المقدم: في لقائنا الماضي عرفنا الطهارة، وعرفنا أقسامها أيضاً، وعرفنا الأصل في التطهير والفرع أيضاً، ثم سألنا عن صفة الوضوء على سبيل الإجمال، نود في لقائنا هذا أن نبدأ بصفة الوضوء وتوضيح هذا لنا وللسادة المستمعين؟
الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
صفة الوضوء الشرعي على وجهين:
الصفة الواجبة للوضوء
الصفة المستحبة للوضوء
أما الوجه الثاني من صفة الوضوء: فهي الصفة المستحبة، ونسوقها الآن بمعونة الله، فهي أن يسمي الإنسان عند وضوئه، ويغسل كفيه ثلاث مرات، ثم يتمضمض ويستنشق ثلاث مراتٍ بثلاث غرفات، ثم يغسل وجهه ثلاثاً، ثم يغسل يديه إلى المرفقين ثلاثاً، يبدأ باليمنى ثم باليسرى، ثم يمسح رأسه مرةً واحدة، يبدأ بمقدمه حتى يصل إلى مؤخره، ثم يرجع حتى يصل إلى مقدمه، ثم يمسح أذنيه، فيدخل سباحتيه في صماخيهما ويمسح بإبهاميه في ظاهرهما، ثم يغسل رجليه إلى الكعبين ثلاثاً وثلاثاً، يبدأ باليمنى ثم باليسرى، ثم يقول بعد ذلك: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين، فإنه إذا فعل ذلك فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء، هكذا صح الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، قاله
عمر رضي الله عنه، هذه الصفة المستحبة.
أخذ ماء جديد للأذنين
المقدم: لكن بالنسبة للأذنين: هل يلزم أخذ ماء خاص لهما أم مع الرأس؟
الشيخ: لا يلزم أخذ ماءٍ جديد للأذنين بل ولا يستحب؛ لأن جميع الواصفين لوضوء النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكروا أنه كان يأخذ ماءً جديداً لأذنيه، فالأفضل أن يمسح أذنيه ببقية البلل الذي بقي بعد مسح رأسه.
أحب أن أنبه إلى مسألة تخفى على كثيرٍ من الناس، وهي أن بعض الناس يظنون أن الاستنجاء أو الاستجمار من فروض الوضوء، فتجدهم يسألون كثيراً عن الرجل ينقض وضوءه في أول النهار ثم يؤذن أذان الظهر وهو لم ينقض وضوءه بعد، وهو لم يتوضأ حينما نقض وضوءه أولاً، فيقول: إذا أذن الظهر هل أغسل فرجي مرةً ثانية أو لا؟ فنقول: لا تغسل فرجك؛ لأن غسل الفرج إنما هو لتطهيره من النجاسة عند البول أو الغائط، فإذا لم يحصل ذلك بعد التطهير الأول فإنه لا يطهر، وحينئذٍ نعرف أنه لا علاقة بين الاستنجاء الذي هو غسل الفرج مما تلوث به من النجاسة وبين الوضوء، وهذه المسألة أحب أن ينتبه لها الإخوة المستمعون.
المقدم: المسلم إذا لم يخرج من قبله أو دبره شيئاً فإنه لا يغسل الموضعين؟ البول والغائط.
الشيخ: لا يغسل.
المقدم: ما دمنا عرفنا ذلك نود أيضاً أن نعرف حكم المسح على الخفين والجوربين؟
أدلة المسح على الخفين
الشيخ: المسح على الخفين مما تواترت به السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم، كما قيل:
مما تواترَ حديثُ من كَذَبْ وَمنْ بنى لله بيتاً واحتَسَبْ
ورؤيةٌ شفاعةٌ والحوضُ ومسحُ خفَّينِ وهذي بعضُ
بل دلّ عليه القرآن في قوله تعالى:
فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ
[المائدة:6] على قراءة الجر وهي قراءة صحيحة سبعية، ووجه ذلك أن قوله: (وأرجلكم) بالجر معطوفٌ على قوله: (برءوسكم)، والعامل في قوله: (برءوسكم) قوله: (امسحوا)، وعلى هذا فيكون المعنى: امسحوا برءوسكم وامسحوا بأرجلكم، ومن المعلوم أن المسح مناقض للغسل، فلا يمكن أن نقول: إن الآية دالةٌ على وجوب الغسل الدال عليه قراءة النص: (وأرجكم) ووجوب المسح في حالٍ واحدة، بل تتنزل الآية على حالين، والسنة بينت هاذين الحالين، فبينت أن الغسل يكون للرجلين إذا كانتا مكشوفتين، وأن المسح يكون لهما إذا كانتا مستورتين بالجوارب والخفين، وهذا الاستدلال ظاهرٌ لمن تأمله.
وعلى كل حال المسح على الخفين وعلى الجوارب وهي الشراب ثابت ثبوتاً لا مجال للشك فيه، ولهذا قال الإمام أحمد : ليس في قلبي من المسح شيء، يعني: ليس عندي فيه شك بوجه من الوجوه.
شروط المسح على الخفين
شروط الممسوح عليه
المقدم: لكن هل هناك شروط تتعلق بالممسوح عليه من خف أو جورب؟
الشيخ: ليس فيه شروط اللهم إلا أن يكون طاهراً، فإنه إذا كان نجساً لا يمسح عليهما، كأن يتخذ الإنسان خفاً من جلد نجس كجلد الكلاب والسباع فإنه لا يجوز المسح عليه؛ لأنه نجس والنجاسة لا يجوز حملها في الصلاة؛ ولأن النجس لا يجزئ مسحه.
المسح على الخف المخرق والجورب الرقيق
المقدم: ما حكم المسح على الجورب أو الخف المخرق أو الجورب الرقيق؟
الشيخ: القول الراجح: أنه يجوز المسح على ذلك، أي: على الجورب المخرق والجورب الخفيف الذي ترى من ورائه البشرة؛ لأنه ليس المقصود من جواز المسح على الجورب ونحوه أن يكون ساتراً؛ لأن الرِجل ليست عورةً يجب سترها، وإنما المقصود الرخصة على المكلف والتسهيل عليه بحيث لا نلزمه بخلع هذا الجورب أو الخف عند الوضوء، بل نقول: يكفيك أن تمسح عليه.
هذه هي العلة التي من أجلها شرع المسح على الخفين، وهذه العلة كما ترى يستوي فيها الخف أو الجورب المخرق والسليم والخفيف والسقيم.