الجواب: الحديث الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم في الاستخارة شامل عام في كل أمر يهم به الإنسان ولا يدري الخيرة في فعله أم في تركه، فإنه يستخير الله تعالى، ولكنه لا يتناول الأمور المفروضة على المرء؛ لأن فعل الأمور المفروضة على المرء خير بلا تردد، وعلى هذا فإذا وجب الحج على الإنسان وتمت شروط الوجوب، فإن عليه أن يحج بدون استخارة، كما أنه إذا أذن لصلاة الظهر مثلاً فإنه يجب عليه أن يصلي بدون استخارة، وكذلك إذا وجب عليه الجهاد فصار فرض عين عليه فإنه يجب عليه أن يجاهد بدون استخارة، ولكن إذا كان الشيء مشروعاً وليس بواجب عليه فإنه يمكن أن تدخل فيه الاستخارة، بمعنى أن المشروعات بعضها أفضل من بعض، فقد يريد الإنسان أن يعتمر عمرة تطوع أو يحج حج تطوع ولكن لا يدري الحج أفضل أم بقاؤه في بلده للدعوة إلى الله والإرشاد وتوجيه المسلمين والقيام بمصالح أهله وبيته أفضل، فيستخير الله سبحانه وتعالى حينئذٍ، يستخير لا لأنه قد شك في فضل العمرة، ولكن لأنه قد شك: هل الذهاب إلى العمرة في هذا الوقت أفضل أم البقاء في بلده أفضل؟ وهذا أمر وارد ويمكن فيه الاستخارة، ومن تأمل حديث الاستخارة وهدي النبي صلى الله عليه وسلم علم أنها لا تشرع إلا في الأمر الذي يتردد فيه الإنسان، أما الأمر الذي ليس فيه تردد فإنه لا تشرع فيه الاستخارة، وكما أسلفت أن الأمور الواجبة لا تحتمل التردد والشك في فعلها لوجوب القيام بها على كل حال ما دامت شروط الوجوب موجودة.
الجواب: نعم، إذا تقدم رجل إلى امرأة يخطبها، وكان كفواً في دينه وخلقه ورضيت به ورضي إخوتها فإنها تزوج به، ومن عارض منهم فإنه لا يلتفت إلى معارضته، حتى ولو كان هو الولي الخاص، فإنه ليس له الحق في أن يمنعها من أن تتزوج بكفء، ولها في هذه الحال أن ترفع الأمر إلى الحاكم الشرعي من أجل أن يوكل من يزوجها من أوليائها، وأما إذا كانوا إخوة وكلهم إخوة أشقاء فإن كل واحد منهم ولي بنفسه لا يحتاج إلى توكيل ولا الذهاب إلى الحاكم، فإذا امتنع أخوها الكبير من أن يزوجها إلا بهذا الشرط المادي البحت، فإن لبقية إخوانها البالغين الذين تمت فيهم شروط الولاية أن يزوجوها، وعلى فهذا فيقال للكبير: إن زوجتها فإننا نحترمك ونجعل الأمر إليك، وإن لم تزوجها فإن أحدنا يتولى تزويجها، وفي هذه الحال إذا تولى تزويجها أحدهم فإن النكاح يكون صحيحاً، لأن ولايتهم على أختهم سواء، حيث إن كلاً منهم أخ شقيق.
وإني بهذه المناسبة أنصح هذا الأخ الكبير إذا كان ما ذكر عنه صدقاً، أنصحه فأقول له: اتق الله عز وجل، لا تمنع هذه المرأة من كفئها الذي خطبها وهي راضية به من أجل حطام الدنيا ولعاع الدنيا، بل إنك إذا اشترطت شيئاً لنفسك فإنه لا يحل لك، وكل ما اشترطه فإنه يكون للزوجة لأنه صداقها، وقد قال الله تبارك وتعالى: وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا [النساء:4]، فجعل الصداق لهن، وجعل التصرف فيه لهن، وليس لك حق منه، فاتق الله يا أخي في نفسك وفيمن ولاك الله عليه، واعلم أن ولايتك هذه أنت وإخوانك فيها على حد سواء، فإن كل واحد منكم أخ شقيق، فإن زوجتها فأنت مشكور على ذلك، وإن لم تزوجها فإن لهم شرعاً أن يزوجوها، ولكن كونك تتولى تزويجها وتسلم العائلة من المشاكل، هذا هو الخير لك ولإخوانك وأختك.
الجواب: إذا كانت تاركة للصلاة تركاً مطلقاً لا تصلي أبداً، فإن ترك الصلاة كفر يخرج به الإنسان من الملة، والكافر لا يؤمر بقضاء ما يجب على المكلف من عبادات، بدليل قوله تعالى: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ [الأنفال:38]، وعلى هذا فإذا كان شهر رمضان الذي مر عليها قد مر عليها وهي لا تصلي أبداً، فإنه لا يصح منها إذا صامت، ولا يلزمها قضاؤه إذا أسلمت، وما دامت الآن أسلمت بعودتها إلى فعل الصلاة، فإنه لا يجب عليها قضاء ما تركته حين تركها للصلاة، لما أشرنا إليه آنفاً.
الجواب: معنى قوله تعالى: وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا [التوبة:60]، أي: على الزكاة، والمراد بذلك الطائفة التي تقيمهم الدولة لقبض الزكاة ممن تجب عليهم، وصرفها في مستحقيها.
هؤلاء هم العاملون عليها، وليس المراد بالعاملين عليها العاملين على المال الزكوي -كما ظنه هذا السائل- وعلى هذا فإخراج زكاته إلى زوجته بهذه النية لا يجزئه، والواجب عليه أن يعيد ما أخرجه، بمعنى أن يزكي ماله عن السنة التي أخرج الزكاة فيها إلى زوجته بهذه النية، فإذا كان قد أعطاها بقرة أو بقرتين فإنه يخرج الآن بقرة أو بقرتين، المهم أنه يضمن الزكاة أو يضمن ما دفعه إلى امرأته فيخرجه الآن.
وإني أنصح هذا الرجل وغيره، وأقول: إن الواجب على المسلم أن يعلم أحكام الله تعالى في عبادته قبل أن يفعلها، ليعبد الله تعالى على بصيرة، أما كونه يتعبد لله تعالى بالجهل فإن هذا نقص عظيم، وربما يفعل شيئاً يحبط العمل وهو لا يدري، وربما يترك شيئاً لا بد من وجوده في العمل وهو لا يدري، فالواجب على المرء أن يتعلم من أحكام دينه ما تدعو الحاجة إليه. والله المستعان.
الجواب: ليس عليك شيء سوى ذلك، لأنك تركتها لعذر، أي: أخرتها إلى السنة الثانية لعذر، وهو عدم الاستطاعة، وحينئذٍ ليس عليك إلا صيامها وقد فعلت، وقد قال الله تعالى في كتابه: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:185]، فأنت أديت ما أوجب الله عليك، ونسأل الله لنا ولك القبول.
الجواب: زكاة الفطر واجبة، لكن لوجوبها شروط ومنها: أن يكون قادراً عليها وقت الفطر من رمضان، وما دمت في ذلك الوقت الذي أشرت إليه لا تجد ما تزكي به عن أطفالك فإنه لا شيء عليك، وإخراجك ذلك بعد هذا يعتبر صدقة وتبرعاً منك، لأن جميع الواجبات تسقط مع العجز عنها، لقول الله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]، وقوله تعالى: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ).
الجواب: هذا الحديث صحيح بكثرة طرقه، وتلقي الأمة له بالقبول، فإن العلماء قبلوه وأثبتوه حتى في بعض كتب العقائد، وقد بين النبي عليه الصلاة والسلام أن الفرقة الناجية: هي الجماعة الذين اجتمعوا على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من عقيدة وقول وعمل، فمن التزم ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من العقائد الصحيحة السليمة والأقوال والأفعال المشروعة، فإن ذلك هو الفرقة الناجية، ولا يختص ذلك بزمن ولا بمكان، بل كل من التزم هدي الرسول عليه الصلاة والسلام ظاهراً وباطناً فهو من هذه الجماعة الناجية، وهي ناجية في الدنيا من البدع والمخالفات، وناجية في الآخرة من النار.
الجواب: قبل الجواب على هذا السؤال أحب أن أوجه نصيحة إلى أولئك الشيوخ الذين وصفهم هذا السائل بما وصفهم به، أقول: أيها الشيوخ! إن الواجب عليكم التوبة إلى الله عز وجل، والرجوع عما أنتم عليه مما وصف فيكم، وأن تلتزموا طريق النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وأن تقوموا بما أمركم الله به من العبادات الظاهرة والباطنة، حتى تكونوا أئمة هدى وصلاح وإصلاح، وأما بقاؤكم على ما أنتم عليه مما وصف السائل، فهو خسارة لكم في دينكم ودنياكم، وهو ضلال وكفر بالله عز وجل، ولا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور، لا يغركم أن السذج من الخلق يأتون إليكم يقبلون أيديكم وأرجلكم، ويتمسحون بثيابكم وعمائمكم، إن هذا غرور من الشيطان يبعث إليكم هؤلاء السذج من أجل أن تستمرئوا ما أنتم عليه، وتستمروا على هذه الطريقة الباطلة، فاتقوا الله في أنفسكم واتقوا الله في عباد الله، واخشوا يوماً لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئاً، واعلموا أن من دعا إلى ضلالة كان عليه إثم هذه الدعوة، وإثم من عمل بها إلى يوم القيامة، وباب التوبة مفتوح، إن عليكم أن ترجعوا إلى الله، وأن تبينوا أن طريقتكم الأولى التي أنتم عليها طريقة ضلال، وأنكم خاطئون فيها، ولكنكم تتوبون إلى الله تعالى منها.
أما بالنسبة لما ذكره السائل من أحوالهم، فإن إنكارهم الصوم، وقولهم: إن الصوم إنما يجب على الفقراء! هذا كفر وردة عن الإسلام، لأن الصوم واجب على كل مكلف، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:183]، فمن أنكر وجوب الصيام على الأغنياء، وقال: إنه واجب على الفقراء فقط، فقد كفر بالقرآن وكفر بالسنة وكذب إجماع المسلمين، وهو كافر بلا شك، وكذلك من استكبر عن الحج، وقال: إن مكة حارة وفيها جبال وليس فيها أشجار، فإنه كافر مستكبر عن عبادة الله عز وجل، لأنه كره ما أنزل الله تعالى من فريضة الحج على عباده وتعليله هذا كالمستهزئ بشريعة الله سبحانه وتعالى، والله عز وجل فرض الحج على عباده على المستطيع منهم، وهو يعلم حال هذه البلاد التي فرض الله فيها هذا، كما قال الله عن إبراهيم خليله: رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ [إبراهيم:37]، والمغرور بهؤلاء الشيوخ الذين هذه صفتهم، والذين هم يصدون عن الإسلام المغرور بهم مخدوع، فلا يجوز لأحد أن يدعو الله لهم إلا بالهداية، وأما أن يحج لهم، أو يعتمر لهم، أو يأخذ بقولهم، ويصدقهم فيما يقولون، ويتبعهم فيما إليه يذهبون، فإنه كافر، لأن كل من صدق أن الصوم لا يجب إلا على الفقراء فقط، أو أن تكليف الناس الحج تكليف لهم بما لا يطاق، لأن مكة جبال وحارة، فإنه يعتبر كافراً، لاعتراضه على حكم الله وحكمته، وإنكاره ما فرض الله تعالى على عباده من الصوم، اللهم إلا أن يكون جاهلاً لا يعرف، وإنما سقط في أحضان هؤلاء وضللوه ولم يهيئ له من يقول له: إن هذا كذب وباطل فهذا ينظر في أمره، وأما من صدقهم وهو يعرف ما المسلمون عليه، فإنه يكون كافراً بتصديقهم، لأنه صدقهم في إنكارهم فرض الصيام.
كذلك زعمهم -أي: زعم هؤلاء الشيوخ- إذا أمروا بالصلاة أنهم يصلون في المسجد الحرام، زعم كاذب باطل فكيف يصلي في المسجد الحرام من كان في إفريقيا أو في شرق آسيا أو ما أشبه ذلك، هذا أمر لا يمكن، ولكنهم يغرون العامة بمثل هذه الكلمات، فهم لا يصلون في المسجد الحرام، وإنما يريدون التملص والتخلص من الاعتراض عليهم.
وعلى كل حال فإني أحذر إخواني المسلمين من الاغترار بأمثال هؤلاء، وأدعوهم إلى نبذ هؤلاء، وإلى البعد عنهم، ولكن لا يمنع ذلك من مناصحتهم، والكتابة إليهم لعلهم يرجعون إلى الحق.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر