الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، ورضي الله عن الصحابة الطيبين، وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً، وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلاً، سهل علينا أمورنا، وعلمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين، اللهم زدنا علماً نافعاً، وعملاً صالحاً، بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين، سبحانك اللهم وبحمدك على حلمك بعد علمك، سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك، اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
إخوتي الكرام! لا زلنا نتدارس المبحث الثالث من مباحث الجن، ألا وهو صلة الجن بالإنس، وصلة الإنس بالجن. صلتنا بهم وصلتهم بنا، وقلت: هذا المبحث يقوم على أربعة أمور كما تقدم الكلام على ذلك مراراً:
أولها: في حكم الاستعانة بهم.
وثانيها: في حكم المناكحة بيننا وبينهم.
وثالثها: في مس الجن للإنس.
ورابعها: في تحصن الإنس من الجن.
والمبحث الثالث -إخوتي الكرام- نحن على وشك الانتهاء منه، وهو: مس الجن للإنس، وقد تقدم معنا أنهم يصيبون بني آدم بالصرع، وقد يعتدون عليه بالخطف، وقد يحصل منهم وخز لبني آدم فيتسبب مرض الطاعون الذي يؤدي إلى وفاة الإنسان، فتقدم معنا هذا الأمر، وأن الطاعون هو وخز الجن، وبينت هذا بالأحاديث الصحيحة الكثيرة.
ثم تكلمنا أيضاً وتدارسنا مبحث الطاعون ضمن أربعة أمور:
أولها: في تعريف الطاعون وأعراضه.
وثانيها: في فضل الإصابة بالطاعون.
وثالثها: في أسباب الإصابة بالطاعون.
ورابعها وهو ما تدارسناه في الموعظة الماضية: في أدب نبوي ينبغي أن نحرص عليه عند وجود الطاعون في بلدة، فيما يتعلق بالخروج من تلك البلدة، وفيما يتعلق بالدخول إليها.
وآخر ما تكلمت عليه في هذا الأمر: بيان الحكمة من النهي عن الخروج من البلدة التي ينتشر فيها الطاعون، وبينت سبع حكم في ذلك، وبقي علينا أن نتدارس الحكم من منع الدخول إلى البلد الذي ينتشر فيه الطاعون.
ذكر الإمام ابن القيم عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا في كتابه زاد المعاد في هدي نبينا خير العباد عليه الصلاة والسلام، في الجزء الرابع صفحة أربع وأربعين، ذكر خمس حكم لذلك، أي: في المنع من الدخول إلى البلدة التي ينتشر فيها الطاعون.
أولها: لتجنب الأسباب المؤذية، وقد تقدم معنا أن الطاعون وخز الجن، ويظهر له بعد ذلك أعراض من انتفاخ في بدن الإنسان، وعفونة في الرائحة.. ونحو ذلك، فأنت سلم نفسك من مباشرة هذا، ومن رؤيته، بما أنه لم يقدر عليك وأنت بعيد عنه، فحصن نفسك منه، وتجنب الأسباب المؤذية.
الحكمة الثانية: الأخذ بالعافية، فالعافية هي مادة المعاش في هذه الحياة وبعد الممات، فاطلب العافية لنفسك، واسأل الله جل وعلا السلامة من كل ضر وأذى، إذا كان شيء فيه ضر وأذى ابتعد عنه.
الحكمة الثالثة: أن لا يستنشق الإنسان الهواء الذي فيه عفونة عند ظهور مرض من الأمراض في بلد من البلاد.
الحكمة الرابعة: ألا يجاور المرضى؛ لأنه قد يحصل له من جنس ما يحصل لهم بتقدير الله لا عن طريق العدوى، كما سيأتينا، وسأختم الكلام في أمر العدوى على هذا الأمر إن شاء الله.
وآخر الحِكم: أن يحصن الإنسان نفسه من الطيرة التي نهينا عنها، فقد يدخل البلد التي ينتشر فيها الطاعون فيصاب بتقدير الله بمرض الطاعون، فيقول: لو لم أدخل لما أصبت، وهذا كلام لغو باطل لا حقيقة له، وهو من الطيرة والتشاؤم، ودخل في باب (اللو) التي نهينا عنها، فليحصن الإنسان نفسه من البداية فلا يدخل، يستريح ويريح نفسه، وكفى الله المؤمنين القتال.
هذا إخوتي الكرام فيما يتعلق بهذا الأدب النبوي على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه.
أما الموضوع الذي سنتدارسه في هذا اليوم فهو في أمر العدوى، وقد وردت أحاديث كثيرة عن نبينا عليه الصلاة والسلام تنفي العدوى، وأنه لا عدوى، ولا يعدي شيء شيئاً، ووردت أحاديث أخرى ظاهرها يفيد إثبات العدوى، هذه القضية لا بد من أن نتدارسها في هذا اليوم لننتقل بعد ذلك إلى الأمر الرابع من المبحث الثالث، ألا وهو تحصن الإنس من الجن بإذن الله جل وعلا.
نقول: تقدم معنا مراراً أن الحجة في كتاب الله، وحديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، حسبما فهم سلفنا الكرام، هذه الأمور الثلاثة انحصرت في المذاهب الأربعة، لا يوجد قول حق وصحيح خرج عن المذاهب الأربعة حتى نقول: إن الحق لا يوجد في المذاهب الأربعة، لا توجد مسألة من المسائل في المذاهب الأربعة إلا وعليها دليل من الكتاب والسنة وقال بها أحد من سلف الأمة.
نقول: هات مسألة ليست في المذاهب الأربعة، وأنت تقررها بآية وحديث وقول إمام من سلفنا الكرام، فإن وجد هذا الأمر فعلى العين والرأس، وإذا تبين أنك على وهم، فالحق إذاً في هذه المذاهب، وهذه المذاهب ليست أربعة مذاهب لأربعة أئمة، بل هي أربعة مذاهب للأمة، فـأبو حنيفة رضي الله عنه وأرضاه ما أسس هذا المذهب بمفرده، فلا هو ولا غيره يستطيع أن يستنبط هذه الأحكام بمفرده، وهكذا الشافعي ، وهكذا الإمام أحمد ، وهكذا الإمام مالك ، هذه مدرسة كاملة متكاملة على مراحل عدة قرون، يحقق المذهب وينقح من قبل أهل الخبرة والتحقيق والديانة والصلاح والإمامة، فمذهب الإمام الشافعي ليس أقوالاً قررها الإمام الشافعي وانتهى ونكتفي بها، بل جاء بعد الشافعي أئمة كرام في درجة الإمام الشافعي ، يلتزمون بمذهبه وبنهجه ويقررونه، فإذا وجد شيء أحياناً يخالف فيقولون: هذا مرجوح، وإن احتمله الدليل، والراجح كذا، في مسائل كثيرة مقررة عند الأئمة.
وهذا الكلام خارج عن المذاهب الأربعة، لكن هل هو حق أو لا؟ هذا يحتاج إلى بحث، قال أئمتنا باختصار كما ناقشه الإمام ابن رجب الحنبلي فقال له: ما نهي عنه الصائم ينقسم إلى قسمين: ما نهي عنه لخصوص الصوم فيبطل صومه إذا فعله، ما نهي عنه مطلقاً سواء كان صائماً أو غير صائم، من نظر محرم.. من غيبة.. من كذب.. هذا لا يبطل الصوم، وليس معناه أنه مباح له، وإذا كان خارج الصوم منهياً عنه فهو في الصوم أشنع وأشد، وهو عند الله ككلب جائع، لكن ليس معنى ذلك أنه أفطر وما عليه قضاء.
وعند ابن حزم أنه لو زنى لو لاط أفطر وما عليه القضاء ولا الكفارة، قال: لأن هذه معصية، ولو باشر زوجته فعليه كفارة، فهذا فقه هذا الإمام، ومع ذلك من كانت عنده أهلية العلم كالإمام ابن حزم فنلتمس له عذراً، ونرد قوله، ونستغفر له، ونقول: يستحيل أن نأخذ قولك ونترك أقوال أئمتنا، لكن نحن نرد عليك لأنك تتهجم على أئمتنا فقط، أم أنه لك أن تجتهد فحتماً أنت مطالب إذا كنت إماماً أن تفهم على حسب ما يؤديك إليه الدليل، فأنت مثاب عند الله جل وعلا، أو تثاب أكثر من الأئمة، هذا لا يحكم فيه إلا رب العالمين، لكن يستحيل أن نأخذ بقولك ونترك أقوال أئمتنا.
إذاً: المذاهب الأربعة هي كتاب الله، وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، حسبما فهم سلفنا، فانحصرت هذه الأمور في مذاهب أئمتنا، ومن كان عنده إشكال في هذا فليأتنا بمسائل لننظر فيها ونتناقش، لا يأتينا بكلام نظري، بل نريد مسألة حتى نقول: هذه موجودة في المذاهب الأربعة أم لا؟ لا تأتينا بكلام: ما الحكم وما الدليل؟ هذا كلام لا ينتهي، وهذه هي المجادلة بالباطل، والمجادلة التي لا توصل إلى نتيجة.
وهذا كما هو حال الألباني في مقدمة كتاب صفة صلاة النبي عليه الصلاة والسلام، يقول: الأئمة كانوا ينهون أتباعهم عن تقليدهم، فـأبو حنيفة يقول: يا يعقوب -وهو أبو يوسف - لا تأخذ بقولي، فإنني أقول القول اليوم وأرجع عنه غداً، قلت: والله هذا المثال ينطبق على الألباني مائة بالمائة، فإنه يصحح الحديث اليوم ويرجع عنه غداً، ويضعف الحديث اليوم ويرجع عنه غداً، فإذا كان ذاك إمام وأخطأ في اجتهاده على تعبيرك، فأنت جئت وجعلت حديث خير العباد عليه الصلاة والسلام تبعاً لمادة بحث تبحثها وما تلقيت علماً عن أئمة، ولا التزمت بأقوال الأئمة، وجئت اليوم تقول: إن هذا ليس من كلام النبي عليه الصلاة والسلام، ويوم آخر تقول: هذا من كلام النبي عليه الصلاة والسلام، حيرتنا! هذا ما قاله أبو حنيفة عليه رحمة الله، قال: هذا اجتهاد قد أرجع عنه، وأما أنت فتقول: هذا حديث صحيح، هذا حديث حسن، وبعد فترة تقول: لا، هذا حديث منكر.
أنت الآن حالك أشنع من ذلك الذي تقول عنه: لا يجوز أن نتبع أئمتنا فيه، يعني إذاً نتبعك ولا نتبع أئمتنا! كم من حديث صححه ثم حكم عليه بالنكارة والضعف! وكم من حديث ضعفه ثم قال: استبان لي أنه صحيح! وهو لو عرف قدره وقدر أئمتنا لكانت المسألة سهلة، هذا حال البشر، لكن كأنه يريد أن يقول: إن كلامي حق وصدق ومن عداي يخطئون ويصيبون، فيا عبد الله! أنت تخطئ وتصيب وتخلط أكثر مما يخلطون، وإذا كان لهم أحياناً استنباط قد يكون مرجوحاً، فأنت تأتي بشيئين متناقضين وتثبتهما، فأنت الآن في منتهى البعد عن الصواب، فهذا لا بد من وعيه إخوتي الكرام.
نقل لي بعض الشيوخ هنا، أنه يوجد شريط تسجيل في مكتبة التسجيل في موضوع عروض التجارة هل فيها زكاة أم لا؟ وقال: إنه لا زكاة فيها، الذي يقول هذا أريد أن أعرف هل عنده عقل؟ إذا كنت تتاجر عندك عروض تجارة بالملابس بالأقمشة بالسكر بالرز بالتين بالتمر، وفلوسك كلها في هذه الأشياء، في العقارات، يقول: هذه ليس فيها زكاة، وعليه فيقول لأهل دول الخليج: تسع وتسعون بالمائة منهم ليس عليهم زكاة؛ لأنهم تجار، أموالهم في التجارة، من الذي عنده زروع الثمار في هذه الأيام، أو مواشي، أو أموال مدخرة؟ كلها في التجارات، قد يكون مع الواحد ما قيمته مئات الملايين من البضائع، هذه يقول: ليس عليها زكاة، هذا هو الفقه في هذه الأيام!
يقول: هذه المسألة قال بها الألباني ، وسبقه إليها ابن حزم ، وتبناها الألباني في هذا الوقت، والله لو علم بها الأغنياء لطاروا فرحاً، فهم في الأصل أكثرهم لا يزكي، والذي يزكي يتلاعب في الزكاة، والذي يزكي قلبه ينخلع ألماً وحزناً، أما لو علم بالفتوى هذه فسيقول: هذه فتوى رسمية ليس علينا زكاة في عروض التجارة.
بل وجد في هذا الوقت من يقول ما هو أشنع من ذلك، قال: هذه الفلوس من أولها إلى آخرها لا ربا فيها، لأنها ليست من النقدين، لا ذهب ولا فضة، فلا زكاة عليها، هذه ورقة مثل ورق الجرائد، هذه ليست ذهباً، إنما الزكاة في الذهب والفضة! وخذ من هذا الفقه الذي لا حصر له في هذه الأيام! هذا لما تركنا فهم أئمتنا وفقه أئمتنا صرنا نتعثر بظلنا.
فلابد أن تتقيد بقول مذهب ولا تخرج عن المذاهب الأربعة، فمثلاً: مسألة الهلال فيها ثلاثة أقوال، وكل قول مأخوذ من دليل ومقارنة، فإذا أخذت بما قاله أبو حنيفة ، أو الإمام مالك ، أو الشافعي وأحمد رضي الله عنهم أجمعين، فلهم أدلة معتبرة، وأنت مخير بينها، طالب العلم -كما تقدم معنا مراراً- ينظر، يقول: هذا الذي يبدو لي أنه أقوى من حيث الدليل، وأحوط، هذا موضوع آخر، لكن ضمن دائرة الهدى.
والأمة الإسلامية في هذه الأيام في عمى، ما واحد منا قرأ مختصراً من كتب الفقه فضلاً عن المطولات، والناس أعداء لما جهلوا، يريد أن يتعلم حديثين في العبادات ويصبح بعد ذلك مفتي الثقلين، ويكتب ويؤلف.
يا معشر المظلومين! متى صار الفقه الذي يعالج أمور الحياة من أولها لآخرها في رسالة أو رسالتين صغيرتين؟ هل البحث في قضيتين يشكل فقهاً؟ لكن عندما تبحث في فقه أئمتنا على أي مذهب تريد تبدأ من الطهارة والعبادات والمعاملات والأنكحة والحدود والجنايات.. وهكذا انتهت أمور الحياة من أولها إلى آخرها مرصوصة مرتبة بأحكام مأخوذة من أدلة شرعية، أما الآن فيأتي من ينشر إصدارين أو ثلاثة ويريد أن يجمع فقهاً للأمة الإسلامية! يا عبد الله هذه مضيعة، أتريد أن تضيع الأمة بذلك؟ دعهم يأخذوا صفة صلاة النبي عليه الصلاة والسلام من كتب السنة ومن كتب أئمتنا، لا تأتي وتشغلهم بهذا وتقول: هذا هو الفقه، ثم تقول بعد ذلك: أبو حنيفة نهى عن تقليده والشافعي نهى عن تقليده، يعني أمرونا بتقليدك؟! أنا أريد أن أعلم عندما نهانا الشافعي عن تقليده هل قال: قلدوا الألباني أو قلدوا غيره؟
إخوتي الكرام! لا بد من وعي هذه القضية في هذا الزمان، يأتي شباب طيب ضائع فيغرر به ويقال له: يجب اتباع الكتاب والسنة! نعم يجب اتباع الكتاب والسنة، ولعنة الله على من يخرج عنهما، وعلى من لم يحتكم إليهما، لكن -يا أخي- لا يعني ذلك أن الكتاب والسنة مع هؤلاء وليست مع أئمتنا، إن أولى الناس بالكتاب والسنة هم أئمة الإسلام، سلف الأمة هم الذين انحصرت مفاهيمهم في هذه القضية.
إخوتي الكرام! آخر مبحث الآن معنا في توريث الغرقى والهدم بعضهم من بعض، المذاهب الأربعة عندما انقسموا على قولين في هذه المسألة، هل رأيتم قولاً من هذين القولين خرج عن أقوال سلف الأمة بدءاً من الصحابة إلى التابعين إلى أن استقرت الأقوال عندهم؟ هذا يقول: عمدتي من حيث الأدلة العامة كذا، الأصل أن الغرقى والهدم على قول الإمام أحمد الثاني رضي الله عنه وأرضاه أنهم أحياء فنورث بعضهم من بعض، وهذا لأصل ما نتركه لشك، ثم عندنا أدلة أخرى منقولة وآثار، والجمهور يقولون: عندنا هنا الشك في سبب استحقاق الغرقى والهدم ومن يموتون في موت جماعى، شك في حياتهم ولا توريث مع الشك، هذه قضية مستنبطة من أدلة شرعية، وعندنا آثار عن الصحابة الأبرار رضي الله عنهم أجمعين، هذه هي المسألة، هات لنا قولاً ثالثاً في المسألة، ماذا ستقول؟ وهذا الأمر في كل مسألة، لذلك لا يأتي إنسان ويدلس علينا ويقول: هذا صفة وضوء النبي عليه الصلاة والسلام.
يا أخي! ما يتكون الفقه وقضايا المسلمين لا بوضوء ولا بطهارة ولا بصلاة، عندنا فقه متكامل لجميع شئون الحياة، وهذا يعجز أن يقوم به فرد، أمة متكاملة تنقح وتحقق وتهذب وتستبين وتقرر حتى آل الأمر إلينا، وقلت مراراً: من أعظم معجزات نبينا عليه الصلاة والسلام في هذه الأمة فقه الفقهاء، هذه التي هي من أكبر معجزات خاتم الأنبياء عليه الصلاة والسلام، نكفر بها في هذه الأيام تحت ستار الاجتهاد وتقليد فلان وفلان من العباد!
فإخوتي الكرام! لا داعي لمثل هذا، ينبغي أن نعي هذا، وألا نقول: ما الدليل على ذلك؟ الدليل بالاستقراء، والاستقراء أعظم الأدلة برهاناً، لا توجد مسألة إلا ولها في المذاهب الأربعة حكم، ومستنبطة من الكتاب والسنة، عندك شيء يخرج عن هذا فهاته لنبحث معك. فلابد أن نكون على بينة من أمرنا، لأن التلبيس بالباطل في هذه الأيام قد صار شعاراً.
يذكر الإمام ابن الجوزي في كتابه الأذكياء: أنه جاء بعض السفهاء من حمقى اليهود الأمة الغضبية الذين لعنهم رب البرية، جاء على زعمه يريد أن يفتن المسلمين بتلبيس من الكلام، يأتي للعامة ويقول: أتؤمنون بني الله موسى على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه؟ فيقولون: نعم، هذا نبي الله وكليمه، أتؤمنون بالتوراة وأنها حق؟ فيقولون: نؤمن، أنزلها الله على نبيه موسى على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه، فيقول: إذن أجمع المسلمون واليهود على الإيمان بموسى والإيمان بالتوراة، لكن نحن معشر اليهود نكفر بالقرآن وبمحمد عليه الصلاة والسلام، فدعونا على ما أجمعنا عليه واتركونا مما اختلفنا فيه.
هذا قد ينطلي على الناس السذج يخدع العامة بذلك، فكيف سنناظره؟! فقام شاب عمره خمس عشرة سنة ما نبت في وجهه لحية، فقال: أنا أناظرك فيما تقول، قال: أنت ستناظرني؟! هؤلاء رجال كبار ما أحد يرد علي من العامة، فاستخف قومه فأطاعوه، قال: أنت ستناظرني؟! قال: أنا أناظرك الآن، وإذا غلبتني فأنا أكفر بمحمد عليه الصلاة والسلام والقرآن، وإذا غلبتك فآمن بمحمد وبالقرآن، وأنه نبي الله حقاً وصدقاً كما آمنا نحن بموسى وبالتوراة، فقال اليهودي: أسألك أو تسألني؟ قال: اسأل أنت، ابدأ أنت، سل ماذا تريد؟ قال: أتؤمن بنبي الله موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام؟ قال: عن أي موسى تسأل؟ عن موسى بن عمران الذي بشر بمحمد عليه الصلاة والسلام، وأخبر عنه نبينا عليه الصلاة والسلام، فأنا أومن به، هذا رسول الله حقاً وصدقاً، وإذا كان سؤالك عن موسى الذي لم يبشر بالنبي عليه الصلاة والسلام، ولم يأمر باتباعه إذا ظهر، فهذا شيطان مريد أنا لا أؤمن به، فتمعر وجه اليهودي، لكن لعله يجد له مخرجاً، فذهب لقضية ثانية، وقال: أتؤمن بالتوراة؟ قال: عن أي توراة تسألني؟ عن التوراة التي أنزلها الله، وفيها البشارة بمحمد رسول الله عليه الصلاة والسلام، فأنا أؤمن بها، فهي كلام الله، وأما إذا كان سؤالك عن التوراة التي ليس فيها البشارة بخير المخلوقات عليه الصلاة والسلام، فأنا كافر بها، هي من وساوس الشياطين، إذاً: هل اجتمعنا أم اختلفنا؟
فقال له اليهودي: أريد أن أكلمك فيما بيننا، فدخل معه إلى الحجرة فبدأ يسبه بأمه وأم من علمه باللفظ الصريح لا يكني، فيك كذا وكذا، في أمك كذا وكذا، لكن الشاب عنده عقل، فضبط نفسه، وقال: دعك من هذه السفاهة، هل عندك شيء آخر؟ قال: نخرج إلى الناس، فقال لهم هذا الشاب الحذر: أترون أنني غلبته وكسرته؟ قالوا: نعم أنت على الحق، وهو الآن مجادل بالباطل، قال: أتدرون ماذا قال لي هذا الخبيث؟ أدخلني إلى الحجرة وسبني وسب أمي وأم من علمني باللفظ الصريح لا يكني، يريد مني أن أضربه من أجل أن يضيع الحق وسط الضجيج، فدونكم هذا الخبيث، فافعلوا به ما تريدون، فقاموا عليه بالنعال وهو يهرب منهم. هذا حقيقة هو الحق.
فلا بد إخوتي الكرام! من أن نضع الأمر في موضعه السوي السديد الرشيد، أما التلبيس التلبيس فما أكثره، ونسأل الله أن يحسن ختامنا بفضله ورحمته إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.
وكلامه الذي ذكره في ثمان صفحات نقف عنده إن شاء الله بعض الوقفات فيما يأتي، وأذكر لهذا نظائر من كلامه لنقف على بينة من الأمر، ولنرى الضجيج حول أئمتنا الذين يتهمونهم بأنهم يقولون القول ويرجعون عنه، من الذي يقول القول ويرجع عنه؟ من الذي كان يقول: إن الصلح مع اليهود لا يجوز؟ دعاة السلفية أم نحن؟ ولا أقصد -إخوتي الكرام- من السلفية السلف الصالح، أقصد من لهم حزب في هذه الأيام يسمون أنفسهم سلفية، حزب لكن اسمه سلفية، كانوا يقولون: لا يجوز، وأصدروا الفتيا تلو الفتيا، والاستنكار تلو الاستنكار لما حصل من بعض علماء مصر في إقرار الصلح، وآخر ما نطالعه في هذه الأيام أن الصلح مع إليهود جائز، وجائز جوازاً مطلقاً بغير قيد ولا شرط، وأي صلح يا إخوتي الكرام؟!
يا إخوتي الكرام! إن واضع صلح اليهود مع المسلمين، والمسلمين مع إليهود، لا يدخل تحت الموازين الشرعية، ولا باعتبار المناسبة، الصلح أن نضع الحرب بيننا وبينهم إذا كان هناك دولة إسلامية من أجل أن نتقوى لنوقفهم عند حدهم، هذا هو الصلح، أما أن تفتح سفارات، ودبلوماسيات ومعاونات ومساعدات، وبعد ذلك تطبيع علاقات على تعبيرهم، واليهودي يكرم كما يكرم النصراني، هذه لا بد من وعيها في بلدان المسلمين أكثر من المسلمين، واذهب الآن لأي بلد وانظر عندما يأتي أمريكي، أنت تقف في طرف الطابور، وذاك الأمريكي تضرب له التحية، وأبواب يدخلها من غير أن يوصد أمامه باب! هذا موجود إخوتي الكرام! هذا في بلاد المسلمين، أمريكي بريطاني، المقصود يحمل الجنسية النصرانية الملعونة، هذا مفتوح له كل باب، لكن يأتي مسلم يضرب هنا وهناك، واليهودي عما قريب ستجدونه هكذا في بلاد المسلمين، أنت صاحب اللحية ستوقف في المطار ويحقق معك، وقد يبصق على لحيتك، وذاك تضرب له التحيات، هذا صلح يقره دعاة سلفية! أنا أريد أن أعلم هل عندهم عقول عندما يبحثون في الواقع أم لا؟ في القضايا الشرعية؟
الإمام ابن تيمية عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا في مجموع الفتاوى في الجزء الثامن والعشرين في مجلد الجهاد، لعله في حدود صفحة خمسمائة وستين، يبحث من أراد أن يهادن أعداء الله، على تعبيرهم يجعل العلاقات بيننا وبينهم دون قيد وشرط، نتناسى بعد ذلك ما بيننا من جراحات، يقول: هذا بين ثلاثة أقسام: إما أنه كافر خبيث مثلهم يتظاهر بالإسلام، وإما أنه قال ما قال بواسطة ترغيب وترهيب، كما لو برطلوه أو رغبوه أو حذروه، فيه شيء وراء هذا، وإما أنه يجهل واقع المسلمين، يجهل ما يقول، أحد أمور ثلاثة، أما إنسان يأتي ويقول: العداوة انتهت وسفارات تفتح ونذهب نأخذ تأشيرات منهم، هذا ما يقول عن اليهود فقط عن الكل.
إخوتي الكرام! هذا كله ضلال والحياة تعيش في جاهلية، ونشكو أمرنا إلى رب البرية، أما أن تأتي تصدر فتوى شرعية في هذه أو في تلك، هذه ما فعلها أبو حنيفة ولا الشافعي ولا أبو حنيفة رضي الله عنه وأرضاه ضرب مائة سوط في عشرة أيام على أن يلي القضاء فما وليه، هذه ديانة أبي حنيفة ، وهذا ورعه، وهذه إمامته، وأما نحن فنسارع في هوى من يريد أن يجعل ديننا مطية لدنياه، وأشقى الناس من باع دينه بدنيا غيره.
ثم بعد ذلك ليتنا عرفنا حالنا وقلنا: إلى الله نشكو ضعفنا، بل نقول: المذاهب الأربعة هذه وثن طاغوت احذروها! يا عبد الله! قل هذا الكلام لو قلته في زمن هارون الرشيد أو في زمن السلطان عبد الحميد ، في دولة إسلامية يقال: لا بأس، يريد منا أن نرجع، لكن تقول هذا في أي وقت؟ في وقت خسرنا فيه الدنيا والآخرة، ضيعنا الدين والدنيا، وجئت أنت وما بقي عندك سلاح إلا وتتهجم به على أئمتنا فقط! المذاهب في الأصل مغيبة عن واقع الناس، فحتى الآن تريد أن تجهز عليها حتى من أذهان المسلمين، لأنه ما بقي لها عمل في الواقع.
إخوتي الكرام! هذا ما يتعلق بهذه المسألة، ولو وعينا ما نقول لما كررنا مثل هذا السؤال، ونسأل الله أن يلطف بأحوالنا إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.
وردت أحاديث عن نبينا عليه الصلاة والسلام تنفي العدوى، وأجزم بتواترها، وقلت لكم مراراً: الحديث دائماً إذا جمعت طرقه ومخارجه وتعدد رواياته يزداد الإنسان بصيرة به وبالوثوق من أنه صدر من نبينا عليه الصلاة والسلام، سأذكر لكم ما يزيد على عشر روايات كلها ثابتة عن خير البريات عليه الصلاة والسلام فيها نفي العدوى، ثم أشير إلى ما ظاهره يعارض هذه الأحاديث، وأنه يوجد عدوى، وأنه ينبغي أن نفر من المجذوم كما نفر من الأسد، وأن مجذوماً جاء للنبي عليه الصلاة والسلام يبايعه فقال: ارجع فقد بايعناك كما في صحيح مسلم وغيره، وما رضي أن يقابله، ولا أن يضع يده بيده عليه الصلاة والسلام، فهذه لا بد من الجمع بينها، وهي ترتبط بمبحثنا، وإن كانت من باب التكميل فلا تتعلق بمبحث الطاعون والجن، لكن ستأتينا ضمن مباحث سنن الترمذي ، لن أتكلم عليها إذا جاءتنا بكلمة، وأحيل إلى ما سبق بعون الله جل وعلا، استمعوا إلى بعض هذه الأحاديث إخوتي الكرام!
وفي لفظ للبخاري : (ويعجبني الفأل الصالح، وهي الكلمة الحسنة)، ولـمسلم مثله وقال: (ويعجبني الفأل الكلمة الحسنة الكلمة الطيبة)، قوله: (يعجبني الفأل) أي: الاستبشار، ويعني الفرح والرجاء بكلمة حسنة تسمعها، كما لو كان الإنسان مريضاً ومر بإنسان قال: ما اسمك؟ قال: جابر، فيقول: إن شاء الله علامة جبر وشفاء بإذن الله جل وعلا، فيستبشر به، أو يقول: ما اسمك؟ فيقول: معاذ، فيقول: يحصل لنا إن شاء الله تحصن بالله جل وعلا بوجود هذا الاسم المبارك، هذا هو الفأل، ويستحب لك أن تتصف بهذه النفس الطيبة، أن تستبشر بأمور الخير، ولذلك يستحب تحسين اسم الإنسان، لما يأتيك إنسان اسمه مثلاً حسن، فهو يدل على الحسن والكمال، وأن الأمور ميسرة بإذن ذي العزة والجلال، أو اسم سهل، واسمه سهيل، من السهولة، أما لو جاءك صعب فهو من الصعوبة، لكن لا نتشاءم من هذا اللفظ، لكن لا يوجد فيه فأل، فالتفاؤل يكون في الأسماء الحسنة، وغيرها لا نتشاءم منه.
إخوتي الكرام! كما قلت: الحديث في السنن الكبرى للبيهقي في الجزء الثامن صفحة تسع وثلاثين ومائة، وانظروه في منحة المعبود في ترتيب مسند الطيالسي وأبي داود في الجزء الأول صفحة سبع وأربعين وثلاثمائة، ورواه الإمام الطحاوي أيضاً في شرح معاني الآثار، وما ذكرته انظروه في الجزء الرابع صفحة ثمان وثلاثمائة، هذه الرواية الأولى، وهي صحيحة في أعلى درجات الصحة فهي في الصحيحين.
والمراد من الشؤم هنا: ليس التطير المنهي عنه، إنما المراد منه ما يحصل من شدة وعسر وضيق ونكد وكرب وهم وغم على الإنسان في هذه الأمور الثلاثة، فهذه أبرز وأكثر ما تسبب للإنسان ضيق الحياة، وضيق الصدر.
أولها: المرأة، المقصود المرأة السيئة نعوذ بالله منها، إذا كان جار السوء في دار مقامة نتعوذ بالله منه، فكيف بالتي لها مزيد صلة بك على جار السوء؟ حقيقة هذه أشنع امرأة.
الثانية: المسكن، وشؤم المسكن ليس كما قلت نتطير ونتشاءم به، لكن شؤمه هو الضيق الذي فيه والكرب الذي يحصل لك منه، ضيق الحجرة، عسر المنافذ، خبث الجيران، إذا ابتليت بسكن من هذا أعانك الرحمن.
الثالث: الفرس، والسيارة كالفرس، إذا ذهب إلى عمله تقف معه في الذهاب، وإذا عاد تقف معه في الإياب؛ لأنها قديمة تعبانة تحتاج إلى تصليح باستمرار، وما يأخذه لا يكفي تصليحاً للسيارة، فهذه السيارة من الشؤم على صاحبها، كان بعض إخواننا يقول: ما رأيت سيارة فلان إلا واقفة في الطريق، وفي غير الطريق لا أراها أبداً. هذه حقيقة توجب للإنسان نكداً، فهذا هو الشؤم الذي فيها، ليس معنى ذلك أنك تتطير بها، إنما هذا -كما قلت- شؤم وشدة وعسر وكرب في هذا الأمر، وحقيقة إذا كان المركب بهذه الحالة فإن الحياة تصير من الشدة متعسرة.
وقله: (ولا هامة) الهامة أيضاً تقدمت معنا وهي على تعبير الجاهلية: أن المقتول إذا مات يطير من عظامه طائر اسمه: هامة، يقول: اسقوني اسقوني، فلا يزال يصيح حتى يأخذ أهله بثأره، فيقول النبي عليه الصلاة والسلام: (لا هامة)، يعني: لا حيوان طائر اسمه هامة ينادي، هذا كله تخيل ووهم لا ثبوت له، فقال أعرابي: ( يا رسول الله عليه الصلاة والسلام! فما بال إبلي تكون في الرمل كأنها الظباء )، كأنها الغزلان، أنت تقول: لا عدوى، ونحن نرى الإبل تكون كأنها الظباء، ( فيأتي البعير الأجرب فيدخل فيها فيجربها كلها؟ فقال عليه الصلاة والسلام: فمن أعدى الأول ) قال البخاري : ورواه الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وسنان بن أبي سنان ، وفي رواية: سنان وحده بنحو هذا، وفي رواية لـأبي سلمة أنه سمع أبا هريرة بعد يقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يوردن ممرض على مصح).
والممرض الذي عنده إبل مريضة، والمصح الذي إبله صحيحة، فمن عنده إبل مريضة لا يوردها على من عنده إبل صحيحة سليمة، وهذه الجملة: (لا يوردن ممرض على مصح) كما قلت في رواية البخاري ، ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه في الجزء التاسع صفحة أربع وأربعين، وهي في السنن الكبرى للبيهقي ، وفي شرح معاني الآثار للإمام الطحاوي ، وأنكر أبو هريرة رضي الله عنه حديثه الأول: (لا عدوى)، فبعد ما روى: (لا يوردن ممرض على مصح)، أنكر أنه روى حديث: (لا عدوى)، فقيل له: ألم تحدث أنه لا عدوى، ونقلته عن النبي عليه الصلاة والسلام، ثم تأتي بحديث ظاهره يثبت العدوى، وهو: ( لا يوردن ممرض على مصح )، وظاهره من أجل العدوى، فرطن بالحبشية، يعني: تكلم بكلام لا يفهم وهو مغضب عندما عارضوه وقالوا له ذلك.
قال أبو سلمة : فما رأيته نسي حديثاً غيره، وهو: (لا عدوى)، يقول: ما أعلم أن أبا هريرة نسي إلا هذا الحديث، وفي رواية أخرى عن أبي سلمة : قال الزهري : قال أبو سلمة : كان أبو هريرة يحدث بهما كليهما عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، ثم صمت أبو هريرة رضي الله عنه بعد ذلك عن قوله: لا عدوى، وأقام على أن لا يورد ممرض على مصح، على هذه الرواية، قال: فقال الحارث بن أبي ذباب ، وهو ابن عم أبي هريرة رضي الله عنهم أجمعين: قد كنت أسمعك يا أبا هريرة تحدثنا مع هذا الحديث حديثاً آخر قد سكت عنه، كنت تقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا عدوى)، فأبى أبو هريرة أن يعرف ذلك، وقال: لا يورد ممرض على مصح، فماراه الحارث في ذلك حتى غضب، أي: جادله، حتى غضب أبو هريرة ، فرطن بالحبشية، فقال للحارث : أتدري ماذا قلت؟ قال: لا. قال أبو هريرة : إني قلت: أوتيت، يعني: أنت أوتيت من قبل جهلك وعدم وعيك وعدم استيعابك للكلام، يزجره بهذا، قال أبو سلمة : ولعمري لقد كان أبو هريرة يحدثنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا عدوى)، فلا أدري أنسي أو نسخ أحد القولين الآخر؟
وفي رواية أخرى قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا طيرة وخيرها الفأل، قيل: يا رسول الله عليه الصلاة والسلام! وما الفأل؟ قال: الكلمة الصالحة يسمعها أحدكمْ)، أخرجه البخاري ومسلم ، وفي لفظ للبخاري : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر)، وله في أخرى زيادة: (وفر من المجذوم كما تفر من الأسد)، وهذه الرواية في مصنف ابن أبي شيبة في الجزء الثامن صفحة عشرين وثلاثمائة، وفي الجزء التاسع صفحة أربع وأربعين، وفي رواية ـمسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا عدوى ولا هامة ولا صفر) إلى آخر الحديث، وفيها في رواية مسلم زيادة: (ولا نوء)، وهي الأنواء التي كان المشركون ينسبون نزول الأمطار إليها، (ومن قال: مطرنا بنوء كذا وكذا فهو مؤمن بالكوكب كافر بالرب سبحانه وتعالى) كما في الحديث.
إخوتي الكرام! هذا حديث أبي هريرة كما تقدم معنا في الصحيحين وغيرهما.
هذه ست روايات كلها صحيحة، خمس روايات ما عدا رواية جابر كلها إما في الصحيحين أو في بعضهما، أما رواية سعد فهي في سنن أبي داود فقط، فليست في الصحيحين أو في أحدهما، والروايات الأخرى الباقية إما في صحيح مسلم أو في الصحيحين، فالروايات الست كلها صحيحة، وفيها هذا القاسم المشترك: (لا عدوى) نفي العدوى.
ولفظ الحديث: من رواية أبي طلحة الخولاني قال: بينما عمير بن سعد في نفر من أهل فلسطين، وكان يقال له: نسيج وحده، هذا يقوله أبو طلحة الخولاني ، يعني كان يسير على طريقة لا يشاركه فيها غيره في صلاحه واستقامته وزهده وتألهه، والذي نعته بذلك فاروق هذه الأمة وثاني الخلفاء الراشدين سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه، قال الحافظ ابن حجر في الإصابة في الجزء الثالث صفحة اثنتين وثلاثين: أخرج ابن عائذ عن ابن سيرين أن عمر رضي الله عنه سماه نسيجاً وحده؛ لإعجابه به، هذا عمير بن سعد ، يقول: قعد على دكان له عظيم في داره، والدكان هو المكان المرتفع الذي يجلس الناس عليه، ولا زال موجوداً الآن عند الناس من أجل الهواء، وارتفاعه عن الأرض، وعندنا يسمونه: دكة، وبعضهم يقول: المصطبة، وعلى كل حال: هو مكان مرتفع ينام الناس عليه في الصيف، وهنا يجعلونه مجالس لهو.
يقول: قعد على دكان له عظيم في داره، فقال لغلامه: يا غلام! أورد الخيل، أوردها لتدخل لتستقي وتشرب، قال: وفي الدار تور من حجارة، والتور: هو الوعاء الكبير، قال: فأوردها، قال: أين فلانة؟ وهي إحدى خيله، يسأل عنها، يعني: لم لم تورد الفرس الفلانية؟ قال: هي جربة، تقطر دماً أو تقطر ماء من شدة جربها، شك أبو إسحاق ، قال: أوردها، فقال أحد القوم: إذن تجرب الخيل كلها لو دخلت هذه الفرس، الخيل كلها تصبح جرباء، قال: أوردها؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا عدوى ولا طيرة ولا هامة. فقيل له: ألم تر إلى البعير يكون في الصحراء ثم يصبح في كريه )، وضبطها في حلية الأولياء: يصبح في كركرته، والكركرة: هي الصدر للدابة، ( يصبح في كركرته، أو في مراقه )، وهو ما سفل من بطنه، ( نكتة من جرب ) وهنا كتب (نكتة) (ننلة)، في طبعة المجمع، والتصحيح من حلية الأولياء، ( ألم تر إلى البعير يكون في الصحراء ثم يصبح في كركرته -في صدره- أو في مراقه -ما سفل من بطنه- نكتة من جرب لم يكن قبل ذلك؟ قال: فمن أعدى الأول)؟ رواه أبو يعلى كما قلت والطبراني باختصار وفيه عيسى بن سنان الحنفي ، وثقه ابن حبان وغيره، وضعفه أحمد وغيره، وبقية رجاله ثقات.
ومعنى الحديث ثابت قطعاً وجزماً، فلفظ: (لا عدوى ولا طيرة ولا هامة)، ثابت في الصحيحين، ولفظ: (فمن أعدى الأول)، ثابت في الصحيحين كما تقدم معنا، فهنا عيسى بن سنان الحنفي يقول: وثقه ابن حبان وغيره وضعفه أحمد وغيره، وبقية رجاله ثقات عليهم جميعاً رحمة رب الأرض والسماوات.
عمير بن سعد رضي الله عنه وأرضاه ولاه سيدنا عمر رضي الله عنه على بلاد حمص أميراً في خلافته، فلما تأخر خبره عن أمير المؤمنين خشى عمر رضي الله عنه -وكان يتفقد عماله بكثرة أكثر مما يحاسب الشريك الشحيح شريكه، من أجل رعاية مصالح المؤمنين، فهي أمانة- فخشي أن يكون جرى منه ما يجري من ابن آدم إذا سُود وترأس، فأرسل إليه أن يأتي، فجاء من بلاد حمص إلى المدينة المنورة على منورها صلوات الله وسلامه يمشي على رجليه، ما عنده دابة يركبها، فقال له: بأي شيء جئت؟ قال: جئت بخير عظيم، وظن عمر أنه يقود معه المغانم والخيرات، يعني مما زاد عن تلك البلاد يؤتى به إلى مركز الخلافة الإسلامية في المدينة المنورة على منورها صلوات الله وسلامه، قال: وما الخير الذي أتيت به؟ قال: عكاز أتكئ عليها، ونحلات أحمل فيها طعامي، وكوز أشرب فيه، قال: ليس لك إلا ذاك؟ قال: هذا يكفيني، ماذا تريد أكثر من هذا؟ أنت أمير المؤمنين رضي الله عنهم أجمعين، قال: وعلى أي شيء جئت؟ قال: جئت على رجلي أمشي، فتغيظ عمر رضي الله عنه على أهل الحمص وغضب وقال: أما كان فيهم واحد يعطيك دابة تركبها؟! أنت أميرهم وتمشي من هناك إلى هنا، وما أحد يعطيك دابة تركبها، قال: ما أحد عرض علي ذلك، وما أردت أن أطلب من أحد، وأنت استدعيتني فجئت، فلما تحقق من حاله وعلم صدقه قال: عد إليهم، فقال: أعفني الآن، لا ألي عملاً بعد اليوم، فأقاله عمر رضي الله عنه وأرضاه، وأراد أن يتابع البحث عن حاله، فأرسل بعض الناس إليه بمائة دينار وقال: إن وجدته في سعة فلا تعطه إياها، عد والدنانير معك، وإن وجدته في ضائقة فأعطه إياها، وكان مسكنه خارج المدينة المنورة، ومن الصحابة البررة على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه، فذهب فبقي عنده ثلاثة أيام، فقال له عمير بن سعد : يا هذا! قد آذيتني، ما لي إلا طعامي وطعام أهلي، وأنت تشاركني فيه، اليوم الأول والثاني والثالث ما عندنا بعده الطعام الذي يكفينا ويكفيك، فقال له بعد أيام ثلاثة وهو يبحث عن حاله، وما يأكل: جئت من عند أمير المؤمنين، قال: كيف حاله حفظه الله للمسلمين؟ وكيف أحوال المسلمين؟ وبدأ يسأله عن الصحابة الكرام، وأحوال الأمة الإسلامية في المدينة المنورة على منورها صلوات الله وسلامه، فأعطاه مائة دينار، فقال: ما لي ولها؟ قال: أنفقها في مصالحك وحوائجك وعلى ما شئت، قال: إن كان كذلك فلا بأس، فأحضر ثوب زوجته وشقه وصر هذه الدنانير صرراً ووزعها على من حوله، وما ترك لنفسه ديناراً، ثم استدعاه عمر بعد ثلاث، لا زال هناك مراقبة أخرى، هذا هو الذي سماه نسيجاً وحده رضي الله عنهم وأرضاهم، فلما استدعاه قال: أين الدنانير التي أرسلتها إليك وأعطيتك إياها؟ قال: يا أمير المؤمنين! أعطاني إياها وخولني أن أتصرف فيها، هل تريد أن تستردها مرة ثانية؟ قال: ماذا فعلت فيها؟ فأخبره أنه وزعها وما بقي منها دينار واحد، فأمر له بأوسق من طعام يأخذها وبملابس لزوجته، فقال: أما الطعام فعندي ما يكفيني من طعام أنا وأهلي، وأما هذا اللباس فزوجتي ليس عندها لباس آخذه منك يا أمير المؤمنين، فأخذه وذهب رضي الله عنهم وأرضاهم.
انظروا ترجمته في الحلية في الجزء الأول صفحة خمسين ومائتين، وبعد أن أورد أبو نعيم هذا الحديث في ترجمته قال: لا نعلم أنه أسند غير هذا الحديث، ما عنده إلا هذا الحديث يرويه عن النبي عليه الصلاة والسلام، والإمام الذهبي في السير في الجزء الثاني صفحة ثلاثمائة يقول: له حديث واحد، وهو هذا.
وقد روى ابن مندة بسند حسن -كما في الإصابة- عن عبد الرحمن بن عمير -وهو ولد عمير بن سعد - قال: قال لي ابن عمر رضي الله عنهم أجمعين: ما كان بالشام أفضل من أبيك. أفضل الصحابة الذين ذهبوا إلى بلاد الشام هو عمير بن سعد رضي الله عنهم أجمعين، وفي حلية الأولياء بعد أن جرى من عمر بن الخطاب مع عمير بن سعد ما جرى، جمع عمر الصحابة وقال: تمنوا. هذا في الحلية، وتقدمت معنا أمنية أخرى لسيدنا عمر في ترجمة حذيفة ، وهنا أمنية، قال: تمنوا، فبعضهم يتمنى أن يكون عنده قوة وجلد وأسقي الحجيج، يعني ينزح من ماء زمزم ويسقي الحجيج، وبعضهم يتمنى أن يقاتل في سبيل الله، وبعضهم يتمنى أن يكون عندي مال لأتصدق به في سبيل الله، وكل واحد يتمنى، فقال رضي الله عنه وأرضاه: وددت لو أن عندي رجالاً مثل عمير بن سعد أستعين بهم في أعمال المسلمين.
وله أمنية أخرى، والخبر في أسد الغابة في الجزء الأول صفحة تسع وستين وأربعمائة، قال: تمنوا، فلما تمنوا قال: لكني أتمنى رجالاً مثل حذيفة ومعاذ وأبي عبيدة .
والحديث -حديث عمير بن سعد المتقدم- كما قلت: في الجزء الخامس من مجمع الزوائد صفحة اثنتين ومائة في نفس الباب، يقول هنا أيضاً: وعن أبي طلحة الخولاني ، قال: دخلنا على عمير بن سعد في نفر من أهل فلسطين، فذكرت عنده العدوى، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا عدوى ولا طيرة ولا هامة)، رواه الطبراني وأبو يعلى ، وفيه قصة طويلة، وفيه عيسى بن سنان الحنفي ، وثقه ابن حبان وغيره وضعفه أحمد وغيره، وبقية رجاله ثقات، وهو نفس الأول، فلمَ أعاده؟ وما أورد بين هذا وذاك غير حديثين، يعني ما الحكمة من ذلك؟ لا أعلم، هل هو تكرار منه أو من الطابع أو فيه شيء آخر خفي عليه؟ العلم عند الله، فالحديث أعيد مرتين في باب واحد بنفس اللفظ والتخريج.
والحديث رواه أحمد عليه رحمة الله، وفيه رشدين بن سعد ، وهو ضعيف وقد وثق، وقد تقدم معنا مراراً، وقلت: هو إمام مصر، رجل صالح أخذته غفلة الصالحين، من رجال الترمذي وابن ماجه القزويني ، توفي سنة ثمان وثمانين ومائة للهجرة، وهو رجل صالح، إنما غاية ما فيه غفلة الصالحين، ولذلك فهو هنا ضعيف، والإمام الهيثمي في المجمع في نفس الجزء الخامس صفحة أربع وسبعين ومائتين يقول: وثقه الإمام أحمد ، ويقول هنا: وثقه الإمام أحمد ، وضعفه جماعة.
وهذا في حديث آخر، وهذا ضمن حديث كنت ذكرته في الموعظة الماضية لكن في خطبة الجمعة، لما جاءت المرأة التي ذهب زوجها في الغزو، وقالت: تريد أن تعمل عملاً من أجل أن تدركه، وأن تلحقه في المنزلة؛ لأنها كانت تقتدي به، فتصلي بصلاته، وتعمل بمثل عمله، فبأي عمل تنال منزلة الجهاد؟ فقال عليه الصلاة والسلام لها: (تستطيعين أن تقومي فلا تقعدي، وأن تصومي فلا تفطري، وأن تذكري فلا تفتري؟ قالت: أنا أعجز من ذلك، قال: والذي نفس محمد عليه الصلاة والسلام بيده! لو طوقتيه لما بلغت العشر من عمله)، والحديث تقدم معنا رواه أحمد والطبراني ، وفيه رشدين بن سعد ، وثقه أحمد وضعفه جماعة، والحكم عليه كما قلت: ضعيف من أجل حفظه لغفلة الصالحين التي فيه رضي الله عنه وأرضاه، ومعنى الحديث ثابت، وله الشواهد المتقدمة.
وقوله: (لا يتم شهران ثلاثين يوماً) هذا من باب الغالب، ففي الغالب لا يأتي في الأشهر القمرية شهران متتابعان كل منهما ثلاثون يوماً، هذا باعتبار الغالب، وقد يحصل ذلك.
هذه إخوتي الكرام! اثنتا عشرة رواية، منها ما هو صحيح بنفسه، ومنها ما هو منجبر بغيره، وكلها تثبت هذا المعنى: أنه لا عدوى، ولا يعدي سقيم صحيحاً.
ولفظ الحديث: عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: ( أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم مع مجذوم، فأخذ بيده ووضعها في القصعة وقال: كل ثقة بالله وتوكلاً عليه )، والحديث من حيث الصناعة الحديثية: الإسناد ضعيف، والحاكم عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا عندما صححه وأقره عليه الذهبي ، في ذلك شيء من التساهل كما سيأتينا، ففي الإسناد رجل ضعف، لكن الحديث يشهد لمعناه ما تقدم معنا من أنه لا عدوى (كل ثقة بالله وتوكلاً عليه) فإذا كان لا عدوى فكل ثقة بالله وتوكلاً عيه، والإمام ابن الجوزي في كتابه العلل المتناهية في الأحاديث الواهية في الجزء الثاني صفحة ست وثمانين وثلاثمائة، أورد الحديث تحت عنوان: حديث في الأكل مع المجذوم، ثم قال: قال الدارقطني : تفرد به المفضل ، وهو المفضل بن فضالة عن حبيب بن الشهيد عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله ، قال يحيى -يعني ابن معين -: ليس المفضل بذاك. وقال العقيلي : لا يتابع عليه إلا من طريق فيها لين، ثم ساق الطريق الثاني من غير طريق المفضل ، عن محمد بن المنكدر عن جابر : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بطعام ومجذوم قاعد في ناحية القوم فدعاه فأقعده إلى جنبه فقال: كل بسم الله وإيماناً بالله وتوكلاً عليه )، قال أحمد : إسماعيل المكي منكر الحديث، قال يحيى : لم يزل مخلطاً، وليس بشيء، وقال علي بن المديني : لا يكتب حديثه، وقال النسائي : متروك الحديث.
إذاً: عندنا في الإسناد الأول مفضل بن فضالة وتابعه إسماعيل المكي مع أنه أضعف منه، المفضل بن فضالة ، يقول عنه الحافظ : ضعيف، لكن لا يصل الحديث إلى درجة الترك ولا النكارة، والشاهد الذي من طريق آخر متابع ضعيف، لكن معنى الحديث بوجه عام يشهد له ما تقدم: من أنه لا عدوى ولا طيرة.
قال الحافظ : مفضل بن فضالة بن أبي عمير ، أبو مالك البصري ، أخو مبارك ، ضعيف من السابعة.
أخرج حديثه كما قلت أهل السنن الأربعة إلا النسائي ، وحديثه في آخر كتاب الطب من سنن أبي داود ، آخر حديث في كتاب الطب هو هذا الحديث حديث جابر ، وأبو داود سكت عنه، وعلى اصطلاحه فهو صالح، والحاكم صححه وأقره عليه الذهبي ، فمن ناحية الصناعة الحديثية فيما يظهر أن الإسناد ضعيف، يضاف إليه المتابعة لا تقويه، بقي أن المعنى العام ثابت، وتشهد له الأحاديث المتقدمة عن نبينا عليه الصلاة والسلام: (لا عدوى)، وهنا: (كل ثقة بالله وتوكلاً عليه)، فإن قيل: سيأتينا: (فر من المجذوم فرارك من الأسد)، فنقول: هذا لا يتعارض مع الأكل مع المجذوم ولا مع (لا عدوى)، كل واحد يمشي في طريق كما سيأتينا عندما نجمع بينهما بعون ربنا.
هذا الجانب الأول من هذه الأحاديث التي تنفي العدوى وأنه لا يعدي شيء شيئاً.
وعندكم هنا الإمام ابن الأثير ينبغي أن يعزوه إلى مسلم والنسائي ، وقد قصر غاية التقصير فعزاه إلى النسائي فقط ولم يعزه إلى صحيح مسلم ، رمز له (س) عن الشريد بن سويد رضي الله عنه قال: ( كان في وفد ثقيف رجل مجذوم، فأرسل إليه النبي عليه الصلاة والسلام: ارجع فقد بايعناك )، أخرجه النسائي فقط، وهو في صحيح مسلم ، يعني لو قال: أخرجه مسلم في صحيحه دون النسائي لكانت الخطيئة أيسر من أن يحذف صحيح مسلم ، ويقتصر على سنن النسائي ، واصطلاحه يلزمه أن يذكر المصدرين: (س م)، أخرجه مسلم والنسائي .
والحديث في صحيح مسلم إخوتي الكرام! فانتبهوا لذلك، مع من خرجه من أصحاب الكتب الأخرى، وقد روي الحديث أيضاً مرسلاً في مسند أبي داود الطيالسي كما في منحة المعبود في الجزء الأول صفحة ست وأربعين وثلاثمائة، ورواه ابن شاهين أيضاً في الناسخ والمنسوخ في المكان المشار إليه من حديث يعلى بن عطاء عن أبيه: ( أن النبي عليه الصلاة والسلام عندما جاء وفد ثقيف وفيهم رجل مجذوم، وأراد أن يبايع نبينا المعصوم عليه الصلاة والسلام قال له النبي عليه الصلاة والسلام: قولوا له: فليرجع فإني قد بايعته )، ويعلى بن عطاء العامري الطائفي ، توفي سنة عشرين ومائة أو بعدها، ثقة، حديثه في صحيح مسلم والسنن الأربعة، وأما أبوه فهو مقبول وحديثه في البخاري وفي السنن الثلاثة، يعني الأربعة ألا سنن ابن ماجه في النسائي والترمذي وأبي داود .
وعليه فهو مرسل لأنه ليس بصحابي، وهو عطاء العامري الطائفي .
هذه أحاديث -إخوتي الكرام- تنفي العدوى، وأحاديث ظاهرها تثبت ذلك، فما الجمع بين هذه الأحاديث؟ أذكر هذا بعد صلاة المغرب إن شاء الله.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيراً، والحمد لله رب العالمين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر