اليوم عندنا أربعة أحاديث:
الحديث الأول رقمه (601)، وهو حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم حين بعثه إلى اليمن أمره أن يأخذ من كل ثلاثين بقرة تبيعاً أو تبيعة، ومن كل أربعين مسنة، ومن كل حالم ديناراً أو عدله معافر).
والحديث رواه الخمسة واللفظ لـأحمد وحسنه الترمذي وأشار إلى اختلاف في وصله، وصححه ابن حبان والحاكم.
أما الإمام أحمد فخرجه في مسنده في مسند معاذ بن جبل كما هو معروف؛ لأن المسانيد ليست مرتبة على حسب الموضوعات وإنما على حسب الرواة ، والترمذي قال عقب إخراج هذا الحديث: إنه حديث حسن، حسنه الترمذي، وكذلك روى هذا الحديث ابن حبان في صحيحه ، فيكون ابن حبان ممن صحح الحديث، والحاكم في المستدرك وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، فهو عند الحاكم صحيح أيضاً على شرط البخاري ومسلم، ورواه البيهقي والطبراني والطيالسي وغيرهم.
وقد اختلف العلماء هل سمع مسروق من معاذ أو لم يسمع منه؟
والكثير من الأئمة كـالترمذي والدارقطني عدوا هذا الحديث مرسلاً، عدوه من المراسيل، يعني: أنه ليس بمتصل الإسناد، فـالترمذي والدارقطني عدوا الحديث مرسلاً، ولكن أخذ به أكثر أهل العلم، وذكر ابن عبد البر إجماع العلماء على معناه، وحسنه من ذكرت، حسنه الترمذي وابن حبان صححه والحاكم أيضاً، ووافقه الذهبي، ومن المعاصرين الألباني والأرنؤوط وغيرهم. وفي سنده الإشكال الذي ذكرت لكن له شواهد عن جماعة من الصحابة، وهو أيضاً يعتضد بالعمل به.
والتبيع هو: ما تم له سنة ودخل في السنة الثانية، يعني: ولد البقر الذكر الذي تم له سنة يسمى: تبيعاً؛ وذلك لأنه يفطم عن أمه فيصبح يتبعها ويلحقها، فيسمى تبيعاً، أي: تابعاً لها.
ومن باب أولى لو أخرج بدل التبيع تبيعة، وهي الأنثى من ولد البقر التي تم لها سنة، فإن ذلك يجزئ بل هو أفضل وأولى.
وكذلك قوله: (ومن كل أربعين مسنة)، فالمسنة من البقر: ما تم لها سنتان ودخلت في السنة الثالثة، وسميت مسنة لنبات سنها.
وقوله: (ومن كل حالم ديناراً)، الحالم: هو المحتلم، والمقصود: البالغ، كل من بلغ سواء كان بلوغه بالاحتلام أو بغيره من علامات البلوغ ، فكلمة (حالم) كلمة أغلبية لا يقصد بها حقيقتها من حصول الاحتلام، وإنما يقصد بها البلوغ، سواءً بلغ بالاحتلام أو بغيره.
وقوله: (ومن كل حالم ديناراً)، فهذا يؤخذ جزية من أهل الكتاب، (فالنبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذاً
(أو عدله): بفتح العين أو بكسر العين، عَدل أو عِدل، والمقصود: ما يقابله أو ما يكافؤه إذا لم يأخذ منه ديناراً أو لم يوجد عنده دينار فإنه يأخذ عوضاً عنه عدل ذلك (معافر)، والمُعافر أيضاً بضم الميم، وأحياناً يقال: معافري ينسب إلى قبيلة في اليمن وهي برود تنسج عند هذه القبيلة، فالبرود تسمى: بروداً معافرية.
فمعنى الحديث: أنه يأخذ من كل إنسان بالغ جزية ديناراً واحداً، فإذا لم يوجد عنده دينار فيمكن أن يعطي بدله ثوباً أو ثياباً من المعافرية التي كانت موجودة في اليمن.
والأمس شرحنا حديث أنس في كتاب أبي بكر الصديق له، وحديث أبي بكر الصديق فيه نوعان أو ثلاثة أنواع من الأنصبة، فيه أنصبة الإبل، وفيه أنصبة الغنم، وفيه أيضاً الورق وهي الفضة، لكن لم يذكر فيه البقر، وكأن ذلك -والله أعلم- لأن البقر ليست كثيرة الوجود في الحجاز ، فالبقر في اليمن وعمان وكثير من البلاد هي الأكثر وجوداً، تجدها عبارة عن مجموعات وقطعان تمشي في المزارع وفي الطرقات وغيرها، وليس الأمر كذلك في الحجاز ، فهي قليلة الوجود بـالحجاز ؛ ولهذا لم يذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في كتاب أبي بكر الصديق الذي شرحناه بالأمس، ولما بعث معاذاً إلى اليمن وكانت البقر فيها كثيرة، ذكر النبي صلى الله عليه وسلم له -كما في هذا الحديث- نصاب البقر وما يجب فيه.
وهذا الحديث هو أصل في بيان نصاب البقر وبيان ما يجب فيها.
و قد اختلف العلماء في هذا النصاب بسبب اختلافهم في الحديث -كما أشرت- صحة وضعفاً، اتصالاً وإرسالاً؛ ولذلك الحديث لم يخرجه الشيخان في صحيحيهما؛ لأنه ليس على شرط البخاري ومسلم، فوقع الاختلاف في ثبوته كما ذكرت، وبناءً عليه فإن العلماء اختلفوا على أقوال عديدة أهمها:
إذاً: الأربعون فيها مسنة.
والستون يكون فيها تبيعان، والسبعون تبيع ومسنة، والثمانون مسنتان. يعني: أربعون وأربعون. والتسعون ثلاثة أتبعة، وفي المائة تبيعان ومسنة، يعني: ثلاثون وثلاثون صارت ستون، وأربعون، هذه مائة. وفي المائة وعشر مسنتان وتبيع، وهكذا هذه هي الأنصبة.
وما بين الثلاثين والأربعين نسميه وقصاً، ما بين الأربعين والستين، أو الستين والسبعين، هذا يسمى وقصاً، وهو ما ليس فيه زكاة، وما قبل وجوب الزكاة يسمى وقصاً أيضاً، يسميه الشافعي وقصاً، يعني: ما قبل وجوب الزكاة.
إذاً: هذا هو القول الأول: أن الزكاة تجب في الثلاثين فما زاد، وعلى حسب ما ذكره حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه وأرضاه، وهذا هو مذهب الأئمة الأربعة: الشافعي ومالك وأبي حنيفة وأحمد.
إذاً: هو قول الجمهور، وهو المعمول به والله أعلم في معظم بلاد وأمصار الإسلام، وهذا الحديث .. حديث معاذ بن جبل وإن لم يكن بقوة حديث أنس بن مالك في الثبوت إلا أنه يصح أن يقال فيه: إنه أصح ما ورد في الباب، وهذه لفظة يطلقها الأئمة كـالترمذي وأحمد وغيرهم على الحديث الذي يكون هو أحسن ما جاء في الباب فيؤخذ به ؛ لأنه أصح ما ورد في الباب ولا يعارضه ما هو مثله فضلاً عما هو أقوى منه.
إذاً: هذا مذهب الأئمة الأربعة، وحجتهم الكبرى هي: الاحتجاج بحديث الباب، وقد ذكرنا لفظه ومن خرجه ومن صححه.
وقد يحتجون أيضاً بالإجماع على ذلك وأنه هو المعمول به.
والذين يردون عليهم يقولون: إن الحديث فيه ضعف فلا تثبت به الفريضة.
وأما بالنسبة للإجماع: فإنه لا إجماع في المسألة، بل هناك خلاف عند السلف معروف، وقد خالف في ذلك أئمة كبار كما سوف أذكره بعد قليل.
إذاً: هذا هو القول الأول.
فهؤلاء يرون أن نصاب البقر يلحق بنصاب الإبل، وهذا مذهب سعيد بن المسيب وهو سيد من سادات التابعين، وهو مذهب الإمام محمد بن شهاب الزهري وهو أيضاً وعاء من أوعية العلم والسنة، وأبي قلابة، ونقل عن جمع من الأئمة والتابعين.
وحجتهم في ذلك: أن كتاب عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي فيه بيان أنصبة الزكاة فيه إشارة إلى أنه يؤخذ من البقر مثلما يؤخذ من الإبل، وكتاب عمر هذا رواه أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب الأموال له وهو كتاب مطبوع، ورواه أيضاً حميد بن زنجويه في كتاب له اسمه كتاب الأموال وهو مطبوع أيضاً، ورواه ابن حزم في المحلى.
فاحتجوا بهذا الأثر في كتاب عمر أن نصاب البقر مثل نصاب الإبل.
بل قال الزهري: إن هذا كان آخر الأمرين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن النبي عليه الصلاة والسلام لما بعث معاذاً إلى اليمن أمره بذلك النصاب، تسهيلاً وتخفيفاً على أهل اليمن ، ثم بعد ذلك أمر أن يؤخذ من البقر مثل ما يؤخذ من الإبل.
ومما قد يستدلون به على ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الذي رواه مسلم وغيره في الذي لا يؤدي زكاة ماله يوم القيامة وما يعذب به، قال: (ولا صاحب بقر لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة بطحت له بقاع قرقر، فتطأه بأخفافها وأظلافها، وتنطحه بقرونها، حتى يقضى بين الخلائق فيرى سبيله). فقالوا: هذا دليل على وجوب الزكاة في البقر.
وبناءً على هذا الدليل فنقول: إن الأصل أن أقل قدر من النصاب تجب فيه الزكاة، هذا هو الأصل، وأقل قدر من النصاب هو نصاب الإبل كما ذكرنا، وهو خمس من الإبل.
وهذا القول ينسب لـشهر بن حوشب. وحجة أصحاب هذا القول أنهم يقولون: إنه قد ورد في نصاب الدية أنها مائة من الإبل أو مائتان من البقر، فكأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل البقرتين عن بعير واحد، فأخذوا بهذا فيما يتعلق في موضوع الزكاة، وهذا نوع من القياس الذي ليس فيه دليل صحيح.
فنقول: الأخذ بحديث معاذ مع ما عضده من عمل الأمة وعمل المسلمين وما عضده من بعض النصوص هو الراجح في هذه المسألة، فيأخذ من كل ثلاثين تبيعاً أو تبيعة، ومن كل أربعين مسنة على ما ذكرناه.
ومنها: أخذ الجزية من أهل الكتاب.
ومنها: مقدار الجزية، وسوف يأتي بيانه إن شاء الله في موضعه والخلاف فيه.
ومنها: أن الجزية تؤخذ من الذكر ولا تؤخذ من الأنثى.
ومنها: أن الجزية لا تؤخذ إلا من البالغ.
ومن فوائد الحديث أيضاً: جواز نقل الزكاة للحاجة، فإن معاذاً رضي الله عنه جمع هذه الزكاة ونقلها إلى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
و استدل بهذا الحديث أيضاً من قال بجواز دفع القيمة في الزكاة، يعني: إذا وجب عليه شيء أن يخرج قيمته، وفي المسألة خلاف لعله يأتي تفصيله؛ لأنها مسألة مهمة .
رقم (602): عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( تؤخذ صدقات المسلمين على مياههم ) رواه أحمد.
وفي سنده أسامة بن زيد الليثي يعني طبعاً: معروف أنه ليس هو الصحابي، فهناك أكثر من واحد أسامة بن زيد وفيهم مقال، ولكن بعضهم أرجح من بعض، فهنا أسامة بن زيد لعله أسامة بن زيد الليثي، فعليه يكون الحديث حسناً إن شاء الله تعالى، وقد حسنه غير واحد من أهل العلم.
ولكن يبقى إشكال آخر في الحديث وهو: سند عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، فيه كلام كثير لأهل العلم، وأوسط الأقوال فيه: أن رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رواية متصلة غير منقطعة، ولكن إذا لم يخالفها من هو أقوى منها أخذ بها، فإن خالفت فإنها ترد حينئذ؛ ولهذا كان الإمام أحمد يقول: المحدثون والعلماء إن شاءوا أخذوا رواية عمرو بن شعيب وإن شاءوا ردوها، وليس مقصوده: أنهم يتشهون لا، وإنما مقصودهم: أنهم يأخذونها إذا لم تخالف غيرها، فإذا خالفت تلك الرواية ردت؛ لأنها ليست تقوى على مخالفة الأسانيد الجياد القوية.
وفي أول الحديث هذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا جنب ولا جلب )، باللام والنون، (لا جلب): باللام، ( ولا جنب في الإسلام، ولا تؤخذ صدقة المسلمين إلا في دورهم ).
وفي سند هذا الحديث محمد بن إسحاق بن يسار صاحب السيرة وهو صدوق مدلس، يعني: لا يقبل حديثه إلا إذا صرح بالتحديث فقال: حدثنا.
وبهذا أعله الإمام الشوكاني، أعل الحديث بـمحمد بن إسحاق بن يسار وهو صدوق مدلس، ولكن محمد بن إسحاق قد صرح بالتحديث عند البيهقي، وبناءً عليه فالحديث حسن الإسناد وهو يقوي ويعزز الحديث الذي قبله .
فقوله صلى الله عليه وسلم فيما ذكره الحديث: (لا جلب) باللام تحتمل معنيين:
المعنى الأول: أن لا يقوم الإنسان عند السباق في الخيل بضرب سوط أو شيء يرعب الخيل فتسرع في المشي. وبهذا فسره الإمام مالك : أن الجلب هو أن يجلب عليها، يقال: أجلب بالسوط مثلاً أو غير ذلك من أجل أن تسرع الخيل، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك لما فيه من الإضرار بالخيل.
وفسره محمد بن إسحاق بن يسار وجماعة من أهل العلم بأن المقصود (لا جلب) يعني: لا يحق للإنسان الساعي المصدق الذي يأتي من أجل الزكاة أن يجلس في مكان بعيد ويجعل أهل المال يأتونه بأموالهم: بقرهم، وغنمهم، وإبلهم؛ لما في ذلك من المشقة عليهم.
فعلى هذا يكون آخر الحديث متصلاً بأوله.
وكذلك قوله: (لا جنب) بالنون فسره الإمام مالك بأن يجعل المتسابق في الخيل إلى جوار الخيل التي يسبق عليها خيلاً أخرى، فكأنها إذا كلت أو عجزت قفز وقمز إلى الخيل الثانية واستمر في السبق.
فهذا هو المنهي عنه وهو الجنب، وبناءً عليه يكون ذلك أيضاً متعلقاً بالسباق.
أما الآخرون ففسروه بأن المقصود بالجنب أيضاً: هو أن يجلس المصدق في أدنى بيت من بيوت الحي ويجعل أصحاب الأموال يأتونه بأموالهم، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وأمر ألا تخرج صدقات المسلمين على مياههم، يعني: يأتيهم على الماء وإنما يأتيهم المصدق إلى حد بيوتهم وفي منازلهم ويأخذ صدقاتهم من منازلهم؛ لأن ذلك أرفق بهم وأبعد عن الحرج والمشقة.
أولاً: أن الصدقة أو الزكاة تؤخذ مرة واحدة في العام.
ومن فوائده: أن الإمام يبعث المصدقين أو السعاة لأخذ المال من أصحاب الأموال.
ومن فوائد الحديث: أن ذلك في الأموال الظاهرة، والمقصود بها: الأموال المعروفة التي يشاهدها الناس: الإبل والبقر والغنم، ونحو ذلك من الأموال المعروفة، بخلاف الأموال الباطنة التي يكون إخراجها من حق صاحبها.
ومن فوائد الحديث: الرفق بأصحاب الأموال وعدم المشقة عليهم.
وقد يؤخذ منه أيضاً: جواز نقل الزكاة؛ لأن المصدق يأخذ هذه الأموال وينقلها .
أولاً: ما يتعلق بالتخريج: فإن عزو المؤلف رحمه الله الحديث للبخاري فيه نوع قصور، فإن الحديث رواه مسلم أيضاً، وكلاهما رواه في كتاب الزكاة، وبناءً عليه نقول: إن الحديث يصح أن يقال فيه ماذا؟ متفق عليه، بل أكثر من ذلك، فالحديث رواه أصحاب السنن الأربعة في كتاب الزكاة أيضاً: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، فهو حديث رواه الستة، ورواه أحمد في مسنده أيضاً، فهو حديث رواه السبعة أيضاً، ورواه مالك في الموطأ، وابن خزيمة في الصحيح والبيهقي والإمام الشافعي وغيرهم، وهو حديث مشهور .
قوله صلى الله عليه وسلم: (ليس على المسلم): هذا يخرج غير المسلم، وهو دليل على أن الزكاة لا تقبل إلا من مسلم، أن من شروط وجوب الزكاة الإسلام.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (ليس على المسلم في عبده)، المقصود بالعبد هنا: الرقيق، والمفرد يقصد به: الجنس، يعني: ليس على المسلم في عبيده وأرقائه صدقة إلا ما يتعلق بصدقة الفطر، ولهذا جاء استثناؤها في الحديث أيضاً، قال: ( إلا صدقة الفطر في الرقيق )، فإن صدقة الفطر واجبة على الحر والعبد كما صح بذلك الحديث.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (في عبده ولا فرسه)، المقصود بالفرس هنا: هو مفرد الخيل، فلا زكاة على المسلم في خيله، وظاهر السياق أن المسلم ليس عليه في المستعملات صدقة.
قوله: (في عبده ولا فرسه): هذه إشارة إلى المستعملات، وأن الصدقة إنما تجب في الأموال النامية كما ذكرنا، فالعبيد: هم ممن يمتهنون ويستعملون للخدمة، وكذلك الفرس تستخدم للركوب أو لغير ذلك، فليس فيها صدقة .
وهذه المسألة عرضنا لها بالأمس، وأزيدها اليوم وضوحاً فأقول: إن العلماء والفقهاء اختلفوا في وجوب الزكاة في الخيل.
ومن أدلتهم على عدم وجوب الزكاة في الخيل: حديث الباب، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة )، وفي لفظ قال: ( قد عفوت عن زكاة الخيل، فأدوا صدقة الفطر في الرقيق ).
وأجيب عن هذا الدليل: بأن الحديث لما أسقط الزكاة عن العبيد وعن الخيل أسقطها بسبب الخدمة، فإذا لم تكن للخدمة وكانت للنماء والتكثر والزيادة فإنه يجب فيها الزكاة، وهذا كلام أبي حنيفة .
ولكن يرد على هذا: بأن الحديث ليس فيه تعليقها بالخدمة، وإنما فيه إسقاط الزكاة عنها جملة.
وأيضاً من الأدلة على عدم وجوب الزكاة في الخيل: الحديث الذي في البخاري لما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الإبل والبقر والغنم: ( قيل له: فالخيل يا رسول الله؟ قال: هي لثلاثة: هي لرجل أجر، ولرجل ستر، وعلى رجل وزر، قيل: فالحمر يا رسول الله! -يعني: الحمير- قال: ما أعلم فيها إلا هذه الآية الفاذة الجامعة: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه [الزلزلة:7-8] ).
فكون النبي صلى الله عليه وسلم ذكر زكاة البقر والإبل والغنم، فلما سئل عن الخيل قال: ( هي لرجل أجر، وعلى رجل وزر ولرجل ستر )، دل على أنه لا زكاة فيها، وأما الرجل الذي هي عليه وزر فقد بينه النبي صلى الله عليه وسلم، لم يقل: هو الذي لا يخرج زكاته، بل قال: ( هو الذي أعدها رياءً ومناوأة لأهل الإسلام )، فهذا الذي عليه الخيل وزر.
فهذا الحديث دليل على أنه ليس في الخيل زكاة أيضاً.
فالأقرب أن هذه فيها إذا كثرت وكانت للبيع؛ لأنها تباع أحياناً بمئات الآلاف من الأموال، فهذه لا شك أن الزكاة فيها واجبة؛ لأنها عروض تجارة، أما لو كانت الخيل يدخرها الإنسان تزيناً أو تجملاً أو للمصالح أو للركوب أو لغير ذلك، فليس فيها زكاة.
وجمهور أهل العلم يرون أن صدقة الفطر تجب في ذمة السيد، أن على السيد كما يخرج عن نفسه وعن ولده أن يخرج صدقة الفطر عن عبيده.
قال ابن المنذر : هذا قول عوام أهل العلم، يعني: أكثر أهل العلم، جمهور أهل العلم.
وقال الإمام ابن قدامة في المغني : لا نعلم فيه خلافاً بين أهل العلم، أن صدقة الفطر تجب على الرقيق في مال سيده، وهذا هو الصحيح .
وانفرد داود الظاهري في هذه المسألة بقوله إنها تجب عليه هو، ولم يوافقه على ذلك أحد، حتى ابن حزم رحمه الله مدون مذهب الظاهرية خالفه في ذلك .
أنه لا صدقة على الخيل، وهو مذهب الجمهور.
وأنه: لا صدقة على الرقيق إلا صدقة الفطر.
ومن فوائده: أنه ليس على الإنسان صدقة فيما أعد للقنية أو فيما أعد للاستعمال، يعني: لو أن عند الإنسان مثلاً ثلاثين أو عشرين سيارة، هذه يركبها، وهذه للسفر، وهذه لولده، وهذه للعائلة، وهذه سيارة قديمة، وهذه سيارة جديدة، هل فيها زكاة أو ليس فيها زكاة ؟ لا زكاة فيها، لماذا؟ لأنها للقنية أو للاستعمال، وكذلك البيوت لما يكون عند إنسان بيوت يسكنها، عنده بيت يسكنه، وعنده بيت آخر، وعنده بيت ثالث في القرية، وعنده استراحة، فهذه ليس فيها زكاة أيضاً.
لو أن الإنسان عنده ثياب وملابس مهما كثرت ليس فيها زكاة ولو كانت ثمينة، المرأة لو كان عندها ثياب من حرير ليس فيها زكاة؛ لأن هذا مما أعد للاقتناء أو أعد للاستعمال، والزكاة إنما تكون في الأموال النامية كما هو معروف.
ومن هذا أخذ أهل العلم: أنه لا زكاة في حلي المرأة المعد للاستعمال؛ لأنه للقنية وليس للنماء.
وسوف نأتي إن شاء الله إلى مزيد بسط لهذه المسألة فيما يستقبل.
الجواب: ليس منا أحد إلا ويؤخذ من قوله ويترك، ولو أن كل أحد وقع منه اجتهاد فأخطأ فيه ترك ما أخذنا عن أحد؛ لأنه لا عصمة لأحد دون الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وعلى الإنسان ألا يحرص على تتبع عثرات الناس، وأن يطوي أخطاءهم ويستغفر لهم، حتى لو أن هذا الخطأ تكلم عنه الناس في وسائل الإعلام، وفي الجرائد والقنوات، لا تجار الناس، وإنما حاول أن تستغفر لهم وأن تطلب العفو والصفح من الله سبحانه وتعالى وأن تقول:
ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها كفى المرء نبلاً أن تعد معايبه
و الحقيقة أننا انذبحنا من كثرة البحث عن زلات الناس وعيوبهم، ولو أن الإنسان أقبل على زلاته وعيوبه لوجد فيها ما يكفيه ويغنيه عن البحث.
أنا أعرف أن الأخ السائل سأل سؤالاً وجيهاً وجيداً، فلا أعيب عليه سؤاله، بل قد أحسن صنعاً بهذا السؤال، ولكن هذه مناسبة أن أنبه إلى هذا الأمر .
الجواب: أقول: الرسوم دين، واحد عليه رسوم بسبب إما للمرور أو لجهات مختلفة ولم يستطع أن يسددها فيجوز دفع الزكاة له حينئذٍ؛ لأن هذه الرسوم عبارة عن دين .
الجواب: فأقول: هذه أيضاً من الأشياء التي يكثر الحديث عنها والدخول فيها من قبل كثير من الناس بمشكلات واختلافات لفظية، ويسع الإنسان أن يجد لفظاً شرعياً جميلاً لا إشكال فيه، فالله سبحانه وتعالى يقول: وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا [الإسراء:59]، فهذه الآيات هي تخويف، والريح لما كانت تأتي كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( الريح من روح الله تأتي بالرحمة وتأتي بالعذاب، فإذا رأيتموها فسلوا الله من خيرها واستعيذوا بالله من شرها، أو سلوا الله من رحمته وفضله ).
فلا نستطيع أن نقول: إن هذا عذاب على أقوام بأعيانهم، وإنما نقول: هذا تخويف وليس تخويفاً فقط لأهل البلد وإنما هو تخويف للناس كلهم وللعباد كلهم، بحيث إنه ينبغي على الناس أن يراعوا ويتقوا الله حتى في ألفاظهم، وجدت في بعض صحفنا في السعودية إحدى الجرائد قد كتبت أن أهالي المنطقة الشرقية يتحدون إعصار بونو، أين هم أين يتحدونه؟! هذا من أمر الله سبحانه وتعالى، و لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ [هود:43].
الجواب: الحقيقة إذا كانت أختي هذه تسمح لي أن أهمس في أذنها بموجب خبرتي ومعرفتي بمثل هذه الحالات، فأعتقد: أن كثيراً من البنات اللاتي عندهن حالة من الضيق أو (الاكتئاب)، يشعر بالاضطهاد، ويحس بتفضيل الآخرين عليه، بمعنى: أنه قد يكون أهلك قصروا في حقك أو أخطئوا عليك بعض الشيء، لكن لا يعني هذا بالضرورة أن كل الذي تتخيلينه موجود بمعنى: أنهم دائماً وأبداً يظلمونك، وإنما يكون هناك بعض الخطأ منهم وأحياناً يكون عندك حساسية نفسية أو رقة شديدة أو حالة من الاكتئاب، يجعل البنت تشعر بعدوان مبالغ فيه من قبل الأهل، وإلا فالأهل قد ائتمنهم الله على الإنسان وعلى البنت، وفي الغالب أنهم أرحم وأرق وأرفق بالإنسان كما هو معروف، فعلى الأخت الكريمة أن تحرص على الاعتدال في نظرها إلى أهلها، وأن تحرص أيضاً على بناء نفسها بشكل جيد، فمكانك ليس هو البيت الذي تعيشين فيه، مكانك إن شاء الله في البيت الزوجي الذي ينتظرك، وإقامة العش بالاشتراك مع شريك الحياة ورعاية الأطفال وبنائهم .
الجواب: وأقول للأخ سعد : أما أنه مرض فلا شك أنه مرض أخلاقي، وقد دمر الله تعالى على قوم لوط بسبب ما وقعوا فيه.
أما أنه ليس للإنسان فيه يد؟ فبلى. للإنسان فيه يد، نعم هناك بعض الناس قد يكون عنده استعداد لهذا أكثر من غيره، أو يكون بسبب التربية في الطفولة، أو ما أشبه ذلك، لكن الإنسان أيضاً محاسب ومسئول عما يعمل .
الجواب: ما دام أن الدين الذي عليك يستوعب هذه الأشياء وزيادة، فأرى أنه ليس عليك زكاة، وإنما عليك أن تسدد دينك أولاً .
الجواب: نعم. إذا لم تجدوا سبيلاً لسداد رواتب المدرسين وما أشبه ذلك من المصاريف إلا من الزكاة، فإن ذلك يجوز .
الجواب: نسأل الله السلامة.
أي فائدة أو ثمرة في علم إذا كانت نتيجته هي التفنن في صياغة المؤامرات والتنافس على الأمور الصغيرة .
الجواب: المياه: جمع ماء، يعني الماء الذي ترد عليه الإبل .
الجواب: نأخذ بالقول الذي يترجح منها .
الجواب: نسأل ربنا جلت قدرته في هذه الليلة المباركة أن يشفي مرضانا ومرضى المسلمين جميعاً، وأن يمن عليهم بالشفاء والعافية، ويعظم لهم الأجر والمثوبة، ويمنحهم الرضا والصبر، إنه جواد كريم .
الجواب: مستحبة في فجر يوم الجمعة .
الجواب: أما يوم الإثنين فقد ورد في صحيح مسلم، أما يوم الخميس ففيه أحاديث أقل درجة وأقل ثبوتاً، فثبوت يوم الخميس ليس كثبوت يوم الإثنين .
الجواب: نرد عليهم أن هذا من الشيء البشري، حب الطعام والتعلق به وقوام الحياة عليه، هذا ليس خاصاً بالأمم الفقيرة، بل كلما ازدادت الأمم غنى كلما أسرفت في الطعام، حتى أن الرومان كانوا يأكلون الطعام ثم يبحثون عن سبب في أن يتقيئوه أكرمكم الله ويأكلوا غيره، فالأمم تتفنن، وهذا مشاهد اليوم في الأمم ذات الحضارة والمدنية، وكذلك الشراب بألوانه، وكذلك ما يتعلق أيضاً بالمتاع، الرجل بالمرأة، والمرأة بالرجل، فهو أمر فطري، والقرآن الكريم ذكر هذه الألوان من النعيم، وذكر معها وقبلها وأعظم منها النعيم المعنوي، التمتع بالنظر إلى وجه الله الكريم، وسماع قوله سبحانه، وألوان المتع، مثل قوله سبحانه هنا: وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا [الإنسان:11]، هذا ذكره قبل أن يذكر تفاصيل النعيم، والسرور إنما هو معنى في القلب.
الجواب: لا. هذا ليس من العلم النافع، وإنما هو من المغالطات التي لا أرى أنها تليق بمقام القرآن.
الجواب: لا. لا تقاطعهم يا أخي! أنت عليك أن تصلهم، تصل الرحم وإن قطعك، وتحسن إليهم وإن أساءوا إليه، وتبرهم، وتلاطفهم بالقول الطيب، أما لو أن كل إنسان عصى قاطعته، الرسل كيف دعوا الكفار؟ هل قاطعوهم وهم كفار، وإنما واصلوهم، وصبروا عليهم كما أمر الله سبحانه وتعالى، فعليك أن تصل ذوي رحمك وإن قطعوك.
فقد سئل الإمام أحمد .. سأله رجل وقال: أنا لي قرابة يسكنون في بيت غصب فهل ترى أن أقاطعهم؟ قال: لا. بل تأتيهم وتزورهم وتحثهم على الانتقال. قال: فإن لم يفعلوا؟ قال: تزورهم، لا أرى أن تتركهم، حتى وهم في بيت مغصوب.
الجواب: تحية المسجد سنة على القول الراجح، حديث أبي قتادة : ( إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين )، وهذا أمر استحباب.
الجواب: هنا سؤال يا إخوان! لو أن واحداً عنده عشر من الإبل كم يلزمه؟ شاتان، طيب لو أخرج بدلاً من الشاتين بنت مخاض يجزئ أو لا يجزئ؟
الصحيح أنه يجزئ؛ لأن هذا سن أعلى، فهو إذا أجزأت هذه فيما هو فوق ذلك فهي تجزئ في الخمس والعشر، وإن كان من أهل العلم من رأى أن ذلك لا يجزئ؛ لأنه خلاف النص، فالصحيح أنه يجزئ.
الجواب: طبعاً أحياناً يكون نص على إخراج الذكر كما في أنصباء الإبل، فحينئذٍ يجزئ، وكذلك إذا لم توجد الأنثى فإنه يجزئ إخراج الذكر مثلما إذا كانت الأنصبة كلها تيوساً مثلاً، فإنه يخرج منها تيساً.
سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر