الجواب: ليس عليها حرج في بكائها على أبيها؛ لأن هذا أمرٌ فطري، ولا يمكن للإنسان أن يدفعه لا سيما إذا تذكر الإنسان مصابه أو رأى شيئاً من آثاره؛ من كتبٍ أو ثيابٍ أو مجالس أو ما أشبه ذلك، ولكن الذي ينبغي للإنسان أن يعتصم بالله تبارك وتعالى، وأن يتصبر، ولا يكثر ذكر مصابه بمفقوده؛ لأنه كلما أكثر تذكره تجدد الحزن، والإنسان مأمورٌ بأن يطرد الأحزان عن نفسه، وأن يدخل عليها السرور بقدر المستطاع، أما الإنسان الذي يستجلب البكاء فهذا هو الذي يُنهى عنه، لا سيما إذا كان معه نياحة أو ندبة، فالنياحة: أن يأتي بصوت البكاء كنوح الحمام، والندبة: أن يندب الميت فيقول: يا أبتاه! يا من يأتي إلينا بكذا، ويأتي للبيت بكذا، وما أشبه ذلك.
وإنني بهذه المناسبة أود أن أذكر إخواني المسلمين بما قد يقع -وهو قليل والحمد لله- في بعض الصحف، تجد الكاتب يكتب عن صاحبٍ له مات فيخاطبه ويقول: يا فلان يا من نستأنس به في مجالسنا، يا من نخلو وإياه صباحاً ومساءً، يا من يعلمنا بأحاديثه الطيبة وما أشبه ذلك، وهذا من الندب المنهي عنه، فينبغي للإنسان أن لا يثير الأحزان في نفسه ولا في غيره أيضاً.
الجواب: أعمال الخير التي يمكن أن تصل إلى والدها أفضلها وأحسنها وأفيدها ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حيث قال: ( إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: إلا من صدقةٍ جارية، أو علمٍ ينتفع به، أو ولدٍ صالح يدعو له )، فالدعاء أفضل ما أهداه الإنسان إلى ميته؛ من أبٍ أو أمٍ أو قريب أو صاحب، ولهذا أرشد إليه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولم يذكر أن يعمل الإنسان شيئاً إلى الميت، بل قال: أو ولدٍ صالح يدعو له، فالذي ينبغي لنا أن نكثر الدعاء لأمواتنا، وأن نجعل أعمالنا الصالحة لنا، فإننا سوف نحتاج إلى هذه الأعمال كما يحتاج إليها هؤلاء الأموات.
الجواب: لا تدع له بالمغفرة ما دام مات وهو لا يصلي؛ لأنه إذا مات وهو لا يصلي مات كافراً والعياذ بالله، كما دل على ذلك نصوص الكتاب والسنة وأقوال الصحابة رضي الله عنهم، قال الله تعالى في كتابه الكريم: فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ [التوبة:11]، فاشترط لثبوت الأخوة في الدين ثلاثة شروط:
الشرط الأول: التوبة من الشرك، والثاني إقامة الصلاة، والثالث إيتاء الزكاة.
ومن المعلوم أن الشرط لا يتم المشروط إلا به، وإذا انتفت الأخوة في الدين انتفى الدين، هذا من القرآن.
أما من السنة فقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر )، وقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة ).
وأما أقوال الصحابة فقد نقل إجماعهم غير واحدٍ من أهل العلم أنهم أجمعوا على كفر تارك الصلاة، وهم صدر الأمة، وأعلم الأمة بشريعة الله عز وجل، ولم يرد حديثٌ عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم صريح في أن تارك الصلاة مؤمن وليس بكافر، إنما وردت أحاديث عامة تخص بأحاديث كفر تارك الصلاة، فمن مات وهو لا يصلي فإنه لا يجوز أن يغسل، ولا يكفن، ولا يصلى عليه، ولا يدفن مع المسلمين، ولا يدعى له بالمغفرة والرحمة، وإنما يخرج به إلى فلاةٍ من الأرض فيحفر له ويرمس فيها رمساً؛ لأنه لا حرمة له، ولولا أن يخشى من تأذي الناس برائحته، وتأثر أهله به لقلنا: يطرح على ظهر الأرض طرحاً كسائر الجيف، كما قال بذلك أهل العلم في المبتدعة الذين بدعتهم مكفرة.
وخلاصة الجواب: أن هذا الصاحب الذي مات وهو لا يصلي لا يجوز لصاحبه ولا لغيره أن يدعو له بالمغفرة والرحمة.
الجواب: ليعلم أن الأفضل في غير الفريضة أن يصلي الإنسان في بيته؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة )؛ لأن الصلاة في البيت أبعد من الرياء؛ ولأن الصلاة في البيت إذا كان في البيت سوى هذا المصلي تحمل الآخرين على الصلاة، وتعرف الصبيان بها، ويحصل بها البركة لهذا البيت، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( لا تجعلوا بيوتكم قبوراً )، وإذا لم يصلِ في البيت خوفاً من أن تقام الصلاة مثلاً فوصل إلى المسجد وحضر إقامة الصلاة فإنه يصلي الراتبة وتغني عن تحية المسجد، فلا حاجة أن يصلي تحية المسجد ثم الراتبة، لا سيما إذا كان وقت الإقامة قريباً، فالراتبة تغني عن تحية المسجد، وصلاة الفريضة تغني عن تحية المسجد، وإذا قدر أنه شرع في الراتبة ثم أقيمت الصلاة فإن كان في الركعة الأولى فليقطعها، أي: يقطع الراتبة، وإن كان في الركعة الثانية أتمها خفيفة لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( من أدرك ركعةً من الصلاة فقد أدرك الصلاة ).
الجواب: إذا تاب إلى الله توبة نصوحاً صادقاً في توبته فإن التوبة تهدم ما قبلها، ولا يلزمه أن يقضي صلاةً ولا صياماً ولا زكاةً إذا كان قد ملك المال ولم يتم عليه الحول، أما إذا كان قد تم عليه الحول فإن الواجب عليه إخراج زكاة ما سبق؛ لأن الزكاة يتعلق بها حق الغير، فلا بد من إيصال الحقوق إلى أهلها، وقد يقول قائل: إنه حتى الزكاة تسقط عنه؛ لأن الزكاة يغلب فيها جانب العبادة الخاصة لله عز وجل، ولكن الاحتياط أن يؤدي الزكاة، مثال ذلك: رجل يترك الزكاة تهاوناً لمدة أربع سنوات مثلاً، ثم تاب فنقول له: أدِ زكاة أربع سنوات التي مضت؛ لأن الزكاة فيها حقٌ للغير فليؤد إليه حقه، وهذا أحوط وأبرأ للذمة، وأما العبادات التي بينه وبين ربه فإنها تسقط بالتوبة ولا يلزمه قضاؤها.
الجواب: لا يلزمه أن يجهر بالنية، بل ولا يسن له ذلك، بل ولا يسن أن يقول النية ولو سراً؛ لأن النية محلها القلب، والله تعالى عالمٌ به، كما قال الله عز وجل: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ [ق:16-17]، ولا يحتاج إلى أن ينوي عدد الركعات، ولا أن ينوي أنه يصلي خلف فلان بل يكفي أن ينوي أنه يريد أن يصلي صلاة الظهر مثلاً، فإن غاب عن قلبه تعيين الصلاة بأن صلى ينوي فريضة الوقت، وغاب عن ذهنه أنها الظهر أو العصر أو المغرب أو العشاء أو الفجر، فالقول الراجح: أن الصلاة مجزئة؛ لأن الوقت يقوم مقام التعيين، وهو قد نوى أنها فريضة الوقت، فإن كان وقت الظهر فهي ظهر، وإن كان وقت العصر فهي عصر، وإن كان وقت المغرب فهي مغرب، وإن كان وقت العشاء فهي عشاء، وإن كان وقت الفجر فهي فجر.
الجواب: الريح لا توجب الاستنجاء إلا إذا خرج معها بلل، وإلا فمجرد الريح لا يجب فيه الاستنجاء، وعليه فلو خرج منه ريحٌ وهو على وضوء ثم أراد الصلاة، وجب عليه أن يتوضأ، ولا يجب عليه أن يستنجي.
الجواب: الأولى أن يزكي من حين قبضه؛ لأن الأجرة تشبه الثمرة من بعض الوجوه، والثمرة تجب زكاتها حين نضجها، فالأفضل أن يزكيه من حين ما قبضه، وإن انتظر الحول فإنه إذا مضى على الشهر الأول سنة أدى زكاته، ثم على الشهر الثاني ثم على الثالث ثم على الرابع، ولكن إخراجه من حين يقبض الأجرة كما قلت أحوط وأبرأ للذمة، وأيسر من جهة الحساب.
الجواب: أقول له: اسأل نفسك هل أنت حينما كتبت هذه الورقة وفيها السؤال، هل أنت فعلت ذلك باختيارك أو أن أحداً أجبرك؟ إنني أجزم جزماً أنه سيقول: كتبتها باختياري، ولكن ليُعلم أن الله سبحانه وتعالى هو الذي خلق في الإنسان الإرادة، فالله تعالى خلق الإنسان وأودع فيه أمرين كلاهما سبب الوجود:
الأمر الأول: الإرادة فالله تعالى جعل الإنسان مريداً.
والأمر الثاني: القدرة جعله الله تعالى قادراً، فإذا فعل شيئاً فإنما يفعله بإرادته وقدرته، والذي خلق فيه الإرادة هو الله عز وجل، وكذلك الذي خلق فيه القدرة هو الله عز وجل، وهذه الكلمة (مخير ومسير) هي كلمة حادثة لا أعلمها في كلام السابقين، وعلى هذا فنقول: إن الإنسان مخير يفعل الشيء باختياره وإرادته، ولكن هذا الاختيار والإرادة كلاهما مخلوقان لله عز وجل.
الجواب: نعم، كل ما أنفقه الإنسان على نفسه وأهله يبتغي به وجه الله فإنه مأجورٌ عليه، كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لـسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: ( واعلم أنك لن تنفق نفقةً تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها، حتى ما تجعله في فيِّ امرأتك )، أي: في فمها يعني: حتى اللقمة التي تأكلها زوجتك من إنفاقك لك فيها أجر.
الجواب: إذا كان النذر معيناً في ذلك اليوم فإنه لا يجوز أن يصومه نفلاً، مثال ذلك: رجلٌ نذر أن يصوم يوم عرفة، أو نذر أن يصوم يوم الأحد المقبل فصادف أنه يوم عرفة فهنا لا ينوي صوم يوم عرفة وإنما ينوي صوم النذر.
فإذا كان قصده أن يصوم يوم عرفة تطوعاً فهو على نيته يصومه تطوعاً، وإن كان نذر أن يصوم يوم عرفة على أنه واجبٌ بالنذر فإنه يجب عليه أن يصومه ناوياً به وفاء النذر الذي نذره على نفسه.
الجواب: نعم تجوز مخالفته إذا كان الإنسان محتاجاً إلى الزواج؛ لأن الزواج من ضروريات الحياة التي يحصن الإنسان بها فرجه، ويغض بها بصره، فإذا منعه والده أن يتزوج وقال: لا تتزوج؛ لأن هذا يوجب كثرة النفقة عليك، وانشغالك بأهلك وأولادك فلا يطعه، ولا يجوز للأب أن يمنع ابنه من التزوج، وليتق الله ربه، وليتذكر نفسه حينما كان شاباً، لو أراد أحدٌ أن يمنعه من الزواج ماذا يقول؟ إنه لن يرضى بذلك أبداً.
مداخلة: هل من كلمة توجيهية للشباب في سرعة الزواج وتحصينهم؟
الشيخ: لا كلمة أحسن من كلمة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حيث قال: ( يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء )، وإنني أنصح الشباب في سرعة التزوج، لا سيما في هذا العصر الذي كثرت فيه أسباب الفتن والمغريات، ولذلك تجد كثيراً من الشباب يعاني من مشقة العزوبة، ولولا ما عنده من الإيمان بالله عز وجل لذهب يتصيد الفاحشة، ثم إني أقول: إن كان الشاب عنده مال يكفيه لزواجه فهذا هو المطلوب أن يتزوج به، وإن لم يكن عنده مال وجب على أبيه أن يزوجه إذا كان قادراً على ذلك، كما يجب عليه أن ينفق عليه طعاماً وشراباً وكسوةً وسكناً، ولا يحل لأحد أغناه الله، وبلغ أبناؤه سن النكاح وطلبوا منه ذلك إما بأقوالهم الصريحة وإما بأفعالهم الدالة على طلب النكاح، لا يحل له أن يمتنع، بل يجب عليه أن يزوجهم، فإن لم يفعل فهو آثم، ولا يبارك الله له في ماله، يقول بعض الجهال من الآباء لأبنائهم إذا طلبوا منه النكاح يقول المثل السائر الجائر: ما يحك ظهرك غير ظفرك، وأنت بنفسك حصن نفسك ما تتزوج به وإلا فلا أزوجك، فهذا حرام عليهم ما داموا قادرين والأبناء عاجزين.
الجواب: الأفضل أن يقوم من السجود ناهضاً على صدور قدميه معتمداً على ركبتيه، هذا هو الأفضل، فإن لم يستطع لكبرٍ أو مرض فإنه يعتمد بيديه على الأرض إما مبسوطتين أو مضمومتين، الأمر في هذا واسع، لكن متى قدر أن يقوم بدون اعتماد فهو الأفضل، كما أن العكس كذلك إذا أراد السجود فليبدأ بركبتيه قبل يديه إلا أن يكون عاجزاً فلا حرج أن يقدم يديه؛ وذلك لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ( إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير )، يعني: لا يقدم يديه؛ لأن البعير كما هو مشاهد إذا أراد البروك قدم اليدين، ثناهما ثم برك.
فإن قال قائل: إن آخر الحديث الذي سقتم فيه: ( وليبدأ بيديه قبل ركبتيه )، فالجواب: أن هذه الجملة منقلبة على الراوي؛ لأنها تنافي أول الحديث، فأول الحديث يقول: ( لا يبرك كما يبرك البعير )، وإذا نظرنا إلى البعير وجدنا أنه يقدم اليدين، وأن صواب العبارة: ( وليبدأ بركبتيه قبل يديه )، فإن قال قائل: ركبة البعير بيديه وإذا سجد على ركبتيه أولاً فقد شابه البعير حيث إن البعير يضع الركبتين قبل؟
فالجواب: إن هذا غفلة عن معنى الحديث؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إنما نهى عن الكيفية، لا عن العضو المسجود عليه، فقال: لا يبرك كما يبرك البعير، ولم يقل: لا يبرك على ما يبرك عليه البعير، والفرق بين التعبيرين واضح، يعني: لو قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: فلا يبرك على ما يبرك عليه البعير قلنا: لا تبدأ بالركبتين، لكن قال: فلا يبرك كما يبرك البعير، وهذا نهيٌ عن الكيفية لا عن العضو الذي يسجد عليه، وهذا أمرٌ واضح، لكنه يحتاج إلى تأمل وتطبيق على ما يبرك عليه البعير.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر