الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
الوقوف بمزدلفة الذي يعبر عنه أهل العلم بالمبيت بمزدلفة يبتدئ من انتهاء الوقوف بعرفة، ولا يصح قبله، فلو أن حاجاً وصل إلى مزدلفة في أثناء الليل قبل أن يقف بعرفة فوقف بمزدلفة، ثم ذهب إلى عرفة ووقف بها، ثم نزل من عرفة إلى منى فإن وقوفه بمزدلفة غير معتبر؛ لقول الله تعالى: فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ [البقرة:198]، فجعل وقت ذكر الله عند المشعر الحرام بعد الإفاضة من عرفة، فيبتدئ المكث في مزدلفة من انتهاء الوقوف بعرفة، ويستمر إلى أن يصلي الإنسان الفجر ويقف قليلاً إلى أن يسفر جداً ثم ينصرف إلى منى.
ولكنه يجوز لمن كان ضعيفاً لا يستطيع مزاحمة الناس في الرمي أن يدفع من مزدلفة في آخر الليل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أذن للضعفة من أهله أن يدفعوا في آخر الليل، وكانت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها ترقب غروب القمر، فإذا غرب دفعت، وهذا أحسن من التحديد بنصف الليل؛ لأنه هو الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو يوافق القواعد؛ وذلك أنه لا يجعل حكم الكل للنصف، وإنما يجعل حكم الكل للأكثر والأغلب، وبهذا نعرف أن قول من قال من أهل العلم: إنه يكفي أن يبقى في مزدلفة من بعد صلاة المغرب والعشاء ولو إلى قبل منتصف الليل قول مرجوح، وأن الصواب الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم فيما فعله وفيما أذن فيه.
المقدم: لكن متى ينتهي الوقوف بمزدلفة، بحيث أن الحاج لو أتى لا يعتبر واقفاً فيه؟
الشيخ: ظاهر حديث عروة بن مضرس رضي الله عنه الذي قال فيه الرسول عليه الصلاة والسلام: ( من شهد صلاتنا هذه ووقف معنا حتى ندفع )، أن الإنسان لو جاء مزدلفة بعد طلوع الفجر وأدرك صلاة الفجر بغلس، في الوقت الذي صلاها فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه يجزئه، والمعروف عند الفقهاء رحمهم الله أنه لابد أن يدرك جزءاً من الليل بحيث يأتي إلى مزدلفة قبل طلوع الفجر.
الشيخ: هذا المبيت في منى ذكرنا فيما سبق أنه من واجبات الحج، وأن المعروف عند أهل العلم أن من ترك واجباً من واجبات الحج فعليه فدية؛ ذبح شاة تذبح في مكة وتوزع على فقرائها.
الشيخ: المشهور للحاج أن يبقى في منى طول الوقت، هكذا سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، والإنسان الذي يتغرب عن وطنه ولم يخرج لتجشم المشاق إلا لأداء هذه العبادة العظيمة على وصف ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يأت من بلده إلى هذا المكان ليترفه ويترك ما هو الأيسر مع مخالفته لهدي النبي صلى الله عليه وسلم، فالمشروع في حق الحاج أن يبقى فيه ليلاً ونهاراً، ولكن مقتضى كلام الفقهاء أن الواجب أن يبقى في منى معظم الليل، في الليلة الحادية عشرة والثانية عشرة، وأما بقية الليل والنهار جميعه فليس بواجب عندهم أن يمكث في منى، ولكن ينبغي للإنسان أن يتقيد بما جاءت به السنة، وأن يبقى في منى ليلاً ونهاراً، والمسألة ما هي إلا يومان فقط بالإضافة إلى يوم العيد، بل يوم ونصف وزيادة يسيرة مع يوم العيد.
الشيخ: الذي ينبغي له أن ينتهزه فرصة التعرف على أحوال المسلمين والالتقاء بهم، وإسداء النصح إليهم وإرشادهم وبيان الحق المبني على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، حتى ينصرف المسلمون من حجهم وهم قد أدوا هذه العبادة ونهلوا من العلم الشرعي المبني على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإذا كان لا يحسن لغة من يخاطب فإنه يجعل بينه وبينهم ترجماناً يكون أميناً عارفاً باللغتين المترجم منها وإليها، عارفاً بموضوع الكلام الذي يتكلم فيه، حتى يترجم عن بصيرة وفي ثقة وأمانة، وينبغي كذلك في هذه الأيام أن يكون حريصاً على التحلي بمحاسن الأخلاق والأعمال من إعانة المستعين وإغاثة الملهوف ودلالة الضائع.. وغير ذلك مما هو إحسان إلى الخلق، فإن الله سبحانه وتعالى يقول: وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [البقرة:195]، ويقول جل وعلا: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى [النحل:90]، ولاسيما في هذه الأماكن المفضلة، فإن أهل العلم يقولون: إن الحسنات تضاعف في الزمان والمكان الفاضل.
الشيخ: هذا العمل محرم في حال الحج وغير الحج، فإن الأغاني المصحوبة بآلات العزف من الموسيقى والعود والرباب.. إلخ محرمة في كل زمان وفي كل مكان؛ لما ثبت في صحيح البخاري من حديث أبي مالك الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ليكونن أقواماً من أمتي يستحلون الحرَ والحرير والخمر والمعازف )، قال العلماء: والمعازف آلات اللهو، ولا يستثنى منها إلا الدفوف في المناسبات التي أذن الشارع في استعمالها فيه، وكذلك التفكه بأعراض الناس والسخرية بهم ونحو ذلك مما يحدث في موسم الحج وغيره هو حرام، سواء كان في موسم الحج أو في غير موسم الحج، وسواء كان في مكة أم في غير مكة؛ لقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ [الحجرات:11-12].
الشيخ: الحكمة من رمي هذه الجمار بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: ( إنما جعل الطواف بالبيت وبالصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله )، وفي رمي الجمار أيضاً تحقيق لعبادة الله عز وجل؛ فإن الإنسان يرمي هذه الجمار وهو لا يعرف حكمة بينة في رميها، وإنما يفعل ذلك تعبداً لله وذكراً له، وكذلك يرمي هذه الجمرات اتباعاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه رماها وقال: ( لتأخذوا عني مناسككم ).
الشيخ: الذي ينبغي للحاج إذا ذهب إلى رمي جمرة العقبة يوم العيد أن يكون ملبياً، فإذا شرع في الرمي قطع التلبية.
أما في رمي الجمرات الثلاث فينبغي أن يذهب بسكينة وخضوع وخشوع لله عز وجل، وإن كبر في مسيره فحسن؛ لأن أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل، ومن ذكر الله تعالى التكبير، فإذا ذهب مكبراً فهو حسن؛ لأن التكبير هنا مطلق، ولكن لا يعتقد أنه مشروع من أجل الذهاب إلى الرمي، إنما يعتقد أنه مشروع مطلقاً، أما ذهابه بخشوع وتعظيم لله فهذا أمر مطلوب، ولهذا يكبر الإنسان الله عز وجل عند رمي كل حصاة.
الشيخ: ذكرنا أنه إذا رمى الجمرة الأولى استقبل القبلة ورفع يديه وقام يدعو دعاء طويلاً، وكذلك بعد رمي الجمرة الوسطى، وأما بعد رمي جمرة العقبة فلا يدعو.
المقدم: وهل هناك دعاء مخصوص؟
الشيخ: ليس هناك دعاء مخصوص فيما أعلم.
الشيخ: الطهارة لا تلزم في أي منسك من مناسك الحج إلا الطواف بالبيت، فإنه لا يجوز للحائض أن تطوف بالبيت؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام لـعائشة : ( افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت ).
الشيخ: لا تغسل، بل إذا غسلها الإنسان على سبيل التعبد لله كان هذا بدعة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر