المؤلف كأن في كلامه لف ونشر مشوش، لو قال المؤلف رحمه الله: كرمي هو سبب للإصابة، والإصابة سبب للقتل الذي هو زهوق الروح، لكان مرتباً: رمي ثم إصابة، ثم زهوق (موت).
والمعنى: أنه يطلق السبب على علة العلة: علة القتل الإصابة. وعلة الإصابة الرمي، إذاً هنا أطلق السبب على علة العلة؛ لأنه لا تمكن الإصابة إلا بالرمي، ولا يمكن الموت إلا بالإصابة، لأنه لو رمى شخصاً ولم يصبه ما مات، ولا يمكن أن يصيبه بلا رمي.
إذاً: كما ذكر المؤلف أنه يطلق على علة العلة، وهذه الإطلاقات معروفة في كلام الفقهاء، وربما تكون معروفة في كلام الأصوليين، أصحاب أصول الفقه.
الزكاة من شروط وجوبها: ملك النصاب، وتمام الحول، لكن تمام الحول شرط محض، وملك النصاب شرط وسبب.
فإذاً نقول: يراد بالسبب أحياناً العلة الشرعية، يعني: الحكمة الموجبة للحكم، فالعلة الشرعية هي الحكمة الموجبة للحكم، فالحكمة الموجبة للزكاة ملك النصاب، لكن رفقاً بالمالك لم نوجب عليه الزكاة إلا عند تمام الحول، ولولا الرفق لكان مقتضى السبب أن تجب الزكاة بمجرد ملك النصاب، كما وجبت الصلاة بمجرد دخول الوقت، لكن رفقاً بالمالك جعل الشرع من شرط الوجوب تمام الحول.
إذاً: يطلق السبب على العلة الشرعية، والعلة الشرعية يحسن أن نعبر عنها بالحكمة، فيطلق إذاً على الحكمة من دون شرط، كنصاب بدون حول، فيقال: ملك النصاب سبب لوجوب الزكاة، مع أن الزكاة لا تجب إلا بعد الحول.
ويراد أيضاً بالسبب العلة الشرعية كاملة، وهي التي تمت فيها الشروط، فيقال مثلاً: سبب وجوب الزكاة ملك النصاب، وتمام الحول، وكون المال زكوياً، وما أشبه ذلك.
إذاً السبب يطلق على العلة الشرعية سواء كانت ناقصة، أو كاملة، فالعلة الشرعية الكاملة هي ما اجتمعت فيه الشروط، والناقصة ما لم تكتمل فيه الشروط، لكن يكون الشرط سبباً للوجوب.
فلو حال الحول على دراهم لم تبلغ النصاب لم تجب الزكاة؛ لعدم وجود السبب الذي هو ملك النصاب.
ولو ملك النصاب ثم فني قبل تمام الحول لم تجب؛ لعدم وجود الشرط، وهو تمام الحول، ولك أن تقول: لعدم وجود السبب إذا أرد بالسبب العلة الكاملة؛ لأن العلة هنا ما كملت.
السبب الشرعي وقتي، يعني: زمناً، ومعنوي يعني: وصفاً، أي أن السبب قد يكون زمنياً، وقد يكون معنوياً، أي: وصفياً، فالزمني كالزوال لصلاة الظهر، والغروب لصلاة المغرب، وطلوع الصبح لصلاة الفجر، وهلال رمضان لوجوب الصوم، وهلال شوال لوجوب الفطرة، وعلى هذا فقس، وهو كثير.
يعني: قد يكون السبب وقتاً علق الشارع الحكم به، وقد يكون معنى علق الشارع الحكم به، مثل: الإسكار سبب للتحريم، فإذا وجد شراب مسكر كان إسكاره سبباً لتحريمه وحرم، وإذا وجد شراب لا يسكر ولو كان من عصير العنب لم يكن حراماً لعدم الإسكار، فالمدار على الإسكار.
ولكن إذا كان الشيء لو أكثرت منه حصل الإسكار ولو أقللت لم يحصل، فهل يحرم القليل سداً للباب أو يجوز القليل؟
الجواب: يحرم القليل؛ لحديث: (ما أسكر كثيره فقليله حرام)، فلو كان هذا الشراب إن شربت منه كأساً لم تسكر، وإن شربت خمسة سكرت، كان الكأس حراماً؛ لأنه مسكر.
ولو خلط خمر قليل في ماء كثير، ولكنه لا يسكر قليله ولا كثيره، لم يحرم؛ وبناءً على ذلك فما يوجد في بعض الأدوية من المادة الكحولية التي لا تبلغ الإسكار ولو كثرت لا يكون حراماً؛ لأن هذا الخمر الذي خالطه لم يبق له أثر، فالعلة التي هي الإسكار غير موجودة، كما لو أن نقطة من بول سقطت في ماء، ولكن لم يظهر لها أثر لا في اللون ولا في الطعم ولا في الريح لم يكن الماء نجساً؛ لعدم تأثير هذا الخليط في هذا المختلط.
وقد أشكل على بعض الطلبة أو أخطأ بعض الطلبة، حيث ظنوا أن معنى الحديث: (ما أسكر كثيره فقليله حرام) أي: ما اختلط فيه قليل من مسكر فهو حرام، فإن هذا ليس معنى الحديث، بل معنى الحديث: أن الشراب إذا أسكر الكثير منه حرم القليل منه وإن لم يسكر، والفرق بين المسألتين ظاهر جداً، والله أعلم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر