إسلام ويب

شرح بلوغ المرام - كتاب الزكاة - حديث 627-630للشيخ : سلمان العودة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • يتصل بأحكام الزكاة الخلاف في أخذ شطر مال مانع الزكاة، وحرمة الزكاة على آل النبي صلى الله عليه وسلم، وزكاة النقدين ونصابهما وما يلحق بهما من العملة النقدية، وزكاة المال المستفادة، وما إلى ذلك من الأحكام التفصيلية لهذا الركن العظيم.

    1.   

    شرح حديث: (في كل إبل سائمة في أربعين بنت لبون...)

    إن الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، وأصلي وأسلم على سيدنا وإمامنا معلم الناس الخير محمد، وعلى آله وأزواجه وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين، وعلينا وعليكم أيها المؤمنون.

    فإن فيما سنتلوه -إن شاء الله- في الغد وليس الليلة حديث عبد الله بن أبي أوفى : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتاه قوم بصدقتهم قال: اللهم صل عليهم ).

    اليوم عندنا حقيقة الدرس رقمه (207) من أمالي شرح بلوغ المرام، وهذه ليلة الأربعاء الحادي عشر من شهر جمادى الآخرة من سنة (1428هـ) في هذا المسجد المبارك مسجد الدخيل بحي الشهداء بـالرياض .

    عندنا مجموعة أحاديث الحقيقة ضرورية وأساسية في موضوع الزكاة، فأحاديث اليوم تشكل معنىً ومعلماً مهماً، وفيها عدد من الأبحاث الضرورية.

    أول هذه الأحاديث هو حديث رقم (605)، وهو حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ( في كل إبل سائمة في أربعين بنت لبون، لا تفرق إبل عن حسابها، من أعطاها مؤتجراً بها فله أجرها، ومن منعها فإنا آخذوها وشطر ماله، عزمة من عزمات ربنا، لا يحل لآل محمد منها شيء ).

    وفيما يتعلق بهذا الحديث عندنا عدة أبحاث. ‏

    تخريج الحديث

    أولاً: تخريجه، فإن الحديث رواه أبو داود والنسائي في كتاب الزكاة، ورواه أحمد في مسنده، والبيهقي، والحاكم في مستدركه، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وابن خزيمة في صحيحه .

    وفي الواقع أن في حديث بهز بن حكيم اختلافاً كثيراً بين أهل العلم، فمنهم من يأخذ رواية بهز بن حكيم عن أبيه عن جده، كـيحيى بن معين وعلي بن المديني، وأحمد بن حنبل كان يقول: حديث بهز بن حكيم صحيح، وجماعة من أهل العلم والترمذي أيضاً فإنه يميل إلى ثبوتها.

    بينما آخرون يميلون إلى تضعيف هذه السلسلة، يعني: أي رواية بهز بن حكيم عن أبيه عن جده، وليس خصوص هذا الحديث، وذلك كـأبي حاتم الرازي الإمام صاحب الجرح والتعديل؛ فإنه لا يقوي بهز بن حكيم، وكذلك الشافعي رضي الله عنه وأبي حاتم بن حبان وغيرهم.

    إذاً: رواية بهز بن حكيم عن أبيه عن جده فيها اختلاف، منهم من يقبلها ومنهم من يردها، ولعل الأولى أن رواية بهز بن حكيم عن أبيه عن جده تشبه رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، فيقبل منها ما وافق حديث الجماعة، ويرد منها ما انفردت به من الغرائب والمناكير، هذا من حيث عموم الرواية.

    أما من حيث حديث الباب نفسه: ( في كل إبل سائمة في أربعين بنت لبون، من أعطاها مؤتجراً بها فله أجرها، ومن منعها فإنا آخذوها وشطر ماله ) وهذا النص فيه كلام آخر، زيادة على كونه من حديث بهز بن حكيم، فإن في متنه بعض الغرابة، وهذا ما يسميه العلماء بنقد المتن، وهو من العلم العظيم النادر، ولهذا الإمام أحمد رحمه الله مع كونه يقوي حديث بهز بن حكيم إلا أنه يقول: هذا الحديث لا أدري ما وجهه، يعني: استغربه واستنكره، وكذلك الشافعي رحمه الله كان يأخذ بهذا الحديث في مذهبه القديم، ثم رجع عنه وعلق القول به على ثبوت الحديث وصحته.

    و ابن حبان ذكر هذا الحديث، وقال: لولا هذا الحديث لأدخلت بهز بن حكيم في كتاب الثقات لي، وإنما امتنع من إدخال بهز بن حكيم في الثقات بسبب ورود هذا الحديث عنه، وما في هذا الحديث من الغرابة.

    ولا شك أن الحديث انفرد بعدد من المسائل:

    المسألة الأولى، منها:

    - قوله في أول الحديث: ( في كل إبل سائمة في أربعين بنت لبون ) فأنت تلاحظ أنه هنا .. صحيح أن الأربعين فيها بنت لبون، ولكن الحديث الآخر حديث أبي بكر الصديق كان أكثر دقة وأكثر تحديداً، فجعل بنت اللبون تستوعب ما بين ست وثلاثين إلى خمس وأربعين، وليس أربعين فقط، كما يدل عليه حديث بهز بن حكيم .

    - وكذلك قوله: ( ومن منعها فإنا آخذوها وشطر ماله ) فإن هذا لم يرد في شيء من النصوص فيما هو معروف عن النبي صلى الله عليه وسلم، يعني: تهديد مانع الزكاة بأن يؤخذ شيء من ماله، ومثل هذه المسائل التي يُبنى عليها حكم جديد وتخالف أصول القواعد، فإن الأصل أنه لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه، إلى غير ذلك، فمثل هذا لا يؤخذ فيه بالأسانيد والروايات المتوسطة والحسان، وإنما يؤخذ فيه بالأشياء القوية الصحيحة الثابتة، ومن هنا توقف كثير من أهل العلم في قبول هذا الحديث.

    وقد رأيت للإمام ابن القيم رحمه الله في تعليقه على سنن أبي داود كلاماً على هذا الحديث وتشديداً على من لم يأخذ به، حتى إنه قال: ليس لمن ترك الأخذ بهذا الحديث حجة.

    والذي يظهر لي أن من ترك الأخذ بهذا الحديث كالأئمة وغيرهم معهم حجة قوية، سواء من حيث النظر في إسناده أو غرابته، أو غير ذلك من المآخذ، أو كونهم أعرضوا عن الحديث إلى الأخذ بما هو أثبت وأصح منه.

    معاني ألفاظ الحديث

    النقطة الثانية: ما يتعلق بمفردات الحديث وغريبه.

    قوله: (سائمة الإبل) يدخل في السائمة بهيمة الأخنعام كما سبق، والسائمة من السوم، والمقصود بالسوم: الرعي، على ما بينا وأسلفنا: أن السوم شرط في وجوب الزكاة في بهيمة الأنعام: الإبل والبقر والغنم.

    قوله: (بنت لبون) معروف، وهذا سن للإبل.

    أول أسنان الإبل الواجبة في الزكاة هي بنت مخاص، وبنت المخاض سنها سنة ودخلت أو طعنت في الثانية.

    وبعدها بنت اللبون أو ابن اللبون، وعمره سنتان وطعن في الثالثة.

    وبعده حقة طروقة الجمل أو طروقة الفحل، وهذه عمرها ثلاث وطعنت في الرابعة. وبعدها جذعة، وعمرها أربع سنوات وطعنت في الخامسة.

    أيضاً قوله في هذا الحديث: (لا تفرق إبل عن حسابها) هذا اللفظ فيه غموض، ولعل الأقرب فيه أن المقصود: لا يجمع بين متفرق، ولا يفرق بين مجتمع، فيكون الحديث هنا متعلقاً بالخلطة، إذا كانت خلطة لشريكين.

    ويحتمل أن يكون قوله: (لا تفرق إبل عن حسابها) معناه: أنه إذا كانت الإبل صغاراً أو مراضاً، أو ما كان دون السن فإنها تحسب، يعني: لا تخصم أو تلغى، بل تحسب من ضمن الإبل ولكنها لا تؤخذ، كما في حديث عمر : ( اعتد عليهم بالسخلة ولا تأخذها منهم ).

    وقوله: (من أعطاها مؤتجراً) يعني: من أعطى الزكاة مؤتجراً محتسباً طالباً للأجر.

    ( فله أجرها، ومن منعها فإنا آخذوها وشطر ماله) والشطر هو: النصف أو الجزء من الشيء، وبناءً عليه فالمعنى هنا أن من منع الزكاة فالنبي صلى الله عليه وسلم يهدده بأن يأخذ، أو يأخذ ولي الأمر منه الزكاة ويأخذ منه مع الزكاة شطر المال زيادة أو عقوبة أو نكاية له.

    وقد ذكر إبراهيم الحربي -وهو إمام محدث لغوي جليل، وله كتاب في غريب الحديث فيما أحسب- ذكر أن اللفظ هنا فيه غلط، وأن الرواية الصحيحة: (فإنا آخذوها من شطر ماله) وقال: إن المعنى أن المصدق يقسم مال هذا الإنسان الممتنع من الزكاة إلى جياد وإلى رديئة، فيأخذ الزكاة من الجياد عقوبة له على منع الزكاة.

    وإن كان ابن القيم رحمه الله وغفر له استسمج هذا القول، مع أن القول لا يخلو من وجه.

    وقوله: (عزمة من عزمات ربنا) إما بالرفع (عزمةٌ) أو بالنصب (عزمةً من عزمات ربنا) يعني: أمر جد لا هزل فيه وشدة، وليست رخصة، هذا معنى (عزمة).

    (لا يحل لآل محمد منها شيء) أي: أنها لفقراء المسلمين، ولا تحل لآل محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

    وآل محمد هم أهل بيته الذين حرموا الصدقة بعده، من هم الذين حرموا الصدقة بعد النبي صلى الله عليه وسلم؟

    آل علي، وآل جعفر، وآل العباس، وآل عقيل، وآل الحارث، هؤلاء هم آل النبي صلى الله عليه وسلم الذين حرموا الصدقة.

    مسألة: حكم أخذ الشطر من مال مانع الزكاة

    النقطة الثالثة في الحديث مسألة: أخذ الشطر من مال مانع الزكاة.

    القول الأول في هذه المسألة: أنه لا يؤخذ منه شيء، وإنما تؤخذ منه الزكاة التي منعها فحسب، وهذا مذهب الجمهور: الشافعي في المذهب الجديد ومالك وأبي حنيفة، وهو أيضاً قول عند الحنابلة، وهو المنقول عن الصحابة؛ لأنه لم ينقل عنهم خلاف ذلك.

    وحجة هذا القول:

    أولاً: فعل أبي بكر الصديق رضي الله عنه في مانع الزكاة، فإنه لم ينقل أنه أخذ من أحد منهم فوق الزكاة المفروضة.

    كما إنهم يضعفون هذا الحديث إما سنداً وإما متناً.

    القول الثاني: أنه يؤخذ من مانع الزكاة مع الزكاة شطر ماله تعزيراً له بالمال، وهذا مذهب الشافعي في القديم، كان يقول به ثم رجع عنه، وهو مذهب إسحاق وأبي بكر بن عبد العزيز من الحنابلة، وبعض المتأخرين مالوا إليه، وكما أشرت أن ابن القيم رجحه في تهذيب سنن أبي داود .

    وحجتهم حديث الباب، ويرون أن الحديث ثابت فيأخذون بظاهره.

    القول الثالث: أنه يؤخذ منه الزكاة من طيب ماله وجياده، لكن يؤخذ القدر والسن المشروع بغير زيادة، وهذا مذهب من؟ إبراهيم الحربي كما ذكرت قبل قليل، فيرى أن ماله يشطر إلى شطرين، فيأخذ المصدق من المال الجيد السن الواجبة بنت لبون أو بنت مخاض أو حقة أو جذعة، واحدة أو اثنتين أو ثلاثاً دون زيادة، ولكن يأخذ من الجياد عقاباً له، فيكون العقاب هنا بأخذ الجيد، بينما في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (وإياك وكرائم أموالهم ) .

    والذي نرجحه من هذه الأقوال هو الأول، وهو مذهب الجمهور، وهو الجادة، أنه لا يؤخذ من مانع الزكاة شيء فوق الواجب عليه بأصل الشريعة.

    حكم الصدقة على آل البيت

    النقطة الرابعة مسألة: الصدقة على آل البيت، وقد أشار إليها في الحديث أيضاً، وهي مسألة مهمة، وآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم لهم قدر وفضل، وهذا المصطلح مصطلح (آل البيت) فيه أقوال كثيرة حتى في تعريفه.

    فالقول الأول هو: أن آل البيت هم من حرموا الصدقة بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وهم الأصناف الخمسة الذين ذكرتهم قبل قليل.

    وقيل: إن آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم هم ذريته وأزواجه، كما في قوله سبحانه: إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا [الأحزاب:33]، وهذا في سياق أزواج النبي صلى الله عليه وسلم: يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ [الأحزاب:30].

    وقيل: إن آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم هم أمته، وقيل: هم الصلحاء من أتباعه، وهذا وارد في قوله: ( اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ).

    آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم هل يجوز لهم أن يأخذوا الزكاة أم لا يجوز؟

    في المسألة أقوال، أهمها قولان:

    الأول: أنه لا يجوز لآل البيت الذين ذكرتهم أن يأخذوا الزكاة إلا أن يكونوا من العاملين عليها، أما أن يكونوا فقراء أو مساكين أو غارمين أو ما أشبه ذلك فلا يأخذون من الزكاة، وإن كانوا محتاجين، وإن كانوا من أهل الزكاة؛ لأن الزكاة أوساخ الناس كما في الحديث؛ لأن الناس يتطهرون بها، فلا تحل لمحمد صلى الله عليه وسلم ولا لآل محمد.

    وهذا القول -أنها لا تحل لهم- هو مذهب الأئمة الأربعة في المشهور عنهم: الشافعي ومالك وأبي حنيفة وأحمد، وهو مذهب أكثر الصحابة أيضاً.

    ومن أقوى حججهم: حديث أبي هريرة المشهور المتفق عليه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى الحسن أخذ تمرة من تمر الصدقة، فقال له: كخ كخ، ارم بها، أما علمت أنا لا نأخذ الصدقة؟ ) فهذا نص في أنهم لا يأكلون ولا يأخذون الصدقة كباراً ولا صغاراً.

    وأيضاً: الحديث الآخر المتفق عليه حديث عائشة في قصة بريرة التي اشترتها عائشة وأعتقتها، ثم أهدي لها لحم فجاءت به إلى عائشة رضي الله عنها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( قربوه، هو لها صدقة، وهو علينا هدية ) فهذا دليل على أنه لا يجوز لو كانت صدقة.

    وكذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن الصدقة لا تحل لمحمد ولا لآل محمد ) وهو في الصحيح.

    إذاً: هذا هو القول الأول.

    القول الثاني: أن ذلك جائز إذا كانوا محتاجين أو من أهل الزكاة. وهذا قول في مذهب أبي حنيفة اختاره الإمام الطحاوي صاحب معاني الآثار ومشكل الآثار، واحتج عليه بأن ذلك كان لأنهم يأخذون خمس الخمس من الغنيمة، فبموت النبي صلى الله عليه وسلم وانقطاع هذا الخمس أصبحوا محتاجين إلى الصدقة وإلى الزكاة.

    و لا شك أن القول الأول هو الأرجح؛ أن الصدقة لا تحل لآل محمد عليه الصلاة والسلام، إلا إذا اضطروا إلى ذلك، يعني: إذا أمكن استغناؤهم فيما بينهم، أو من أوقاف أو من تبرعات أو ما أشبه ذلك، فهذا هو المتعين عليهم، أما إذا وصل الأمر إلى حد الضرورة فإن الله سبحانه وتعالى ما جعل علينا في الدين من حرج، وقد يجوز أن يكون من آل البيت اليوم أمم كثيرة في الهند وفي بلاد العرب وغيرها، وربما يكونون جياعاً وفقراء، وقد ضاعت مصارف بيت المال، وانتهى أمر المغانم، فإذا افتقر هؤلاء واحتاجوا واضطروا فليس عليهم حرج أن يأخذوا من الزكاة.

    وأؤكد بهذه المناسبة أن آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم لهم قدر وفضل ومكانة، والله سبحانه وتعالى قال: قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى [الشورى:23] ولهم محبة عند المؤمنين، فصالحهم يُحب كصالح المؤمنين وزيادة، وفاسقهم يُحب أيضاً كفاسق المؤمنين وزيادة، فلهم قدر الفضيلة والقرب من سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم: قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى [الشورى:23] والأصل أيضاً تصديقهم في أنسابهم، كما كان يقول الإمام مالك: (الناس مؤتمنون على أنسابهم ولا يُطعن عليهم فيها). مع أن هناك جهات مختصة ومسئولة وذات اعتبار ومتابعة ومعرفة بموضوع الأنساب وتدوينها يرجع إليها في ذلك.

    1.   

    شرح حديث: (إذا كانت لك مائتا درهم وحال عليها الحول...)

    الحديث الذي بعده رقم (606) وهو حديث علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إذا كانت لك مائتا درهم وحال عليها الحول ففيها خمسة دراهم، وليس عليك شيء حتى يكون لك عشرون ديناراً وحال عليها الحول ففيها نصف دينار، فما زاد فبحساب ذلك، وليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحول )، والحديث يقول المصنف: رواه أبو داود، وهو حسن، وقد اختلفوا في رفعه.

    تخريج الحديث

    أولاً: تخريج الحديث:

    رواه أبو داود كما ذكر المصنف في كتاب الزكاة، والبيهقي أيضاً في سننه، وهو من طريق عاصم بن ضمرة والحارث الأعور أيضاً عن علي رضي الله عنه وأرضاه، وفي هذا الإسناد مقال، أما الحارث الأعور فهو ضعيف، بل متروك عند جمع من المحدثين.

    وعاصم خير منه وأحسن حالاً، بل هو حسن الحديث، ولذلك فهذا الحديث حسن ولكنه موقوف.

    فالصواب: أن هذا الحديث من كلام علي رضي الله عنه، وبهذه المناسبة أؤكد على أهمية التورع والتوقي في رفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ لما ورد من الوعيد الشديد فيمن قال على النبي صلى الله عليه وسلم ما لم يقل، فإذا تردد أهل العلم في رفع حديث أو وقفه، أو تردد الرواة في ذلك، فينبغي أن يتأنى ولا يتعجل برفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم، بل يوقف على الصحابي، خصوصاً إذا وجدت قرائن.

    ومثل الحديث الذي معنا فيه قرائن في لفظه تدل على أنه ليس من اللفظ النبوي، فهو فيه بيان بعض التفاصيل وبعض التحديد الذي يغلب على الظن أنه من كلام علي رضي الله عنه وأرضاه، وهذا هو أيضاً الوارد من حيث الإسناد الحسن.

    معاني ألفاظ الحديث

    ما يتعلق بألفاظ الحديث:

    يقول: (إذا كانت لك مائتا درهم) الدراهم هذه تكون مصنوعة من الفضة، والدراهم هي نصاب الفضة كما هو معروف.

    (وحال عليها الحول) والمقصود بالحول هو مرور العام، مرور السنة عليه منذ تملكه، والحول سمي حولاً؛ لتحول الشمس والأفلاك وغيرها، ودورة الأيام والشهور كما هو معروف، ويجمع الحول على أحوال، أو يجمع على حئول بالهمز وبغير همز.

    قال الشاعر:

    وأشهد من عوف حئولاً كثيرة

    فهذا معنى الحول.

    (ففيها خمسة دراهم) هذه هي الفضة.

    (وليس عليك شيء حتى يكون لك عشرون ديناراً) الدنانير من الذهب، هذه الدنانير من الذهب، فبناءً عليه يكون نصاب الذهب عشرين ديناراً.

    قال: (وحال عليها الحول ففيها نصف دينار، فما زاد فبحساب ذلك) يعني: ليس فيها وقص، ( وليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحول ).

    حكم زكاة الذهب والفضة

    في هذا الحديث وإن كان صحيحاً موقوفاً على علي، فيه مسألة مهمة جداً، وهي مسألة زكاة الذهب والفضة.

    فأولاً: فيما يتعلق بأصل وجوب زكاة الذهب والفضة، فالزكاة واجبة في الذهب والفضة باتفاق العلماء، مثل زكاة الإبل والبقر والغنم وغيرها.

    زكاة الذهب والفضة واجبة بالقرآن الكريم: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ [التوبة:34]، وقد صح عن ابن عمر: (أن ما أديت زكاته فزكي فليس بكنز)، وهذا ما قرره واختاره البخاري في صحيحه .

    إذاً: القرآن دل على وجوب الزكاة في الذهب والفضة.

    وهكذا السنة النبوية في حديث أبي هريرة المعروف والمتفق عليه: ( ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها زكاتها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار، فأحمي عليها في نار جهنم، ثم كوي بها جنبه وجبينه وظهره حتى يقضى بين الخلائق ).

    أيضاً كتاب أبي بكر الصديق الذي ذكرناه في حديث أنس رضي الله عنه، وفيه أنه: ( في الرقة ربع العشر، فإن لم تكن إلا تسعين ومائة فلا زكاة فيها ) فالرقة قلنا: إن المقصود بها هي الفضة سواءً كانت مضروبة أو غير مضروبة.

    أيضاً الدليل الرابع هو الإجماع، فقد أجمع الصحابة والأئمة والعلماء على وجوب الزكاة في الذهب والفضة من حيث الأصل، ولا يقدح في هذا الإجماع خلافهم في الذهب المستعمل.

    ذهب النساء المستعمل فيه خلاف، إنما نحن نتكلم في أصل المسألة أن الذهب والفضة فيها زكاة، أما التفاصيل فهذا له كلام آخر.

    إذاً: هذه نقطة انتهينا منها؛ أن الذهب والفضة تجب فيها الزكاة بالقرآن والإجماع والنظر أيضاً؛ لأن الذهب والفضة من الأموال النامية، فمن حيث النظر والتعليل الزكاة فيها واجبة.

    تحديد نصاب الفضة

    النقطة الثانية في موضوع الذهب والفضة: نصاب كل منهما؛ نصاب الفضة ونصاب الذهب كم هو؟

    نبدأ بنصاب الفضة؛ لأنه أسهل وأظهر وأثبت، فأقول: إن نصاب الفضة مائتا درهم كما ذكره هنا في الحديث: (إذا كانت لك مائتا درهم) فنصاب الفضة مائتا درهم، وهو أيضاً في حديث أبي بكر، قال: (فإن لم يكن لك إلا مائة وتسعون فلا زكاة فيها) فحديث أبي بكر دليل على نصاب الفضة، وأثر علي هذا دليل على نصاب الفضة، وأيضاً حديث أبي سعيد الخدري وهو في الصحيحين، قال: ( ليس فيما دون خمس أواق صدقة ) خمس أواق، الأواقي جمع أوقية، والأوقية هي قسمة مائتين على خمس فتصير أربعون درهماً.

    إذاً: زكاة الفضة خمس أواق، خمسة في أربعين الناتج مائتا درهم.

    وهكذا حديث أبي الزبير عن جابر، وهو في مسلم أيضاً : ( ليس فيما دون خمس أواق صدقة ) .

    فهذه النصوص كلها تدل على أن نصاب الفضة مائتا درهم، أي: خمس أواق.

    والإجماع على ذلك قائم، فقد أجمع العلماء من الصحابة والأئمة الأربعة وغيرهم الخلف والسلف على أن نصاب الفضة مائتا درهم خمس أواق.

    تحديد نصاب الذهب

    ننتقل بعد ذلك للذهب، نصاب الذهب كم هو؟ حديث علي رضي الله عنه كم ذكر نصاب الذهب؟ عشرون ديناراً، قال: ( وليس عليك شيء حتى يكون لك عشرون ديناراً ) .

    إذاً: نصاب الذهب هو عشرون ديناراً، وقد ورد فيه أحاديث كلها معلولة؛ الأحاديث المرفوعة، لكن فيه آثار عن الصحابة، كالأثر هاهنا عن علي رضي الله عنه، وفيه أثر مثله عن عائشة وعن جمع من الصحابة تدل على أن نصاب الذهب عشرون ديناراً، وهذا حكي الإجماع عليه، والواقع أنه لا إجماع، وإنما هذا مذهب الجمهور، وهو الراجح، بل هو الصحيح؛ أن نصاب الذهب عشرون ديناراً، وإلا فقد خالف في ذلك من خالف.

    وممن خالف فيه: الحسن البصري ؛ فإنه يرى أن نصاب الذهب أربعون ديناراً، وهذا قول غريب، وكذلك خالف فيه الزهري وسليمان بن حرب وطاوس وعطاء وجماعة، قالوا: إن الذهب ليس له نصاب يخصه، وإنما يحسب نصاب الذهب بالفضة، فإذا كان عند إنسان ذهب لا نستطيع أن نقول: إن فيه زكاة أو ليس فيه حتى نقيسه إلى الفضة، فإذا كان يقابل مائتي درهم من الفضة أو خمس أواق من الفضة أوجبنا فيه الزكاة.

    إذاً: هذا يؤكد أن مسألة نصاب الذهب فيها شيء من الاختلاف، لكن الذي نرجحه هو مذهب الجمهور: أن نصاب الذهب عشرون ديناراً.

    طيب. عشرون ديناراً كم فيها؟ نصف دينار، الحسبة هذه مطردة عندنا وإلا غير مطردة؟ مطردة؛ لأن نصاب الفضة واحد من أربعين، صح؟ كذلك نصاب الذهب واحد من أربعين، يعني: نصف من عشرين، كما في حديث علي رضي الله عنه وأرضاه.

    إذاً: نصاب الفضة عرفناه، ونصاب الذهب عرفناه.

    نصاب الورق النقدي

    ننتقل إلى نقطة ثالثة ومهمة جداً، وهي ما يتعلق بنصاب الورق النقدي المستعمل الآن، الفلوس، الريالات، والليرات، والدولارات، والعملة الورقية الدارجة عند الناس اليوم، وهي شيء جديد لم يكن معروفاً من قبل، وفي وقت مضى قبل (1970م) كان يوجد رصيد يغطي العملة من الذهب، ثم فصل ارتباطها بها، وأصبحت العملة غير مرتبطة بأي رصيد آخر، لا من الذهب ولا من القطن ولا من النفط ولا من غيره، وإنما يعتمد على القيمة الشرائية واعتماد السلطة والحكومة لها، وكونها وسيلة للبيع والشراء والإبراء والتعاطي، فهذه النقود شيء جديد، وربما يستغني الناس عنها يوماً من الأيام بما هو أكثر حداثة منها، مثل عملية النقاط الإلكترونية، وأن يكون رصيد الإنسان عبارة عن نقاط فقط في حسابه عن طريق الإنترنت، ويكون الأخذ والعطاء والتداول بها، وإن كانت هذه العملة ذات حضور كبير وتأثير في واقع الناس.

    المهم ما يتعلق بموضوع زكاة العملة الورقية، الفقهاء المتقدمون كانوا يعبرون عنها بزكاة الذهب والفضة، مثل ما تلاحظونه هنا، وفي كتب الفقه عادة يقولون: زكاة الذهب والفضة.

    وأحياناً يتوسع بعضهم، فيقول: زكاة النقدين، والمقصود بالنقدين: هما الذهب والفضة، فهي نقود بالاتفاق، وأحسن من هذا أن من الفقهاء من يقول: باب زكاة الأثمان، فالتعبير بالأثمان أفضل؛ لأنه يدخل فيه كل ما يستخدم ثمناً للأشياء، سواءً كان فضة أو ذهباً أو ورقاً نقدياً أو غير ذلك.

    كيف نستطيع أن نعرف نصاب الريالات السعودية على سبيل المثال؟ طبعاً هذا يعرف من خلال نسبتها إلى شيء آخر، وغالب الفقهاء ينسبونها إلى الفضة، وهو الذي نختاره لاعتبارات عديدة:

    أولاً: لثبوت نصاب الفضة في السنة النبوية بالأحاديث الصحيحة، كحديث أبي سعيد وحديث جابر وحديث أنس وغيرها.

    ثانياً: لوجود الإجماع التام على نصاب الفضة بما لا يتوافر في نصاب الذهب، حيث لم يقع الإجماع عليه ولم تأت فيه أحاديث صحيحة.

    وثالثاً: لأن من أهل العلم -كما أسلفت- من يعتبر أن نصاب الذهب يقاس إلى الفضة، فمن باب أولى أن يقاس نصاب الورق النقدي إلى الفضة.

    ورابعاً: لأن الفضة أرخص، فيكون تحديد النصاب بها أحظ للفقير وأحوط للغني، ولا شك أن الفقير بحاجة إلى الزكاة لينتفع ويرتفق بها، والغني بحاجة إلى أن يبرئ ذمته بإخراج الزكاة، وقد وسع الله عليه من فضله.

    وخامساً: لأن الفضة أقل غشاً من الذهب، فالكل يعرف مثلاً أن الذهب عبارة عن عيارات متعددة؛ أعلاها عيار أربعة وعشرين، وهذا ذهب خالص، ويمكن أن يصنع منه عملة، ويصنع منه حلي، خلافاً لما ظنه الشيخ مصطفى الزرقا أن ذلك غير ممكن، ودونه عيار ثلاثة وعشرين، واثنين وعشرين، وواحد وعشرين وهو أيضاً من غالب ما يستعمل، وهذه يكون فيها نسبة من المواد الأخرى، يعني: ليش صار عيار واحد وعشرين أو اثنين وعشرين؟ لأن فيه مواد داخلة من غير الذهب، يعني: شوائب، وعيار ثمانية عشر وعيار ستة عشر، فهذه يكون فيها تفاوت، بينما الفضة يقل فيها هذا الأمر.

    وقد يقال أيضاً: إن الفضة أثبت في السعر إلى حد ما، فهي أقل تذبذباً من الذهب.

    لهذه الاعتبارات الستة نقول: إن الأولى أن يحسب الورق النقدي بالنسبة إلى الفضة.

    وبعض المعاصرين حاولوا أن يخرجوا عن نظام الذهب والفضة ليقيسوها إلى الإبل أو غيرها، وأرى أن هذا لا حاجة له، فالبقاء على ما كان عليه أكثر الفقهاء خصوصاً مع تيسر ذلك وبقاء الحاجة إليه أفضل وأولى.

    كيف نعرف الفضة ودراهم الفضة الموجودة، وهي لم تعد مستعملة عند الناس اليوم؟ وما هو العيار الذي تقاس به الأشياء الآن؟ الذهب والفضة تقاس بماذا؟

    تقاس بالجرام، ولهذا نحاول أن نعرف نصاب الذهب أو الفضة بالجرامات، والفقهاء والعلماء حاولوا ذلك بإحدى طريقتين، وكلا الطريقتين صحيحة، وتؤدي إلى نفس النتيجة تقريباً بعد البحث والتحري.

    الطريقة الأولى: أن الفقهاء المتقدمين كانوا يقيسون الفضة من خلال حبات الشعير؛ لأنها خفيفة، يقصون أطرافها، ويختارون نوعية معينة من حبات الشعير المتساوية بدقة وعناية شديدة، ثم يقولون: إن مائة حبة شعير مثلاً هي تعادل نصاب الفضة.

    الطريقة الثانية: هي طريقة النظر إلى الدراهم والدنانير الموجودة اليوم في المتاحف وغيرها، والعرب في مكة كان عندهم دراهم ودنانير متفاوتة؛ ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الميزان وذكر المكيال؛ لأنه كان موجوداً متخذاً عندهم، وكان العرب يستخدمون الوزن في الذهب والفضة؛ لأن الدراهم والدنانير لم تكن منضبطة، فكان بعضها أكبر من بعض، وكان بعضها غالباً الذهب -الدنانير- غالباً تسك في بلاد الروم، والدراهم غالباً ما تسك في بلاد الفرس، وكان يوجد عند العرب ما يسمى بالدرهم البغلي وهو كبير، ويوجد ما يسمى بالدرهم الطبري وهو صغير، فكان هناك تفاوت، حتى جاء عبد الملك بن مروان وصك عملة إسلامية راعى فيها ما هو موجود، ثم طرأ على هذه العملة تغيير عبر مراحل التاريخ المختلفة، لكن ألوان من هذه العملات موجودة في متاحف لندن وبرلين وهولندا وغيرها من البلاد الأوروبية التي غزت العالم الإسلامي، وأخذت كثيراً من مقتنياته وموروثاته وأشيائه وذاكرته -إن صح التعبير- ذاكرته التاريخية كلها، ذاكرة العراق والحجاز ومصر والشام تجدها في متاحف لندن وبرلين وهولندا وغيرها من بلاد العالم الشرقي والغربي.

    من خلال هذا الاستقراء وذاك يتبين أن الذهب نصابه خمسة وثمانون جراماً بالتقريب، أما نصاب الفضة فهو مائتا درهم، كما في الحديث، والدرهم ثلاثة جرامات، إذاً: مائتان في ثلاثة يساوي ستمائة، ومن الفقهاء من يقول: خمسمائة وخمسة وسبعون، لكن هذا بسبب الاختلاف اليسير، والأقرب أن الشارع يجبر الكسر في مثل هذه الأحوال خصوصاً مع كثرة الاستعمال، فنقول: نصاب الفضة مائتا درهم، والدرهم تقريباً -ومتوسط الدرهم- ثلاثة جرامات.

    إذاً: مائتان في ثلاثة يساوي ستمائة جرام، نصاب الذهب خمسة وثمانون جراماً، ونصاب الفضة ستمائة جرام.

    كم قيمة الذهب وكم قيمة الفضة حتى نعرف الورق النقدي وكم زكاته؟

    ومن المعروف أن جرام الذهب والفضة يختلف اليوم عنه قبل شهر، عنه قبل سنة، عنه قبل خمس سنوات، فمر عليه فترة -ربما قبل عشر سنوات وأقل وأكثر- كان الجرام من الفضة قد لا يساوي ريالاً بالعملة السعودية، لكنه يتغير ويزيد وينقص، شأنه في ذلك شأن غيره من السلع، ولهذا نقول: لا يمكن ضبط النصاب بالعملة الورقية ضبطاً مستمراً، فإذا قلنا: إن النصاب يعرف بالفضة، معناه: أنه دائماً وأبداً نقول: نصاب العملة الورقية في كل وقت هو عبارة عن ستمائة جرام فضة، فإذا أردت أن تعرف النصاب فما عليك إلا أن تتصل بصائغ ثقة، وتقول له: كم قيمة جرام الفضة اليوم؟

    وأنا وجهت هذا السؤال لأحد الصاغة مساء هذا اليوم، نحن اليوم الثلاثاء بتاريخ (11) جمادى الآخرة (1428)، سألت الصائغ فقال لي: إن قيمة جرام الفضة اليوم ريالان و(10%) من الريال.

    إذا أردنا أن نعرف العملة وكم نصابها الآن، العملة الورقية السعودية ماذا نصنع؟

    نضرب عدد الجرامات التي هي ستمائة في قيمة الجرام التي هي اثنان و(10%)، كم يطلع عندنا؟ تقريباً ألف ومائتان وستون ريالاً سعودياً.

    إذاً: من ملك اليوم (1260) ريالاً سعودياً وحال عليها الحول وهي عنده فقد وجبت عليه فيها الزكاة.

    لو أردنا أن نحسب النصاب بالذهب ماذا نصنع؟

    ننظر إلى نصاب الذهب، كم نصاب الذهب خمسة وثمانون جراماً، وطبعاً فيه اختلاف، لكن هذا الرقم هو الأوسط والأقرب للتحري: خمسة وثمانون جراماً، طيب. سألت الصائغ اليوم: كم قيمة الجرام من الذهب؟ فقال لي تقريباً: إن قيمة جرام الذهب اليوم في هذا التاريخ هو ثمانية وسبعون ريالاً سعودياً.

    إذاً: نضرب خمسة وثمانون في ثمانية وسبعين يخرج عندنا ستة آلاف وستمائة ريال سعودي.

    إذاً: لو أردنا نحسب نصاب الورق النقدي بالفضة يكون ألف ومائتان وستون. إذا ضربنا ستمائة في اثنين وواحد من عشرة يطلع كم؟ ألف ومائتان وستون، هذا إذا كان محسوباً إلى الفضة، أما إذا نسبناه إلى الذهب الذي هو خمسة وثمانون في ثمانية وسبعين، فيختلف، وأنا سألت واحداً من الصاغة، وهو شيخ الصاغة -يمكن- في جدة، يمكن يختلف السعر؟ قال لي: السعر ثمانية وسبعون، طبعاً ليس مهماً السعر، المهم هو الطريقة، يعني: إذا افترضنا أن ما أخبرني به الصائغ ثمانية وسبعون معناه نضرب خمسة وثمانين في ثمانية وسبعين فيطلع عندنا النصاب: ستة آلاف وستمائة، لكن لو كان مثلاً ثمانين ريال اضرب في ثمانين، أو كان سبعين كما يذكر الأخ مثلاً اضرب في سبعين، المهم هو الطريقة، إذا أردت أن تعرف النصاب فاحسب قيمة الفضة، ونحن نرجح أن ينظر إلى الفضة لا إلى الذهب، وبناءً عليه نضرب صفحاً عن الذهب كله ونقول: إن العملة الورقية تعرف من خلال معرفة نصاب الفضة، عندك ستمائة جرام من الفضة، قيمة الجرام إذا افترضنا أنها اليوم (2.10) من الريال معناه: ألف ومائتان وستون ريالاً.

    في الذهب غالباً يحسبونها بعيار واحد وعشرين، فهذا هو أغلب الاستعمال، ولو استخدمت في أعلى عيار فإن ذلك سائغ أيضاً؛ لأنه هو ما يصح أن يطلق عليه أنه ذهب.

    1.   

    شرح حديث: (من استفاد مالاً فلا زكاة عليه...)

    الحديث رقم (607) يقول: وللترمذي عن ابن عمر رضي الله عنه: ( من استفاد مالاً فلا زكاة عليه حتى يحول الحول ) والراجح: وقفه. ‏

    تخريج الحديث

    هذا الحديث أولاً فيه التخريج، فقد رواه الترمذي في كتاب الزكاة عن ابن عمر رضي الله عنه، ورواه البيهقي في سننه الكبرى في كتاب الزكاة، ورواه مالك في الموطأ والشافعي وعبد الرزاق في مصنفه، وإسناده صحيح موقوفاً على ابن عمر رضي الله عنه وأرضاه.

    معاني ألفاظ الحديث

    النقطة الثانية في المعاني، قوله: (من استفاد مالاً) يعني: حصلت له فائدة مال أثناء الحول، هذا معنى قوله: (من استفاد)، يعني: أفاد مالاً في أثناء الحول وليس من أوله، وهذا المال ظاهر الحديث أنه لا زكاة فيه؛ لأنه لم يحل عليه الحول.

    أنواع المال المستفاد وحكمه

    وفي هذا الحديث مسألتان:

    المسألة الأولى: المال المستفاد، وما حكمه.

    والمال المستفاد عبارة عن نوعين:

    النوع الأول: هو المال المستفاد من جنس المال الموجود عنده، بحيث يكون مثلاً عنده إبل فاستفاد إبلاً، أو عنده بقر فاستفاد بقراً، أو عنده ذهب فاستفاد ذهباً، هذا هو النوع الأول؛ أن يكون ما استفاده من جنس المال الذي هو عنده أصلاً، هذا نوع.

    فهذا المال المستفاد إن كان من ثمرة المال ربحاً أو نتاجاً أو أولاداً للإبل والبقر والغنم، فما حكمه؟ حكمه حكم الأصل، وحوله حول الأصل، ولا يستقل بأصل بل يحسب عليه تبعاً، فهذا يحسب عليه تبعاً باتفاق الفقهاء، يعني: واحد عنده ستون من الإبل، وخلال السنة توالدت فأصبحت مائة، وجاء المصدق أو جاء وقت الزكاة وهي مائة، هل يؤخذ منه زكاة ستين أم زكاة مائة؟ زكاة مائة بالاتفاق؛ لأن الفائدة هنا هي من نتاج الإبل.

    طيب. مثال آخر: لو أن إنساناً عنده ورق نقدي، عنده مثلاً مائة مليون ريال، وخلال السنة تكاثرت وتنامت وأصبحت مائة وأربعين مليوناً وحال الحول عليها وهي كذلك، يزكي مائة أم مائة وأربعين؟ يزكي مائة وأربعين؛ لأن هذا الربح حوله حول أصله.

    إذاً: هذه هي الحالة الأولى.

    الحال الثانية: أن يكون من جنسه، ولكنه ليس من نتاجه، يعني: واحد عنده مائة من الإبل، وخلال العام مات له قريب فورث منه مائة أخرى، هذه المائة الجديدة التي ورثها خلال العام هل تحسب فيها الزكاة أم يستأنف فيها حول جديد؟ يستأنف بها حول جديد عند الجمهور خلافاً لـأبي حنيفة، أما أبو حنيفة فيرى أنها تدخل في الأصل فيزكي مائتين، أما الجمهور -وهو الراجح- فيقولون: المائة الجديدة التي جاءت نتيجة ميراث أو غير ذلك من الأسباب، لم تكن نتاجاً ولا ربحاً، فهذه يستأنف بها حول جديد خاص بها.

    الحال الثالثة في المال المستفاد: أن يكون هذا المال المستفاد ليس من جنس ما عنده أصلاً، يعني: أن عنده غنماً واستفاد بقراً، أو أن عنده بقراً واستفاد إبلاً، أو أن عنده ورقاً واستفاد بهيمة أنعام، أو عنده بهيمة أنعام واستفاد فلوساً، فهذه باتفاق أهل العلم أنها لا تحسب، وإنما يستأنف بها حول جديد.

    مسألة اشتراط الحول للزكاة

    في أثر ابن عمر ؛ لأنه من قوله رضي الله عنه، مسألة ثانية وهي مسألة: اشتراط الحول؛ لأنه يقول: ( فلا زكاة فيه حتى يحول عليه الحول ) وهذا أيضاً وراد في حديث علي الذي قبله: ( ولا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول ) .

    اشتراط الحول للزكاة في المال هذا معمول به عند جمهور أهل العلم، بما في ذلك الخلفاء الأربعة: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم، والأئمة الأربعة: الشافعي ومالك وأحمد وأبو حنيفة .

    وخالف في ذلك ابن عباس ومعاوية رضي الله عنهما، وقد اندرس وانقرض هذا المذهب، فلا يكاد يوجد من قال به، وسبب خلافهم: أن المسألة ليس فيها نص مرفوع كما هو واضح، فإن الآثار في هذا عن علي كما ذكرنا، وعن ابن عمر وعن بعض الصحابة وعن عمر، ولكن ليس فيه شيء مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا وقع الخلاف كما ذكره ابن رشد في بداية المجتهد وغيره عن ابن عباس ومعاوية .

    طيب. ابن عباس ومعاوية ما هو مذهبهم؟

    ما دام ما يشترطون الحول، يخرج الزكاة كل شهر أو كل أسبوع أو كل يوم؟ ما هو مذهبهم؟ كيف نحكي مذهبهم؟ يقولون: يخرج المال إذا استفاده، يعني: إذا حصل على المال زكاه، كأن هذا هو الأصل عندهم، ثم يبدو أنهم لابد أن يقولوا بالحول بعد ذلك.

    وطبعاً فيما يتعلق بحولان الحول ذكرت لكم سابقاً: أن الحول يشترط في الأثمان، في الذهب والفضة، وفي بهيمة الأنعام: في الإبل والبقر.

    إذاً: لا يشترط الحول فيما يخرج من الأرض، وإنما يشترط في بهيمة الأنعام وفي الأثمان، وأيضاً يشترط الحول في عروض التجارة، من عنده متجر أو دكان فإنه يزكيه إذا حال عليه الحول بخلاف الخارج من الأرض.

    1.   

    شرح حديث: (ليس في البقر العوامل صدقة...)

    والحديث الأخير في حصة هذه الليلة هو حديث علي رضي الله عنه ورقمه ستمائة وثمانية: ( ليس في البقر العوامل صدقة ). ‏

    تخريج الحديث

    وفيما يتعلق بهذا الحديث أولاً: تخريجه، فقد رواه أبو داود في كتاب الزكاة، والدارقطني في سننه، والبيهقي في سننه الكبرى أيضاً، وعبد الرزاق وابن أبي شيبة في مصنفيهما.

    وهذا الإسناد عن علي هو أيضاً عن عاصم بن ضمرة والحارث الأعور، فإسناده حسن لحال عاصم، وهو دليل على أن البقر العوامل ليس فيها زكاة.

    معاني ألفاظ الحديث

    (العوامل): جمع عامل أو عاملة، والمقصود: البقر التي تتخذ للحرث ونحوه، فليس فيها صدقة.

    وهذا دليل على أن ما يستخدم للعمل ليس فيه زكاة، كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما شرحناه بالأمس: ( ليس على المؤمن في عبده ولا في فرسه صدقة ) .

    1.   

    الأسئلة

    الوقص في النقدين

    السؤال: هل في النقدين وقص؟

    الجواب: ليس في النقدين وقص. ما هو الوقص أولاً؟

    الوقص هو ما بين المقدارين، مثلاً: الإبل في الأربعين أو الخمسين ما بينهما هو وقص، هذا هو الوقص، ما ليس فيه زكاة بين المقدارين، وأما بالنسبة للنقود فليس فيها وقص، هذا صحيح، ليست النقود وقصاً باعتبار أن ما زاد على مائتي درهم أو عشرين ديناراً ففيه الزكاة قل أو كثر بحسابه، كما في حديث علي : ( فما زاد فبحسابه )، لكن قد يقال: إن فيها وقصاً على طريقة الشافعي، فإن الوقص عنده هو ما قبل النصاب، يعني: ما لا تجب الزكاة فيه؛ لأن دون النصاب يسمى عنده وقصاً.

    حكم الوصل في قوله تعالى: (من راق)

    السؤال: يقول: هل يجوز الوصل في الآية: (من راق)؟

    الجواب: نعم، يجوز عند جمهور القراء كما ذكرنا.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    768239474