الجواب: هذه العشر الأواخر من رمضان هي أفضل أيام شهر رمضان, ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يخصها بالاعتكاف طلباً لليلة القدر, وكان فيها ليلة القدر التي قال الله عنها: لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ [القدر:3] وكان النبي صلى الله عليه وسلم يخص هذه الليالي بقيام الليل كله, فينبغي للإنسان في هذه الليالي العشر أن يحرص على قيام الليل ويطيل فيها القراءة والركوع والسجود, وإذا كان مع الإمام فليلازمه حتى ينصرف؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة ), وفي آخر هذه الأيام بل عند انتهائها يكون تكبير الله عز وجل, ويكون دفع زكاة الفطر؛ لقوله تعالى: لِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [البقرة:185]؛ ولقول النبي صلى الله عليه وسلم في زكاة الفطر: ( من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة )، وأمر صلى الله عليه وسلم أن تؤدى زكاة الفطر قبل الصلاة، أي: يوم العيد.
الجواب: الذي نرى في هذه المسألة أن ليلة القدر أفضل من ليلة الإسراء بالنسبة للأمة, وأما بالنسبة للرسول صلى الله عليه وسلم فقد تكون ليلة الإسراء التي هي ليلة المعراج في حقه أفضل؛ لأنها خاصة به, ونال فيها من الفضائل ما لم ينله في غيرها, فلا نفضل ليلة القدر مطلقاً, ولا نفضل ليلة الإسراء التي هي ليلة المعراج مطلقاً.
وكأن السائل يريد أن يشير إلى ما يفعله بعض الناس ليلة سبع وعشرين من رجب من الاحتفال بهذه الليلة يظنون أنها ليلة الإسراء والمعراج, والواقع أن ذلك لم يثبت من الناحية التاريخية, فلم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أسري به في تلك الليلة, بل إن الذي يظهر أنه -أي: المعراج- كان في ربيع الأول.
ثم على فرض أنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم عرج به في ليلة السابع والعشرين من رجب, فإن ذلك لا يقتضي أن يكون لتلك الليلة احتفال واختصاص بشيء من الطاعات, وعلى هذا فالاحتفال بليلة المعراج ليلة سبع وعشرين من رجب لا أصل له من الناحية التاريخية, ولا أصل له من الناحية الشرعية, وإذا لم يكن كذلك كان من العبث ومن البدعة أن يحتفل بتلك الليلة.
الجواب: الذي نرى أنه يجب عليك أن تزور أمك, وأن تصحبها بالمعروف, وأن تبرها بما يجب عليك برها به؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل ( من أحق الناس بحسن صحابتي؟ -أي: مصاحبتي- قال: أمك, قيل: ثم أي؟ قال: أمك, قيل: ثم أي؟ قال: أمك, قيل: ثم أي؟ قال: ثم أبوك ) فلا يحل لك أن تقاطع أمكش هذه المقاطعة, بل صلها وزرها, ولك في هذه الحال أن تداري والدك بحيث لا يعلم بزيارتك لأمك ومواصلتك إياها وبرك بها, فتكون بذلك قائماً بحق الأم متلافياً غضب والدك.
الجواب: العوض الذي يعطاه من قام بطاعة من الطاعات المتعدي نفعها للغير ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
أحدها: أن يكون ذلك بعقد الأجرة؛ مثل: أن يتفق هذا العامل القائم بهذه الطاعة مع غيره على عقد إجارة ملزمة يكون فيها كل من العوضين مقصوداً, فالصحيح أن ذلك لا يصح؛ كما لو قام أحد بالإمامة أو بالأذان بأجرة مثل ذلك؛ لأن عمل الآخرة لا يصح أن يكون وسيلة لعمل الدنيا, فإن عمل الآخرة أشرف وأعلى من أن يكون وسيلة لعمل الدنيا الذي هو أدنى؛ قال الله تعالى: بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى [الأعلى:16-17].
القسم الثاني: أن يأخذ عوضاً على هذا العمل على سبيل الجعالة؛ مثل أن يقول قائل: من قام بالأذان في هذا المسجد فله كذا وكذا, أو من قام بالإمامة في هذا المسجد فله كذا وكذا؛ فالصحيح من أقوال أهل العلم في هذه المسألة أن ذلك جائز؛ لأن هذا العمل ليس أجرة, وليس ملزماً.
القسم الثالث: أن يكون العوض مبذولاً من بيت المال تبذله الدولة لمن قام بهذا العمل، فهذا جائز ولا شك فيه؛ لأنه من المصارف التي يصرف إليها بيت المال, وأنت مستحق له بمقتضى هذا العمل, فإذا أخذته فلا حرج عليك, ولكن ينبغي أن يعلم أن هذه الأعواض التي تباح لمن قام بمثل هذه الوظائف لا ينبغي أن تكون هي مقصود العبد, فإنها إذا كانت مقصوده حرم من أجر الآخرة, أما إذا أخذها ليستعين بها على طاعة الله وعلى القيام بهذا العمل فإنها لا تضره, وليعلم أن أخذ الأجرة على القراءة على المريض لا بأس بها؛ لأنها ليست من هذا الباب, وقد ورد في السنة ما يدل على جوازها.
الجواب: تركك الصلاة هذه المدة والصيام لا يؤثر على فريضة الحج التي أديتها من قبل؛ لأن الذي يبطل العمل الصالح السابق هو الردة إذا مات الإنسان عليها؛ لقول الله تعالى: وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:217] أما المعاصي فإنها لا تبطل الأعمال الصالحة السابقة, ولكن ربما تحيط بها من جهة أخرى إذا كانت هذه المعاصي كثيرة ووزن بينها وبين الحسنات ورجحت كفة السيئات فإن الإنسان يعذب عليها.
وبناء على ذلك فإن الواجب عليك الآن أن تتوبي إلى الله عز وجل من ترك الصلاة, وأن تكثري من العمل الصالح, ولا يجب عليك قضاؤها على القول الراجح.
وأما الصوم فتركك إياه جائز؛ لأنك مسافرة, والمسافر لا يلزمه أداء الصوم؛ لقول الله تعالى: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:184] .
وقولك في تعليل تركك الصلاة: إنك لا تعرفين القبلة, ولا تأكلين من طعامهم وشرابهم, فهذا ليس بصواب, أي: أن امتناعك من أداء الصلاة لهذا السبب ليس بصواب, فإن الواجب عليك أن تصلي بقدر المستطاع, وأن تأتي بما يجب عليك في صلاتك بما استطعت منه؛ لقول الله تعالى: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286], وقوله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16], وقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ) فالإنسان إذا كان في مكان لا يعرف القبلة, ولم يكن عنده من يخبره بها خبراً يوثق به, فإنه يصلي بعد أن يتحرى إلى الجهة التي غلب على ظنه أنها القبلة, ولا يلزمه الإعادة بعد ذلك.
الجواب: يجوز للإنسان أن يفضل بعض ورثته على بعض إذا كان هذا التفضيل في حال صحته، إلا في أولاده فإنه لا يجوز أن يفضل بعضهم على بعض إلا بين الذكر والأنثى فإنه يعطي الذكر ضعف ما يعطيه الأنثى؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم ) فإذا أعطى الإنسان أحد أبنائه مائة درهم مثلاً وجب عليه أن يعطي الأبناء الآخرين مائة درهم ويعطي البنات خمسين درهماً, أو يرد المائة الدرهم التي أعطاها الابن الأول -أي: يأخذها منه-، ولو فرض أن أولاده كلهم من الذكور والإناث كانوا قد بلغوا الرشد وسمحوا له بالتفضيل فإن هذا لا بأس به, وهذا الذي ذكرناه في غير النفقة الواجبة, أما النفقة الواجبة فيعطي كلاً منهم ما يستحق, فلو قدر أن أحد أبنائه احتاج إلى الزواج وزوجه ودفع المهر لأن الابن لا يستطيع دفع المهر, فإنه في هذه الحال لا يلزمه أن يعطي الآخرين مثلما أعطى هذا الذي احتاج إلى الزواج لأن التزويج من النفقة.
وبهذه المناسبة أود أن أنبه على مسألة يفعلها بعض الناس جهلاً، حيث يكون عنده أولاد قد بلغوا النكاح فيزوجهم, ويكون عنده أولاد آخرون صغار فيوصي لهم بعد موته بمثل ما زوج به البالغين النكاح, وهذا حرام ولا يجوز؛ لأن هذه الوصية تكون وصية لوارث, والوصية لوارث محرمة؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن الله أعطى كل ذي حق حقه, فلا وصية لوارث).
فإن قال: أوصيت لهم بهذا المال لأني قد زوجت إخوتهم بمثله, فإننا نقول: إن بلغ هؤلاء الصغار النكاح قبل أن تموت فزوجهم كما زوجت إخوتهم, وإن لم يبلغوا فليس واجباً عليك أن تزوجهم, فأرجو أن ينتبه الإنسان لهذا.
الجواب: الحلف بهذه الصيغة خلاف ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم, فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت ) فإذا كنت تريد الحلف فاحلف بالله, قل: والله وما أشبه ذلك, وأما أن تحلف بهذه الصيغة فإن ذلك مخالف لأمر النبي صلى الله عليه وسلم, ولكن مع هذا إذا قال: علي الحرام أن لا أفعل كذا فإما أن يريد الطلاق, وإما أن يريد الظهار, وإما أن يريد اليمين فله ما نوى؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إنما الأعمال بالنيات, وإنما لكل امرئ ما نوى ) .
ولما كان هذا اللفظ محتملاً لأحد المعاني الثلاثة: الطلاق أو الظهار أو اليمين, كان تعيين أحد هذه الاحتمالات راجعاً إلى نيته؛ فإذا قال: أردت بقولي: عليّ الحرام أن لا أفعل كذا أردت أني إن فعلته فزوجتي طالق, كان ذلك طلاقاً, وإن قال: أردت إن فعلته فزوجتي علي حرام كان ذلك ظهاراً, لاسيما إن وصله بقوله: عليّ الحرام أن تكون زوجتي كظهر أمي, وإن قال: أردت اليمين، أي: أردت أن لا أفعله فجعلت هذا عوضاً عن قولي والله كان ذلك يميناً.
فأما حكم الطلاق، أي: إذا نواه طلاقاً وقلنا: إنه طلاق فإن زوجته تطلق إذا فعله, وأما كونه ظهاراً فإن زوجته تكون حراماً عليه حتى يفعل ما أمره الله به من كفارة الظهار؛ وهي: عتق رقبة, فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين, فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً, وإن أراد اليمين فإنه إذا فعله وجب عليه كفارة اليمين؛ وهي: إطعام عشرة مساكين, أو كسوتهم, أو تحرير رقبة, فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام متتابعة.
الجواب: عمله هذا خلاف ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم، لأن الإنسان إذا قام من التشهد الأول واستتم قائماً فإنه لا يرجع, وعليه أن يسجد للسهو قبل السلام سجدتين, هكذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم حين صلى بأصحابه الظهر فقام من ركعتين ولم يجلس, فلما قضى الصلاة وانتظر الناس تسليمه كبر وهو جالس فسجد سجدتين ثم سلم، وقد روي من حديث المغيرة بن شعبة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( فإن استتم قائماً فلا يجلس ).
فالقاعدة إذاً: أن من قام عن التشهد الأول حتى استتم قائماً فإنه لا يجلس, ولكن يجب عليه سجود السهو سجدتين قبل السلام.
وأما قول الجماعة له: كيف رجعت من الفرض إلى السنة؟ فهذا فيه نظر؛ لأن جعلهم التشهد الأول من السنة ليس بصحيح, فإن التشهد الأول واجب؛ لحديث ابن مسعود رضي الله عنه: ( كنا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد ) فإن قوله: (قبل أن يفرض علينا التشهد) يعم التشهد الأول والثاني, لكن لما جبر النبي صلى الله عليه وسلم التشهد الأول بسجود السهو علم أنه ليس بركن, وأنه واجب يجبر إذا تركه المصلي بسجود السهو.
الجواب: سجدة التلاوة هي السجدة المشروعة عند تلاوة الإنسان آية السجدة, والسجدات في القرآن معروفة, فإذا أراد أن يسجد كبر وسجد، وقال: سبحان ربي الأعلى, سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي, اللهم لك سجدت, وبك آمنت, وعليك توكلت, سجد وجهي لله الذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره بحوله وقوته, اللهم اكتب لي بها أجراً, وضع عني بها وزراً, واجعلها لي عندك ذخراً, وتقبلها مني كما تقبلتها من عبدك داود, ثم يرفع بدون تكبير ولا سلام إلا إذا كانت السجدة في أثناء الصلاة؛ مثل: أن يقرأ القاري وهو يصلي سجدة، فإنه يجب عليه أن يكبر إذا سجد, ويجب عليه أن يكبر إذا قام؛ لأن الواصفين لصلاة النبي صلى الله عليه وسلم يقولون: إنه يكبر كلما خفض ورفع, وهذا يشمل سجود صلب الصلاة وسجود التلاوة.
وأما ما يفعله بعض الناس من كونه يكبر إذا سجد ولا يكبر إذا قام والسجود في نفس الصلاة, فلا أعلم له وجهاً من السنة، ولا من أقوال أهل العلم أيضاً.
وأما قول السائل: هل تشترط الطهارة في سجود التلاوة, فإن هذا موضع خلاف بين أهل العلم, فمنهم من قال: إنه لابد أن يكون على طهارة, ومنهم من قال: إنه لا يشترط, وكان ابن عمر رضي الله عنهما يسجد على غير طهارة, ولكن الذي أراه وهو الأحوط ألا يسجد إلا وهو طاهر.
الجواب: الحكم في هذا أنه لا شيء عليه؛ لأنه كان جاهلاً, والصائم إذا تناول شيئاً من المفطرات جاهلاً فلا قضاء عليه؛ لقوله تعالى: رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286] فقال الله: ( قد فعلت ), ولحديث عدي بن حاتم أنه جعل تحت وسادته عقالين أسود وأبيض, وجعل يأكل وينظر إليهما, فلما تبين له الأبيض من الأسود أمسك, فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم, ولم يأمره بالقضاء, ولحديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما أنهم أفطروا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في يوم غيم ثم طلعت الشمس, ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالقضاء؛ فدل هذا على أن من أكل جاهلاً بالوقت ويظن أنه في ليل ثم تبين أنه في نهار فلا قضاء عليه, وكذلك لو كان جاهلاً بالحكم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر