السؤال: سألت أحد الإخوة المتفقهين في الدين وهو إمام مسجد قائلاً: هل يجوز لي قضاء الصلاة عن والدي رحمه الله، حيث أنه توفي وعمره 65 قبل رحيله وكان قد أصيب بشلل نصفي وجلطة مركزة في المخ، فقال لي: يجوز لك أن تصلي عنه، وقد توفي والدي في غرفة العناية المركزة، وكان آخر ما قال: الحمد لله لا إله إلا الله، فهل أصلي جميع الفروض والسنن وأصوم عنه؟ هل يجوز لي هذا، جزاكم الله خيراً، وهو متوفى منذ عامين تقريباً؟
الجواب: نسأل الله تبارك وتعالى أن يجعل ما ختم به حياة والدك صادراً عن إخلاص ويقين، حتى يتحقق أن آخر ما قال: لا إله إلا الله، والبشرى لمن كان آخر قوله من الدنيا: لا إله إلا الله أن يدخل الجنة، نسأل الله تعالى أن يختم لنا ولإخواننا المسلمين بخاتمة التوحيد والإيمان.
أما قضاء الصلاة عن أبيك، فإنه لا يجوز أن تقضي الصلاة عنه؛ لأن القضاء عبادة، والعبادات مبنية على التوقيف -أي: على ورود الشرع بها- ولم يرد في الشرع بأن الميت يقضى عنه شيء من الصلوات، وعلى هذا فلا تقضي عن والدك شيئاً، والذي أفتاك بأن تقضي عنه الصلاة ليس على صواب في فتياه.
أما الصوم، فإنه لا يلزم أباك، مادام مرضه الذي ذكرت؛ لأن مثل هذا المرض لا يرجى برؤه، وعلى هذا فالواجب أن يطعم عن كل يوم مسكيناً، والصاع من البر يكفي لأربعة مساكين -أي: يكفي لأربعة أيام- فإذا كان أبوك لم يصم شهرين، وكان الشهران تامين، فإنه يلزمك أن تطعم ستين مسكيناً مرتين، مرة للعام الأول ومرة للعام التالي، ولا تصم عنه؛ لأن كل من لا يرجى زوال عذره إذا أفطر فإن فرضه الإطعام، وليس فرضه الصيام عنه.
وعلى هذا فخلاصة الجواب: أن لا تصلي عن أبيك ما فاته من الصلوات؛ لأن ذلك لم يرد به الشرع، والقضاء عبادة تحتاج إلى نص من الشرع، ولم يرد في الشرع نص إلا في الصوم، فما فات أبوك من الصيام فإنك تطعم عنه عن كل يوم مسكيناً، لأن الصيام ليس واجباً عليه، وإنما الواجب عليه الإطعام، وأما قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( من مات وعليه صيام صام عنه وليه )، فهذا إنما يكون في رجل تمكن من قضاء ما تركه من الصوم ولكنه لم يقض، فهذا هو الذي إذا مات يصام عنه.
السؤال: هل التوسل إلى الله بالأنبياء والمرسلين والصالحين جائز، نرجو أن توضحوا لنا ذلك مع الدليل الواضح؟
الجواب: التوسل إلى الله سبحانه وتعالى: هو أن يذكر ما يوصله إلى مقصوده، فإن ذكر ما لا أثر له في ذلك متوسلاً به إلى الله، فإن هذا التوسل بدعة، وبناءً على هذا نقول: التوسل بالأنبياء إن كان المراد التوسل باتباعهم ومحبتهم والإيمان بهم، فهذا لا بأس به، وهو أمر مشروع، ولكنه لا ينبغي للمتوسل أن يقول: أتوسل إليك يا رب بنبيك أو بأنبيائك أو ما أشبه ذلك، بل يقول: أتوسل إليك بمحبة أنبيائك، واتباع نبيك محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فلا يحذف المضاف بل يذكره؛ لأنه إذا قال: أتوسل إليك بأنبيائك وحذف المضاف، فقد يظن الظان أنه توسل بدعي، والتوسل البدعي: هو أن يتوسل بذوات الأنبياء فيقول: أسألك بنبيك، أو أسألك بأنبيائك، أو أسألك بجاه نبيك، أو أسألك بجاه أنبيائك وما أشبه ذلك، ويقصد بذواتهم أو بجاههم أو نحو ذلك فإن هذا هو التوسل بدعي؛ وذلك لأن هذا التوسل لا يوصل إلى المقصود؛ إذ إن جاه النبي لا ينفعك، فلا يصح أن يكون وسيلة لحصول مطلوبك، وجاه الأنبياء إنما يختص بهم فقط، وعلى هذا فمن سمعته يقول: أتوسل إليك بالأنبياء فلا تحكم عليه ببدعة ولا سنة، لكن قل له: ماذا تريد؟ فإذا قال: أنا أريد أن أتوسل بذات الأنبياء وأشخاصهم، فقل: هذا بدعة، وإذا قال: أريد أن أتوسل إليه بجاه الأنبياء؛ لأن لهم جاه عند الله، فقل: هذا بدعة أيضاً؛ لأن هذا ليس بوسيلة شرعية ولا ينفعك، وإذا قال: أتوسل إليك بأنبيائك، أي: بحبي لهم، فهذا حق؛ لأن محبة الأنبياء عبادة توصل إلى المقصود، وتؤثر في إجابة الدعوة، وإذا قال: أتوسل إليك بأنبيائك، أي: بالإيمان بهم، فهذا حق، لأنه عبادة كما قال تعالى:
قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ
[البقرة:136]، إلى آخره، وإذا قال: أتوسل إليك باتباع الأنبياء، فنقول هنا: يجب التوقف؛ لأن الأنبياء السابقين لا يلزم اتباعهم فيما يخالف شرعنا، ولكن قل: أتوسل إليك باتباع نبيك محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فحينئذٍ يكون صحيحاً.
وأنا بهذه المناسبة أود أن أبين أن التوسل منه ممنوع ومنه جائز، فالممنوع: أن يتوسل بما ليس بوسيلة؛ لأن التوسل بما ليس بوسيلة إما بدعة وإما شرك، والتوسل الجائز: أن يتوسل بما هو وسيلة، وهو أنواع:
النوع الأول: أن يتوسل إلى الله بأسمائه، فيقول: اللهم إني أسألك بأسمائك الحسنى أن تغفر لي، فهذا جائز؛ لقول الله تعالى:
وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا
[الأعراف:180]؛ ولحديث ابن مسعود رضي الله عنه في دعاء الهم والحزن: ( أن يقول: اللهم إني أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك... ) إلى آخره.
الثاني: أن يتوسل إلى الله بصفاته، فهذا أيضاً جائز ومشروع، مثل اللهم! إني أسألك بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أن تحييني ما علمت الحياة خير لي، وأن تتوفاني ما علمت أن الوفاة خير لي، فهذا توسل إلى الله تعالى بصفاته، ومنه قول القائل: يا رحمن برحمتك أستغيث.
الثالث: أن يتوسل إلى الله بأفعاله، فتقول: اللهم! كما أنعمت علي بالمال فأنعم علي بالعلم، أو تقول: اللهم كما أنعمت علي بالعلم فأنعم علي بالمال الذي يكفيني عن خلقك، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلام: ( قولوا: اللهم! صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد )، فإنه هنا توسل إلى الله بفعله السابق الذي أنعم به على إبراهيم وآل إبراهيم وهو أن يصلي على محمد وعلى آل محمد.
الرابع: أن يتوسل إلى الله بالإيمان به، ومن ذلك قول أولي الألباب:
رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ
[آل عمران:193]، فتوسلوا إلى الله تعالى بالإيمان به.
الخامس: أن يتوسل إلى الله بالعمل الصالح، ومنه: قوله تعالى:
رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ
[آل عمران:53]، ومنه: حديث الثلاثة الذين انطبق عليهم الغار حين أووا إليه فانطبقت عليهم صخرة عجزوا عن دفعها، فتوسلوا إلى الله بأعمالهم الصالحة، فتوسل أحدهم: بالبر التام، وتوسل الثاني: بالعفة التامة، وتوسل الثالث: بالأمانة، ففرج الله عنهم.
السادس: أن يتوسل إلى الله سبحانه وتعالى بذكر حاله وأنه فقير ظالم لنفسه محتاج لربه، ومنه قول موسى عليه الصلاة السلام:
رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ
[القصص:24]، ومنه قول الداعي: اللهم! إني ظلمت نفسي فاغفر لي. فهذا توسل إلى الله تعالى بحال الداعي.
السابع: أن يتوسل إلى الله تعالى بدعاء رجل صالح، مثل قول الرجل الذي دخل على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب يوم الجمعة، فقال: يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله يغيثنا، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه ودعا، وهذا الرجل سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو لنفع عام للمسلمين، وأما سؤال الرجل من يعتقد فيه الصلاح أن يدعو له هو بنفسه، فالأفضل تركه؛ لأن هذا فيه نوع من السؤال الذي يوجب ذل السائل أمام المسئول، وربما يكون فيه اغترار للمسئول حيث يرى نفسه أنه رجل صالح يسأل الدعاء، وفيه أيضاً: أن الإنسان قد يتكل على طلبه من هذا الرجل الصالح الذي يدعو له، فلا يدعو هو لنفسه، وأما ما يذكر من أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال لـعمر بن الخطاب : ( لا تنسنا يا أخي من دعائك )، فهذا ضعيف لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأما ما جاء في الحديث من وصية الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: ( من أدرك أويس القرني أن يطلب منه الدعاء )، فهذا خاص به، ولهذا لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم أحداً أن يطلب من أحد من الصحابة أن يدعو له، والصحابة أفضل من أويس القرني ، فـأبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وابن مسعود ، وابن عباس وغيرهم من الصحابة، أفضل من أويس بلا شك، ومع ذلك لم يقل النبي عليه الصلاة والسلام لأحد من الناس: من لقي أبا بكر فليطلب منه الدعاء أو نحو ذلك.
فهذه أنواع التوسل الجائزة، وينبغي للإنسان إذا توسل بأسماء الله أن يتوسل بها عموماً، مثل: ( أسألك بكل اسمٍ هو لك )، فأما إذا أراد أن يتوسل باسم خاص فليكن هذا الاسم مطابقاً للسؤال، فإذا كان يريد المغفرة فيقول: اللهم! يا غفور اغفر لي، أو يقول: اللهم! اغفر لي إنك أنت الغفور الرحيم، حتى تكون الوسيلة مطابقة للمطلوب، ولا يليق إطلاقاً أن يقول قائل: اللهم! يا شديد العقاب اغفر لي واعف عني وما أشبه ذلك، لما في ذلك من التضاد بين الوسيلة والمطلوب، وقد قال أبو بكر رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (علمني دعاءً أدعو به في صلاتي، فقال: قل: اللهم! إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرةً من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم )، وهذا جمع بين وسائل متعددة، منها: ذكر حال الداعي في قوله: ( اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً )، ومنها: الثناء على الله عز وجل بصفة من صفاته في قوله: ( ولا يغفر الذنوب إلا أنت )، ومنها: التوسل بالأسماء في قوله: ( إنك أنت الغفور الرحيم ).
السؤال: ما حكم السفر للتعزية؟
الجواب: الذي أرى أن لا يسافر الإنسان، ولا سيما مع وجود الهواتف والحمد لله، فيمكن الآن أن يتصل عليه بالهاتف ويصبره ويقول له: اصبر واحتسب، إن لله ما أخذ وله ما أبقى، اللهم! إلا أن يكون قريباً جداً كأخ وما أشبه ذلك، ويريد أن يسافر إذا رأى أن هذا مما يهون المصيبة على المصاب، وليس فيه مشقة، ولا ترك وظيفة واجبه، فربما يسمح في ذلك، على أني أود ألا يكون، حتى في هذه الحالة، وأود أن يكتفى بالمهاتفة.