة, وما من محنة تحفها رحمة الله حتى تكون هي بذاتها نعمة, ينام الإنسان على الشوك مع رحمة الله فإذا هو مهاد, وينام على حرير وقد أمسكت عنه رحمة الله, فإذا هو شوك القتاد.
ويعالج أعسر الأمور برحمة الله, فإذا هي هوادة ويسر, ويعالج أيسر الأمور وقد تخلت رحمة الله, فإذا هي مشقة وعسر، قال سبحانه:
وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ
[الأنعام:17-18].
إذاً: الفتاح قد يفتح على الناس أبواب الخيرات وأنواع النعم استدراجاً لهم, من أجل أن يتمادوا في الكفر والطغيان, ثم يأخذهم أخذ عزيز مقتدر.
يقول الله جل وعلا:
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَهمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ
[الأنعام:42-44], أي: كل شيء: القوة المادية والقوة المعنوية والقوة العسكرية وما إلى ذلك، ثم قال:
حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ * فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
[الأنعام:44-45] وقال تعالى:
وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهمْ عَذَابٌ مُهِينٌ
[آل عمران:178].
والفتاح جل جلاله قد يفتح على عبد من عباده بالمال, ويفتح على آخر بالذرية, ويفتح على ثالث بالحكمة والعلم والفقه في الدين، قال تعالى:
يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا
[البقرة:269], وهذه الحكمة ليست فصاحة اللسان, ولا هي كثرة النصوص, وإنما الحكمة التي تهدي العبد إلى صراط الله المستقيم, قال الله عز وجل:
أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللهِ
[الزمر:22].
وكان من دعاء سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل المسجد أن يقول: (اللهم افتح لي أبواب رحمتك), يطلب من الله الفتاح أن يفتح له أبواب رحمته.
أسأل الله أن يغنينا من فضله! وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.