إسلام ويب

فتاوى نور على الدرب [469]للشيخ : محمد بن صالح العثيمين

  •  التفريغ النصي الكامل
  • السؤال: ما هي الآداب التي ينبغي أن يتحلى بها الداعي إلى الله جل وعلا؟

    الجواب: هذا السؤال مهم، وهي الآداب التي ينبغي أن يكون عليها الداعية إلى الله عز وجل، فمن الآداب المهمة إخلاص النية لله عز وجل، بأن يكون الداعي قاصداً بدعوته رضا الرب وإصلاح الخلق، لا أن يكون له جاه وإمامة ورئاسة بين الخلق؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ( إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئٍ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه ).

    ثانياً: أن يكون على بصيرة فيما دعا إليه وهو شريعة الله عز وجل، بأن يكون لديه علم بالشرع فيما يدعو إليه، فإذا كان يدعو إلى التوحيد وجب أن يكون لديه علم بالتوحيد في مسائله طرداً وعكساً إيجاباً ونفياً حتى يتمكن من المحاجة إذا حاجه أحد في ذلك؛ لأن من دعا بغير علم فهو كمن نزل إلى ميدان القتال بغير سلاح، ويدل لهذا الأدب قوله تعالى: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي [يوسف:108]؛ ولأن الجاهل يحتاج هو إلى أن يعلم فكيف يكون معلماً لغيره بجهل؟ ولأن الذي يدعو بجهل قد يدعو إلى باطل وهو لا يشعر به فيضل ويضل؛ لأن الذي يدعو بجهل يقف حيران حينما يورد عليه المبطل حجةً باطلة ليدحض بها الحق الذي قاله.

    الثالث: أن يكون على علم بحال المدعو حتى ينزله منزلته، ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعث معاذاً إلى اليمن فقال له حين بعثه: ( إنك تأتي قوماً أهل كتاب )، أخبره بحالهم ليكون مستعداً لهم يقابلهم بما تقتضيه حالهم، وهكذا الداعي يجب أن يكون عالماً بحال من يدعوه لينزله منزلته؛ فإن هناك فرقاً بين شخص معاند تدعوه إلى الله وشخص جاهل غافل لا يدري عن شيء، فالأول يحتاج إلى حجة قوية يدحض بها عناده واستكباره عن الحق، والثاني يكفيه فيه أدنى حجة وأدنى الكلام؛ لأنه جاهل غافل ليس عنده ما يدفع ويجادل به، وعلى هذا يتنزل قوله تعالى: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل:125]، فإن الناس منهم من يحتاج إلى الموعظة وتكفيه، ومنهم من لا تكفيه الموعظة بل يجادل، فأمر الله سبحانه وتعالى أن تكون الدعوة بالحكمة وبالموعظة أحياناً وبالمجادلة أحياناً، حسب ما تقتضيه حال المدعو.

    ومن آداب الداعي: أن يكون بليغاً في منطقه، قوياً في حجته بحيث يستطيع إقناع المستمع المدعو إقناعاً تطمئن إليه نفسه، وينقاد إلى الدعوة بيسر وسهولة؛ لأن من الناس من يكون لديه علم لكن ليس عنده بيان بالقول فيفوته شيء كثير، فإذا كان لدى الإنسان علم وبيان بالقول أمكنه أن يقنع غيره إقناعاً تاماً يستجيب به المدعو.

    ومن آداب الداعية: أن يكون عاملاً بما يدعو إليه من الحق ليكون داعيةً بمقاله وفعاله، ولا شك أن عمل الداعية بما يدعو إليه له تأثير كبير في قبول ما يدعو إليه، فإن الناس إذا رأوا من هذا الداعية أنه عامل بما يدعو إليه وثقوا به، وعرفوا أنه صادق في دعوته، وإذا كان لا يعمل بما يدعو إليه شكوا في أمره، ولم يجعل الله تعالى في دعوته بركة، أرأيت لو أن شخصاً قام يدعو الناس إلى صلاة الجماعة، ويحث الناس عليها، ولكنه لا يصلي مع الجماعة، فكف تكون نظرة الناس إلى دعوته؟ ستكون نظرة الناس إلى دعوته هزيلة، ولا ينظرون إليه نظر المتقبل؛ لأنه لم يقم بما يدعو الناس إليه.

    ومن آداب الداعية: أن يكون حليماً صبوراً على ما يصيبه من الأذية القولية أو الفعلية؛ لأن الدعوة أو لأن الداعية قائم مقام الرسل، والرسل ينالهم من الأذى القولي والفعلي ما يصبرون عليه حتى ينالوا درجة الصابرين، قال الله تبارك وتعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا [الأنعام:34] ، فلا بد للداعية من أن يتحلى بالصبر والحلم لينال درجة الصابرين، ويلتحق بطريق المرسلين عليهم الصلاة والسلام.

    ومن آداب الداعية: أن يكون بشوشاً، دائم البشر طليق الوجه حتى يحبه الناس قبل أن يدعوهم؛ لأن قبول الناس للإنسان شخصياً يؤدي إلى قبوله معنوياً، وإلى الالتفاف حوله، وعلى هذا يتنزل قوله تعالى: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران:159] .

    ومن آداب الداعية: أن ينزل الناس منازلهم، وأن يتحين الوقت المناسب والمكان المناسب للدعوة، فلا يدعو الناس في مكان لم يتهيئوا ويستعدوا لدعوته؛ لأن ذلك يلحقهم الملل والسآمة، والكراهية لما يدعو إليه ولو كان حقاً؛ ولهذا كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يتخول أصحابه بالموعظة مخافة السآمة إذا كرر عليهم الموعظة فإنهم يملون، ولا يكون عندهم التقبل الذي يكون فيما لو راوح بين الدعوات، هذا ما حضرني الآن من آداب الداعية، ونسأل الله تعالى أن يجعلنا وإخواننا المسلمين هداةً مهتدين، دعاةً إلى الحق صالحين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088972431

    عدد مرات الحفظ

    780270240