إسلام ويب

شرح بلوغ المرام - كتاب الجنائز - حديث 615-621للشيخ : سلمان العودة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • يجوز البكاء على الميت كما ثبت في السنة خلافاً لبعضهم إلا أن يريدوا النياحة فهي حرام باتفاق، ويستحب أن يدفن الميت نهاراً، ولا يكره ليلاً خلافاً لابن حزم حيث قال بالحرمة، وأحمد حيث قال بالكراهة كما في رواية عنه، هذا وقد ورد في السنة بيان جملة مهمة من أحكام الجنائز، فبينت حكم السلام على أهل القبور، وكيفية الدعاء لهم، وحرمة سب الأموات وسبب ذلك وغيرها من الأحكام.
    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

    اليوم عندنا آخر درس في البلوغ في كتاب الجنائز، وبإنهاء هذا الدرس نكون قد انتهينا من كتاب الجنائز، وبانتهائنا من كتاب الجنائز نكون قد انتهينا من كتاب الصلاة، وبانتهائنا من كتاب الصلاة مع كتاب الطهارة نكون قد انتهينا تقريباً مما يقارب ثلث بلوغ المرام ؛ لأن الطهارة والصلاة تستأثر عادة بلب الأحاديث.

    ومما هو خليق أيضاً بالشكر والثناء أن الله سبحانه وتعالى يسر لي فيما سبق أن كتاب الزكاة والصوم والحج سبق أن شرحته في عمدة الفقه أيام توقف بلوغ المرام، شرحته في المنزل للشباب شرحاً موثقاً في أشرطة، ومفرغاً في أوراق أيضاً وبطريقة مفصلة، يعني: كنت أشرح وأنا أقول: إذا لم يأذن الله باستكمال بلوغ المرام يكون هذا عوضاً عنه، وفيه سرد للأقوال والمسائل والأدلة والترجيح وغيرها، وبإذن الله تعالى نحن سنستكمل بلوغ المرام، وأعتقد أن الدأب والإصرار مهم، وخليق بنا أن نفرح بهذه المناسبة، وكما كان عمر رضي الله عنه يقول:

    كأنك لم تدأب من الدهر ليلة إذا أنت أدركت الذي كنت تطلب

    وأذكر أن بعض أساتذتنا في المعهد أول ما تعينت في المعهد العلمي مدرساً يرون اجتهادي ويقولون وهم يضحكون: بشر الزرع بفلاح جديد، يعني: أنت فلاح جديد وعندك الآن حالة طفرة وفرح، ولذلك تجتهد، لكن مع الأيام والليالي تفتر همتك وتصبح مثلنا، والحمد لله أنا دائماً أتوعد نفسي: أنه يجب أن أكون دائماً وأبداً فلاحاً جديداً، على الإنسان أن يحاول ذلك!

    رقم هذا الدرس مائتان وثلاثة، وهذا يوم الإثنين الثاني والعشرون من جمادى الأولى (1427هـ)، عندنا مجموعة أحاديث حوالي سبعة أحاديث.

    الحديث الأول منها: حديث أنس رضي الله عنه، ورقمه (592) قال: ( شهدت بنتاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم تدفن، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس فرأيت عينيه تدمعان )، والحديث رواه البخاري .

    أما تخريج الحديث:

    فقد رواه البخاري في كتاب الجنائز، باب الميت يعذب ببكاء أهله عليه، ورواه ابن ماجه أيضاً في الجنائز، ورواه: أحمد والبيهقي والحاكم والطحاوي والطيالسي .. وغيرهم، بل والترمذي رواه في كتاب الشمائل.

    معاني ألفاظ الحديث

    ثانياً: ما يتعلق بألفاظ الحديث:

    فـأنس رضي الله عنه يقول: ( شهدت بنتاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ):

    هذه البنت على الراجح هي أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد وهم بعض أهل العلم فسموها رقية، ووهم وأغرب جماعة فقالوا: إنها بنت بنته، والصواب: أنها أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، زوج عثمان بن عفان .

    في الحديث قصة وهي: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم لما هموا في القبر وجاء عثمان

    كأنه يريد أن يدخلها )؛ لأنه زوجها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( من كان قارف الليلة -البارحة- فلا يدخلها، هل فيكم أحد لم يقارف؟ فقال أبو قتادة

    : أنا يا رسول الله! فأمره أن ينزلها في القبر
    ).

    قوله: (قارف)، الغالب أن كلمة (قارف) قد تطلق على معنى: ارتكب خطأ أو ذنباً، وقد تطلق على من فعل شيئاً ويستحيا من التصريح به.

    فالمقصود إذاً في قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( هل فيكم أحد قارف؟ ) يعني: جامع زوجته، جامع أهله.

    والسر في هذا -والله أعلم- وإن اختلفوا فيه اختلافاً كثيراً، لكن يترجح عندي بقوة: أن المعنى هنا فيه معنى إنساني، هذه البنت بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وزوجها عثمان وهو من ضمن الحاضرين، وكأن النبي صلى الله عليه وسلم، يعني: كأنه يعاتب عثمان عتاباً غير مباشر أنه قد أتى أهله البارحة، يعني: زوجته الأخرى، وأم كلثوم كانت في المرض؛ فلذلك أمر أو عبر بهذا التعبير الذي اقتضى عزل عثمان عن أن يقوم بإدخالها في القبر من غير أن يخصه أو يشير إليه بشيء.

    واعتذر العلماء عن عثمان رضي الله عنه: أن هذا قد يكون لسبب، مثل أن يكون طال مرضها أولاً، وأيضاً لم يكن يعلم أنها كانت في النزع أو أنها كانت شديدة المرض، فإن الإنسان قد يظهر منه بعض العافية وبعض الصحة ثم ينتكس ويموت فجأة، فهذان جوابان.

    فوائد الحديث

    فيما يتعلق بالحديث فيه فوائد: من أهمها: جواز البكاء على الميت، والنبي صلى الله عليه وسلم هنا ذرفت عيناه عند القبر، وكان صلى الله عليه وسلم رحيماً شفيقاً بأهله، وقد جاء في أحاديث كثيرة جداً بكاؤه عليه الصلاة والسلام، وهذا الحديث منها، وهو في البخاري

    كما ذكرنا. ومن الأحاديث الواردة في مسألة بكاء النبي عليه الصلاة والسلام حديث إبراهيم

    بن الرسول صلى الله عليه وسلم، وفي حديث طويل في قصة إبراهيم

    وهو في الصحيحين، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ولد لي الليلة غلام فسميته باسم أبي إبراهيم )، ثم أعطاه لـأبي سيف القين

    من أجل أن ترضعه امرأته، وجاء إليه النبي صلى الله عليه وسلم وأخذه وشمه وقبله، ثم جاء النبي صلى الله عليه وسلم مرة وهو يموت، فبكى النبي صلى الله عليه آله وسلم ودمعت عيناه، فقال له بعض أصحابه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( هذه رحمة )، وفي بعض الألفاظ: ( من لا يَرحم لا يُرحم )، ( لا تنزع الرحمة إلا من شقي ) هذا حديث آخر، المهم أن النبي صلى الله عليه وسلم بكى لموت ابنه إبراهيم

    . أيضاً في قصة سعد بن عبادة

    وهي في الصحيح: لما مرض سعد بن عبادة

    بكى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال: ( أوقد قضى؟ قالوا: لا، فبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم ). وقال في حديث إبراهيم

    الذي قبله قال: ( إن القلب ليحزن، وإن العين لتدمع، ولا نقول إلا ما يرضي الرب، وإنا بفراقك يا إبراهيم

    لمحزونون )، فقوله: ( إن القلب ليحزن والعين لتدمع )، دليل صريح ونص على جواز البكاء على الميت بغير رنة ولا صوت، يكظم صوته ما استطاع . وأيضاً: في حديث آخر النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب، وإنما يعذب بهذا أو يرحم، وأشار صلى الله عليه وسلم إلى لسانه )، فلا يعذب بحزن القلب ولا بدمع العين. فكل هذه النصوص وغيرها تدل على جواز البكاء على الميت، وأن الله تعالى لا يؤاخذ بحزن القلب ولا بدمع العين. ولذلك نقول: إن جماهير أهل العلم على جواز البكاء على الميت بغير صوت، وقد نقل عن الشافعي

    رضي الله عنه في ذلك خلاف أنه لا يراه، وما نقل عن الشافعي

    فهو محمول على النياحة، محمول ليس على مجرد البكاء الذي يغلب الإنسان، وإنما على ما يتعدى البكاء ليكون نوعاً من النياحة. في حديث الباب أيضاً فوائد، من فوائد الحديث: جواز البكاء، وهي فائدة عزيزة فيما يتعلق بما سبق أن ذكرناه. جواز قعود الذين يتبعون الميت إذا وضع الميت في الأرض أو بدأ إدخاله في القبر، فالنبي صلى الله عليه وسلم هنا كان جالساً، وفي بعض الروايات: ( كان جالساً على شفير القبر )، فهذا دليل على أن الذين يتبعون الميت يجوز لهم أن يقعدوا عند القبر، فالرسول صلى الله عليه وسلم كان هنا جالساً والبنت تُدفن، يعني: أثناء الدفن، أثناء ما هم يضعونها في القبر ويدفنونها كان الرسول صلى الله عليه وسلم جالساً. من فوائد الحديث: أنه يجوز أن يدخل المرأة في قبرها غير محرمها . من فوائد الحديث: الصدق وأنه محمدة، فإن عثمان

    رضي الله عنه لما سأل النبي صلى الله عليه وسلم عمن لم يقارف، صدق ولم يخف هذا الأمر، وهذه مزية وفضيلة لـعثمان بن عفان

    .

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088954192

    عدد مرات الحفظ

    780119541