رقم هذا الدرس من دروس بلوغ المرام (211) والتاريخ هو يوم الأحد ليلة الإثنين السابع عشر من جمادى الآخرة من سنة (1428هـ).
عندنا باب صدقة التطوع، فقد انتهينا أمس من صدقة الفطر، وتعرضنا لكل ما يتعلق بها من أحكام من حيث وجوبها ومقدار ما يخرج، ولمن تخرج، ووقت إخراج الصدقة.. إلى غير ذلك.. وتعجيل الصدقة، كل هذه الأشياء عرضنا لها بالأمس.
أما اليوم فعندنا باب: صدقة التطوع، وهو يستوعب إن شاء الله درس اليوم ودرس الغد أيضاً، فالحديث رقم: (631) هو حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله -فذكر الحديث وفيه-: ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه )، والحديث متفق عليه.
وهنا أحب أن أذكر لكم فائدة عابرة: أن صحيح البخاري رحمه الله قد بوبه البخاري بكتبه وأبوابه تبويباً دقيقاً مفصلاً، أما صحيح مسلم فـمسلم بوب الكتب.. العناوين الرئيسة: أبواب الصلاة، أبواب الإيمان، أبواب الزكاة، ولكنه لم يفصل داخل ذلك، الأبواب لم يفصلها مسلم وإنما بوبها غيره من أهل العلم، الإمام النووي وضع أبواباً، المازري، كل من شرح صحيح مسلم وضع عناوين الأبواب من عنده باجتهاده هو، ولكن مسلماً لم يضع أبواباً تفصيلية، فإذا قيل -مثلاً-: هذا الحديث رواه مسلم في كتاب الزكاة -مثلاً- باب إخفاء الصدقة، فهنا باب إخفاء الصدقة ليس من مسلم نفسه وإنما من النووي، فهو الذي وضع هذا الباب.
هذا الحديث أيضاً أخرجه الترمذي في جامعه في كتاب الزهد، والنسائي في سننه أيضاً في القضاء، وأحمد وابن خزيمة وابن حبان والبيهقي وغيرهم.
في قوله صلى الله عليه وسلم: ( سبعة يظلهم الله )، أي: سبعة أصناف من الناس، وليس المقصود سبعة أفراد، يعني: سبعة أنواع، وقد يكون النوع الواحد فيه من لا يعلمه إلا الله من العدد الذين تحققوا بهذه الصفة.
وقوله: ( يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله )، قيل: في ظل العرش. وقيل: في ظلٍ منسوب إلى الله تبارك وتعالى، كأن يكون في ظل عمله الصالح، أو يكون هناك ظل مخصص لكل فئة من هذه الفئات وصنف من هذه الأصناف، وهذا ليس من التأويل؛ لأن البعض قد يقول: لماذا لا نقول: يظلهم الله في ظله، ويكون ظل الله؟
فنقول: هذا ليس من التأويل؛ لأن الظل ليس له تعلق بذات الله تبارك وتعالى، فالمقصود ظل العرش أو ظل يخلقه الله حيث شاء.
وقوله: ( يوم لا ظل إلا ظله )، أي: يوم القيامة؛ وذلك للإشارة إلى أن يوم القيامة الشمس تدنو من الناس ولا يكون لهم ملتجأ ولا وزر ولا ظل إلا من شاء الله تعالى بأن يستظل بظل العرش أو بظل عمله، كما سوف يأتي بعد قليل.
وطبعاً الحديث فيه أشياء كثيرة جداً لا تتعلق بهذا الباب، لكن نقتصر منها على قوله: ( ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمنيه )، هكذا رواية الحديث في جميع كتب السنة، إلا أن مسلماً رحمه الله ذكره بلفظ: ( حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله )، وهذا ذكر أهل العلم: أنه قلب للعبارة، فهذا من قلب اللفظ؛ لأن النفقة إنما تكون باليمين وليست بالشمال، فالصواب: ( حتى لا تعلم شماله )، والشمال: هي اليد اليسرى.
( ما تنفق يمينه ) وهي اليد اليمنى التي يكون بها العطاء وتكون بها الصدقة، أما ما وقع في صحيح مسلم فهو انقلاب اللفظ، سواءً كان هذا الانقلاب على الإمام مسلم نفسه أو على بعض رواة الصحيح الذين رووا الحديث عن الإمام مسلم , وإلا فإن رواة الحديث في مسلم هم رواته في غيره، فالأقرب أن هذا قد يكون انقلب على من دون الإمام مسلم من الرواة.
جرير بن عبد الله
وهو في صحيحمسلم
: (فحديث أبي سعيد رضي الله عنه فيه ما يتعلق أولاً بتخريجه.
فقد رواه أبو داود كما ذكر المصنف في كتاب الزكاة، وقد رواه الترمذي أيضاً، والمصنف لم يشر إلى هذا، فهذا مما فاته، فالحديث قد خرّجه الترمذي في جامعه في كتاب صفة القيامة، وقال الترمذي : هذا حديث غريب، وهذا تضعيف للحديث، فإن الترمذي -رحمه الله- وكثيراً من المتقدمين كـأبي نعيم وأئمة الحديث إذا قالوا: هذا حديث غريب، فالغالب أنهم يعنون أنه ضعيف، فالغرابة عندهم مظنة ضعف الحديث، والترمذي قال: هذا حديث غريب، ولم يقل: حسن غريب أو صحيح غريب، وإنما قال: هذا حديث غريب، فغرابته تدل على ضعفه.
ثم قال الترمذي : وقد جاء هذا الحديث عن عطية عن أبي سعيد موقوفاً وهو أصح، فـالترمذي -رحمه الله- أعل الحديث بأنه لا يصح مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإنما هو من طريق عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري موقوفاً على أبي سعيد .
وقد يقال حينئذ: إنه وإن كان موقوفاً إلا إنه مما لا يقال من قبل الرأي والاجتهاد، فإنه إخبار عن أمر غيبي عن أمر أخروي، فـالترمذي يصحح الموقوف، والموقوف لا يقال من قبيل الرأي.
وقد قال النووي -رحمه الله- عن هذا الحديث: إسناده جيد، وصححه جمع، وفي سنده رجل يقال له: أبو خالد الدالاني فيه اختلاف ؛ ولذلك الحديث ليس إسناده بالقوي، ولكن في الواقع أنه ليس في متن الحديث شيء يستغرب، وإنما هو داخل على العموم في قاعدة: أن الجزاء من جنس العمل.
( وأيما مسلم أطعم مسلماً على جوع أطعمه الله تعالى من ثمار الجنة، أو سقى مسلماً على ظمأ سقاه الله تعالى من الرحيق المختوم )، والرحيق هو: الشيء العذب، والمقصود به هنا: خمر الجنة، كما في قوله سبحانه: يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ * خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ [المطففين:25-26].
أن من أعظم الصدقة أجراً ما وافقت محلاً يعني: أنها كانت صدقة على فقير أو على مسكين، ولا يُعارض هذا أن الصدقة إذا نواها صاحبها يؤجر عليها ولو لم تُصادف محلاً، كما في الصحيحين في قصة الإسرائيلي الذي تصدق مرة على زانية، ومرة على سارق، ومرة على تاجر، وكتبت في الصدقة المتقبلة.
ومنها: فضيلة تنويع الصدقة، من لباس أو طعام أو شراب أو غيرها.
ومنها: أن الجزاء من جنس العمل.
إذاً: المقصود باليد العليا هي يد المتصدق، وسماها عليا لما سبقت إليه من الخير، وهذا فيه حث وتحفيز على أن الإنسان يُعطي، بل على أنه يملك المال ليعطي وتكون يده عليا بدلاً من أن تكون يده سفلى، فتكون متعرضة للأخذ.
وقيل: إن المقصود باليد العليا اليد المتعففة، وهذا ذكره الخطابي، واحتج فيه بأثر ولا يتم له الاستدلال على ذلك.
وقيل: إن المقصود باليد العليا: هي يد الفقير الآخذة، وأن اليد السفلى: هي المعطية، وهذا نقل عن الحسن البصري ولا يوافق عليه.
يعني: المقصود باليد العليا: السائلة كما ذكرنا، ذكر ذلك بعض المتصوفة، يعني: وافقوا على أن يد الفقير هي العليا، المتعرض للسؤال، وأن يد المعطي أو المنفق: هي السفلى، وهذا نسب للمتصوفة أو يسمون أحياناً بالفقراء، وكما قال الأئمة والعلماء: إن هؤلاء قوم تعودوا على السؤال وأذلوا أنفسهم له وأدمنوه ثم التمسوا في نصوص الشريعة ما يُعزز مواقفهم وما يحفزهم على ذلك, وإلا فإن الشريعة لا تأتي بأن تجعل الإنسان المحسن يده سفلى؛ لأنه حينئذ سوف يكف يده عن العطاء، ما دام أن الإحسان يأتيه بمثل هذا المعنى، ولا شك أن مثل هذه المفاهيم المغلوطة لها أثر كبير جداً في التخلف الذي عاشه المسلمون قروناً طويلة، حينما أصبحت عندهم عملية السؤال والذل ومد اليد أصبحت عندهم حرفة، بل تحولت إلى ديانة والتمسوا من النصوص ما يُعززها، واعتبروا أن المنة لهم حينما يأخذون عطاء المعطي، هذه الروح الميتة المريضة المنحرفة الجاهلة هي من أسباب تخلف العالم الإسلامي كما ترون اليوم، وانحراف المفاهيم حتى أصبح الزهد عند الناس معناه أن الإنسان يترك البحث عن الدنيا في الحلال وبالجهد وبالعمل والإخلاص والصبر، ويذهب ليبحث عن الدنيا في مزابل الأغنياء ويعرض نفسه لذل السؤال.
فلا شك أن الصواب أن اليد العليا: هي المنفقة، وأن اليد السفلى: هي الآخذة، والله تعالى جعل للمعطي فضلاً على السائل.
وقيل إن المقصود باليد: النعمة، فيكون المقصود هنا باليد العليا، يعني: العطاء الجزيل الجزل، واليد السفلى العطاء القليل، وهذا نقله بعض الشراح عن جمال الدين بن نباتة وهو معنى جيد لا يتعارض مع ما ذكرناه؛ لأن اليد العليا هنا ظلت عليا؛ لأنها معطية وصاحبة نعمة وفضل، ولكن اليد العليا أيضاً تتفاوت في قدر عطائها؛ ولهذا نقل عن عمر رضي الله عنه أنه كان يقول: [ إذا أعطيتم فأغنوا ]، فتعطيه ما يحتاجه، وليس أن تعطيه القليل ويذهب إلى غيرك فيعطيه القليل، مع أن الإنسان عليه أن يتأكد من تأهل الإنسان المحتاج للعطاء، يعني: لا تعطه جزافاً بغير حق، لماذا؟ لأنه إن كان غير مستحق فهذا الذي أعطيته حرمت منه غيره ممن يحتاج؛ ولهذا ينبغي أن يكون المعطي سواء كان شخصاً أو مؤسسة أو جهة خيرية أو جمعية أو لجنة ألا يعطوا أحداً إلا بعدما يتأكدوا من أنه مستحق أو محتاج ثم يعطى بقدر حاجته ولو احتاج أن يبنى له بيت أو يزوج أو يحقق له ما يحتاجه ويغنيه عن ذلك السؤال لآخرين فلا حرج في ذلك، أما أن تعطيه مجازفة وأنت لست متأكداً من استحقاقه فلا.
حديث أبي هريرة رضي الله عنه هذا فيما يتعلق بتخريجه:
أخرجه أبو داود في كتاب الزكاة، وأحمد في المسند، وأخرجه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم وصححوه، والحديث صححه ابن خزيمة ؛ لأنه أخرجه في صحيحه، وابن حبان أخرجه في صحيحه أيضاً، والحاكم خرجه في مستدركه، وقال: صحيح على شرطهما، ووافقه الذهبي، وأخرجه أحمد في المسند.
قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( أفضل الصدقة: جهد المقل )، الجهد بضم الجيم: هو ما يبذله الإنسان، وأما ( المقل )، فهو من لا مال عنده، فهو مقابل المكثر، والمكثر: هو الغني، والمقل: هو الضعيف الذي لا مال عنده، وعلى هذا يكون النبي صلى الله عليه وسلم بيّن أن أفضل الصدقة هو ما يبذله الإنسان، الذي ليس له كثير مال، فيتصدق من ديناره، من درهمه، من صاع بره، من صاع تمره.
وقوله صلى الله عليه وسلم: ( وابدأ بمن تعول )، المقصود: أن عليه أن يبدأ في الصدقة بعياله، بزوجته وأولاده وخدمه وعبيده، قبل أن يذهب بالصدقة إلى البعيد.
فضل الصدقة من المقل، وأن على الإنسان أن يتعود أن يتصدق مما يستطيع، قلّ أو كثر.
وذهب إليه من زعم أن جهد المقل أفضل من صدقة الغني، وقد يتمسكون بقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: ( سبق درهم ألف درهم )، وفي لفظ: ( مائة ألف درهم ) .
وأيضاً من فوائد الحديث: مراعاة الترتيب في الصدقات، وأن على الإنسان أن يبدأ بمن تلزمه نفقته، من زوجة وولد وخدم وعبيد ثم قرابته وجيرانه وغير ذلك.
رواه أبو داود والنسائي، وصححه ابن حبان والحاكم.
رواه أبو داود والنسائي في الزكاة، وأحمد في المسند وابن حبان والحاكم وصححه .
قوله رضي الله عنه: (قال رجل)، هذا الرجل ليس معروفاً من هو؟ هو صحابي غير معروف، وهذا يسمى عند العلماء المبهمات، فالمبهمات: هي ما جاءت في الأسانيد أن رجلاً جاء، أن رجلاً قال، أن امرأة، قيل: يا رسول الله! .. ولا يُعرف من السائل ومن القائل ومن الآتي، فهذا يسمى المبهم، وقد صنف فيه أهل العلم : الأسماء المبهمة في الأنباء المحكمة، والمبهمات، الخطيب البغدادي وغيره من أهل العلم صنفوا كتباً في محاولة معرفة من هؤلاء المبهمون؟
أحياناً يقال هنا: فلان وأحياناً لا يعرف، وأحياناً يكون مقصوداً ألا يذكر الشخص؛ من باب الستر عليه؛ أو لأن الأمر فيه ما فيه مما قد ينقص من قدره، أو قد يداخله نوع من الوقيعة في الشخص، فيكون عدم ذكره مقصوداً؛ من باب الستر عليه.
والأدلة عليه كثيرة جداً منها: قوله سبحانه: لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ [الطلاق:7]، والمقصود هنا: الإنفاق على الزوجة، فأمر الله تعالى بالإنفاق، وأوجبه بقوله: لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ ، وكذلك قوله سبحانه: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ [النساء:34]، فجعل القوامة التي هي المسئولية في مقابل ما أنفقوا من أموالهم، وهذا يشمل المهر ويشمل النفقة، فهي واجبة في ذمة الزوج لزوجته، وكذلك قول الله سبحانه وتعالى: وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ [البقرة:233]، و( المولود له ): هو الزوج أو الأب، أبو المولود، فالله تعالى بيّن أن عليه النفقة، وقوله: (وعلى المولود له) أي: يجب عليه وفي ذمته الرزق والكسوة، فيدخل في النفقة الطعام والشراب واللباس، وما يتعلق بذلك.
ومن السنة: الحديث المتفق عليه، حديث عائشة لما جاءت هند امرأة أبي سفيان إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت: ( إن
فكون النبي صلى الله عليه وسلم يجعل للمرأة الحق أن تأخذ من مال زوجها بالمعروف ما يكفيها وما يكفي ولدها دليل على أن هذا كان واجباً، وأن شحه به يوجب لمن ظفر بشيء من ماله أن يأخذه على سبيل الظفر بالحق.
وكذلك حديث جابر في خطبة الوداع: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر النساء وحقوق النساء والواجب على النساء، قال: ( ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف )، وهذا نص في الباب، ويدل على أن الرزق والكسوة والسكن أيضاً بالمعروف أنها واجبة للمرأة على زوجها.
كما يستدل على ذلك بالإجماع كما ذكرته وحكيته وذكرت من نقل الإجماع كـابن المنذر وابن رشد وابن قدامة وغيرهم.
وكذلك المعقول: فإن النظر والعقل يدلان على وجوب هذه النفقة، فإن المرأة قد حبست نفسها في بيت زوجها وعلى خدمته وعلى طاعته وعلى معاشرته بالمعروف، فيكون لها في ذلك الحق.
في ذلك ثلاثة احتمالات:
إما أن تقدر بحسب حال الرجل، إذا كان الزوج موسراً وغنياً فإنه ينفق عليها نفقة الأغنياء، وإن كان فقيراً، أنفق عليها نفقة الفقراء، وهذا مذهب الشافعية والظاهرية، ورواية عند الأحناف.
واستدلوا بقوله سبحانه: بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:233]، وقالوا: إن المقصود بالمعروف هو بحسب حال الرجل والمعروف المناسب له، هذا قول.
الاحتمال الثاني: أن يكون المراعى فيه هذا حال المرأة، فإذا كانت المرأة بنت أثرياء وأغنياء وجب عليه أن ينفق عليها نفقة الأغنياء، وإن كانت فقيرة أنفق عليها نفقة الفقراء.
وهذا قول عند المالكية ورواية عند الأحناف، واستدلوا لذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم لـهند : ( خذي ما يكفيك ويكفي ولدك بالمعروف ) . فقالوا: إن هذا دليل على أن المعروف هنا ينظر فيه إلى حال المرأة وما يكفيها ويكفي ولدها، وقالوا: إن المقصود بالمعروف هنا الكفاية، وما جاء في القرآن من قوله: (المعروف) يعني: الكفاية التي تحتاجها المرأة.
الاحتمال الثالث: أن المعتبر حالهما معاً، حال الرجل وحال المرأة، وهذا مذهب الحنابلة، وهو المعتمد عند المالكية واختاره الإمام ابن تيمية وابن القيم وغيرهم وهو الأصح، أن المقصود بالمعروف هنا لا يتحدد بالنظر إلى الرجل فقط ولا بالنظر إلى المرأة فقط وإنما ينظر إلى مجموعهما، فيراعى هذا وهذا، يعني: يراعى غنى الرجل ويراعى حاجة المرأة، وأيضاً: يراعى غنى المرأة من فقرها، فإذا كانت المرأة بنت نعمة وأتت من بيت أغنياء فليست نفقتها كنفقة امرأة من أسرة فقيرة وضعيفة، وربما أهلها لا يستطيعون أن يساعدوها، فالمرأة قد اعتادت على لون من الطعام والشراب واللباس في بيت أبيها، وربما تتشوف إلى مثله أو إلى قريب منه، فهذا معتبر فيما يتعلق بالمعروف، فإن المقصود بـ (المعروف): هو ما يناسب حال الرجل وكفايته وقدرته، وحال المرأة أيضاً وما جرت عليه عادتها.
في هذا أقوال أشهرها:
واستدلوا أيضاً بحديث فاطمة بنت قيس لما استشارت النبي صلى الله عليه وسلم فيمن تتزوج، وقال لها: ( إن
فقول النبي صلى الله عليه وسلم لها: أن لا تنكح معاوية ؛ لأنه صعلوك ليس له مال، قالوا: دليل على أن هذا الإنسان المعسر الذي لا مال عنده لا يزوج.. لا ينكح، ويمكن أن تفسخ عليه المرأة أيضاً بظاهر الحديث، وكذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم في الأحاديث التي سبقت معنا الآن: حديث حكيم بن حزام وأبي هريرة حينما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( ابدأ بمن تعول )، فدل ذلك على وجوب نفقة المرأة كما أسلفناه قبل قليل على زوجها، وأنه إذا لم يستطع أن يعولها ويقوم بحقها جاز لها الفسخ.
وقد جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه في الصحيح أنه كان يقول: ( ابدأ بمن تعول، تقول المرأة: أنفق علي أو طلقني )، فهذا دليل على أنه إذا لم يحصل الإنفاق فإنه يكون الطلاق، وأن من حق المرأة أن تطلب الطلاق، ومن حق القاضي أو الحاكم أن يستجيب لها وأن يطلقها.
وكذلك مما يستدل به الجمهور على أن للقاضي أن يفسخ: قضاء عمر رضي الله عنه وعلي، فإنهم كانوا يفسخون المرأة على زوجها إذا لم ينفق عليها. فهذا مذهب وقول الجمهور.
وكذلك قوله سبحانه: وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ [البقرة:280]، في آية الدين فيما بعدها وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ [البقرة:280]، فقالوا: المعسر ينظر في الدين، فينظر من باب أولى بما يتعلق بنفقة الزوجة.
واستدلوا خامساً: بقصة النبي صلى الله عليه وسلم مع أزواجه؛ لأنه كان أحياناً لا يجد نفقة لزوجاته، وقد دخل عليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه واشتكى عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم من زوجته ابنة خارجة : أنها تطلب النفقة منه: فرفع النبي صلى الله عليه وسلم رأسه وأشار إلى نسائه، وقال: ( هن حولي يسألنني النفقة )، وكن يطالبن النبي صلى الله عليه وسلم بالنفقة.
ومما يستدل به أيضاً: الحديث الذي في البخاري في قصة المرأة التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال بعض الصحابة: زوجنيها، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ( التمس، قال: لم أجد شيئاً، قال: التمس ولو خاتماً من حديد ).
وهذا الذي لم يجد حتى خاتماً من حديد وقال: أعطيها ثوبي، قطعاً ما عنده مصروف لها، ومع ذلك النبي صلى الله عليه وسلم زوجها إياه، وقال: ( زوجتكها بما معك من القرآن ) . فهذا دليل على أنها لا تطلق عليه.
النبي صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الصحيح: ( أيما امرأة طلبت من زوجها الطلاق بغير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة ) .
فنقول: عدم وجود مال أو نفقة عند الزوج إطلاقاً هذا سبب لطلب الطلاق.
وبعضهم يفرقون بين ما إذا كانت المرأة علمت أو لم تعلم، يعني: دخلت عليه وتدري أنه فقير، فهذه لا يُستجاب لها إذا طلبت الفسخ؛ لأنها عرفت من قبل، والأخرى التي ربما الزوج خدعها، تسلف فلوساً من بعض أصدقائه ووضعها في جيبه من فئة خمسمائة، وصار يبدو يشخص بها كأنه غني وخدعها، فبان أنه فقير فمثل هذا تفسخ عنه بخلاف من علمت قبل ذلك.
والشيء الطريف أن بعض الفقهاء قالوا: يحبس، وهذا من غرائب الأقوال، وقد سخر الإمام ابن حزم من هذا القول أنه يحبس، طيب ماذا يصنع في أنه يحبس، مسكين، الحبس لن يأتيه بمال، وسوف يحرمه من زوجته ويحرم زوجته منه.
أما لو كان رافضاً ونكل عن الإنفاق باختياره، فقد يكون للحبس معنى، أما إذا كان معسراً فلا معنى لحبسه.
وقوله صلى الله عليه وسلم: ( غير مفسدة )، يعني: بالمعروف.
( وللخازن )، هو المؤتمن، الوكيل على المال الذي يقوم بإخراجه، فالمرأة تأمر بالمال، والخازن يقوم بإخراجه.
وهذه المسألة فيها قولان مشهوران:
وهذا مذهب الحنفية، وهو الصحيح من مذهب الحنابلة أيضاً، واختاره الإمام ابن حزم .
واحتجوا بحديث الباب، فإن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أن للمرأة الأجر إذا أنفقت من مال زوجها، وللزوج مثل ذلك، وللخازن مثل ذلك، لا ينقص بعضهم من أجر بعض شيئاً.
وكذلك مما يستدل به على هذا: حديث أسماء وهو في الصحيح: لما سألت النبي صلى الله عليه وسلم: هل تخرج من مال الزبير ؟ والزبير زوجها، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: ( يا
والحديث رواه أبو داود والترمذي، وقال: حديث حسن.
فعلى هذا لا يجوز للمرأة أن تخرج إلا بإذن زوجها.
ولكن ينبغي أن يعرف أن الإذن نوعان:
هناك إذن صريح، مثل: أن يقول لها: تصدقي وأنفقي، فهذا لا شك فيه ولا خلاف فيه أصلاً.
والنوع الثاني: هو الإذن العرفي، أن يكون زوجها رجلاً كريماً وتعرف أن ذلك يسره وأنه لا يجد في نفسه حرجاً، وربما لو علم لشكرها وأثنى عليها وزادت محبتها عنده، مثل قصة المرأة، قصة إبراهيم لما جاء إلى إسماعيل ووجد امرأته فوجد امرأة شديدة متشائمة، فقال لها: أقرئي عليه مني السلام، وقولي له: يغير عتبة بابه.
ولما جاء للأخرى ووجدها كريمة سمحة، قال: سلمي عليه، وقولي له: يمسك عتبة بابه.
فكثير من الرجال تزيد مكانة المرأة عندهم إذا رأوها إنسانة كريمة وتحب العطاء والمساكين والمحاويج وتنفق عليهم بغير تبذير ولا إسراف.
إذاً النوع الثاني: هو الإذن العرفي: أن تعرف من الزوج أنه يرضى بذلك ولا يمانع، فهذا لا يشترط أن ينص عليه، فتنفق حتى لو لم يقل لها أو لم تسأله.
النوع الثالث: وهو العرف الاجتماعي أيضاً، فإن بعض البيئات جرت ودرجت على أنهم يعطون، وأن النساء تعطي بدون إذن زوجها، وأن الجيران يتبادلون فيما بينهم، هذه تأخذ من هذه رزاً، وهذه تأخذ منها طعاماً، وهذه تأخذ قوتاً، وهذه تأخذ لحماً، وهذه ينقصها شيء فتأخذه من جارتها، وهذا مما جرى عليه العرف، والله سبحانه وتعالى قال : الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ [الماعون:6-7]؛ ولذلك الذي أرجحه وأختاره: أن العطاء إن كان بإذن فهذا مما لا إشكال فيه ولا سؤال، وإن كان الزوج يرضى بذلك لو علم، فالمرأة مأجورة بذلك، وإن كان العرف الاجتماعي يدل عليه ويرشح له فهو مطلوب أيضاً، وإن لم يكن الأمر كذلك ولكن كان ما تعطيه المرأة بقدر الحاجة وهو شيء يسير لا يضر، فإن للمرأة الأجر بذلك حتى لو لم يأذن به زوجها.
الجواب: طبعاً هذا السؤال متعلق بصدقة الفطر.
طبعاً هنا عليه أن يقدر من أوسط الطعام، بمناسبة الصاع أخونا عبد الله جاء لنا بهذا المد، نحن أمس قدرنا الصاع، وقلنا: إنه خمسة أرطال وثلث، وأن الصاع أربعة أمداد بمد الرجل المعتدل، وأنه يقدر بالكيل بكيلوين ومائتي جرام، ألفين ومائتي جرام، هذا هو الصاع النبوي، وهو أقل من الأصواع الموجودة عند الناس هنا في بلادنا، فبعض أهل العلم في مكة بأسانيد مكتوبة، الإسناد مكتوب، انظر إلى الدقة الإسلامية، هذا لا يوجد عند أي أمة من أمم الأرض إطلاقاً، هذا مد نبوي وبالإسناد، الإسناد مكتوب على جداره الخارجي، سنده إلى منتهاه، فهذا أربعة أمداد، أربعة من هذا تعادل صاعاً، وبناءً عليه فهذا يقارب في الوزن أن يكون خمسمائة وخمسين جراماً.
الجواب: هذا لا حرج فيه.
الجواب: والله لا أرى هذا، أرى أن من يضع آيات للقرآن نغمة للجوال لم يصب، القرآن لم يوضع للتنبيه، وهذا يجعله عرضة للابتذال، وقد يقطعه، وقد يجد القرآن أحياناً في جواله وهو ساجد أو راكع، وهذا أمر معيب، وبالمقابل من يضعون نغمتهم أيضاً أغاني أحياناً في المساجد تسمع عزف الموسيقى وأغاني يتناقلها الناس، فهذا أيضاً ليس لائقاً باحترام هذه المساجد التي: أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ [النور:36].
الجواب: هذا حسب ما ينفع الفقير كما ذكرنا.
الجواب: طبعاً كلهم لهم كتب، والحاكم ذكرت أن له كتاب: (معرفة علوم الحديث)، وله كتاب: (المستدرك)، وأظن له كتاباً في الصحابة أيضاً، وابن حبان له: (الصحيح)، وله كتاب: (الثقات)، وله كتاب: (الضعفاء)، وله كتاب أيضاً في الآداب: (نزهة العقلاء).
الجواب: إذا كان يدفع هذا المال لبعض القائمين على العمل فهو رشوة، أما هو إذا كان يأخذ المال مقابل شفاعة فلا يدخل في الرشوة، لا يوظفه في عمل عنده، وإنما قد يشفع لهم عند بعض من يعرف.
الجواب: ليس كذلك يا أخي! إذا وظفت المرأة وقامت بأعمال تناسب ظروفها وطبيعتها هذا نفع لابد منه، والمرأة هي إنسان كائن بشري يحتاج إلى عمل ويحتاج أحياناً إلى قوة وإلى مال، وكانت نساء المسلمين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم أسماء كانت تذهب وتعمل وتشتغل بحرثها، وأمهات المؤمنين، وأذن لهن أن يخرجن لحاجتهن، أيضاً كثير من النساء قد لا يكون هناك من ينفق عليها، قد لا يكون قيم، قد يكون زوجها متوفى، أو تكون مطلقة وعندها أطفال، أو زوجها بخيل ولا ينفق، إلى غير ذلك من الأحوال.
الجواب: لا، عند العوام يقولون: المحروم الذي عنده ماله ولا ينفقه، هذا ليس مقصوداً بالآية الكريمة.
الجواب: أحسنت هذه نقطة فاتتني تضاف إلى مباحث الدرس، يعني: قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى )، والحديث الآخر: ( أفضل الصدقة جهد المقل )، كيف نجمع بينهما؟
قال بعض أهل العلم: إن صدقة الغني أفضل؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( ما كان عن ظهر غنى ) ؛ ولفعل الصحابة رضي الله عنهم، فقد كانوا أهل غنى ومال وكانوا يتصدقون.
وقال آخرون: إن أفضل الصدقة هو جهد المقل، يعني: ما يبذله الفقير؛ لأنه يملك قليلاً، فإذا أخرج منه كان هذا دليلاً على صحة إيمانه وإيثاره لما عند الله.
والصواب: أن ذلك يختلف بحسب الأشخاص، فيختلف بحسب كثرة وقلة ما ينفق، فإن الكثرة والقلة لها تأثير في الفضيلة، فمن أنفق زوجين في سبيل الله دعي من أبواب الجنة: يا عبد الله هذا خير، ومن أنفق زوجاً كان أقل، فالزيادة في الإنفاق تؤثر في الفضيلة، من صلى أربع ركعات ليس كمن صلى ركعتين، ومن صلى تسليمتين ليس كمن صلى تسليمة واحدة، فهذا يؤثر في الفضيلة، الكثرة والقلة.
ثانياً: صدقة النية والسلامة من الرياء، فإن الإنسان إذا أنفق لوجه الله وأخفى نفقته، كان هذا من أسباب زيادة الأجر والثواب فيها.
السبب الثالث في الزيادة: هي الحاجة، وجود الحاجة، فإن الأمة إذا كانت بحاجة إلى الإنفاق كان الإنفاق حينئذٍ أفضل مما إذا خفت، فالإنفاق في المجاعات والأزمات وغيرها أكثر أجراً من غيره.
وهناك أسباب أخرى تكون سبباً في تفضيل صدقة على أخرى، وبناءً عليه نقول: إن ما كان عن ظهر غنى قد يكون هو الأفضل بالنظر إلى أن هذا الإنسان أنفق عن ظهر غنى، ولهذا كانت نفقته كثيرة، وجادت يده بمال، وأعطى وأبقى لنفسه خيراً أيضاً، بحيث لا ينفق ثم يذهب هو ليسأل، مثل قصة الرجل الذي وجد النبي صلى الله عليه وسلم يحث على الصدقة فتصدق ثم ذهب ليسأل، فوبخه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: خذ ثوبك، ليس معنى أن تتصدق ثم تذهب لتطلب من الناس أن يتصدقوا، فعن ظهر غنى ينفق ويظل عنده ما يكفي، ولهذا قال بعضهم: إن المقصود بقوله: ( عن ظهر غنى )، يكون عنده غنى في نفسه، كما في الحديث: ( إن الغنى غنى النفس )، يكون هذا الإنسان عنده جود، ولهذا أبو بكر تصدق بكل ماله، وعمر تصدق ببعضه، ولم يعاتبه النبي عليه الصلاة والسلام على ذلك، لكن لما تاب كعب بن مالك وقال: يا رسول الله! إن من توبتي أن أتصدق بمالي، قال له النبي صلى الله عليه وسلم: ( أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك )؛ لأنه لا يستطيع أن يقوم إلا بمال، بخلاف مثل أبي بكر رضي الله عنه، أبو بكر عنده قوة التوكل أولاً، وغنى النفس، وعنده ثانياً: القدرة على تحصيل المال، فهو كان تاجراً وكان بزازاً معروفاً.
ومثل قصة عبد الرحمن بن عوف أيضاً لما جاء إلى المدينة قال: (دلوني على السوق)، أعطاه الأنصار مالاً فقال: بارك الله لك في أهلك ومالك، ما أحتاجه، دلوني على السوق؛ لأنه مكي يعرف التجارة والبيع والشراء، وعنده خبرة فيها، فقط أرني السوق واترك الباقي لي، فلم يحتج إلى أن يأخذ مالاً، فهذا معنى قوله: ( عن ظهر غنى ) .
وأما قوله: ( أفضل الصدقة جهد المقل )، فهذا يحمل على إنسان تحرق قلبه إلى الصدقة وتمنى لو كانت الدنيا كلها عنده ليتصدق بها، ولكن لم يكن عنده إلا درهم فتصدق به، فهذا ربما يكون أفضل من آلاف الدراهم التي بذلها آخرون، ولم يكن عنده مثلما عنده من الإخلاص والصفاء وصدق النية، فيكون هذا يتفاوت من شخص لآخر. والله أعلم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر