الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله, وعلى آله وأصحابه أجمعين.
نواصل في هذه الليلة المباركة -ليلة الإثنين السادس والعشرين من شهر رجب من عام (1430هـ)- هذه الدروس في شرح كتاب الحج من بلوغ المرام .
عندنا الحديث رقم (723): عن عائشة رضي الله عنها: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأهل العراق ذات عرق ).
والمصنف يقول: رواه أبو داود والنسائي.
وقد صحح الحديث جمع من أهل العلم, كـالنووي والعراقي والذهبي، وكذلك من المعاصرين الألباني .
وفي الحديث نظر من حيث رفعه؛ فإن هذا الحديث جاء من طريق أفلح بن حميد عن القاسم عن عائشة رضي الله عنها: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأهل العراق )، وقد أنكر الإمام أحمد على أفلح بن حميد هذا الحديث وبعض أحاديثه، فهو ممن ينكر عليه ما تفرد به ؛ ولذلك فإن هذا الحديث لا يصح .
و سائر ما ورد فيما يظهر -والله أعلم- ( أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأهل العراق ذات عرق ) لا يخلو من علة أو من مقال .
ومثله الحديث الذي بعده، وقد ساقه المصنف -رحمه الله- برقم (724)، قال: وأصله عند مسلم من حديث جابر , إلا أن راويه شك في رفعه.
فـمسلم روى حديث جابر في المواقيت أيضاً في الحج، وكذلك أبو عوانة في مستخرجه على مسلم، وابن ماجه وابن خزيمة والدارقطني والبيهقي، وأحمد رواه في مسنده .
وهذا الحديث -حديث جابر - رواه مسلم من طريق أبي الزبير عن جابر قال: أحسبه رفعه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا شك في رفعه، فلا يثبت رفعه إذاً.
وفي رواية ابن ماجه جزم بأنه مرفوع ولم يشك, قال: عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولكن في إسناد ابن ماجه إبراهيم بن يزيد الخوزي , وقد ذكرته أمس، وهو ضعيف بل هو منكر الحديث، فحديث لا يصح .
وكذلك في رواية الإمام أحمد، الإمام أحمد روى حديث جابر نفسه جزماً من غير تردد، ولكن في سند الإمام أحمد أيضاً الحجاج بن أرطأة , وهو ضعيف .
وبناء على ذلك نقول: إن طرق الحديث كلها لا تصح أو لا تثبت، إما أنها ليست صحيحة أو ليست صريحة، فرواية مسلم من طريق أبي الزبير عن جابر هي أمثل الروايات, ولكن ليس فيها الجزم بالرفع, وإنما قال: أحسبه قال، فهذا ليس مجزوماً به.
ورواية ابن ماجه فيها إبراهيم بن يزيد الخوزي , وهو متروك كما ذكرت، فلا يصح الجزم بالرفع إذاً.
ورواية الإمام أحمد فيها الحجاج بن أرطأة , وهو ضعيف، فلا يصح الجزم إذاً.
وكذلك أيضاً ورد عند البيهقي وفيه عبد الله بن لهيعة , وهو ضعيف .
فلا تصح الأحاديث الواردة بالجزم.
تكرر فيها لفظ: (ذات عرق)، وهو اسم موضع يقع إلى الشمال الشرقي من مكة المكرمة، ويقرب اليوم مما يسمى بـالضريبة، وهي من أقرب المناطق ومن أقرب أماكن الإحرام إلى مكة، فهي قريبة جداً من قرن المنازل، يعني: نحو ثمانين كيلو متر أو تزيد قليلاً.
ولذلك فإن المحققين لا يقولون بأن الذي وقَّت ذات عرق هو النبي صلى الله عليه وسلم، حتى الشافعي نفسه -رحمه الله- في كتاب الأم أشار إلى هذا المعنى، ومالك نص عليه كما في المدونة، والإمام أحمد أشار إليه أيضاً، وحاول بعضهم التوفيق، فقالوا: إن هذا مما وافق فيه عمر هدي النبي صلى الله عليه وسلم وهو لا يعلم، فقد جاء توقيت من النبي صلى الله عليه وسلم بتحديد ذات عرق , ولم يكن عمر اطلع على هذه السنة, فوقَّت لهم ذات عرق، ثم تبين أن ذلك يوافق ما كان حدده ووقته النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
والأقرب أن هذا فيه نوع من التكلف؛ لأسباب:
منها: أن ابن عمر رضي الله عنه لما سئل -وقد ذكر حديث المواقيت- فقيل له: (والعراق؟ قال ابن عمر رضي الله عنه: لم يكن عراق يومئذ).
ومقصود ابن عمر أنه لم يكن يومئذ هناك مسلمون في العراق، وهذا فيه أيضاً معنى لطيف, أنه رضي الله عنه قصد أن السائل في الحديث كان يسأل النبي صلى الله عليه وسلم: من أين نهل؟
كانوا يسألون النبي عليه السلام: من أين نهل؟
فـابن عمر يقول: ما كان هناك مسلمون يسألون: (من أين نهل) آنذاك, ولم يكن مقصوده أن عدم التوقيت بسبب عدم وجود مسلمين، وإلا فـالشام أيضاً لم يكن شام يومئذ، لم يكن دخلها الإسلام أول الأمر, إلا عدد قليل من الناس لا يكادون يذكرون، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم بين هذه المواقيت لأهل المشرق ولأهل المغرب ولأهل الأرض كلها، وفيها علم من أعلام نبوته، وأخبر بما لم يقع مما سوف يقع من إسلام هؤلاء الناس, وكونهم يأتون إلى الحج وإلى العمرة.
فهذا معنى ينبغي أن يتفطن له، أن ابن عمر رضي الله عنه قال: (لم يكن عراق يومئذ)، أريد أن أقول: ما كان قصد ابن عمر أنه لم يكن عراق، ولهذا لم يوقت النبي عليه السلام، وإنما كان قصده أن الناس لم يسألوا، الذين سألوا سألوا عن: كيف نهل؟ ومن أين نهل؟ ولم يكن منهم أحد من أهل العراق، هكذا يظهر قصد ابن عمر .
أيضاً: أن ابن عمر رضي الله عنه لم يذكر هذا التوقيت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والصحابة الذين ذكروا ما ذكروا من توقيت النبي عليه السلام لم يشيروا إلى أنه من موافقات عمر، وهذا الأمر يفترض أن يكون ذاع وشاع عند الصحابة.
فلهذا نقول: إن رواية البخاري هي أصح ما ورد في الباب, وهي المعتمدة، وإن كان الخطب يسيراً، لكن نقول: إن ذات عرق تم تحديدها باجتهاد من عمر بن الخطاب رضي الله عنه، -كما في صحيح البخاري - لما (جاءه أهل العراق -أهل الكوفة والبصرة- وقالوا: إن قرناً جور عن طريقنا - قرن المنازل -، فقال: انظروا حذوها من طريقكم)، واجتهد رضي الله عنه فحدد لهم قرن المنازل.
وفي إسناد الحديث يزيد بن أبي زياد , وهو ضعيف، وإن كان مسلم رحمه الله قد انتقى واختار من أحاديثه، لكن يزيد ضعيف، وبهذا أعله البيهقي وعبد الحق وغيرهما.
إذاً: الحديث لا يصح .
العقيق: اسم موضع محاذ لذات عرق، وليس ببعيد عنها، وهو أبعد منها من الحرم وأقرب إلى العراق، فالإحرام من العقيق يكون أحوط.
والعقيق اسم واد كأن السيل عقه، يعني: قطعه؛ ولهذا يقال: كل واد عقه السيل -يعني: قطعه أو قسمه السيل إلى قسمين- يسمى عقيقاً؛ ولذلك هناك عدة مواضع تسمى العقيق هذا وغيره، ولا يلتبس بعضها ببعض.
أجمع أهل العلم في الجملة على هذه المواقيت التي ذكرناها، ولا بأس أن نستذكرها من حيث الجملة، فالمواقيت التي اتفق عليها أهل العلم في الجملة هي خمسة مواقيت، وهي لأهل المدينة ذو الحليفة، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل نجد قرن المنازل، ولأهل اليمن يلملم، ولأهل العراق ذات عرق، وقد حددها واجتهد في تحديدها عمر بن الخطاب رضي الله عنه كما في صحيح البخاري .
هذه هي المواقيت في الجملة، وقد حكى الإجماع عليها ابن قدامة وابن رشد وابن المنذر والنووي وغيرهم.
فمن ذلك: ما يتعلق بأهل العراق كما هو واضح، فإن الجمهور يسمون ذات عرق لأهل العراق، ويأخذون في ذلك بالحديث الذي ذكرناه وذكره البخاري .
أما الشافعي رضي الله عنه، فهو يقول: إن أحرموا من العقيق فهو أحب إلي، فكأن الشافعي يفضل، والمسألة ليس فيها منع أو إيجاب، ولكن الشافعي يقول: (إن أحرموا من العقيق فهو أحب إلي)، ولماذا هو أحب إلى الشافعي ؟ لأنه أحوط، فـالعقيق أقرب إلى العراق وأبعد من الحرم، ولا يخفى أن الشافعي رضي الله عنه كان صدراً من حياته في العراق في بغداد، ثم هاجر إلى مصر ومات بها رحمه الله ورضي الله عنه، والمسألة في هذا يسيرة.
وهذه المسألة أيضاً حصل فيها إجماعان: الإجماع الأول: اتفقوا على أن مريد الحج والعمرة لا يدخل مكة إلا محرماً؛ للحديث السابق (ممن أراد الحج أو العمرة)، أن من أراد الحج أو العمرة لا يجوز له دخول الحرم أو دخول مكة إلا محرماً.
كما أنهم اتفقوا على أن من جاوز الميقات لا يريد الحرم لا يلزمه إحرام، مثل واحد في جدة يريد أن يسافر إلى الطائف ومر بـمكة، فهذا باتفاق العلماء لا يلزمه إحرام؛ ولذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم في بدر ذهب إلى بدر أكثر من مرتين أو تزيد ولم يكن محرماً ولا أحد من أصحابه, مع أنها دون ذي الحليفة، ولكن العلة أنه لم يكن ذاهباً إلى الحرم.
إذاً: نقول: مما اتفق عليه أهل العلم: أن من دخل الحرم وهو لا يريد مكة فإنه لا إحرام عليه.
وكذلك اتفقوا -أو كادوا أن يتفقوا- على أن من كانوا دون المواقيت، -يعني: بيوتهم أو منازلهم دون المواقيت- داخل المواقيت, أنهم يدخلون بدون إحرام.
الأمر الرابع الذي اتفقوا عليه أو كادوا: أن المتردد إلى مكة باستمرار كالحطاب، والفقهاء كانوا يقولون: الحطابون، والحطابون لم يعد لهم اليوم وجود، لكن -مثلاً- باعة السيارات الجوالة، أو أصحاب السيارات التاكسي والأجرة السائقون، أو الموظفون أيضاً الذين يترددون بشكل يومي, وما شابه هؤلاء ممن يترددون بشكل منتظم, ومثلهم أيضاً -ممكن نقول- رجال البريد، أن هؤلاء يدخلون بدون إحرام، يعني: ما داموا غير مريدين للحج ولا مريدين للعمرة فلهم أن يدخلوا إلى داخل المواقيت بدون إحرام.
إذاً: أين الاختلاف؟
نقول: اختلفوا في غير هؤلاء إذا أرادوا دخول مكة لغير حج ولا عمرة، يعني: إنسان -مثلاً- جاء إلى دورة, يريد أن يحضر دورة في مكة , وليس في نيته أن يحج ولا في نيته أن يعتمر، ولكنه سوف يدخل مكة، فما حكم هذا؟ هل يجوز له أن يتجاوز الميقات وهو غير محرم، أو يجب عليه أن يحرم وأن يعتمر؟
القول الأول: أنه لابد أن يحرم, ولو لم يكن ناوياً للحج ولا ناوياً للعمرة، وهذا مذهب أبي حنيفة والشافعي .
واستدلوا على ذلك بأدلة:
منها: حديث: ( إن مكة حرمها الله ولم يحرمها الناس ) الحديث في البخاري، قالوا: إن هذا ليس محصوراً في القتال كما ورد, وإنما المقصود التحريم مطلقاً، وأن للحرم خاصية ألا يدخله أحد إلا محرماً.
واستدلوا بأدلة عن الصحابة من هذا القبيل.
القول الثاني: أن ذلك جائز، أنه يجوز للإنسان الذي لم ينو حجاً ولا عمرة أن يجاوز الميقات وهو غير محرم ما دام غرضه ليس الحج ولا العمرة، وهذا قول مالك، وهو أحد قولي الشافعي وأحمد، وقول الظاهرية، ورجحه كثير من المحققين، واختاره أيضاً جمع من علمائنا، كـابن باز وابن عثيمين وابن جبرين رحمهم الله تعالى جميعاً. فهذا القول فيه توسعة كما هو ظاهر.
أدلتهم عليه:
أولاً: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة عام الفتح وعليه عمامة سوداء بغير إحرام ). كما قاله جابر، وهو في صحيح مسلم .
ومثله أيضاً: حديث أنس رضي الله عنه -وهو في البخاري ومسلم - ( أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة وعلى رأسه المغفر )، والمغفر هو نوع من السلاح مثل الخوذة يوضع على الرأس، وهذا دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن محرماً.
وكذلك حديث الباب، فإنهم يستدلون به؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قيده وخصه بمن أراد الحج أو العمرة.
وهذا هو القول الراجح: أنه لا يلزم الإحرام إلا لمن كان مريداً للحج أو العمرة، وهذا الذي ثبت من فعل الصحابة كـابن عمر رضي الله عنه، فإنه دخل بغير إحرام، وكذلك جمع من الصحابة رضي الله تعالى عنهم.
والجمهور -كـمالك وأحمد - يرون أنه لا يحرم قبل الميقات، وهذا الذي عليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه, فإنه كان ينهى عنه.
ومن حجة هذا القول: فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهو أحرص الناس على الخير؛ ولذلك لم يحرم إلا من الميقات، ولا أمر أصحابه أن يحرموا إلا منها، وقالوا: إن هذا أبعد عن ارتكاب الخطأ أو المعصية؛ لأن الإنسان ربما ينوي الإحرام فيلزمه الإحرام حينئذ، ثم يطرأ عليه ما يدعوه إلى عدم السفر أو ارتكاب بعض المحظورات، ففي ذلك نوع من الحرج.
القول الثاني: أن للإنسان أن يحرم من أي مكان كان خارج المواقيت، وهذا -أيضاً- ثابت عن علي رضي الله عنه أنه سئل: [ما تمام الحج؟ قال: أن تحرم من دويرة أهلك].
وكذلك عمران بن حصين رضي الله عنه [فإنه أحرم من العراق، ورآه عمر وعاتبه وقال: يراك الناس فيقولون: أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم].
وكذلك ابن عمر ورد أنه لما انتهى من قصة التحكيم، وذهب وكانت في دومة الجندل أو نحوها؛ ذهب إلى بيت المقدس فأحرم منه بعمرة.
وثبت هذا عن جمع من الصحابة، وقال به الأحناف وغيرهم.
ونقول: إن الأقرب أن ذلك جائز، وأن الإنسان من أي مكان أحرم خارج حدود الحرم جاز، ولكن الأولى والأفضل والسنة ألا يحرم الإنسان إلا من الميقات، فهذا أبلغ في الأجر وأسلم من الحرج والمشقة.
أولاً: الإحرام من الميقات كما حدده النبي صلى الله عليه وسلم.
ومن فوائد الحديث: أن من تجاوز هذه المواقيت بلا نية ثم بدا له بعد ذلك أن يحرم فما حكمه؟
يعني: إنسان -مثلاً- جاء من الرياض إلى جدة بنية أن يحضر دورة تدريبية، أو لعقد صفقة تجارية، ثم لما نزل إلى جدة وجد أن عنده بعض الفراغ، فقال: أعتمر، فمن أين يحرم هذا؟ يحرم من حيث أنشأ من جدة، يحرم من الفندق أو المكان الذي هو فيه في جدة، من حيث بدأت النية عنده، ولا يلزمه الرجوع.
ومما يلتحق بهذا وتكثر حاجة الناس إليه الإنسان المتردد؛ لأن كثيراً من هؤلاء يأتي وهو متردد لم يجزم، يعني: هو ذهب إلى جدة وما عنده عزم على السفر، أتى للسياحة أو للعلاج أو لزيارة أقارب، وعنده فكرة العمرة ولكنها ليست نية جازمة، فهذا أيضاً كذلك يحرم إذا نوى عقد النية من المكان الذي هو فيه، يحرم من جدة؛ لأن الأول لا يسمى إنشاء للإحرام، ولا يسمى عقداً للإحرام، ولا يسمى نية، وإنما هو نوع من التردد أو الرغبة أن يحرم إذا وجد وقتاً أو وجد فراغاً.
ومن الفوائد: ميقات أهل مكة، وكما أسلفت أن ميقاتهم للحج من حيث هم وميقاتهم للعمرة من الحل، وذكرنا أن المقصود أن يجمع الإنسان في النسك ما بين الحل والحرم، فأما بالنسبة للحج فإن الحجاج جميعاً يذهبون إلى عرفة، وعرفة من الحل، فيكونون جمعوا ما بين الحل والحرم في نسكهم، أما بالنسبة للعمرة فإن العمرة هي طواف وسعي فحسب, ولذلك المعتمر لابد أن يذهب إلى الحل, فيحرم من الحل إن كان مكياً.
وفيه أيضاً من الفوائد: مسألة أقسام الناس فيما يتعلق بالمواقيت الخمسة التي ذكرناها:
هناك القسم الأول وهو ما يسمى بالآفاقي أو الأفقي، وهو الإنسان القادم من الآفاق من المشرق أو من المغرب، هذا هو القسم الأول، وحكمه واضح أنه يحرم من ميقاته، ولو أنه مر بميقات آخر قبل ميقاته، مثلاً: ذهب إلى المدينة ومر بـذي الحليفة وفي نيته أن يذهب إلى رابغ -مثلاً- أو يمر بميقات آخر، وكذلك النجدي إذا مر بأحد المواقيت وهو سيمر بـقرن المنازل، فهذا هل يجب عليه أن يحرم من الميقات الأول، أو يجب عليه أن يحرم من الميقات الثاني ميقاته الأصلي؟
المسألة فيها خلاف, قولان لأهل الفقه، والأولى والأحوط أن يحرم من الميقات الأول؛ لأنه مر به، ولو أنه تجاوزه إلى الميقات الثاني وأحرم منه فإحرامه صحيح ولا شيء عليه.
إذاً: هذا هو القسم الأول, وهو من نسميه بالآفاقي أو الأفقي.
القسم الثاني: يسمونه الميقاتي، والميقاتي: هو ساكن المواقيت، مثل سكان السيل الكبير، فهؤلاء من أين يحرمون؟ يحرمون من السيل الكبير، والأولى أن يحرموا من المسجد أم من أي مكان؟ الأولى أن يحرموا من بيوتهم، ولو أحرموا من المسجد جاز، ولو أحرموا من أدنى السيل إلى الحرم جاز، ولكن الأحوط ألا يفعلوا، وإن كان هذا كله ميقاتاً بالنسبة لهم، فلهم حق الحركة داخل هذا الميقات المحدد.
القسم الثالث: هو يسمى بالحلي، وهو الذي خارج حدود الحرم، وهو في الوقت ذاته داخل المواقيت، فهو داخل المواقيت وهو خارج حدود الحرم، فمثلاً: الإنسان الذي بعرفة هذا داخل المواقيت وهو خارج الحرم، فهذا يسمى الحلي، والحلي هذا يحرم من مكانه أيضاً.
القسم الرابع، الحرمي وإن كان هذا تقسيم فني فقط، من كان في الحرم وهو خارج مكة، مثل الناس الذين بمزدلفة ساكنون بمزدلفة أو ساكنون بمنى، هم في الحرم داخل الحرم, ولكنهم خارج مكة، فهذا يسمى الحرمي.
والقسم الخامس هو: المكي، وهؤلاء حكمهم واضح كما ذكرنا.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر