إسلام ويب

شرح بلوغ المرام - كتاب الزكاة - مقدمةللشيخ : سلمان العودة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الزكاة أحد أركان الإسلام العظيمة ووجوبها معلوم من الدين بالضرورة، حيث تواترت وتوافرت أدلتها من الكتاب والسنة مع الإجماع، ولذا كان جاحدها عالماً بها كافراً، والممتنع عن أدائها مرتكباً لكبيرة من كبائر الذنوب، وعقابه تضطرب لهوله القلوب، ذلك أن الشرع لم يقصد العبث بتشريعها، بل رعى بها مصالح للخلق والديانة عظيمة، وجعل لها آثارها وفوائدها المتعلقة بالباذل والآخذ والعائدة على المجتمع، وأناط وجوبها بشرائط وأسباب رحمة بالمكلفين وعوناً للمحتاجين.
    الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، ونصلي ونسلم على سيدنا وإمامنا محمد بن عبد الله، الذي بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة، فجزاه الله تعالى وجزى إخوانه من النبيين والمرسلين أفضل الجزاء وأتمه وأوفاه، وجزى أصحابه الذين نقلوا وبلغوا وأدوا ما أمروا فكانوا خير أصحاب لخير نبي، ثم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    وما أجملها أن نجلس في بيت من بيوت الله ونتدبر بعض كلامه، ونقبل عليه بقلوبنا وعقولنا وأفئدتنا، رجاء أن يمنحنا الله العلم والمعرفة، ويكشف لنا من أسرار هذا الكتاب العظيم ما يصح به إيماننا، ويثبت به يقيننا، ويطيب به عيشنا، فمن معاني الزكاء والزكاة: الزيادة والكثرة والنماء، والأصل الثاني في كلمة الزكاة: معناها الطهارة والطيب والنقاء والصفاء، وكلا المعنيين وارد في القرآن الكريم، وفي نصوص كثيرة جداً.

    فمثلاً قوله سبحانه: فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِنْهُ زَكَاةً [الكهف:81]، هذا معناه: أطهر منه وأطيب، وَأَقْرَبَ رُحْماً [الكهف:81] كما قال سبحانه.

    خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا [التوبة:103] يعني: تُطيب قلوبهم.

    وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً [الأعراف:58]، فالأرض الطيبة يقال: زكت ونمت إذا كثر نبتها وطاب.

    ومن معاني الزكاة أيضاً: الثناء والمديح، يقال: زكى فلان فلاناً، أو زكى الشاهد؛ إذا مدحه وأثنى عليه، ومنه قوله سبحانه: فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ [النجم:32] يعني: لا تمدحوا أنفسكم، وكذلك قوله سبحانه وتعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ [النساء:49].

    والزكاة أيضاً من معانيها: الصدقة، والصدقة هي الزكاة المفروضة، فمثلاً في قوله سبحانه: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ [التوبة:60]، المقصود بالصدقة هنا: الزكاة الواجبة، وكذلك قوله سبحانه: وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ [التوبة:58]، فالمقصود هنا بالصدقات يعني: بالزكاة المفروضة، وهكذا في قول النبي صلى الله عليه وسلم مثلاً: ( ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة، ولا فيما دون خمس أواق صدقة، ولا فيما دون خمس ذود صدقة ) المقصود: الزكاة المفروضة.

    إذاً: الصدقة هي الزكاة، كما قال الماوردي : الصدقة هي الزكاة والزكاة هي الصدقة .

    وبناءً عليه: فإن ما يظنه كثير من الناس أن الزكاة هي الواجبة، والصدقة هي التطوع، فإن هذا ليس له أصل في لسان الشرع، وإنما تطلق الزكاة والصدقة على معنى واحد: وهو ما يُخرج من المال واجباً لحق اليتيم والفقير والضعيف والمسكين.. وغيرهم على حسب ما سوف يأتي وكما هو مبين في سورة التوبة، فلما يقول الله سبحانه وتعالى مثلاً: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا [التوبة:60]، فالصدقات هنا المقصود بها الزكاة الواجبة.

    وكذلك من أسمائها ومعانيها في القرآن الكريم: الإنفاق، فإن الله تعالى أمر بالإنفاق وحث عليه وأثنى على أهله، وذكر الذين يُنفقون أموالهم بالليل والنهار سراً وعلانية، وقال: مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [البقرة:261].. إلى غير ذلك، فكل ذلك يُقصد بالإنفاق منه الزكاة الواجبة، وكذلك الإنفاق المستحب غير الواجب.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088946386

    عدد مرات الحفظ

    780047969