الآية الأولى: يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ [النساء:142]، إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا [الطارق:15-16]، اللّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ [البقرة:15] وجهونا في ضوء هذا السؤال؟
الجواب: مذهب السلف الصالح الذي عليه الصحابة والتابعون وأئمة المسلمين من بعدهم هو أن الله تعالى يوصف بما وصف به نفسه في كتابه، أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل، وهذا هو المذهب الحق الذي دل عليه السمع والعقل، أي: دل عليه الشرع والعقل؛ وذلك لأن صفات الله سبحانه وتعالى مجهولة لنا لا نعلم منها إلا ما أخبرنا الله به عن نفسه، وما أخبرنا به عن نفسه فهو حق؛ لأنه خبر صادق ممن هو أعلم بنفسه من غيره، ولأننا لا ندرك ما يجب لله تعالى، وما يجوز، وما يستحيل عليه على وجه التفصيل إلا عن طريق الكتاب والسنة، وعلى هذا فما وصفه الله به نفسه وجب علينا قبوله والإيمان به، لكننا لا نحيط به على وجه الحقيقة، بمعنى أننا لا ندرك كيفيته، فمثلاً استواء الله على عرشه، أثبته الله تعالى لنفسه في سبعة مواضع من كتابه العزيز، فنحن نعلم معنى الاستواء على الشيء، وأنه العلو عليه، كما قال الله تبارك وتعالى: وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ * لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ [الزخرف:12-13] ولكننا لا نعلم كيفية استواء الله تعالى على عرشه، يعني: لا نعلم على أي صفةٍ هو، ولهذا لما سئل الإمام مالك رحمه الله عليه عن ذلك فقال له رجل: يا أبا عبد الله ! الرحمن على العرش استوى، كيف استوى؟ فأطرق مالك برأسه حتى جعل يتصبب عرقاً من شدة ما سمع من السؤال، وهيبته وتعظيمه لله عز وجل، ثم قال: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة. يعنى: أن الاستواء غير مجهول في اللغة العربية بل هو معلوم، فإن اللغة العربية تدل على أن استوى على الشيء بمعنى علا عليه، والقرآن نزل باللغة العربية كما قال الله تبارك وتعالى: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ [الشعراء:193-195]، وقال تعالى: إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [الزخرف:3] أي: صيرناه باللسان العربي من أجل أن تعقلوه وتفهموه، فقوله رحمه الله: الاستواء غير مجهول. أي: معلوم المعنى، واضح المعنى، والكيف غير معقول أي: أن عقولنا أقصر وأحقر من أن تدرك كيفية استواء الله على عرشه، وهكذا بقية الصفات لا يمكن لعقولنا القاصرة أن تدرك كيفيتها.
والإيمان به واجب، أي: الإيمان بالاستواء على ما تقتضيه اللغة العربية واجب؛ لأن الله أخبر به عن نفسه، فوجب علينا قبوله والإيمان به
والسؤال عنه -أي: عن الاستواء أي: عن كيفيته- بدعة، أي: أنه من ديدن أهل البدع، وهو أيضاً بدعة لكون الصحابة لم يسألوا عنه رسول صلى الله عليه وعلى آله سلم، فالقاعدة العريضة للسلف الصالح وأئمة المسلمين هي الإيمان بكل ما وصف الله به نفسه، أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل.
واعلم أن صفات الله تعالى تنقسم إلى قسمين: قسم كمال مطلق بكل حال، فهل يوصف الله بها وصفاً مطلقاً على كل حال، كالسمع والبصر والعلم والقدرة والكلام وما أشبهها، وقسم آخر لا يكون كمالاً على كل حال لكنه كمال في موضعه، كالآيات التي ذكرها السائل، فإن الله لا يوصف بها على سبيل الإطلاق، وإنما يوصف بها حيث تكون كمالاً، كما سيتبين إن شاء الله من الكلام على كل آية وحدها.
فقوله تعالى: اللّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ [البقرة:15] أي: المنافقين؛ لأن المنافقين إذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون، أي: مستهزئون بالمؤمنين حيث نقول لهم: إننا آمنا، وهم لم يؤمنوا، فقال الله تعالى: اللّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ [البقرة:15] فقابل استهزاءهم بالمؤمنين باستهزائه تبارك وتعالى بهم، وذلك حيث مكن لهم وأمهلهم واستدرجهم من حيث لا يعلمون، فهذا استهزاء في مقابلة استهزاء، واستهزاء الله تعالى أعظم وأكبر من استهزائهم بالمؤمنين.
والآية الثانية: يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ [النساء:142]، وهذه أيضاً في المنافقين وفي آية أخرى: يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ [البقرة:9] والمخادعة وصف محمود إذا وقع في محله، ولهذا قيل: الحرب خدعة، فهؤلاء المنافقون يخادعون الله والذين آمنوا، ويغرونهم، ويرونهم أنهم مؤمنين، وهم غير مؤمنين خداعاً ومكراً وكيداً، فيقول الله عز وجل: إن الله خادعهم؛ وذلك بإمهاله لهم، واستدراجه لهم، وحقن دمائهم، ومعاملتهم معاملة المسلمين، لكنه عز وجل سيريهم العذاب الأليم حين ينتقلون من الدنيا إلى الآخرة، وهذا لا شك خداع بهم، حيث يعاملهم سبحانه وتعالى معاملة الرضا وهم على العكس من ذلك.
الآية الثالثة: إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا [الطارق:15-16]، (إنهم) يعني: المكذبين للرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم يكيدون للنبي صلى الله عليه وسلم كيداً عظيماً، ولكن الله تعالى يكيد بهم كيداً أعظم، وتأمل قوله: (يكيدون) حيث أتت بصيغة الجمع، و(أكيد) حيث أتت بصيغة الإفراد، فإن كيد الله تعالى أعظم من كيد جميع كيودهم مهما بلغت، والكيد والمكر متقاربان، ومعناهما: الإيقاع بالخصم من حيث لا يشعر، يعني: أن يوقع الإنسان بخصمه من حيث لا يشعر به، وقد كاد الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم مع هؤلاء المشركين المكذبين به كيداً عظيماً كما هو معلوم من قراءة سيرة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
وقوله تعالى: إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُونَ [البقرة:14] . هذه ليست من صفات الله، هي قبل قوله: اللّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ [البقرة:15] .
والآية الأخيرة: وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ [الأنفال:30]، هذه أيضاً كقوله: إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا [الطارق:15-16] يعني: أن الكفار يمكرون بأولياء الله عز وجل، ولكن الله تعالى يمكر بهم، فيقابلهم بما هو أعظم وأشد من مكرهم، ولهذا قال: وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ [الأنفال:30] أي: أعظمهم وأشدهم، والمكر كما قلت آنفا هو: الإيقاع بالخصم من حيث لا يشعر، فهو دليل على القوة والعلم والقدرة، فيكون في مقابلة الفاعل صفتا مدح وكمال، لكن لا يوصف الله تعالى بأنه ماكر على سبيل الإطلاق أو بأنه خادع أو بأنه كائد أو بأنه مستهزئ على وجه الإطلاق، بل يقال: إنه سبحانه وتعالى ماكر بمن يمكر به، ومستهزئ بمن يستهزئ به، وهكذا.
الجواب: الصلاة في المسجدين جائزة ولا بأس بها، ولكن ينبغي ألا يبنى مسجد بقرب مسجد آخر حصل به تفريق الجماعة وتشتيتهم، فإن هذا يشبه مسجد الضرار الذي قال الله عنه: وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ [التوبة:107] نعم لو كانت المساجد صغيرة، والسكان كثيرون لا يسعهم المسجد الواحد، فلا بأس أن يبنى إلى جنبه مسجد آخر، ولكن ينبغي أن يكون أحد المسجدين في طرف الحي من الجنوب مثلاً، والثاني في طرفه من الشمال من أجل أن يتباعد ما بين المسجدين.
الجواب: كأن السائل يشير إلى حديث ورد في ذلك ( أن من صلى الفجر في جماعة، ثم جلس يذكر الله عز وجل حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين -يعني: بعد ارتفاع الشمس قيد رمح- فإنه يكون كأجر حجة وعمرة )، أو كما جاء في الحديث، لكن هذا الحديث قد اختلف العلماء في صحته والأخذ به، إلا أنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ( كان إذا صلى الغداة جلس في مصلاه حتى تطلع الشمس حسناً )، جاء ذلك في صحيح مسلم ، وأما ترتيب الأجر على ذلك فهذا إن صح به الحديث أخذنا به، وفضل الله واسع، وإن لم يصح فقد كفيناه.
الجواب: (أي الدعاء أسمع) أي: أقرب إلى الإجابة، لأن السمع يراد به الإجابة كما في قول الله تبارك وتعالى: إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاء [إبراهيم:39] وقول المصلي: (سمع الله لمن حمده) أي: أجاب لمن حمده.
قال: (جوف الليل) يعني: وسط الليل، والمراد به ما بعد النصف الأول؛ لأن الله تعالى ينزل حين يبقى ثلث الليل الآخر كل ليلة إلى السماء الدنيا فيقول: ( من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له ).
الثاني: (أدبار الصلوات المكتوبة) وأدبارها جمع دبر، وهو آخرها؛ لأن دبر كل شيء آخره، وهو قبل السلام وليس بعده، ودليل ذلك في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أما كتاب الله فقد قال الله تعالى: فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاَةَ فَاذْكُرُواْ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ [النساء:103] ولم يذكر الدعاء، بل أمر بالذكر، وجاءت السنة مبينة لذلك، فإنه يشرع للمصلي إذا فرغ من صلاته أن يستغفر الله ثلاثاً ويقول: اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام، لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ثلاث مرات دبر كل صلاة، وعشر مرات دبر صلاة المغرب والفجر، ويذكر من الأذكار ما هو ومعروف.
وأما السنة فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما علم أصحابه التشهد قال: ( ثم ليتخير من الدعاء ما شاء )، فجعل موضع الدعاء قبل السلام، وهو أيضاً المطابق للنظر بأن كون الإنسان يدعو الله تعالى قبل أن ينصرف من مناجاته بالسلام أولى من كونه يدعوه إذا انصرف من مناجاته بالسلام، بمعنى أن الإنسان إذا كان يصلي فإنه بين يدي الله يناجي ربه، فكونه يدعوه قبل أن ينصرف من صلاته أولى من كونه يدعوه إذا انصرف من صلاته.
الجواب: نعم يسلم مرة ثانية، يعني: إذا سجد للسهو بعد السلام فإنه يسلم مرة ثانية، ولا يحتاج يعيد التشهد مرة ثانية على القول الراجح؛ لأنه أي: التشهد بعد سجدتي السهو لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
الجواب: وردت أحاديث تدل على فضلها، فقراءتها أمر مستحب؛ لأن أحاديث الفضائل إذا لم يكن ضعفها شديداً فلا بأس بالاستئناس بها، والإنسان يعمل ما دلت عليه هذه الأحاديث من الفضل مع رجاء الثواب، هذا إذا كان أصل العمل ثابتاً، أما إذا لم يكن ثابتاً فإنه لا يعمل بالحديث الضعيف مطلقاً.
الجواب: أما صلاة النافلة فالأمر فيها واسع؛ لأن القيام ليس ركناً فيها ولا واجباً، بل من صلى قاعداً فله نصف أجر القائم وصلاته صحيحة مقبولة، لكنها على النصف من أجر صلاة القائم، وأما الفريضة فإنه لا يجوز للإنسان أن يصلي قاعداً إلا إذا عجز عن القيام؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لـعمران بن حصين : ( صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب ).
الجواب: إذا كان الطفل مميزاً وقد جلس في مكان في الصف الأول أو فيما سواه فإنه لا يجوز لأحد أن يخرجه من الصف؛ لأن ذلك جناية عليه، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم الرجل أن يقيم أخاه من مكانه ويجلس فيه، ما لم يكن للصبي حدث من لعب أو نحوه، فحينئذٍ يتكلم مع وليه، ويشير عليه ألا يأتي به؛ لأنه يؤذي المصلين، ويشوش عليهم، فإن منعه وليه فهذا المفروض، وإن لم يمنعه فللقيم على المسجد أن يمنع هذا الطفل، وأما مع أدب الطفل وعدم أذيته فإنه كغيره من المصلين له الحق في المكان الذي يجلس فيه، لما ذكرنا من الحديث، ولأن إخراج الطفل من مكانه يجعل في نفسه عقدة لكراهة المسجد والحضور إليه، وكراهة الشخص المعين الذي أقامه، وكل هذا أمر لا ينبغي أن يحدث، وأما حشر الأطفال في صف واحد وراء الكبار فهذا يؤدي إلى أن يتأذى المصلون منهم أكثر فأكثر؛ لأنهم إذا اجتمعوا في صف واحد حصل منهم الكلام واللعب فيتأذى المصلون بهم، ولا ينافي ما ذكرته الآن قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( ليليني منكم أولو الأحلام والنهى ) فإن هذا الحديث فيه الحث على تقدم البالغين ذوي العقول، وليس فيه منع من دونهم من التقدم، ولو أراد النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، أي: منع من دونهم من التقدم لقال: لا يلني إلا ذوو الأحلام والنهى، ومن المعلوم الفرق بين الصيغتين، أعني قوله: ( ليلني منكم أول الأحلام والنهى ) وقوله: (لا يلني منكم إلا أولو الأحلام والنهى).
الجواب: لبس المرأة للملابس الضيقة، إذا كان الضيق شديداً بحيث يصف مقاطع الجسم فهو حرام، داخل في قول النبي عليه الصلاة والسلام: ( صنفان من أهل النار لم أرهما بعد: رجال معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات، مميلات مائلات، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مكان كذا وكذا ) أما إذا كان الضيق لا يصف حجم البدن فإنه لا بأس به، وعلى هذا فالضيق على الوصف الأول محرم سواء كان بين النساء، أو بين المحارم، أو بين الأجانب، وأما الضيق اليسير الذي لا يصف محاجم البدن فإنه لا بأس به.
وأما الفتحات التي تكون على الصدر فإنه إذا كان بين النساء فلا بأس؛ لأن الجيب أحياناً يكون واسعاً يبدو منه النحر، وأما إذا كان مع الرجال أو غير الزوج فلا ينبغي أن تفعله المرأة، وهذا إذا كان الرجال من المحارم، أما الأجانب فيجب على المرأة أن تستر جميع بدنها عنهم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر