المقدم: في الحلقة الماضية سألناكم عن التوسل الصحيح والتوسل الباطل، وتحدثتم لنا عن التوسل الصحيح، وذكرتم أنه الوسيلة الصحيحة الموصلة إلى المقصود، وذكرتم له أنواعه وأقسامه، ومنها: التوسل بأسماء الله والتوسل بالإيمان بالله ورسوله، والتوسل أيضاً بالعمل الصالح، وذكر الحال الدائم، فهل هناك أشياء أخرى غير الأنواع الأربعة؟
تابع التوسل المشروع
التوسل الممنوع وأقسامه
المقدم: ما دمنا عرفنا التوسل الصحيح، لابد لنا من معرفة التوسل الباطل، وهل له أقسام؟
الشيخ: التوسل الباطل: أن يتوسل الإنسان إلى الله تعالى بما لم يثبت في الشرع أنه وسيلة؛ لأن التوسل بمثل ذلك من اللغو والباطل المخالف للمعقول والمنقول، ومن ذلك أن يتوسل الإنسان إلى الله عز وجل بدعاء ميت، يطلب من هذا الميت أن يدعو الله له، فإن هذا ليس وسيلة شرعية صحيحة، بل هو سفه من الإنسان أن يدعو من هذا الميت أن يدعو الله له؛ لأن الميت إذا مات انقطع عمله، ولا يمكن أن يدعو لأحد، حتى النبي صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن يدعو لأحد بعد موته عليه الصلاة والسلام، ولهذا لم يتوسل الصحابة رضي الله عنهم إلى الله بطلب الدعاء من رسوله صلى الله عليه وسلم بعد موته، فإن الناس لما أصابهم الجدب في عهد عمر بن الخطاب قال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فأسقنا، فقام العباس رضي الله عنه فدعا الله عز وجل، ولو كان طلب الدعاء من الميت سائغاً ووسيلة صحيحة لكان عمر ومن معه من الصحابة يطلبون ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن إجابة دعائه أقرب من إجابة دعاء العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه.
فالمهم أن التوسل إلى الله تعالى بطلب الدعاء من الميت توسل باطل، لا يحل ولا يجوز.
ومن التوسل أيضاً الذي ليس بصحيح أن يتوسل الإنسان إلى الله بجاه النبي صلى الله عليه وسلم، فيقول: اللهم إني أسألك بجاه نبيك كذا وكذا؛ وذلك أن جاه الرسول عليه الصلاة والسلام ليس مفيداً بالنسبة إليك؛ لأنه لا يفيد إلا الرسول عليه الصلاة والسلام، أما بالنسبة لك فليس بمفيد حتى تتوسل إلى الله تعالى به، والتوسل كما قلنا: هو اتخاذ الوسيلة الصالحة التي تثمر، فما فائدتك أنت من كون الرسول عليه الصلاة والسلام له جاه عند الله؟ وإذا أردت أن تتوسل إلى الله على وجه صحيح فقل: اللهم إني أسألك بإيماني برسولك أو بمحبتي لرسولك أو ما أشبه ذلك، فإن هذا من الوسيلة الصحيحة النافعة.
المقدم: أثابكم الله، مادمنا قد عرفنا التوسل الصحيح والتوسل الباطل، نريد أن نعرف الشفاعة المثبتة والشفاعة المنفية؟
تعريف الشفاعة
الشيخ: الشفاعة مأخوذة من الشفع، وهو ضد الوتر، وهو جعل الوتر شفعاً، مثل: أن نجعل الواحد اثنين والثلاثة أربعة وما أشبه ذلك، هذه من حيث اشتقاقها في اللغة.
أما معناها: فهي التوسط للغير لجلب منفعة أو دفع مضرة، يعني: أن يقوم الشافع بين المشفوع إليه والمشفوع له بواسطة ليجلب منفعة إلى المشفوع له، أو يدفع عنه مضرة.
والشفاعة نوعان: شفاعة ثابتة صحيحة، وشفاعة باطلة لا تنفع أصحابها.
الشفاعة المثبتة وشروطها
الشفاعة المنفية
وبناء على ذلك نعرف النوع الثاني: وهي الشفاعة الباطلة التي لا تنفع أصحابها، وهي ما يدعيه المشركون من شفاعة آلهتهم لهم عند الله عز وجل، فإن هذه الشفاعة لا تنفعهم، كما قال الله تعالى:
فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ 
[المدثر:48]؛ وذلك لأن الله تعالى لا يرضى لهؤلاء المشركين شركهم، ولا يمكن أن يأذن للشفاعة لهم؛ لأنه لا شفاعة إلا لمن ارتضاه الله عز وجل، والله عز وجل لا يرضى لعباده الكفر، ولا يحب الفساد.
فتعلق المشركين بآلهة يعبدونها ويقولون: هؤلاء شفعاؤنا عند الله تعلق باطل غير نافع، بل هذا لا يزيدهم من الله تعالى إلا بعداً.
أقسام الشفاعة المثبتة
ثم إن الشفاعة الثابتة النافعة ذكر العلماء رحمهم الله أنها تنقسم إلى قسمين: عامة وخاصة، ومعنى العموم أن الله سبحانه وتعالى يأذن لمن شاء من عباده الصالحين أن يشفعوا لمن أذن الله لهم بالشفاعة فيهم، والخاصة التي تختص بالنبي صلى الله عليه وسلم، وأعظمها الشفاعة العظمى التي تكون يوم القيامة، حين يلحق الناس من الغم والكرب ما لا يطيقون، فيطلبون من يشفع لهم إلى الله عز وجل أن يريحهم من هذا الموقف العظيم، فيذهبون إلى آدم ثم إلى نوح ثم إلى إبراهيم ثم إلى موسى ثم إلى عيسى، وكلهم لا يشفع، حتى تنتهي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيقوم ويشفع عند الله عز وجل أن يخلص عباده من هذا الموقف العظيم، فيجيب الله تعالى دعاءه ويقبل شفاعته، وهذا من المقام المحمود الذي وعده الله تعالى به في قوله:
وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا 
[الإسراء:79].
ومن الشفاعة الخاصة بالرسول صلى الله عليه وسلم شفاعته في أهل الجنة أن يدخلوا الجنة، فإن أهل الجنة إذا عبروا الصراط وقفوا على قنطرة بين الجنة والنار فتمحص قلوبهم بعضهم من بعض، حتى يهذبوا وينقوا، ثم يؤذن لهم في دخول الجنة، ولكن لا يدخلونها إلا بعد شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم إلى الله عز وجل أن يدخلوا الجنة، فتفتح أبواب الجنة بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما الشفاعة العامة له ولغيره من عباد الله الصالحين فهي أن يشفع في أهل النار من المؤمنين -أي: من عصاة المؤمنين الذين لا يستحقون الخلود في النار- أن يخرجوا من النار، وهذه الشفاعة ثابتة له ولغيره من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.