قال المصنف رحمه الله تعالى: [ كتاب الجنائز ].
وعندنا اليوم بعد ما أنهينا خمسة أحاديث من هذا الكتاب، عندنا أيضاً ستة أحاديث أخرى.
الحديث الأول منها في هذا اليوم: يوم الثلاثاء، الحادي والعشرون من شهر جمادي الأولى من سنة 1426 للهجرة، ورقم هذا الدرس (193) من أمالي شرح بلوغ المرام.
رقم الحديث (540): [ عن عائشة رضي الله عنها: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم حين توفي سجي ببرد حِبرة ) ].
هكذا لفظ الحديث: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم حين توفي سجي ببرد حِبرة ).
والحديث كما يقول المصنف: [متفق عليه].
فقد أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب: اللباس، باب: البرود والحبرة والشملة. وأخرجه أيضاً في كتاب الجنائز باب الدخول على الميت.
وأخرجه مسلم في صحيحه أيضاً في باب الجنائز تسجية الميت. وأبو داود في الجنائز باب الميت يسجى، والنسائي في الوفاة، باب كفن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وقد خرج الحديث أيضاً: الإمام أحمد في مسنده، وابن حبان، وعبد الرزاق، وابن المنذر، والبيهقي وغيرهم.
قولها رضي الله عنها: ( حين توفي رسول الله صلى الله عليه وآله سلم سجي ).
(سجي) هذا مبني للمجهول، يعني: سجاه أهله أو سجاه أصحابه.
ومعنى: سجي، أي: غطي، فهي مثل كلمة (غطي) وزناً ومعنى -كما يقولون- وزنها على كلمة (غطي)، ومعناها أيضاً: (غطي)، فالتسجية هي: التغطية، ومنه قوله تعالى: وَالضُّحَى وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى [الضحى:2]، يعني: غطى الكون بظلامه .
إذاً: سجي، يعني: غطي وستر جسده من رأسه إلى قدميه.
ببرد حِبرة: وكأن هذا الثوب وضع تحت قدميه، ووضع تحت رأسه أيضاً، فغطى بدنه كله.
وقولها رضي الله عنها : (ببرد)، البرد: هو الثوب أياً كان، خصوصاً عندما يكون معلماً أو مخططاً له أعلام، فإنه يسمى: برداً، وقد يكون مصنوعاً من القطن أو الكتان أو غيرها.
وهكذا الحِبرة: فالحبرة بكسر الحاء وفتح الباء على وزن: عنبة.
حِبرة: يعني هذا نوع من الثياب مشهور، لا هو اسم بلد، ولا هو اسم جهة، وإنما هو نوع من الثياب معروف، وهو من ثياب اليمن .
وإنما سمي: حبرة؛ لأنه من التحبير يعني التزيين والتجميل، وهي من الثياب التي كان يحبها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم؛ لأنها ثياب لا تقبل الوسخ، وليس فيها حرير، وكذلك ألوانها كانت تعجب النبي صلى الله عليه وسلم فكان يكثر لبسها، وكأنهم لذلك اختاروا أن يسجوه بها بعد وفاته عليه الصلاة والسلام.
إذاً: (برد حِبرة)، برد: مضاف، وحبرة: مضاف إليه، ويمكن أن يكون: ببردٍ حِبرة، فتكون حبرة أشبه ما تكون بوصف للبرد.
وكما قلنا: الحبرة هي من وشي اليمن، من ثياب اليمن، وتكون مصنوعة من القطن أو من الكتان أو من غيرهما.
أولاً: استحباب نزع ثياب الميت؛ وذلك لئلا تتسخ ولئلا تؤثر على بدنه أيضاً.
ومن فوائد الحديث: وجوب ستر الميت، وأن نزع ثيابه لا يعني كشفه، بل يجب ستره بغير ثيابه، كأن يستر ببرد حبرة أو بغيره من الثياب.
وهل نزعت ثياب النبي صلى الله عليه وسلم لما سجي أم لم تنزع؟
الصواب: أنها لم تنزع، الصواب: أنه سجي ببرد حبرة مع بقاء ثيابه عليه، كما سوف يأتي بعد.
ومن فوائد الحديث: جواز لبس الثياب المخططة، فإننا قلنا: إن البرد يكون معلماً أو مخططاً، فهذا يدل على جوازه.
طيب. هذا البرد الذي ستر به النبي صلى الله عليه وسلم هل هو كفن؟ التسجية هذه هل هي كفن للنبي صلى الله عليه وسلم؟
لا. هي نوع من التغطية، لتغطية وجهه؛ لأنه قد يتغير الميت أو يتأثر فيستحب ستره، ومن هنا نقول: استحباب ستر الميت كله، وليس هذا هو الكفن، وهذا مما يلتبس على بعض الطلاب، فإن التسجية هنا ليست هي الكفن، وإنما غطي قبل أن يغسل عليه الصلاة والسلام.
وأخرجه النسائي في الجنائز باب تقبيل الميت، وابن ماجه في الجنائز أيضاً باب تقبيل الميت، ورواه أحمد في مسنده، وابن حبان، وابن أبي شيبة، والترمذي في كتاب الشمائل، يعني: ليس في سنن الترمذي، وإنما في كتاب الشمائل المحمدية، وهو كتاب مطبوع للإمام الترمذي، وقد اختصره الشيخ الألباني في مجلد لطيف يحسن قراءته والاطلاع عليه.
أبا بكر الصديق
قبل النبي صلى الله عليه وسلم ).ما يتعلق بالمفردات:
قوله: (قبل النبي صلى الله عليه وسلم )، أي: أنه قبل وجهه أو قبل جبينه عليه الصلاة والسلام.
وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم مات وأبو بكر كان في السُنح -بضم السين وسكون النون- وهي مزرعة لأهل أو لزوجة أبي بكر رضي الله عنه، فلما علم بوفاته أقبل وقد مات النبي صلى الله عليه وسلم وغطي، فقام أبو بكر وكشف وجه النبي صلى الله عليه وسلم، ثم أتاه من عند رأسه، فقبل جبينه الطاهر، ثم بكى ودمعت عيونه، وقال: (بأبي أنت وأمي، طبت حياً وميتاً! أما الميتة التي كتب الله عليك فقد ذقتها، فسئل رضي الله عنه: أمات رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم)؛ لأن الناس كان أصابهم نوع من الذهول من هول ومفاجأة الخبر، وهذا أمر قد لا يتخيله إلا من يكون عاش مع النبي صلى الله عليه وسلم سنوات تطول أو تقصر، وكان النبي صلى الله عليه وسلم ملء أسماعهم وأبصارهم وحياتهم، ثم فقدوه، فلم يتخيلوا هذا الأمر، حتى وقع لـعمر رضي الله عنه ما وقع، وكان أبو بكر أثبت الناس جأشاً وأصبرهم؛ ولذلك سألوه: أمات رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: نعم.
أولاً: جواز كشف وجه الميت، وجواز تقبيل الميت، إذا كان ممن يجوز له تقبيله في الأصل، كالأم والأب والولد والبنت ونحوهم.
وفيه: فضيلة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، فإن هذه فضيلة عظيمة لـأبي بكر الصديق رضي الله عنه في تقبيله النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته.
وفيه أيضاً: رباطة جأش الصديق ؛ ولهذا اختاره الله تعالى أن يكون صاحباً لرسول الله صلى الله عليه وسلم في أشد المواقف صعوبة، كما في قصة الهجرة والغار: إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا [التوبة:40]، ولذلك أيضاً اختاره المسلمون لأن يكون هو الخليفة الأول بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
الترمذي رواه في كتاب الجنائز، باب نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه، ورواه ابن ماجه أيضاً في الأحكام باب التشديد في الدين، ورواه أحمد، وابن حبان في صحيحه، والحاكم وقال: صحيح الإسناد على شرطهما، والدارقطني، والبيهقي وغيرهم.
الحديث: ( نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه )، في سنده عمر بن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وعمر بن أبي سلمة فيه كلام! والأقرب: أنه ضعيف .
إذاً: فسند الحديث ضعيف. وأيضاً: سنده مضطرب.
إذاً: هذا الحديث بهذا اللفظ لا يصح؛ بسبب ضعف عمر بن أبي سلمة، وبسبب اضطراب الإسناد.
حديث سلمة بن الأكوع وهو في صحيح البخاري : ( أن الرجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا مات فقدموه ليصلي النبي صلى الله عليه وسلم عليه، سأل: هل عليه دين؟ فإن قالوا: لا. صلى عليه، وإن قالوا: نعم. قال: صلوا على صاحبكم )، فهذا يعني: مما يشهد للحديث.
فهذا يدل على التشديد في الدين، وأن الأمر كما قيل كما في الحديث الأول: ( أن نفس المؤمن معلقة )، ولهذا لم يشفع فيه النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن صلاته شفاعة ودعاءه شفاعة، فلم يشفع فيه؛ لأن عليه الدين.
ومثل ذلك أيضاً حديث أبي هريرة المتفق عليه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قدم له الرجل من أصحابه ليصلي عليه قال: كذا وكذا، فلما فتح الله على النبي صلى الله عليه وسلم قال: أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، من ترك مالاً أو ضياعاً فلورثته، ومن ترك ديناً فإلي وعلي )، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يوفي الدين عمن مات من أصحابه وليس عنده وفاء. وهو مثل الحديث الأول أيضاً.
وحديث ثالث في صحيح مسلم أيضاً -وهو عجيب- في قصة أبي قتادة رضي الله عنه، وهو حديث طويل في آخره: ( أن رجلاً قال: يا رسول الله! أرأيت أن قتلت في المعركة في سبيل الله صابراً، محتسباً، مقبلاً غير مدبر، أيكفر عني؟ قال: نعم. ثم قال صلى الله عليه وسلم: ردوا علي الرجل، فجاء، فقال له: ما قلت؟ قال: قلت يا رسول الله! أرأيت إن قتلت صابراً، محتسباً، مقبلاً غير مدبر، يكفر عني كل شيء؟ قال: نعم. إلا الدين، أخبرني جبريل بذلك آنفاً ).
فلم يجعل الشهادة في سبيل الله صابراً محتسباً، تحت راية محمد صلى الله عليه وسلم، مكفرة للدين. وهذا فيه تشديد في موضوع الدين!
على كل حال: هذه الأحاديث الثلاثة حديث سلمة بن الأكوع وأبي هريرة وأبي قتادة كلها شواهد تعزز حديث الباب، أنه وإن كان ضعيف الإسناد إلا أن معناه صحيح متضمن في هذه الأحاديث.
قوله: (معلقة بدينه حتى يقضى عنه)، ما هو الدين؟
الدين: ما يتعلق بذمة الإنسان من مال أو غيره، وقد يكون حقاً لله، وقد يكون حقاً للمخلوقين، وقد يكون مالاً، وقد يكون حقاً آخر غير المال أيضاً، فكل هذا يسمى ديناً، فهو متعلق بالذمة، يعني: هو ما يلزم في ذمة الميت، أو في ذمة الإنسان، سواء كان الدين مالاً أو كان غير مال.
وقالوا: إن الدين ينقسم إلى قسمين: هناك دين موثق برهن، وهناك دين غير موثق برهن.
فالدين الموثق برهن معناه: أنني دينتك مبلغاً من المال ورهنت مزرعتك، أي: أن مزرعتك مرهونة لي حتى تسدد الدين، فإن لم تسدد الدين بيعت بالدين واستوفي منها، هذا هو الرهن.
طيب، الدين المرهون أجمع الفقهاء على أنه يقدم على غيره؛ لأن حق الدائن متعلق بجزء معين من التركة، بهذه المزرعة -مثلاً- أو بالسيارة أو بالبيت، أو بأي شيء كان.
فالدين الموثق إذاً: يقدم بإجماع الفقهاء، يقدم على الديون المطلقة التي قد تكون موثقة بالكتابة، لكن ليس فيها رهن، وهذه إحدى فوائد توثيق الدين بالرهن، أن الدين الذي فيه رهن يقدم على غيره.
طيب. إذا مات الميت فهذا الدين الذي فيه رهن هل يقدم على غيره أو لا يقدم؟
الجمهور قالوا: يقدم على كل شيء، حتى على تكفين وتجهيز الميت، وهذا مذهب الشافعية والمالكية والأحناف، قالوا: إن الدين الموثق برهن يقدم حتى على تجهيز الميت، لماذا؟
قالوا: لأن حق الدائن متعلق بهذا المال، قبل أن يكون ميراثاً؛ لأنه بموته خرج عن ملكه وصار في الأصل يرجع لمن؟ للورثة، لكن حق الدائن أسبق من حق الورثة، فقالوا: إن حق الدائن يقدم هنا على حق الورثة، بل ويقدم -وطبعاً يقدم على الوصية- ويقدم على ماذا؟ على التجهيز. وهذا مأخذهم.
أما أصحابنا من الحنابلة فماذا قالوا؟ قالوا: يقدم على حق الورثة ويقدم على الوصية، ولكنه لا يقدم على ما يتعلق بالتجهيز؛ لأن التجهيز من الأشياء الضرورية، وكما أن الدين في الحياة لا يقدم على اللباس الذي يلبسه الإنسان، والطعام الذي يأكله، فكذلك بعد الممات؟
وهذا وجيه! أن يقال: إن دين الميت الموثق أو أن ما كان توثقة لدين بعد الوفاة، إن وجد ما يكفن منه الميت ويجهز من غير التركة فبها، وإلا فيلزم تكفينه من ماله، قبل أن يصرف الدين، حتى لو كان ديناً موثقاً برهن ونحوه.
تقديم الدين على الميراث كما ذكرنا، وهذا بإجماع أهل العلم؛ لأن أصحاب الديون أحق، والورثة إنما يرثون المال الزائد عن ذلك.
منها أيضاً: حبس روح المؤمن عن مقامها في الجنة حتى يقضى الدين.
ومن الفوائد: أن القضاء ينفع من الغير، كما ذكرناه بالأمس، كما في قصة أبي قتادة ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (حتى يقضى عنه)، بالمبني للمجهول، يعني: يقضيه عنه ورثته، أو يقضى من ماله، أو يقضيه متبرع أيضاً، أو يقضيه الإمام من بيت مال المسلمين، أبو قتادة قال: ( الديناران علي يا رسول الله! )، فقضى عن الأنصاري، والنبي صلى الله عليه وسلم في آخر الأمر كان يقول: ( أنا أولى بكل مؤمن من نفسه، من ترك ديناً فإلي وعلي ).
المقصود: أن يقضى هذا الدين سواءً قضاه الورثة، أو قضي من ماله، أو قضاه متبرع، أو قضاه الإمام من بيت مال المسلمين.
أيضاً من فوائد الحديث: التشديد في الدين، وأنه لا يغفر للإنسان ما يتعلق بالدين، حتى لو كان شهيداً في سبيل الله.
ومن فوائد الحديث العظيمة: أن حقوق العباد مبناها في الشرع على المشاحة والتضييق والمزاحمة، وليس على التسامح.
طبعاً معنى قولنا: إن مبناها على المشاحة يعني: أن الأصل في التعامل الشرعي أن حقوق العباد يشدد فيها؛ لأنها حقوق الناس، ولا يملك أحد أن يتنازل عن هذه الحقوق إلا صاحبها، الله تعالى يغفر لمن يشاء إلا ما كان متعلقاً بحقوق العباد، فإنها لا تغفر إلا بإذن أصحابها، سواءً كانت ديناً أو حقاً في عرض، ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم ذكر في صحيح مسلم : ( المفلس الذي يأتي بصدقة وصلاة وزكاة وصوم وحج، ويأتي وقد ضرب هذا، وسفك دم هذا، وأخذ مال هذا، وشتم هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته )، إلى آخر الحديث. فهذا معنى قولنا: مبناها على المشاحة، يعني: في التعامل الشرعي والحقوق.
لكن فيما يخصك أنت الشرع يندبك إلى التسامح أو لا يندبك إليه؟ بلى. يعني: الشرع يرغب في التسامح: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ [الشورى:40].
وكلما تسامح الإنسان كان أقرب إلى أن يسامحه الله، كما في قصة الرجل الذي كان يبيع ويسامح ويقول لغلمانه: تسامحوا، فقال الله تعالى يوم القيامة: ( أنا أحق أن أتجاوز عنك )، فتجاوز الله عنه، ففرق بين أن كون الشرع يحثنا ويحفزنا على التسامح، فهذا ثابت، ولكن بالمقابل حينما نتعامل مع حقوق الآخرين يجب أن نعرف أن مبناها على المشاحة والتضييق، وأن حقوق العباد لا يمكن أن تمسح إلا بمسامحتهم هم، وعفوهم هم، وتنازلهم، سواءً في الدنيا أو في الآخرة.
ونحن نعلم أن الله تعالى قادر يوم القيامة على أن يرضي عباده بما شاء، لكن هذا هو الأصل الشرعي.
ففيه مثلاً: أن حقوق العباد مبناها على المشاحة .
وفيه أيضاً: ضمان الدين، وأنه يقوم مقام الأداء؛ لأن أبا قتادة رضي الله عنه لما قال: ( الديناران علي يا رسول الله! ) هل سددها فوراً؟ لا. وإنما التزم بها، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في بعض الألفاظ: ( حق الغريم وبرئت ذمة الميت؟ قال: نعم )، يعني: كأنه قال: أنا أتولى الدين عوضاً عنه.
ولهذا نقول مثلاً: لو كان الدين الذي في ذمة الميت، لنفترض أنه دين للبنك العقاري، أو لغيره من الجهات، سواءً كانت جهات رسمية أو غيرها، ثم جاء الورثة وقالوا: نحن نتحمل الدين، ويكون الدين باسمنا عن الميت، وقبلت الجهة الأخرى، فهذا يعني أن تكون برأت به بإذن الله تعالى ذمة الميت، هذا حتى وإن لم يكن ديناً موثقاً برهن أو غيره.
فيه أيضاً: أن الوصية بالدين فرض، يعني: كون الإنسان عليه دين يجب عليه أن يوصي بذلك، وفي حديث ابن عمر وفي الصحيح في البخاري وغيره: ( ما حق امرئ مسلم له شيء يريد أن يوصي به يبيت ليلتين إلا ووصيته عنده مكتوبة ).
ولهذا ذهب جمع من أهل العلم أن الإنسان يجب عليه أن يكتب وصيته إذا كان عنده ما يوصي به، ومن أهم ما يوصي به ماذا؟ حقوق العباد ومنها الدين، بحيث يوصي: أن في ذمتي لفلان كذا، ولفلان كذا، ويطلب سدادها.
وفيه والله أعلم: أن هذا محمول على الدين الذي لا يكون الإنسان مضطراً إليه، أو الدين الذي ليس في نية الإنسان سداده، أو الدين الذي تساهل فيه الإنسان وفرط، أو ما أشبه ذلك.
أما من استدان لحاجة لابد له منها، أو لضرورة، وفي نيته أنه إن أغناه الله تعالى سدد وأوفى، فقد جاء في النصوص ما يدل على أن الله تعالى يوفي عنه.
والواقع أنه من إخراج السبعة، رواه السبعة:
فقد رواه البخاري في صحيحه في الجنائز باب الكفن في ثوبين، ورواه أيضاً مطولاً في قصة: ( أن رجلاً كان في عرفة، فوقصته راحلته، فسقط منها فمات. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اغسلوه بماء وسدر، ولا تغطوا رأسه، وكفنوه في ثوبين، ولا تمسوه طيباً، فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً ).
ورواه أيضاً البخاري في كتاب الحج، ومسلم في الحج أيضاً، باب المحرم إذا مات، وأبو داود في الجنائز باب المحرم يموت، والترمذي في الحج باب المحرم يموت -يعني: كيف يصنع به-، والنسائي في الجنائز أيضاً كيف يكفن المحرم إذا مات، وابن ماجه في المناسك باب المحرم يموت، ورواه أحمد في مسنده، ولذلك قلنا: خرجه السبعة.
وأيضاً أخرجه: ابن حبان في صحيحه، والدارقطني والبيهقي وابن المنذر وغيرهم.
الوقص: ما معناه هنا؟
يعني: رمحته أو ضربته فأسقطته عن ظهرها.
والراحلة: هي الناقة.
وكان ذلك يوم عرفة كما ذكرت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( اغسلوه بماء وسدر ).
السدر: هو ثمر شجرة النبق، خصوصاً إذا كان النبق الذي ينبت في الأرياف، وليس الذي ينبت في الصحراء؛ لأن النبق الذي ينبت في الأرياف يكون له رائحة طيبة، ويكون فيه مادة عطرية، وأيضاً فيه طيب، فيه تنظيف للبدن.
( وكفنوه في ثوبيه )، ثوبيه: مثنى، والمفرد: ثوب.
وما المقصود بالثوبين هنا؟ ثوبا الإحرام اللذان هما الإزار والرداء، يعني أن يكفن في نفس الثياب التي مات بها، وأحرم بها.
( ولا تغطوا رأسه ): يعني أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يكشف رأسه ووجهه، في رواية: ( لا تغطوا رأسه ولا وجهه )، يعني: أن يكفن بدنه ويكشف رأسه ووجهه، لماذا؟ لأنه محرم. ولا يزال محرماً حتى بعد الموت؛ ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بألا يغطى رأسه، كما لا يغطي المحرم رأسه.
وقال: ( ولا تمسوه طيباً )، يعني: لا تضعوا عليه شيئاً من الطيب.
( فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً -أو ملبداً- ) والمشهور رواية: (ملبياً)، يعني يقول: لبيك اللهم لبيك.
هذا ما يتعلق بألفاظ الحديث.
المسألة فيها قولان مشهوران:
القول الأول: أن غسل الميت جملة -يعني: أياً كان الميت محرماً أو غير محرم- واجب، وهذا مذهب جمهور أهل العلم، مذهب: الشافعي وأحمد، وأبي حنيفة وبعض المالكية، بل حكاه بعضهم إجماعاً لأهل العلم: أنه يجب غسل الميت إجماعاً.
استدل القائلون بوجوب غسل الميت بأدلة كثيرة منها: حديث الباب، أن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس في قصة الرجل الذي وقصته دابته, قال: ( اغسلوه بماء وسدر )، وهنا: (اغسلوه): أمر، والأمر يقتضي ماذا؟ الوجوب.
ومنها أيضاً -من الأدلة- حديث أم عطية في قصة وفاة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال للنساء: ( اغسلنها بماء وسدر ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً، واجعلن في الغسلة الأخيرة كافوراً، أو شيئاً من كافور )، فقوله صلى الله عليه وسلم: (اغسلنها) هذا أمر يدل على الوجوب.
ومن الأدلة: غسل النبي صلى الله عليه وسلم بعدما مات، وإطباق الصحابة على ذلك، وهناك أدلة كثيرة ومستفيضة في مسألة غسل الميت.
ومن أدلة بعضهم: الإجماع، قالوا: الإجماع على وجوب الغسل، هذا هو القول الأول.
وكما قلت: حكي الإجماع، ولكن هذا الإجماع لا يصح، فإن في المسألة قولاً آخر وهو مذهب المالكية، مذهب الإمام مالك، أن غسل الميت سنة وليس بواجب.
ومن أقوى ما استدلوا به أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـأم عطية والنساء اللاتي يغسلن بنته زينب رضي الله عنها أو غيرها، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( اغسلنها ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً -في رواية عند
ولا شك أن القول الراجح القوي في هذه المسألة: هو وجوب غسل الميت، وهو فرض كفاية، يجب على من وراءه من أهل أو غيرهم أن يغسلوه.
منها: غسل الميت كما ذكرنا وهو واجب.
ومنها: الإسراع بغسل الميت، أو غسله، وتكفينه، وتجهيزه.
ومنها: أن الأصل تغطية وجه الميت ورأسه.
ومنها: أن المحرم إذا مات يبقى على إحرامه.
ومنها: أن المحرم إذا مات لا يغطى رأسه، ولا يغطى وجهه، أما عدم تغطية رأسه فلأنه محرم، والمحرم ممنوع حال الحياة من تغطية رأسه.
طيب. والوجه؟ الوجه بعضهم قالوا: حتى المحرم لا يغطي وجهه، وبناءً عليه فالأمر واضح، لكن هذا ليس بظاهر.
والأقرب أن قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( ولا تغطوا رأسه، ولا تغطوا وجهه )، أولاً: اللفظ هذا الأقرب أنه شاذ، (لفظ الوجه)، لكن على فرض ثبوته فيكون تبعاً للرأس؛ لأنهم قد يفهمون من عدم تغطية الرأس أن يغطى الوجه فيكون بذلك مشقة، فيبين أنه لا يغطى الرأس ولا الوجه، بل يترك الرأس والوجه كله مكشوفاً.
أيضاً من الفوائد: أن المحرم إذا مات لا يمس طيباً، لا يوضع معه طيب، وإنما ينظف فقط.
وأن المحرم إذا مات لا ينقطع إحرامه، بل يستمر، والأصل أنه إذا مات انقطع عمله، ولكن هذه خاصية دل عليها النص في شأن المحرم خاصة، وإلا فالأصل أن الإنسان إذا مات انقطع عمله، بينما هنا قال: ( فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً )، فدل على أنه لم ينقطع عمله.
وفيه: فضيلة عظيمة لمن مات محرماً، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إنه يبعث يوم القيامة ملبياً ).
وفيه: فضيلة الشروع في أعمال الخير، والمبادرة إليها قبل الموت، ما دمت في زمن الإمهال والإمكان.
ومن فوائد الحديث أيضاً: أن المحرم لا يجوز له أن يمس الطيب، وهذا معروف.
ومن فوائده: أن المحرم لا يجوز له تغطية رأسه، وهذا أيضاً معروف.
ومنها: أن المحرم لا يجوز له الإحرام في الثياب المخيطة المحيطة، وإنما يحرم في إزار ورداء، لقوله هنا: ( وكفنوه في ثوبيه ).
فالحقيقة الحديث من الأحاديث المليئة بالدرر والفوائد العلمية، سواءً في باب الجنائز أو في باب المناسك، أو في غيرهما.
وفيه طبعاً استحباب الغسل بالسدر، ( اغسلوه بماء وسدر ).
أيضاً من فوائد الحديث: أن الماء الذي خالطه شيء طاهر لا ينتقل عن الطهورية، يعني: لو وضع مع الماء صابون قليل مثلاً، أو سدر، أو مادة أخرى، فإنه لا ينتقل من الطهورية إلى الطهارة، وإنما يستمر طهوراً، والنبي صلى الله عليه وسلم جعله مطهراً هنا، يغسل به.
المصنف رحمه الله قال: [الحديث].
وبقية الحديث أنها قالت رضي الله عنها: ( فألقي عليهم النوم أو النعاس، حتى ما منهم أحد إلا ولحيته تضرب في صدره، ثم سمعوا صائحاً -يصيح من قبل الدار لا يدرون من هو- يقول: لا تجردوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل اغسلوه في ثيابه. ثم قالت
رواه أولاً أبو داود في كتاب الجنائز باب ستر الميت، وفيه السياق التام الذي ذكرته.
ورواه أيضاً ابن ماجه في باب غسل الرجل امرأته أخذاً من آخر الحديث من قول عائشة رضي الله عنها، وأحمد في المسند، والحاكم وقال: صحيح الإسناد، وابن حبان وصححه، والبيهقي في السنن وغيرهم.
الحديث إسناده حسن؛ وذلك لأن في سنده محمد بن إسحاق صاحب السيرة وهو صدوق وهو إمام في السيرة، ولكنه عند أهل الحديث صدوق إذا سلم من التدليس، وقد صرح هنا بالتحديث فانتفت تهمة التدليس عنه، فيكون الحديث إذاً حديثاً حسناً، وقد حسنه من ذكرنا كـالحاكم وابن حبان وغيرهما .
المقصود بالثياب: الثياب التي يلبسها حال الحياة، وليس المقصود أنهم تنازعوا في كشف عورته صلى الله عليه وسلم كلا. وإنما تنازعوا: هل يزيلون ملابسه التي كانت عليه في الدنيا، ويسترونه بغيرها، أم يبقونه ويغسلونه وهو بملابسه التي كان يلبسها في الدنيا؟
هذا الذي وقع بينهم من الاختلاف والتنازع، وينبغي أن يكون هذا واضحاً.
وقولها: (فأخذتهم سنة)، السنة هي: مقدمات النعاس، يعني النوم الخفيف . ثم سمعوا هذا الصوت، (ثم غسلوه صلى الله عليه وسلم بثيابه التي قبض فيها).
طيب. من الذي غسل النبي صلى الله عليه وسلم؟
علي بن أبي طالب رضي الله عنه، والعباس بن عبد المطلب رضي الله عنه، والفضل بن العباس رضي الله عنه، هؤلاء الثلاثة هم الذي غسلوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
وجوب ستر عورة الميت، وفي البخاري حديث علي رضي الله عنه معلقاً: ( غط فخذك، ولا تنظر إلى فخذ حي ولا ميت )، فعورة المؤمن ميتاً كعورته حياً، وحرمته ميتاً كحرمته حياً، ففي ذلك دليل على وجوب ستر عورة الميت، وأنه حتى حينما يغسل لا تكشف عورته، وإنما يغسل من وراء ثوب أو غيره، يوضع عليه شيء ويغسل.
والأفضل ألا يلامس المغسل عورة الميت بيده، بل يضع على يده خرقة أو شيئاً، بحيث يغسل بدنه دون أن يباشر لمس عورته .
وفي رواية: ( ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها ) .
حديث أم عطية أيضاً وإن كان المصنف قال: متفق عليه، إلا أن حقه أن يقال: رواه السبعة، فقد أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب الجنائز، في عدد من الأبواب؛ وذلك لأن حديث أم عطية كما يقول العلماء أصل في غسل الميت؛ لأن أم عطية رضي الله عنها أتقنت هذا الباب، وروته أحسن الرواية، وتلقاه عنها الصحابة رضي الله عنهم؛ ولهذا بالغ العلماء في العناية به .
وهكذا مسلم رواه في الجنائز باب غسل الميت، وأبو داود والترمذي في الإشعار، والنسائي وابن ماجه في غسل الميت، وأحمد، والبيهقي، وغيرهم.
وفي آخره أيضاً في بعض الألفاظ أنها قالت: ( ظفرنا شعرها ثلاثة قرون ).
صحابي الحديث: أم عطية رضي الله عنها، واسمها: نسيبة بنت كعب المازنية الأنصارية المدنية، واسمها بضم النون عند الجمهور بالتصغير: (نُسيبة)، وضبطه بعضهم بفتح النون: (نَسيبة)، والأول هو المشهور، وهي صحابية جليلة روى حديثها الشيخان البخاري ومسلم وغيرهما.
وكانت تغزو مع النبي صلى الله عليه وسلم، تداوي الجرحى، وتسقي العطشى، وتساهم في الأعمال المساندة، ولها في ذلك شهرة، واشتهر عنها أنها غسلت بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وضبطت ذلك، حتى كانت مغسلة لنساء المسلمين في المدينة ثم في البصرة، وأخذ هذا عنها الصحابة رضي الله عنهم.
قولها: (حين غسلت ابنته)، ابنة الرسول صلى الله عليه وسلم من هي هذه؟ الراجح أنها زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي زوجة أبي العاص بن الربيع بن عبد شمس، وقيل غير ذلك، لكن الراجح أنها زينب .
قوله صلى الله عليه وسلم: (اغسلنها ثلاثاً أو خمساً أو أكثر من ذلك)، يعني: أكثر من الخمس، وفي بعض روايات البخاري قال: ( أو سبعاً أو أكثر من ذلك )، فيجوز أن يكون منتهى الغسلات سبع، وإذا احتاج المغسل إلى زيادة على السبع، بمعنى: أن الميت لم يتنظف بالسبع، ورأى أن الأفضل الزيادة عليها؛ فله أن يزيد على ذلك.
وقوله صلى الله عليه وسلم: ( إن رأيتن ذلك )، يعني: إن رأين فيه تنظيفاً للميت، أو رأين حاجة له، والأمر -كما قلنا- متعلق بزيادة الغسلات وليس بأصل بالغسل.
ثم قال: ( واجعلن في الغسلة الأخيرة كافوراً أو شيئاً من كافور )، والكافور أيضاً هو شجرة عطرية معروفة، لها رائحة طيبة.
أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل شيئاً من الكافور المطحون المدقوق مع الماء، كما هو ظاهر السياق، أن يجعل مع الماء في الغسلة الأخيرة حتى ينظف البدن، وأيضاً ليحافظ عليه؛ لأن الكافور كأن له خاصية أنه يقوي البدن، ويحافظ على تماسكه.
( فإذا فرغتن فآذنني )، يعني: أعلمنني، والإيذان هو الإعلام، يعني: وصول الصوت إلى الأذن، كما في قوله تعالى: وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ [التوبة:3]، وهكذا سمي الأذان؛ لأنه إعلام، فقول النبي صلى الله عليه وسلم لهؤلاء النسوة: (آذنني)، يعني: أعلمنني إذا فرغتن من الغسل.
تقول: ( فلما فرغنا آذناه -أي: أعلمناه- فأعطانا صلى الله عليه وسلم حقوه )، الحقو: بكسر الحاء وسكون القاف والواو: الحقو. ما هو؟ أصل كلمة حقو ما هو؟
مداخلة: .....
الشيخ: لا. أصل الحقو هو: الخصر عند الإنسان، يعني: ما فوق الورك يسمى حقواً، هذا في البدن، ثم سمي به الإزار من باب تسمية الحال باسم المحل -كما يقولون- تسميته باسم الموضع، وأصبح يطلق على الإزار .
فقولها: ( فأعطانا صلى الله عليه وسلم حقوه )، يعني: أعطانا إزاره.
وقال: ( أشعرنها إياه )، يعني: ألبسنها إياه، بحيث يكون ملامساً لجلدها، وذلك من باب البركة بآثار النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
ثم قالت في بعض الألفاظ أنه قال: ( ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها )، الميامن: جمع ميمنة، والمقصود: جانبها الأيمن، أن يبدأ باليمين قبل الشمال.
وقولها: ( ومواضع الوضوء منها )، المقصود: أن يوضئنها قبل الغسل، أن يغسلن وجهها ويديها ورجليها قبل غسل الجنازة.
وفي لفظ قالت: ( وظفرنا شعرها ثلاثة قرون )، يعني: ثلاث ظفائر، أو ثلاث جدائل، واحدة في اليمين، وواحدة في الشمال، وواحدة في الوسط.
منها: أن المرأة تغسل المرأة، أي: أنه يجب أن يتولى غسل المرأة المرأة، إلا أن يكون زوجها.
وكذلك من الفوائد: أن من كان دون البلوغ من الصبيان والبنات، يمكن أن يغسلهم من هو من غير الجنس، يعني: يمكن للمرأة أن تتولى غسل الصبي الذي لم يبلغ الحلم؛ لأنه ليس له عورة، وقد حكاه ابن المنذر إجماعاً، قال: بإجماع أهل العلم.
ومنها: أن الغسل يكون مرة أو ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً، وكأن السبع هي أقصى الكمال.
ولكن من الفوائد أيضاً: أنه لو احتاج إلى الزيادة على السبع -كما دلت عليه إحدى روايات البخاري - فإن الزيادة عليه جائزة، وليست من باب الإسراف.
ومنها: أن الأفضل أن يقطع الغسل على وتر، إما واحدة أو ثلاث أو خمس أو سبع، وهذه كما قلنا: سُنَّة.
ومنها: أن الأمر والزيادة في ذلك بحسب الحاجة، فقد يقال: إن الثلاث إذا كانت كافية فهي الموافقة لغسل الحي للوضوء وغيره، وإن احتاج إلى أكثر منها بحسب الحاجة، فلا بأس بذلك.
ومنها: مشروعية تطييب الميت، وهل يتعين الكافور؟ لا. وإنما يطيب بما يناسب البدن من كافور، أو ما يقوم مقامه.
وفيه: البداءة بمواضع الوضوء.
وفيه: البداءة بالميامن أيضاً.
وفيه: مشروعية التيمن، كما قالت عائشة رضي الله عنها: ( كان يعجبه صلى الله عليه وسلم التيمن في تنعله، وترجله، وطهوره، وفي شأنه كله ).
وفيها: ظفر الشعر، يعني: جدله أو قرنه، وهذا هل نقول إنه سنة؟ ليس بلازم، هي أخبرت من قبل نفسها أنها جعلت شعر زينب رضي الله عنها ثلاث ظفائر، فنقول: لو ظفر ثلاثة قرون أو أقل أو أكثر، أو لم يظفر ولكن جمع، كل ذلك واسع.
وفيه: التبرك بآثار النبي صلى الله عليه وآله وسلم، كما قالت: ( فأعطانا حقوه، وقال: أشعرنها إياه )، وقد سبق هذا في غير موضع.
وفيه: العمل برأي المرأة فيما هو من اختصاصها ومعرفتها، فإن النبي صلى الله عليه وسلم وكل الأمر في الغسلات وغيرها إلى رأي النساء قال: (إن رأيتن ذلك).
وفيه: نقض شعر المرأة، ونأخذه من قولها: ( وظفرنا شعرها ) ؛ لأن الظفر فرع عن النقض، وفي رواية أنها قالت: ( فنقضنا شعرها، ثم ظفرناه )، وحتى لو لم ترد هذه الرواية، فإن قولها: ( وجعلنا شعرها ثلاثة قرون )، يدل على أنه قبل أن يجعل قروناً كان منقوضاً، ففيه استحباب نقض شعر الميت.
عندما نقول (المرأة) هل نقصد المرأة بالذات؟ لا. وإنما هذا بحسب الأغلب، وإلا فشعر الميت يستحب نقضه سواءً كان ذكراً أو أنثى.
وفيه: وجوب كفن الميت؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاهن حقوه، وقال: ( أشعرنها إياه ).
والله أعلم.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
الجواب: نعم، هذه حقوق للناس .
الجواب: كل هذا إن شاء الله سوف يأتي فيما تبقى من الباب .
الجواب: إذا كان ترك وفاءً ويسدد كما هو، أو تولاه ورثته من بعده، فلا بأس .
الجواب: وهذا معروف: من أهل العلم من يقول بتحريمها، ومنهم من يقول بكراهيتها، ومنهم من يقول بإباحتها، وأنا أرى أنها ليست محرمة، ولكن إن شغلت وقت الإنسان أو ضيعته فهي أقرب للمكروه .
الجواب: نعم. ورد أن المشركين سجدوا من وهلة الحديث لما سمعوا الوعيد: أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ * وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ * وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ [النجم:60-61]، فسجدوا حتى أن منهم رجلاً شيخاً كبيراً لم يستطع السجود، فأخذ كفاً من تراب بيده وسجد عليه .
الجواب: أنا ما علي دين للبنك أول شيء، هو طبعاً يقصد الديون التي للبنوك الأجنبية لغير المسلمين. نعم. الحقوق مبناها على المشاحة حتى لو كانت لغير المسلمين .
الجواب: نعم. يغسل .
الشيخ: قد يكون من الذين أنزلوه في القبر .
الجواب: النساء أو زوجها .
الجواب: أي طريقة، فالذي يستطيع أن يقرأ في فتح الباري فكما قيل: لا هجرة بعد الفتح .
الجواب: هو قال: ( صلوا على صاحبكم )، من باب حث الصحابة رضي الله عنهم أن لا يتساهلوا في الديون .
الجواب: يعني: مثل هذه الأشياء، ومثل هذه الأحوال، لا شك أنه ينبغي معالجتها والإنكار فيها والإصلاح، لكن أنا أقول: إن مثل هذه الحالات الخاصة ليس بالضرورة أنها تحول إلى قضية عامة، قضية للمجتمع، وإنما يتم معالجتها؛ سواء من قبل الأخ السائل، أو من قبلي، أو من قبل كل من له قدرة، من خلال الاتصال، من خلال المراسلة، يمكن تراسل الجريدة على الإعلان، ممكن تراسل الفتاة، ممكن تراسل أهلها، ممكن تراسل الشخص المذكور ومكتبه، ويكون هناك نوع من النصيحة والإيصال لهذه القضية.
أما -ودعني أكون أكثر صراحة معك- أن نكون نحن الأخيار مستعدين لافتعال معركة عند كل مناسبة، فأنا أقول: هذا بصراحة ليس من مصلحتنا؛ لأنه سيستنزف جهودنا في مثل هذه الأشياء، بينما مثل هذه الأشياء ليست هي الشيء الوحيد الذي يتوجب علينا فعله، نحن مطالبون بفعل الكثير، وينبغي أن نسدد ونقارب ونتوازن.
والله أعلم. .
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر