الجواب على هذا السؤال يتوقف على معرفة أسباب الجمع، فالجمع لا يقتصر سببه على السفر وحده، بل السفر سبب من أسباب الجمع، وإلا فهناك أسباب أخرى غير السفر، يجمعها ما ذكره ابن عباس رضي الله عنهما حين أخبر: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع في المدينة من غير خوف ولا مطر، فسئل رضي الله عنه: لم صنع ذلك؟ فقال: أراد ألا يحرج أمته) أي: أراد ألا يوقعها في حرج، وعلى هذا؛ فمتى كان في ترك الجمع حرج ومشقة، فإنه يجوز الجمع، فهذا الذي مشى من منزله بنية السفر، ولكن المدينة كانت واسعة مترامية الأطراف، ويشق عليه أن يتوقف ليصلي الظهر في وقتها؛ فإن عليه أن يجمع ويؤخرها إلى وقت العصر، أما إذا كان لا يشق عليه أن يتوقف في أي مكان، فإنه يجب عليه أن يقف ويصلي الظهر في وقتها، لأنه إلى الآن لم يكن له سبب يبيح الجمع، حيث لم يخرج من بلده فيكون قد فارق البلد ودخل في السفر.
واعلم أن الجمع كما يكون عند الحاجة إليه، يكون أيضاً بفوات مصلحة الجماعة، فإذا كان هؤلاء الجماعة سيتفرقون ولا يصلون جماعة، فإن لهم الجمع، ولهذا جاز الجمع للمطر من أجل الجماعة، فإن الناس في أيام الشتاء في أيام الأمطار يجمعون بين المغرب والعشاء جمع تقديم، وما هذا الجمع إلا لخوف فوت صلاة الجماعة، إذ من الممكن أن ينصرفوا بدون جمع، ويقال لهم: صلوا في بيوتكم، صلوا في رحالكم، من أجل مشقتهم للحضور إلى المسجد، لكن الجماعة لها شأن كبير، فهي واجبة لا يجوز تركها إلا من عذر شرعي.
مداخلة: إذا وصل إلى المدينة التي يريدها مثلاً في وقت صلاة العشاء، ولم يكن صلى المغرب في وقتها، بل أخرها إلى وقت العشاء، فهل يلزمه أن يصليهما في أول وقت العشاء نظراً لطول وقته، أم لا باس بتأخيرها ولو إلى آخر وقت العشاء؟ ثم بالنسبة لصلاة العشاء هل يصليها قصراً مع الجمع أم يتمها مع الجمع إذا كانت إقامته طويلة؟
الشيخ: ما دامت البلد التي وصل إليها ليست بلدهم، وإنما هي بلد آخر سافر إليه ليقضي حاجة منه، ثم يرجع إلى بلده، فإنه إذا وصل إلى البلد في وقت المغرب فله أن يؤخرها فيصليها مع العشاء جمعاً ويقصر العشاء إلى ركعتين، لأنه مسافر، وإن وصل إلى البلد الذي يريده، ما دام من نيته أن يرجع إلى بلده إذا انتهت حاجته، ولكن الذي نرى أنه إذا كان في بلد تقام فيه الجماعة، ويسمع فيه الأذان، أنه يجب عليه أن يذهب إلى المسجد، ويصلى مع الناس، وحينئذٍ فلابد له من الإتمام، لأن من ائتم بمن يتم وهو مسافر فإنه يجب عليه الإتمام تبعاً لإمامه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا)، ولأن ابن عباس سئل عن هذا فقال: ( تلك هي السنة). أي: الإتمام، إتمام المسافر خلف من يصلي أربعاً.
الجواب: هذه المسألة فيها خلاف بين أهل العلم يبلغ منه نحو عشرة أقوال، وأصح الأقوال فيها عندي ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله من أنه لا تحديد للمدة التي ينقطع بها حكم السفر، ما دام هذا الرجل عازماً على أنه متى انتهى شغله رجع إلى بلده فهو مسافر ما لم يتخذها وطناً ولا مقراً، هذا هو الذي نراه في هذه المسألة، وقد تأملت كثيراً فيما استدل به المحددون فلم أر فيه ما يدل على التحديد، وإنما هي مدة وقعت اتفاقاً لا قصداً، وما وقع اتفاقاً فإنه لا يعتبر تشريعاً، مثال ذلك: أن الذين حددوها بأربعة أيام استدلوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم قدم مكة في اليوم الرابع من ذي الحجة عام حجة الوداع، وبقي أربعة أيام، فخرج في اليوم الثاني إلى منى، وكان يقصر الصلاة في هذه المدة، حتى رجع إلى المدينة، كما ذكره أنس بن مالك رضي الله عنه، قالوا: فهذا دليل على أن المدة التي لا ينقطع بها حكم السفر أربعة أيام فقط، وإن من المعلوم لكل متأمل أن هذه المدة وقعت اتفاقاً، وأن الرسول عليه الصلاة والسلام لو قدم في اليوم الثالث، أي: قبل خروجه إلى منى بخمسة أيام لقصر، ولو لم يكن هذا هو الحكم لكان الرسول عليه الصلاة والسلام بيّن لأمته؛ لأنه يعلم أن من الحجاج من يقدم في اليوم الثالث وفي اليوم الثاني، ومنهم من يقدم قبل دخول شهر ذي الحجة، فلو كان الحكم يختلف بين من قدم في اليوم الرابع ومن قدم في اليوم الثالث، لكان الرسول عليه الصلاة والسلام يبينه لأمته؛ لأن الله تعالى أوجب عليه البلاغ، فقال: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ [المائدة:67]، وقال سبحانه وتعالى: فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ [آل عمران:20]، وقال تعالى: اعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ [المائدة:92]. فالحاصل أن هذا مثال لمن حددوا، وهو كما رأيت لا يدل على التحديد، كذلك أيضاً من أهل العلم من حدها بخمسة عشر يوماً كمذهب أبي حنيفة، ومنهم من حده بستة عشر يوماً، كما ذكر ذلك ابن عباس رضي الله عنهما، ولكن الراجح عندي ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، وأنه لا تحديد لمدة الإقامة التي ينقطع بها حكم السفر ما دام الرجل عازماً على الرجوع إلى بلده، وأنه قد اتخذ هذا البلد لمجرد قضاء الحاجة فقط.
الجواب: تحنيط الحيوان من أجل التعلم والحصول على علم ينفع العباد، هذا لا بأس به، وذلك بأن الله عز وجل خلق لنا ما في الأرض جميعاً، كما قال تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا [البقرة:29] ، ولكن يجب أن تتخذ أسهل الوسائل للوصول إلى هذا الغرض في قتل هذا الحيوان المحنط؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة)، وإذا خدرت بمخدر من أجل إجراء العملية عليها في حال حياتها فإن هذا لا بأس به أيضاً، لأن هذا فيه مصلحة للمتعلمين، وليس فيه كبير مضرة على هذا الحيوان، إذ إنه عند التخدير لا يتألم بالتشريح، فلا بأس بها، وأما حبسها في محل بحيث لا يصل إليها الهواء، فإن في النفس من هذا شيئاً؛ لأن هذا تعذيب شديد عليها، ولا أدري هل الحاجة ملحة إلى هذه العملية أم غير ملحة؟
وأما بالنسبة لتحنيط هذه الحيوانات للزينة فلا أراه جائزاً؛ وذلك لأنها خلقت لينتفع بها بالأكل، أما للزينة فإن فيها شيئاً من السرف، ومن إضاعة المال بغير فائدة، فلا أرى أن تحنط لهذا الغرض، لأن بذل المال فيها إضاعة له.
الجواب: لا ريب أن الطلاق بيد الرجال وليس بيد النساء، ولا أعلم أحداً قال بأنه يشترط لوقوعه رضا المرأة، فالطلاق يقع على المرأة سواء رضيت أم لم ترض بذلك، ولكن يبقى النظر في مسألتك أيها الأخ، ربما تكون الزوجة لم تقتنع بوثيقة الطلاق، حيث لم تكن الوثيقة على وجه يثبت به الحكم، بأن كانت بمجرد كتابة لا تعرف، ولا يدرى من كاتبها، ومثل هذه الأمور يجب على الإنسان أن يتحرى فيها، وأن لا يكتب طلاق امرأته بمجرد قلمه الذي قد لا يعرفه أكثر الناس، فإن هذا خطأ، وقد رأيت كثيراً من الناس يفعلون هذا، فتجده يكتب أقول: وأنا فلان بن فلان وأقر بحالتي إقراراً شرعياً بأني قد طلقت زوجتي فلانة، ثم يوقع، وهذا في الحقيقة فيه تقصير كبير، فإن الأمر يترتب عليه مسائل هامة، ومنها أن المرأة إذا لم يكن عندها وثيقة إلا مثل هذه الوثيقة، فإنها لا تتمكن أن تتزوج بهذه الوثيقة، فإذا حصل أن أحداً يريد أن يطلق زوجته، فلابد أن يتتبع ما يأتي، أولاً: ينظر هل هي حائض أم طاهر أم حامل؟ فإن كانت حاملاً فإنه يصح أن يقع الطلاق عليها، وحتى لو كان قد جامعها في يومه، فإنه يجوز أن يطلقها، خلافاً لبعض ما يفهمه العامة يقولون: إن الحامل لا يقع عليها طلاق، ولا أدري من أين أتوا بهذا القول؟ المهم إذا كانت المرأة حاملاً فإن طلاقها لا بأس به في الحال، ولو كان قد جامعها من يومه.
ثانياً: إذا لم تكن حاملاً وهي حائض، فإنه لا يجوز أن يطلقها، وهو حرام عليه، وقد تغيض في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ذكر له أن ابن عمر رضي الله عنهما طلق زوجته وهي حائض، لأن الله تعالى يقول: يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ [الطلاق:1]، ومن طلقها في الحيض لم يكن طلقها لعدتها، وإن كانت طاهراً غير حامل فينظر هل جامعها في هذا الطهر أم لم يجامعها؟ إن كان قد جامعها فإنه لا يحل له أن يطلقها حتى تحيض ثم تطهر، وإن كان لم يجامعها في هذا الطهر فإنه يحل له طلاقها.
والحاصل أنه لا يجوز للمرأة أن تطلق حال الحيض، ولا في الطهر الذي جامعها فيه زوجها، ويجوز أن تطلق في حال الحمل، وفي الطهر الذي لم يجامعها فيه، فهذه أربع حالات: حيض، طهر جامعها فيه، ففي هاتين الحالتين لا يجوز أن يطلقها الزوج، أو فيطهر لم يجامعها فيه، حمل، وفي هاتين الحالتين يجوز أن يطلقها الزوج، ولا يشترط لطلاقه أن ترضى بذلك، هذا يجب أن ينظر إليه عند الطلاق.
ثانياً: يجب أن يكون الطلاق بإثبات شرعي، وذلك بأن يكتبه الرجل بوثيقة يكون بشهادة اثنين وبخط معروف أو بخط مصدق من قبل المحكمة مثلاً، أو من قبل من يوثق بتصديقه ممن يعرف بتصديقه أيضاً، أما أن يرسل ورقة هكذا غير معروفة الخط، ولا موثقة، فإن المرأة قد تنكر الطلاق، قد تقول: هذا طلاق لم يثبت، وحينئذٍ تلجئه إلى المحاكمة والمخاصمة، وليس معنى ذلك أنه لا يقع الطلاق إلا بهذه الوثيقة، لا، فلو طلقها الإنسان بدون وثيقة وقع الطلاق، لكن أريد من هذا أن تكون وثيقة الطلاق بيد الزوجة، حتى إذا تمت العدة، وأرادت أن تتزوج، صار لديها وثيقة تثبت بها طلاق زوجها الأول.
مداخلة: من حيث النفقة؟
الشيخ: من حيث النفقة كما قلت: قد تكون المرأة لم تقتنع بهذه الورقة، ولم ترها وثيقة طلاق، وأنا لا أدري عن الورقة التي بعث بها هذا الرجل، وعلى هذا فلابد من محاكمته، فإما أن يثبت أنه طلق في التاريخ الذي كتب فيه هذه الورقة، وإذا ثبت فإنه لا نفقة له عليها، وإما أن لا يثبت، وحينئذ يبق النكاح على ما كان عليه حتى يتبين وجه الأمر فيه.
مداخلة: في الحالتين اللتين ذكرتموها التي هي..
الشيخ: لا يحل الطلاق فيها.
مداخلة: التي هي الطهر الذي يجامعها فيه، أو في حال الحيض، لو حصل وطلق فهل يقع الطلاق أو لا؟
الشيخ: جمهور أهل العلم ومنهم المذاهب الأربعة على أن الطلاق يقع، حتى ولو كان في هذا الوقت المحرم إيقاعه فيه، واختار شيخ الإسلام ابن تيمية أنه لا يقع الطلاق في هذه الحال، واختياره هو الصواب، أنه لا يقع في هذه الحال، وذلك لأنه خلاف أمر الله ورسوله، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)، والناس، أي: لأهل العلم في هذه المسألة كلام طويل جداً، ومناقشات كثيرة، ولكن الذي تبين لنا من قواعد الشريعة العامة، ومن بعض ألفاظ حديث ابن عمر رضي الله عنه وعن أبيه، أن الطلاق لا يقع، وكيف يقع وهو محرم، والمحرم لا يريد الله تعالى منه إلا ألا يكون وألا يترتب عليه أثره إذا كان مما يمكن فيه الصحة والفساد، فإذا كان مما يكون فيه الصحة والفساد فإنه لا يمكن أن يقع صحيحاً وهو محرم، كما لا تصح الصلاة في أوقات النهي وما أشبه ذلك مما يقع في وجه، ولا يصح الصيام أيضاً في يوم العيد وفي أيام التشريق في الحال التي يحرم فيها.
مداخلة: وعلى أي حال الشخص المطلق آثم لأنه فعل فعلاً..
الشيخ: هو آثم بالاتفاق، ولكن هل يقع الطلاق وتحسب عليه هذه الطلقة أم لا يقع؟ هو كما قلت لك: أكثر أهل العلم ومنهم المذاهب الأربعة على وقوعه، وخالف شيخ الإسلام فقال: إنه لا يقع، وهو الصحيح عندي إن شاء الله تعالى.
الجواب: هذا العمل ليس بجائز شرعاً، وذلك لأنه لا يمكن أن تكون هذه الورقة تطرد الطيور عن المزارع، فإن هذا ليس معلوماً بالحس، وليس هو أيضاً معلوماً بالشرع، وكل سبب ليس معلوماً بالحس ولا بالشرع، فإن اتخاذه محرم، فلا يجوز أن يعملوا هذا العمل، وإنما عليهم أن يكافحوا هذه الطيور التي تنقص محاصيلهم بالوسائل المعتادة التي يعرفها الناس، دون هذه الأمور التي لا يعلم لها سبب حسي ولا شرعي.
مداخلة: كذلك في حالة ما إذا سحر أحدهم يذهبون إلى شيخ كما يسمي نفسه، ويكتب لهم ورقة فيها آيات من القرآن، ثم يحرقها في النار ويجعلها تحت الشخص المسحور، حتى إذا اشتم رائحة الدخان نطق باسم من سحره فيقول: سحرني فلان ابن فلان، ويذكر السبب الذي سحره من أجله، وقد أحدثت هذه الحالة الكثير من المشاكل حتى وصل بعضها إلى السلطات، فما الحكم في هذا العمل من الفاعل والمفعول له؟
الشيخ: الحكم أن هذا لا يجوز، ولو كان هذا الرجل يكتب القرآن ويعطيه المريض فيشربه، لكان هذا مما ورد عن السلف، وكان هذا جائزاً، وتأثيره ظاهر، أما كونه يكتب الآيات ثم يحرقها حتى يشم هذا المسحور دخانها، فأخشى أن يكون هذا الإحراق امتهاناً للقرآن أمام الشياطين التي تريد من بني آدم أن يمتهن كتاب الله عز وجل حساً ومعنى، وإلا فلا وجه للإحراق لكونه يشم دخان هذا الورق الذي احترق، فالذي أرى في هذه الحال أنه لا يجوز أن يذهب إلى هذا الرجل، ويؤخذ منه هذا الدواء، وأن يستعين المسحور بالأدوية الحسية الطبيعية المعروف تأثيرها، وبالدعاء وبالآيات القرآنية، ومنها: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ [الفلق:1]، و قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ [الناس:1]، فإن هاتين السورتين ما تعوذ متعوذ بمثلهما.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر