إسلام ويب

شرح بلوغ المرام - كتاب الزكاة - حديث 631-638للشيخ : سلمان العودة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من جملة الأحكام الشرعية المتصلة بالزكاة ما يتعلق بزكاة أموال اليتامى والمجانين، والدعاء للمزكي، وتعجيل الزكاة قبل أجلها وما يزكى من الخارج من الأرض ونصابه ومقدار زكاته، وسائر الأحكام المتصلة بهذا الباب المؤكدة في تفصيلها لرعاية هذا الباب العظيم في التشريع الإسلامي.
    إن الحمد لله، نحمده ونستغفره ونستعينه ونستهديه، ونصلي ونسلم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

    ثم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    رقم هذا الدرس (208) ضمن شرح بلوغ المرام، وبالمناسبة الشرح موجود يعني، مصوراً بعضه، وكله موجود على أشرطة كاسيت وموجود على موقع الإسلام اليوم والصوتيات لمن شاء أن يطلع على ما سبق منه.

    وهذه ليلة الخميس الثاني عشر من جمادى الآخرة من سنة: (1428هـ) ولا زلنا في كتاب الزكاة.

    عندنا الحديث رقم: (609) الآن، وهو حديث عَنْ عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من ولي يتيماً له مال فليتجر له ولا يتركه حتى تأكله الصدقة )، رواه الترمذي والدارقطني وإسناده ضعيف.

    تخريج الحديث

    هذا الحديث رواه الترمذي كما ذكر المصنف في جامعه، والدارقطني في سننه في كتاب الزكاة، ورواه البيهقي أيضاً في كتاب البيوع، يعني: الاتجار بمال اليتيم.

    وسبب ضعف الحديث، المصنف أشار إلى أن سنده ضعيف، فالحديث أولاً: من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وقد سبق القول في هذه السلسلة مراراً، ولكن المصنف -رحمه الله- لا يضعف الحديث بـعمرو بن شعيب، وإنما يُضعفه بـالمثنى بن الصباح، وهو ضعيف مضطرب الحديث، والله أعلم.

    شواهد الحديث

    الحديث الذي بعده هو بمعنى حديث الباب ورقمه: (610) قال: وله شاهد مرسل عند الشافعي، فـالشافعي روى هذا الشاهد المرسل في كتاب الزكاة، ورواه أيضاً البيهقي وعبد الرزاق في المصنف، وهذا المرسل هو ضعيف أيضاً، أولاً: ضعيف؛ لأنه مرسل، والمرسل من أقسام الحديث الضعيف، والمرسل هو: ما يرويه التابعي عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ بحيث نتأكد بأن في سنده انقطاعاً، ولكن أيضاً هذا المرسل فيه عنعنة ابن جريج وهو صدوق مدلس، فالحديث إذاً فيه ضعف أيضاً.

    مسألة: حكم الزكاة في مال اليتيم والمجنون

    الحديثان فيهما مسألة مهمة، وعندنا اليوم مجموعة جميلة وطيبة جداً من المسائل الأساسية والضرورية في كتاب الزكاة، إن شاء الله يعيننا الله تعالى على إنجازها.

    المسألة المعروضة هنا هي مسألة مال اليتيم والمجنون .. ونحوهما: هل فيه زكاة أم ليس فيه زكاة؟

    وسبب الخلاف في هذه المسألة: هو ضعف الأدلة أولاً في الباب، والسبب الثاني في وجود الخلاف: هو اختلافهم في الزكاة: هل هي عبادة محضة كالصلاة، فلا تجب على الصغير -الصبي- ولا على المجنون؛ لأنه غير مكلف أم هي متعلقة بالمال، فتجب عليه إذا وجد عنده مال، سواء كان مكلفاً أو غير مكلف؟

    القول الأول: أن الزكاة واجبة في مال الصبي الصغير دون البلوغ، وفي مال المجنون، وهذا قول الجمهور: مالك، والشافعي، وأحمد بن حنبل، وهو المنقول عن الكثير من الصحابة رضي الله عنهم، كـعائشة، وجابر، وعمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن عمر وغيرهم.

    ودليل هؤلاء في إيجاب الزكاة في مال الصبي والمجنون:

    أولاً: حديث الباب، حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وقد يجبرون ضعفه بأن يقولوا: إن هذا الحديث جاء من طرق، وعند بعض أهل الحديث أن الحديث الضعيف إذا تعددت طرقه فإنه ينجبر ضعفه، خصوصاً إذا لم يكن الضعف شديداً، وهذا مذهب حسن، وطريقة صحيحة : أن الحديث إذا تعددت طرقه وليس في شيء منها متروك ولا وضاع ولا هالك، وإنما ضعفه ضعف منجبر، قد يكون من جهة حصول الخطأ عند الراوي، فإذا تعددت الطرق علمنا أن الراوي لم يخطئ في هذا الحديث، فيصحح الحديث بمجموع طرقه، وبذلك استدلوا.

    أيضاً: استدلوا من حيث النظر بأن الزكاة حق متعلق بالمال، فتجب في مال بلغ نصاباً، من عروض أو أثمان أو غيرها، سواء كان لصبي أو مجنون أو عاقل أو غيره مادام من المسلمين.

    القول الثاني: أن الزكاة لا تجب في مال الصبي والمجنون، وهذا قول لـسعيد بن جبير والحسن البصري وبعض السلف.

    قالوا: لا تجب الزكاة في مال الصبي والمجنون مطلقاً، أياً كان هذا المال، كثرة وقلة ونوع المال، عروض تجارة أو خارجاً من الأرض أو أثماناً، لا تجب فيه الزكاة، لماذا؟

    قالوا: لأن الزكاة عبادة، مثل الصلاة فلا تجب الزكاة إلا على من وجبت عليه الصلاة، وهؤلاء غير مكلفين.

    وهذان القولان مشهوران ودليلهما ظاهر.

    وهناك قول ثالث، وهو قول أبي حنيفة , قال: إن الزكاة لا تجب في مال الصبي والمجنون إلا فيما يتعلق بالزروع والثمار فتجب، فإن كان مال الصبي زروعاً وثماراً وجبت فيه الزكاة، أما لو كان أثماناً .. أو نحو ذلك فلا زكاة فيه، ولا أعلم لهم دليلاً على هذا التفريق كما ذكره ابن رشد .. وغيره، إلا أنهم ربما أخذوا الدليل من قوله سبحانه وتعالى: وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ [الأنعام:141]، في الزروع والثمار.

    وكذلك أن الزروع والثمار لا يشترط لها الحول مثل بقية الأموال، فكأن هذا سبب عندهم في الاستثناء، وربما استدلوا بعدم الوجوب بمثل قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( رفع القلم عن ثلاثة، وذكر منهم الصبي حتى يبلغ، والمجنون حتى يفيق )، فهذا دليل لهم ولـسعيد بن جبير ومن وافقه على عدم إيجاب الزكاة مطلقاً.

    وقد جاء عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: [ لا تجب الزكاة في مال الصبي والمجنون ]، فهذا أثر احتجوا به عن ابن مسعود : أن الزكاة في مال الصبي والمجنون لا تجب، وهذا الأثر رواه أبو حنيفة واحتج به الأحناف.

    والواقع أن هذا الأثر عن ابن مسعود ضعيف، فيه ليث بن أبي سليم وهو ضعيف، وأيضاً هو عن مجاهد فهو مرسل منقطع .

    إذاً: أثر ابن مسعود في عدم إيجاب الزكاة في مال الصبي والمجنون ضعيف ومنقطع، ولا يثبت -والله أعلم- عن أحد من الصحابة أنه قال: لا تجب الزكاة في مال الصبي والمجنون، بل المعروف عن الصحابة رضي الله عنهم إيجاب الزكاة في مال الصبي والمجنون .

    وهناك قول ينسب أيضاً لـابن مسعود رضي الله عنه: أنه يقول: تجب الزكاة في مال الصبي والمجنون، لكن لا تُخرج إلا إذا بلغ، فإن شاء أخرجها وإن شاء لم يخرجها.

    وهذا أيضاً فيه بعد؛ لترتب زكوات كثيرة جداً، فقد يُشق عليه إخراجها.

    فالصواب: هو ما ذهب إليه الجمهور الأئمة الثلاثة أحمد ومالك والشافعي : أن مال الصبي والمجنون فيه زكاة؛ لأن الزكاة متعلقة بالمال، ولعموم النصوص الواردة في الأمر بإخراج الزكاة.

    حكم المضاربة بمال الصبي والمجنون

    أيضاً هناك مسألة أخرى في الحديث: وهي المضاربة بمال الصبي والمجنون, يعني: حديث عمرو بن شعيب يقول: ( من ولي يتيماً له مال فليتجر له ) يعني: يُتاجر له بالمال.

    فيجوز المضاربة بمال الصبي والمجنون عند الأئمة الأربعة، أن يضارب بالمال لهذه الأحاديث ولغيرها، لكن قالوا: يختار في المضاربة التجارات التي هي أقرب إلى الضمان وأبعد عن المخاطرة، فلا يُضارب -مثلاً- بالاحتمالات أو بالأشياء الصعبة، أو حتى -مثلاً- بالحيوانات والمواشي؛ لأنها تموت وتهلك، وإنما قد يُضارب في العقار؛ لأن الغالب عليه الحفظ والسلامة ولو طال به الوقت، أو ما يغلب على ظنه أنه يسلم، ولا يُغامر بهذه الأموال كما يُغامر ربما بماله الخاص أحياناً؛ لأن القاعدة عند الاقتصاديين: (أنه دائماً ارتفاع الربح مرتبط بارتفاع المخاطرة) يعني: هذه الصفقة فيها ربح: (50%) لكن احتمال المخاطرة كبير أيضاً، أو يكون الربح قليلاً والمخاطرة قليلة أيضاً يعني: (5 %) شبه مضمون، فارتفاع المخاطرة هنا لا يُقبل في مال الصبي والمجنون.

    إذاً: هذا فيما يتعلق بالمضاربة.

    وقد نقل عن الحسن البصري أنه كان لا يرى المضاربة في مال الصبي والمجنون، أو يقول: أكره المضاربة في مال الصبي والمجنون.

    وكأنه خشي على هذا المال أن يتعرض للتلف.

    حكم مضاربة الولي بمال الصبي والمجنون إذا كان تاجراً

    طيب هنا سؤال:

    إذا كان ولي اليتيم تاجراً، فهل له أن يأخذ مال الصبي والمجنون ويُضارب به بنفسه أو يعطيه أحداً يُضارب به؟

    لأنه إذا أعطاه أحداً يُضارب به، هنا ما في اتهام له، سوف يُعطي هذا المضارب نصيبه مثل ما يُعطى غيره، وهو فقط أعطاه إياه أمانة.

    أما إذا ضارب هو فهنا يكون محل اتهام؛ لأنه ربما ضارب لمصلحته؛ ولذلك كثير من الفقهاء يرون ألا يضارب هو في مال الصبي والمجنون، والذي أميل إليه أن الأمر لا يكون فيه حسم، وإنما يختلف من حال إلى أخرى.

    فإذا كان الولي تاجراً وثرياً وصاحب أموال وصاحب عقار وهو مأمون أيضاً، ومضاربته هو بمال الصبي والمجنون من باب البر لهما؛ لأنه لا يقبل هو أصلاً أن يُدخل أموال الناس عنده في المضاربة إلا بمبالغ طائلة، وقد لا يقبل ذلك أصلاً؛ لأنه ليس بحاجة إلى أموال الناس، فيكفيه ماله أن يُضارب به، إنما قال: هذا اليتيم -لأنه يتيم في حجري ولحدبي عليه وحرصي عليه- أجعل ماله أسوة بمالي فأُضارب بماله مثلما أُضارب بمالي من باب الإحسان إلى اليتيم، وهذا كثير في هذا الزمان، فهذا لا بأس به بل يُشكر عليه؛ لأنه جعل مال اليتيم أسوة بماله.

    أما إذا كان هذا الإنسان ما عنده مال، لكن يقول: أريد أن آخذ مال اليتيم هذا وأُضارب لعلني أنا أستفيد وهو يستفيد، فهنا يُمنع، بل قد يُغرَّم لو خسر؛ لأنه قد لا يكون أهلاً للمضاربة ولا خبرة عنده، وقد يؤدي بهذا المال إلى التهلكة.

    فوائد الحديث

    من فوائد حديث عمرو بن شعيب والحديث الآخر المرسل:

    أن الولي هو الذي يُخرج الزكاة من مال اليتيم والمجنون كما هو ظاهر.

    ومنه: أن مال الصبي واليتيم والمجنون يُزكى وهو مذهب الجمهور.

    ومنه: جواز المضاربة في مال الصبي والمجنون حتى ينمو ولا تأكله الزكاة.

    ومنه: أن الجنين لا يجب في ماله زكاة. كيف عرفناها من الحديث؟

    لأنه لا يصدق عليه أنه صبي ولا مجنون، يعني: الجنين لم يولد بعد، نعم هو مخلوق، لكن هل نصفه بأنه صبي؟ ولم يكن صبياً بعد، لا ندري: أذكر هو أم أنثى؟ حي أم ميت؟ فهو ليس موجوداً، وبالتالي لا يُضارب بماله بل يُوقف ماله، إلا في حالة ما إذا كان ماله مشاعاً ضمن غيره.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088942668

    عدد مرات الحفظ

    780032305