إسلام ويب

شرح بلوغ المرام - كتاب الجنائز - حديث 586-590للشيخ : سلمان العودة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • اختلف أهل العلم في حكم قراءة الفاتحة في صلاة الجنازة؛ فمنهم من قال بالوجوب، ومنهم من قال بالاستحباب، ومنهم من قال بعدم مشروعية قراءتها، والقول الثاني في المسألة هو الراجح، أما الأدعية التي يدعى بها في صلاة الجنازة فقد أثبتتها كتب السنة في الأحاديث الصحيحة المنسوبة إليه صلى الله عليه وسلم، والتي نقلها الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين.
    بسم الله الرحمن الرحيم

    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، ونصلي ونسلم على خاتم رسله وأفضل أنبيائه سيدنا، محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    رقم هذا الدرس مائة وثمان وتسعون من أمالي شرح بلوغ المرام، وهذا يوم الثلاثاء السابع عشر من جمادى الأولى من سنة: (1427هـ) ورقم الحديث الذي وقفنا عنده (564)، وهو حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يكبر على جنائزنا أربعاً، ويقرأ بفاتحة الكتاب في الأولى ).

    والمصنف -رحمه الله- عزا هذا الحديث للشافعي، والشافعي قد خرجه في كتاب الأم له، وهو مصنفه الفقهي المطبوع، وكذلك خرج هذا الحديث الإمام البيهقي في سننه، والإمام البيهقي كما هو معروف أيضاً هو من الشافعية، وعني بفقه الإمام الشافعي ونصوصه وأدلته، وكذلك خرجه الحاكم في مستدركه. ‏

    الحكم على الحديث

    ولكن في سند هذا الحديث علة قادحة، فإن فيه إبراهيم بن محمد المدني وهو شيخ الشافعي، والشافعي أحياناً لا يذكره وإنما يقول: حدثني الثقة ولا يسميه، بينما إبراهيم بن محمد المدني هذا متروك عند كافة علماء الحديث، وقد نص على أنه كذاب جمع من الأئمة كالإمام أحمد وعلي بن المديني ويحيى بن معين والدارقطني وأبي زرعة الرازي وأبي حاتم الرازي وغيرهم من الأئمة.

    وهذا حقيقة من العجائب؛ لأن الإمام الشافعي رضي الله عنه إمام جليل القدر أولاً، وهو ثقة أمين، وهو يروي عن رجل .. يروي عن إبراهيم بن محمد ويسميه الثقة، ويأخذ عنه، ويقول: إنه ثقة في الأحكام والحديث، والرجل بهذه المنزلة عند أهل العلم وأهل الحديث، فهذا أمر غريب؛ لأن الإمام الشافعي -كما قلت- ثقة، مأمون، عظيم القدر، عظيم الشأن في الإسلام وهو أحد الأئمة العظام، وهو رجل نبيه، ويروي عن إبراهيم بن محمد المدني هذا ويسميه الثقة، أحياناً لا يسميه لا يقول: إبراهيم بن محمد وإنما يقول: حدثنا الثقة، ولهذا درج العلماء على أن الإمام الشافعي إذا قال: حدثنا الثقة؛ فإنه يعني إبراهيم بن محمد هذا وهو وضّاع، ليس فقط أنه ضعيف أو مغفل وإنما كذاب، فضلاً عن أنه متهم بعدد من البدع كبدعة الإرجاء، أنه مرجئ وجهمي وقدري، وفيه بلاء كثير.

    فكيف يخرج.. كيف ينفصل الإنسان عن مثل هذا؟

    لا ينفصل الإنسان عن مثل هذا إلا إذا كان عنده معرفة بسعة العذر للناس، أن يكون عنده قدر من العذر والتفهم لمواقف الناس، الشافعي رضي الله عنه لما قال هذا قاله عن معرفة وعن اقتناع، ولكن لا يلزم أن يكون صواباً، أبى الله سبحانه وتعالى أن يكون الصواب المطلق إلا لكتابه، وأن تكون العصمة إلا لرسله وأنبيائه عليهم الصلاة والسلام.

    فهذا لا يحملنا على أننا نقبل رواية إبراهيم بن محمد ونقلد الشافعي، وقد يقع للبيهقي شيء من هذا؛ فإنه تكلف الاعتذار عن إبراهيم بن محمد وتوثيقه، بينما الأئمة مطبقون على أنه كذاب ومرجئ ومبتدع وجهمي وكل بلاء فيه -كما يقولون-.

    فلا هذا يحملنا على أن نوثق إبراهيم ونأخذ مروياته تقليداً للشافعي، ولا هذا أيضاً ينزل من قدر وقيمة ومقام الإمام الشافعي فإنه إمام مجتهد، وهذا بينه وبين الله سبحانه وتعالى، ولا يداخلنا ريب ولا شك أنه ناصح لله ولرسوله ودينه، ولو يعلم أنه كذاب ما أخذ عنه شيئاً، فلا بد أن يتعلم الطالب من مثل هذه المواقف والعبر؛ لأن بعض الناس قد يخفى عليهم أشياء، يعني يظنون أن العلم في الشريعة مثل علم الحساب والرياضيات: 1+1=2، لا، هو علم فيه صنعة وفيه إتقان وفيه اختيار وانتقاء واجتهاد، وعذر وتأويل وخطأ وصواب، هذا علم الشريعة؛ ولذلك نقول: إن الفقه ليس هو الدين، الدين من عند الله سبحانه وتعالى ولا يعرض له خطأ، وإنما الفقه هو اجتهاد الناس، ويخطئون قليلاً ويصيبون كثيراً خصوصاً الأئمة الكبار، المهم هذا إبراهيم -كما ذكرنا-.

    سبب إيراد الحافظ ابن حجر لحديث جابر

    ولكن مسألة الحديث التي ساق المؤلف رحمه الله الحديث من أجلها هي مسألة: قراءة الفاتحة في صلاة الجنازة، وحيث إن الحديث يعتبر متروكاً؛ ولذلك ننتقل للحديث الذي بعده ونبحث المسألة فيه حتى لا نربط بحث المسألة بحديث ضعيف جداً أو موضوع.

    وأود أن أشير هنا إلى نقطة أخرى وهي: أن الإمام ابن حجر رحمه الله إمام شافعي، ولعله لذلك ساق هذا الحديث.

    طيب! لماذا ساق الحديث وهو بهذه الدرجة ولم يشر إليه؟ هذا له أجوبة.

    أيضاً ينبغي أن يكون عندنا عذر للحافظ ابن حجر، هؤلاء الناس يهمهم دينهم وتهمهم آخرتهم لا يريدون أن يغشوا المؤمنين، ولكن يكون للإنسان اجتهاد بينه وبين الله سبحانه وتعالى، فمن اجتهاده: أنه قد يوافق -كما قلنا- الشافعي على أن هذا الرجل قد لا يرى أنه ثقة ولكن يرى أنه ضعيف وأن حديثه قد ينجبر بغيره، وهذا وجد من ذهب إليه كما ذكرت أن البيهقي يميل إلى هذا، أن يكون الراوي ضعيفاً ولكنه قد ينجبر برواية غيره من الرواة، هذا جواب؛ ولذلك الحافظ ابن حجر بعدما ساق الحديث هذا ساق بعده حديث ابن عباس رضي الله عنه في المسألة ذاتها.

    الجواب الثاني: أن يكون الحافظ ابن حجر -رحمه الله- ساق هذا الحديث لأنه شافعي، ويدرس في المدارس الشافعية، ويعرف أن مثل هذا الحديث يكون متداولاً عند طلبة العلم في مدارسهم ومجالسهم؛ لأنهم شافعية ويقرءون كتاب الأم ويعرفون هذا الحديث، ولذلك يناسب أن يساق في هذا المقام، ولكن كان الأولى في مثل هذا المقام أن يبين ضعف الحديث ويشير إليه كما هي عادته رحمه الله، فإن ابن حجر غالباً في البلوغ إذا ذكر حديثاً ضعيفاً أشار إلى ضعفه، خصوصاً إذا كان شديد الضعف على ما هو متبع.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088927051

    عدد مرات الحفظ

    779932676