أيضاً: الأبواب خلال الفترة الماضية، ننتقل من باب إلى باب بعد باب الإمامة، باب الجمعة، باب صلاة المسافر والمريض، باب العيدين، باب الكسوف، باب الخسوف، باب الاستسقاء، فهذه أيضًا فيها نوع من التجديد.
اليوم عندنا باب جديد، نبدأ به اليوم وننجزه غداً إن شاء الله تعالى وهو باب اللباس.
وإذا انتهينا منه لا يبقى علينا في كتاب الصلاة كاملاً إلا باب واحد وهو الجنائز، وكثير من الفقهاء والمصنفين يضعون الجنائز كتاباً خاصاً، حتى المصنف -رحمه الله- سماه كتاب الجنائز.
المعنى الأول: الحسي أو المادي، فيطلق اللباس على ما يستر جسد الإنسان أياً كان، ظاهراً أو باطناً، وعادة ما يسمي العرب اللباس الباطن: شعاراً، واللباس الظاهر: دِثاراً؛ وسموه شعاراً؛ لأنه يمس الجلد فيشعر به الجلد، فيسمى شعاراً، أما الظاهر فهو: دثار؛ لأنه غطاء أو لباس آخر.
والألبسة معروفة في الأزمنة الغابرة والحاضرة، وهي جزء من حضارة الإنسان، ومن يوم خلق الإنسان وهو يسعى إلى الاستتار بما فطر عليه، بخلاف الحيوان؛ ولذلك قال الله سبحانه وتعالى: يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا [الأعراف:26]، فهذا مما امتن الله تعالى به على العباد، وإن كانت الحضارة المعاصرة حاولت أن تقلب اللباس بدلاً من أن يكون أداة للستر إلى أن يكون أداة للإثارة، ومزيداً من تحريك الغرائز والشهوات.
النوع الثاني من اللباس: هو اللباس المعنوي، ويقصد به لباس الخلق، العفاف، التقوى، الإيمان، وأيضاً ما وراء ذلك، فمثلاً: الآية الكريمة: وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ [الأعراف:26]، فسمى الله تعالى هذا لباساً، وهكذا أيضاً قال: وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا [النبأ:10]، فأشار الله تعالى إلى أن الليل مثل اللباس؛ لأنه يلف الكون بظلامه ويغطيه، فدوره هو دور اللباس تقريباً.
من هذه الأنظمة: أن الأصل فيها هو الإذن وليس المنع؛ ولذلك تجد أن الإسلام أبقى على الألبسة الموجودة في المجتمعات، ملابس العرب، الفرس، الروم .. وغيرهم، أبقى الإسلام عليها ولم يشترط الإسلام لأتباعه زياً خاصاً، وإنما -فقط- طلب تعديل ما لا يتوافق مع الشريعة، مثل: أن يكون اللباس محرماً في ذاته كالحرير، أو يكون محرماً في مصدره كالمسروق أو المغصوب، أو يكون لباساً خاصاً لجنس، فيمنع منه الجنس الآخر، مثل: اللباس الخاص بالمرأة، يحرم على الرجل لبسه، أو اللباس الخاص بالرجل يحرم على المرأة لبسه .. وما شابه ذلك.
أما اشتراط لون معين وصفة معينة وقياسة معينة للباس، فهذا من عادت المجتمعات.
ولذلك جاء الإسلام أيضاً بمراعاة عادات المجتمع، حتى إن الفقهاء يتكلمون -مثلاً-: عن لباس الشهرة، وقد ورد في حديث وهو صحيح: ( من لبس ثوب شهرة ألبسه الله تعالى ثوب مذلة يوم القيامة، ثم أوقده عليه ناراً )، فلباس الشهرة يعني به الفقهاء: هو أن يلبس الإنسان ثوباً مفرطاً في الغرابة بحيث يلفت أنظار الناس بشكله، سواءً كان في شدة جماله، وغلاء ثمنه الزائد، أو كان في رخصه الشديد وشدة تواضعه أيضًا وإظهاره الزهد القوي، أو كان في صفته أيضاً، فإن هذا قد يكون مذموماً، ومنه ما يصل إلى حد التحريم؛ لكونه لباس شهرة.
القسم الأول منها: ما حُرِّم على جنس دون جنس، وذلك مثل ما حرم على الرجل دون المرأة، أو حرم على المرأة دون الرجل، ومن ذلك الحرير كما سوف يأتي، فإن الله تعالى حرَّمه على الرجال وأحله للنساء، ومثل ذلك: الذهب، وإن لم يكن الذهب من اللباس المحض ولكنه من الزينة، وهي داخلة في اللباس أيضاً.
القسم الثاني: ما حرم تحريماً مؤقتاً، وهو مثل تحريم لبس المخيط على المحرم بحج أو عمرة، فهذا لباس محرم، لكن تحريمه مؤقتاً بحال معينة، وهي: حال تلبس الإنسان بالإحرام.
القسم الثالث: ما حرم مطلقاً، أياً كان سبب التحريم، ومن ذلك -مثلاً-: الثوب المغصوب فإنه محرم بإطلاق.
القسم الرابع: ما أبيح مطلقاً، وهو ما سوى ذلك، مثل سائر الألبسة التي امتن الله تعالى بها على عباده: وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ [الجاثية:13]، فامتن الله تعالى به على العباد ودل ذلك على حلها وجوازها.
وفيما يتعلق بأحكام اللباس هذا أصلها العام.
أولاً: تخريجه:
فهو عند أبي داود كما أشار المصنف في سننه في كتاب اللباس: باب ما جاء في الخز -بالمعجمتين يعني: منقوطتين، يعني: الخاء والزاي- وذلك لأنه ساق حديثاً آخر بلفظ الخز، وأما حديث الباب ففيه الحر والحرير، أيضاً الحديث رواه ابن حبان والحاكم .
أما قوله: (إن أصله في البخاري ) فنعم. فـالبخاري ذكر هذا الحديث في كتاب الأشربة، باب فيمن يستحل الخمر ويسميه بغير اسمه، وهذا التبويب من البخاري -رحمه الله- إشارة إلى حديث آخر غير حديث الباب؛ لأن البخاري من عادته أحياناً أنه يدرج في الترجمة مضمون حديث ليس على شرطه، وهكذا هنا، فالحديث ليس فيه أنه يسميه بغير اسمه، ولكن جاء في حديث آخر وهو صحيح عند أبي داود وغيره: ( ليشربن أقوام من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها )، فـالبخاري -رحمه الله- اقتبس هذا المعنى : (تسميتها بغير اسمها) من ذلك الحديث، ووضعه في الترجمة.
ولهذا يشيد العلماء دائماً بتراجم البخاري وعناوين الأبواب .
فقال: (يسميه بغير اسمه).
وهذا متضمن في حديث الباب؛ لأنه لما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( ليكونن من أمتي أقوام )، قوله: ( من أمتي )، يدل بظاهره على أن هؤلاء الناس مسلمون، وبالتالي لن يرتكبوا الحرام دون أن يتأولوه، بل سوف يسمونه بغير اسمه، فإذا استحلوا الخمر سموها ما شاءوا من الأسماء، ثم استحلوها بهذه الحيل، كما فعل بنو إسرائيل من قبلهم.
هنا سؤال: لماذا لم يعزُ المصنف الحديث للبخاري، وإنما قال: أصله في البخاري ؟
فأقول: إن البخاري قال في الباب المشار إليه: قال هشام بن عمار : حدثنا صدقة بن خالد .. ثم ساق الحديث إلى أبي مالك أو أبي عامر الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف، وليبيتن أقوام إلى جنب عَلَم يروح عليهم بسارحة لهم، يأتيهم الرجل الفقير بحاجة، فيقولون له: ارجع إلينا غداً، فيرجع إليهم وقد مسخوا، ووضع الجبل عليهم، وليمسخن أقوام قردة وخنازير إلى يوم القيامة )، فهذا هو أصل الحديث.
إذاً: البخاري -رحمه الله- ساقه بلفظ: قال هشام بن عمار، وسبق معنا أكثر من مرة إنه لما يقول البخاري : قال، يعني: إنه معلَّق، والغالب أن البخاري، بل هذا هو المتبع، إذا قال البخاري في الحديث: قال فلان: فهو معلق، يعني: مقطوع أعلى الإسناد، بخلاف ما إذا قال: حدثنا، فإنه حديث موصول، ومعلقات البخاري لا تعتبر أحاديث أصلية في البخاري، بمعنى: أنه قد يوجد فيها الصحيح والحسن والضعيف ؛ لأنها لا يقال: أخرجه البخاري، وإنما يقال: ذكره البخاري، أو رواه البخاري تعليقاً، والمعلقات كثيرة في البخاري وغالباً ما توجد في رأس الباب، وقد صنف فيها أئمة من أوسعهم الحافظ ابن حجر -رحمه الله- فإن له كتاباً ضخماً مفيداً مطبوعاً في خمسة مجلدات اسمه: تغليق التعليق، يعني: كمَّل وغلق وأنجز فيه الأحاديث المعلقة، ومر عليها واحداً بعد آخر.
إذاً: هذا الحديث ظاهره في البخاري أنه معلَّق؛ لأن البخاري قال: قال هشام بن عمار .
ولكن اختلف العلماء هل التعليق هنا على وجهه أم لا؟
منهم من قال: إنه معلق، وإنه بناءً عليه يعتبر حديثاً منقطعاً، ومن أشهر من ذكر هذا القول واعتمده الإمام ابن حزم الظاهري -رحمه الله- كما في كتاب الملاهي له، وكما في كتاب المحلى أيضاً، وكذلك ابن طاهر القيسراني وهو أيضاً إمام فاضل ظاهري، فإنه أعلّ الحديث وضعفه بالانقطاع، هذه فئة.
والفئة الثانية من أهل العلم قالوا: إن هذا الحديث وإن كان معلَّقاً؛ إلا أنه موصول من طرق أخرى، ومن أمثال هؤلاء: الإمام ابن الصلاح كما في مقدمته.
الفئة الثالثة من الأئمة قالوا: إن هذا الحديث ليس معلَّقاً؛ بل هو موصول على شرط البخاري، وأن البخاري -رحمه الله- وإن قال في أول الحديث: (قال فلان)، إلا أن البخاري :
أولاً: ليس بمدلس، بحيث يقال: إنه روى عن شخص لم يأخذ عنه.
وثانياً: قالوا: إن البخاري قد روى عن هشام بن عمار بالسند المتصل في موضعين من صحيحه، فـهشام بن عمار إذاً من شيوخ البخاري، وقد لقيه البخاري، وسمع منه، وأخذ وروى عنه.
وأيضاً قالوا: إن العبارة أو الصيغة محتملة، فـالبخاري أو غيره لما يقول: (قال فلان) هذا يحتمل الاتصال، بل قد يكون ظاهراً فيه الاتصال.
وبناءً عليه قال هؤلاء: إن الحديث يعتبر موصولاً وعلى شرط البخاري، وأياً ما كان الأمر، فإن الحديث ظاهره أنه معلَّق -ظاهر الصيغة التعليق-؛ ولهذا أن نقول: رواه البخاري معلقاً فهذا كلام سليم، ولكن لا يلزم من تعليقه ضعفه، فإن البخاري قد يعلِّق الحديث وهو صحيح، بل قد يعلق الحديث في موضع ويرويه موصولاً في موضع آخر، وهذا الحديث بالذات علَّقه البخاري -رحمه الله- عن شيخ لقيه، وأخذ منه، وروى عنه، وهو موجود في الصحيح رواية عنه في موضعين.
فنقول: قد يكون تعليق البخاري للحديث؛ لأنه لم يأخذه من الشيخ على سبيل الرواية، وإنما أخذه على سبيل المذاكرة، فهذه من دقة أهل الحديث: أنه إذا أخذ الحديث على سبيل المذاكرة وليس على سبيل الرواية، يقول: قال فلان، وبكل حال فإن الحجَّة مع من صحح الحديث أو حسنه، بل قد يكون الأفضل أن نقول: إن الحديث حسن الإسناد :
أولاً: لأن الحديث متصل بين البخاري وهشام بن عمار .
ثانياً: أن كثيراً من الأئمة رووا الحديث عن هشام بن عمار بسند متصل.
ثالثاً: أن هشام بن عمار رجل صدوق، حسن الحديث، ومَن فوقه من رجال الإسناد ثقات، وقد توبع هشام بن عمار أيضاً؛ فهو لم ينفرد بالحديث، كما ذكر أبو داود وغيره طرقاً أخرى للحديث.
إذاً نقول: الحديث حسن الإسناد، وأقلُّ أحواله أن يكون حسن الإسناد، وأما من أعلَّ الحديث بالاضطراب فإن إعلاله له لا يصح، أما اضطراب السند فغاية ما تمسكوا به أن في آخر الحديث: عن أبي عامر أو أبي مالك الأشعري، وبهذا أعلَّه ابن حزم أيضاً، ونقول: أبو عامر وأبو مالك الأشعري كلاهما صحابيان، فهو انتقال من صحابي إلى صحابي، سواءً كان أبو عامر أو أبو مالك، وهذا لا يضر ولا يطعن في ثبوت أصل الحديث.
أما الطعن باضطرابه في اللفظ والسياق؛ وذلك لأنهم قالوا: إن أبا داود ذكره في سننه، ولم يذكر قضية الخمر والمعازف.
فنقول: إن أبا داود اختصر الحديث أو أحد الرواة، بدليل أنه قال: (وذكر كلاماً)، قال: ( ليكونن من أمتي أقواماً يستحلون الحر والحرير ) وذكر كلاماً، فقوله: (وذكر كلاماً) يعني: أنه قد اختصر اللفظ ولم يذكره كله، فهذا دليل على أنه ليس في الحديث اضطراب، لا في سنده ولا في متنه.
وبناءً عليه: فنحن نرجِّح أن الحديث أقل أحواله أن يكون حسن الإسناد.
وقد كتب الشيخ عبد الله بن يوسف الجديع قبل سنوات طويلة كتاباً اسمه: أحاديث ذم الغناء والمعازف في الميزان، وهذا الكتاب أعتقد أنه موجود في المكتبات، وهو قديم يمكن من عشر سنوات أو أكثر، ودرس هذا الحديث دراسة طيبة، وخلص فيه إلى صحة الحديث، كما أنه -يعني: الجديع - كتب كتاباً ضخماً في هذا العام عن -أظن- أحكام الغناء والموسيقى في حوالي ستمائة صفحة أو أكثر، مع أنه في الحديث حاول أن ينتصر لعدم تحريم الغناء، وينتصر لقول ابن حزم، إلا أنه مع ذلك صحَّح هذا الحديث، وإذا صحح هذا الحديث فقد أضعف القول الذي انتحله ومال إليه؛ لأن الحديث هو أقوى ما يتمسك به القائلون بتحريم الغناء.
إذاً: هذا ما يتعلق بموضوع إسناد الحديث والكلام فيه.
وما أدري وسوف إخال أدري أقوم آل حصن أم نساء
والغالب في القرآن لما يقول (قوم) قال: قَالَ يَا قَوْمِ [الأنعام:78]، إِلَى قَوْمِهِ [الأعراف:59]، يكون المقصود به الذكور والإناث على حد سواء، وإنما سمُّوا قوماً؛ لأنهم يقومون بالأمور العظيمة؛ لأنهم جماعة اجتمعوا وتآزروا، فهم يقومون بالأمور العظيمة.
وقوله صلى الله عليه وسلم: ( يستحلون )، يحتمل معنيين:
الأول: إما أن المعنى: (يستحلونها) يعني: يرونها حلالاً.
الثاني: وإما أن يكون المعنى: أنهم يتبذلون في استخدامها فعل الذي يستحلها.
يعني: إما أن يكون المقصود يستحلون، يعني: يقولون: هي حلال وهذا واضح، أو يكون المعنى: أنهم يفعلون فيها فعل المستحل، وهذا أيضاً مستخدم لغة، أنه لما يقول: إنه يكون الإنسان مدمن الخمر، يشربها ويجاهر بها ويتبذل فيها، فإنه يقال: فلان يستحل الخمر، يقصد أنه يفعل بها فعل المستحل، ولا يستحي من الله ولا من الناس.
( يستحلون الحر والحرير ) الحِر: بكسر الحاء وتخفيف الراء، هذا هو الصحيح، وبعضهم ضبطها: الخز، وهو اللباس المعروف، ولكن هذا يعتبر تصحيفاً، وإنما الصواب الحر، وبعضهم أيضاً يشدد الراء، وهذا ضعيف، والأفصح هو (الحر) بكسر الحاء وتخفيف الراء بدون تشديد وهو الفرج.
إذاً: ( يستحلون الحر )، يعني: يستحلون الزنا والفواحش.
والحرير لباس معروف، يستخرج من دودة القز، وهذا يسمى بالحرير الطبيعي، وهو الوارد فيه النص، والله أعلم.
هناك نوع من الحرير ثانٍ الآن هو الحرير الصناعي، يقال: إنه يصنع من نشارة الخشب، أو من نسالة القطن، وبناءً عليه فهو غير داخل في النص، والله أعلم.
نكمل بقية الحديث من حيث معاني الكلمات، ( يستحلون الحر والحرير، والخمر والمعازف ) .. (المعازف): أيضاً من العزف وهو الصوت، والمقصود بالمعازف آلات العزف وآلات الغناء.
ثم قال صلى الله عليه وسلم: ( وليبيتن رجال من أمتي إلى جنب عَلَم )، يعني: إلى جوار جبل، العلم هو الجبل: ( يروح عليهم بسارحة له )، يعني: يأتيهم ويروح عليهم، يغدو ويروح في الصباح وفي المساء: الراعي، (بسارحة) وهي: الغنم أو الإبل التي تسرح، وهذا من نوع توصيف حال هؤلاء القوم.
( فيأتيهم لحاجة )، يعني: يأتيهم رجل فقير لحاجة، يطلب منهم حاجة، فيقولون له: ( ارجع إلينا غداً، فيرجع إليهم وقد مسخوا ووضع الجبل عليهم )، يعني: أن الله تعالى مسخهم، وقلب الجبل عليهم، كما وقع لمن قبلهم من بني إسرائيل وغيرهم.
الحديث فيه مسألة ساقها المصنف، وهي مسألة: تحريم لبس الحرير.. وهذه المسألة سوف نعرض لها إن شاء الله بعد قليل، ولكن بشكل عام لبس الحرير على الرجال محرم، وقد نقل هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم نقلاً يقرب من التواتر.
فممن رواه مثلاً: عمر بن الخطاب، علي بن أبي طالب، أبو موسى الأشعري، جابر بن عبد الله، عائشة، أنس بن مالك، البراء بن عازب، عبد الله بن عمرو بن العاص، عبد الله بن عمر، ومعاوية بن أبي سفيان .. وخلق لا يحصيهم إلا الله، تزيد أحاديثهم على العشرات؛ ولذلك فهي تبلغ في الجملة مبلغ التواتر.
المصنف يقول: رواه البخاري.
يعني: حديث حذيفة رضي الله عنه فيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم: ( نهى عن لبس الحرير والديباج )، والديباج كما ذكرنا هو نوع من الحرير، فنمر الآن مرور الكرام على مسألة حكم لبس الحرير.
وأقول: إن مسألة لبس الحرير فيها أقوال كثيرة أوصلها الإمام ابن العربي إلى تسعة أقوال، ولكن هذه الأقوال متداخلة، ولذلك نقول: إن الخلاصة: أن لبس الحرير فيه ثلاثة أقوال:
قالوا: (إن العلماء أجمعوا على تحريم لبس الحرير على الرجال، وإباحته للنساء).
أما أدلة هذا القول فهي كثيرة جداً، وأدلة التحريم مثل حديث حذيفة الذي ذكرناه الآن، حديث أنس بن مالك، حديث أبي عامر الأشعري الذي قبله، حديث البراء بن عازب متفق عليه: ( نهانا عن ست، ومنها: لبس الحرير )، حديث جابر .. أحاديث كثيرة جداً، تدل على تحريم لبس الحرير.
وأما إباحته للنساء فقد جاء فيها أحاديث أيضاً، ذكر المصنف منها كما سوف يأتي حديث أبي موسى الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إنه حل لإناثهم )، وأصح منه حديث علي بن أبي طالب وسوف نذكره لاحقاً أيضاً: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ بيده اليمنى قطعة من ذهب، وبيده اليسرى قطعة من حرير، وقال: هذان حل لإناث أمتي حرام على ذكورها )، وهذه الأحاديث وغيرها دليل على جوازها للنساء.
إذاً: القول الأول: وهو قول الجمهور وحُكي إجماعاً: أن الحرير حرام على الرجال حلال للنساء.
فبعض المتقدمين من الظاهرية قالوا بجواز لبس الحرير للرجال، وكذلك نقل هذا عن عبد الله بن أبي مليكة، واستدلوا في ذلك بحديث، والحديث بذاته صحيح، بل هو في البخاري، حديث المسور بن مخرمة بن نوفل أن والده وهو مخرمة بن نوفل قال له: ( انطلق بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد بلغني أنه جاءه أقبية، وكان
فنقول في الجواب على ذلك:
إما أن يقال: إن هذا قبل التحريم، وإما أن يقال: إن قوله: (وعليه) يعني: على النبي صلى الله عليه وسلم ليس بصفة اللبس وإنما بصفة الحمل، وهذا واضح؛ لأنه فرق بين إنسان لابس وبين إنسان وضعه على كتفه يحمله، فالنبي صلى الله عليه وسلم كأنه خرج على مخرمة وعليه أو معه هذا الثوب يحمله له، والنبي صلى الله عليه وسلم يهدي ثياب الحرير إلى الرجال أو ما يهدي؟ يهدي كما أهدى إلى عمر، فلما لبسه عمر رضي الله عنه عاتبه النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا في صحيح البخاري وقال: ( إني لم أعطكه هو لتلبسه )، فكساه عمر أخاً له بـمكة مشرِك، أرسله إلى واحد من إخوانه بـمكة .
وهكذا علي بن أبي طالب رضي الله عنه سوف يأتي حديثه، قال: ( كساني النبي صلى الله عليه وسلم جبةً حلة سيراء، فلبسها
إذاً: قد يعطي النبي صلى الله عليه وسلم الثوب من الحرير للرجل وهو لا يريده أن يلبسه، ولكن ليستفيد منه، ليعطيه زوجته، إلى غير ذلك من المقاصد، فهو ليس من المحرمات الذاتية التي لا يمكن الانتفاع بها بوجه من الوجوه، بل يمكن الانتفاع بها.
الخلاصة: أن القول الثاني هو: جواز لبس الحرير للرجال، وهذا قلنا: إنه قول لبعض الظاهرية وعبد الله بن أبي مليكة .
وهذا قول يعتبر في نظري قولاً مطَّرحاً بعيداً، لمخالفته لمذهب جماهير أهل العلم من السلف والخلف والصحابة، ولمخالفته أيضاً الأحاديث الصحيحة الكثيرة كما ذكرنا.
نقول: أيضاً إن هذا مذهب ضعيف، وأن ابن الزبير اجتهد في فهم الحديث، وظن أنه يشمل الرجال والنساء، بمقتضى العموم: ( من لبس الحرير في الدنيا )، ولكن جاءت نصوص صحيحة مخصِّصة تدل على أن هذا المنع خاص بالرجال، وأنه يجوز للنساء لبس الحرير.
وأيضاً ذهب إلى هذا القول الحسن البصري وابن سيرين وجماعة.
والقول الصحيح في هذه المسألة، وهنا نقول: القول الصحيح وليس فقط الراجح، هو: أن الحرير يجوز لبسه للنساء، ويحرم لبسه على الرجال إلا ما استثني وسوف نذكره بعد قليل.
إما أن يقال: إن الحرير لباس أنوثة ونعومة، لا يليق بفحولة الرجال وقوتهم، ولهذا يقال: إن من لبس الحرير يظهر هذا عليه في سلوكه ونعومته التي لا تناسب الرجال، وقد يكون مما يقوي هذا القول حله للنساء ومنعه من الرجال، هذه إحدى الحكم الملتمسة.
وقد يكون منعه لتجنب الإسراف؛ لأن الحرير غالباً ما يكون غالي الثمن.
وقد يكون منع الحرير لتجنب الخيلاء؛ وذلك لأن الخيلاء محرمة حتى في اللباس العادي، إذا صار للإنسان خيلاء، أو كبر، حرُم ذلك بذاته، ولهذا في الحديث القدسي: ( العز إزاري، والكبرياء ردائي، من نازعني شيئاً منهما عذبته )، فقد يكون الحرير يُحدِث في النفس الخيلاء، فمنع منه لذلك.
المعنى الرابع: قد يكون مُنع منه لتجنب التشبه بالكفار، ولهذا في صحيح البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه لبس الحرير، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن هذا من ثياب الكفار فلا تلبسها ).
المعنى الخامس: لمنع التشبه بالنساء؛ لأن الحرير أصبح كأنه من خاصية ملابس النساء.
المعنى السادس: أن ذلك قد يكون فيه كسر لقلوب الفقراء، لما يكون في أحوالهم من الضعف ويرون الناس يمشون في حلل الحرير والإستبرق.
عمر بن الخطاب
رضي الله عنه، ونحن بـأذربيجان، أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الحرير ).. إلى آخر الحديث.ورواه أيضاً مسلم في كتاب اللباس: باب تحريم استعمال إناء الذهب، وأبو داود والترمذي في اللباس أيضاً، والنسائي في الزينة: باب ما رخص فيه من الحرير، ورواه أحمد وأبو عوانة وابن حبان والبيهقي .. وغيرهم.
قوله: (أتانا كتاب عمر ونحن بـأذربيجان أو أذربيجان بفتح الراء)، وهي البلدة المعروفة فيما وراء النهر في بلاد المشرق، وهي معروفة إلى اليوم بهذا الاسم في منطقة آسيا الوسطى وراء إيران .
وقوله رضي الله عنه: (موضع إصبعين أو ثلاثة أو أربعة) موضع إصبعين، يعني: إصبعين مضمومين إلى بعضهما أو بوضعهما العادي، يعني: بمقدار إصبعين.
(أو) للتخيير والإذن، يعني: ليست للشك وإنما هي للعطف، فيجوز موضع إصبعين، ويجوز موضع ثلاثة أصابع، ويجوز موضع أربعة أصابع، فينتهي الأمر وتنتهي الرخصة إلى أربعة أصابع بحيث لا يجوز ما هو فوقها.
والمقصود هنا: موضع أربع أصابع من الحرير، يعني: أنه يجوز للرجل لبس الثوب الذي فيه حرير بمقدار أربعة أصابع، مثل الكم كانوا يكفُّونه، يعني: يسمونه: تطريفاً، يكون في طرف الكم هنا أربعة أصابع حرير، أو يكون في الجيب أيضاً أربعة أصابع حرير، أو يكون في أسفل الثوب أحياناً مكفوف بأربعة أصابع حرير، أو يكون فيه علم نوع من التطريز في الثوب بمقدار أربعة أصابع حرير، أو ما دونها، فهذا جائز في حديث عمر رضي الله عنه وأرضاه.
وقد اتفق الأئمة على جواز اليسير من الحرير، وهو مقدار ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث: ( أصبعين أو ثلاثة إلى أربعة )، والأقرب أن المقصود: أربعة أصابع بوضعها الطبيعي، ولا يلزم أن تكون مضمومة إلى بعضها، وأيضاً لا تكون مفتوحة على الآخر، وإنما تكون بالوضع الطبيعي، وهذا الحديث دليل على تحريم ما زاد عن ذلك.
ومن أدلة القائلين بهذه الرخصة ما جاء عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: ( إنما نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن المصمت من الحرير )، والمقصود بالمصمت الذي كله حرير، قال: ( فأما العلم في الثوب وسداه فلا بأس به )، أما العلم فهو معروف، والسدى هو ما يكون بطانة للثوب، وقد رواه أبو داود والحاكم وأحمد وهو حديث صحيح.
أولاً: أن الكتاب المضبوط يقوم مقام الرواية ؛ لأن أبا عثمان النهدي يقول: أتانا كتاب عمر رضي الله عنه.
ثانياً: تعاهد الإمام الناس ببيان الأحكام الشرعية.
ثالثاً: تحريم الحرير على الرجال، وقد بيناه وذكرنا طرفاً من أدلته.
رابعاً: وهي أصل في الحديث: الرخصة فيما كان بمقدار أربع أصابع فما دونها.
عن أنس رضي الله عنه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم رخَّص لـ
فقد رواه البخاري في كتاب الجهاد والسير، باب الحرير في الحرب، ولاحظ هذه الترجمة: باب الحرير في الحرب، مما يدل على أن البخاري كأنه يشير إلى أن الرخصة متعلقة بالحرب.
ومثله الترمذي أيضاً، فإن الترمذي خرَّج الحديث في اللباس والزينة، وقال: باب الرخصة في الحرير في الحرب، فتبويب البخاري والترمذي يدلان على ذلك.
وأيضاً مسلم روى الحديث في باب اللباس والزينة، باب إباحة لبس الحرير للرجل للحاجة.
و أبو داود مثل ذلك.
و النسائي في الزينة، باب ما رخص فيه، ورواه أحمد وأبو عوانة وابن حبان والبيهقي .. وغيرهم.
القميص هو كهيئة الثوب يلبس أسفل الثياب، يعني: مفصل على هيئة البدن، يلبس أسفل الثياب، وهو قريب مما يستخدمه الناس الآن، فإنهم يطلقون القميص على ملابس المنزل، فهو الذي يلبس تحت الثياب، هذا هو القميص.
وأما قوله: ( من حكِّة كانت بهما )، فالحكة معروفة، وهي نوع من الأمراض الجلدية، ولكن قد ورد في روايات أخرى في البخاري وغيره، أنه رخص لهما من القمل، فيدل ذلك على أن الحكة كانت بسبب القمل، والقمل يحدث الحكة في الشعر وفي البدن أيضاً، والحرير هو الذي يزيل ذلك.
ولذلك نذكر الآن أهم الحالات التي رخص فيها أهل العلم:
فقد رخص العلماء في الحرير للضرورة والحاجة مطلقاً، أن يقال: يرخص للإنسان الذَّكَر في لبس الحرير للضرورة، مثل الإكراه لو قيل له: البس الحرير وإلا تقتل، فهو مكره، ويجوز له لبس الحرير.
أيضاً من الضرورة: أن لا يجد غيره، ما عنده إلا ثوب حرير، فلا يقال: إنه يبقى عرياناً وإنما يلبس الحرير، وهذه تعتبر ضرورة.
ومثل ذلك لو اشتد عليه البرد جداً حتى خاف على نفسه وليس عنده ما يتقي به البرد ويتلفف به إلا حرير، فإنه يلبسه ويستدفئ به ..إلى غير ذلك من الحالات، والحاجة طبعاً أخف من الضرورة، الضرورة يعني: لا مندوحة للإنسان منها.
أما الحاجة فهي أخف من الضرورة، مثل: أن يكون يلبس الحرير لعلاج .. أو ما أشبه ذلك على ما في حديث أنس هذا.
وهذا القول بجواز لبس الحرير للضرورة وللحاجة هو قول الشافعية والحنابلة، وبعض الأحناف، وبعض المالكية، لكنه معتمد قول الحنابلة والشافعية، واستدلوا له بقوله تعالى: وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ [الأنعام:119]، والآية الأخرى: فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ [البقرة:173]، فدل ذلك على أن الضرورة يباح لها المحرَّم.
وأيضاً من أدلتهم: حديث الباب، فهو صريح في المسألة: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص لـ
وفي هذه المسألة قول آخر: وهو قول المالكية والأحناف، قالوا: لا يباح مطلقاً ولا حتى للضرورة ولا للرخصة؛ وذلك لأنهم -والله أعلم- يقولون: إنه ليس هناك ضرورة فيما يتعلق بالحرير؛ لأنه لا يتوقف عليه حياة الإنسان.
ولكن عندي نظر في هذا القول: أن يكون هؤلاء الأئمة يعنون لو لم يجد الإنسان إلا ثوب حرير يبقى عرياناً ولا يلبسه، لا أظن أنهم يقصدون هذا المعنى، لكنهم يضيقون مجال الرخصة فيه.
إذاً: الحالة الأولى في جواز الترخُّص بالحرير هي حال الضرورة، وحال الحاجة، وهذا هو القول الصحيح.
الحالة الثانية: حال القتال والغزو، وبعض الفقهاء يقولون: الحرب، لكن أنا تركت الحرب؛ لأن كلمة الحرب تشتبه في الكتابة مع الجرب، والجرب موضوع ثانٍ؛ لأن الحكة توصف بأنها الجرب، ولذلك بعضهم يقول: يرخص فيه في الحرب وفي الجرب.
إذاً.. عبِّر بالقتال أو الغزو حتى يعرف أن العلة حينئذٍ في الترخص هي ذات القتال، بغض النظر عن وجود سبب ثانٍ، مثل الحكة أو القمل أو الجرب ..أو ما أشبه ذلك.
إذاً: الحالة الثانية التي يرخص فيها بلبس الحرير هي: حال القتال للأعداء، وهذا مطلقاً على هذا القول، القتال يعني، حتى لو لم يكن هناك حاجة أخرى، وهذا مذهب جماعتنا وأصحابنا الحنابلة، وقال به بعض السلف كـعطاء وعروة، وقال به بعض الأحناف وبعض المالكية: أنه يباح في الحرب مطلقاً، حتى لو لم يوجد سبب آخر.
واستدلوا بـ( أن النبي صلى الله عليه وسلم رخَّص في الحرير عند القتال )، وهذا الأثر قاله الشعبي، وهو إسناد مسلسل بالضعفاء كما ذكره ابن عدي، إسناد مسلسل بالضعفاء، وأيضاً هو عن الشعبي، إذاً: هو مرسل وأيضاً ضعيف، فلا يحتج به.
لكن قال الحسن البصري كما عند ابن سعد: (كان المسلمون يلبسون الحرير عند القتال)، وسنده حسن، وكلام الحسن البصري عمن عاصرهم من الصحابة والتابعين: (كان المسلمون يلبسون الحرير عند القتال)، ولذلك يمكن أن نقول: إن هذا القول: لبس الحرير عند القتال جائز على رأي الحنابلة، لكن أثناء التخريج، البخاري قال لبس الحرير عند الحرب، وكذلك الترمذي .
فظاهر تبويبهم أنهم يرون جواز لبسه عند القتال، وأثر الحسن البصري يقوي هذا القول.
وأيضاً من النظر، يدل النظر على صحة هذا القول؛ لأن لبس الحرير يقول العلماء: إنه أحمى من السلاح، يعني: أقوى في الامتناع من السلاح وأمنع، وكذلك أنه أهيب في نظر العدو؛ ولهذا حتى الخيلاء، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إنها مشية يبغضها الله في غير هذا الموطن )، يعني: في غير القتال؛ فلذلك: نرجِّح هذا القول أيضاً، أنه يجوز لبس الحرير عند القتال.
تقريباً هذان أهم موضوعين، وفي المسألة قول آخر، في مسألة القتال، أنه لا يباح في القتال إلا عند الحاجة؛ لحديث الباب، والقول بتحريمه مطلقاً طبعاً عند القتال وغيره.
أولاً: تحريم لبس الحرير، كما ذكرناه مراراً.
ثانياً: الرخصة في مثل هذه المواضع بلبس الحرير للحاجة والضرورة.
ثالثاً: جوازه فيما هو مثل هذه الحاجة التي هي الحكة وما هو أولى منها.
حديث علي رضي الله عنه -وقد أشرت إليه قبل قليل- قال: ( كساني النبي صلى الله عليه وسلم حلة سيراء، فخرجت فيها فرأيت الغضب في وجهه فشققتها بين نسائي )، والحديث متفق عليه.
رواه البخاري في كتاب اللباس، باب الحرير للنساء، ورواه مسلم أيضاً في اللباس والزينة، باب تحريم الذهب والفضة على الرجال، ورواه أبو داود في اللباس أيضاً، والنسائي، وأحمد، والبيهقي، وابن أبي شيبة، والطحاوي وغيرهم.
وقوله رضي الله عنه: (حلة) ذكرنا بالأمس أن الحلة هي: ما كانت من ثوبين إزار ورداء، وبعض العلماء كـالخطابي يقولون: لا تقل: حلة إلا إذا كانت جديدة، يعني: مفكوكة الآن، محلولة تواً، ولهذا سميت حلة، يعني: محلولة الآن لم تلبس بعد، فهذه تسمى حلة.
وقوله: ( حلة سيراء )، هذا كأنه وصف ثانٍ للحلة، وكأن هذا الوصف يدل على نوع من اللباس أو البرود التي يخالطها حرير؛ ولذلك أهل اللغة يقولون: إن السيراء هو ما كان يخالطه حرير أو ذهب من البرود، أما أهل الحديث فيقولون: إن الحلة هذه كلها من حرير.
والأقرب عندي هو كلام أهل اللغة، أن هذه الحلة مخلوطة بالحرير، والدليل على ذلك قوله: ( رأيت الغضب في وجهه )، لو كانت حلة حرير محض ما رأى الغضب في وجهه فقط، وإنما لقال له النبي صلى الله عليه وسلم مثلما قال لـعبد الله بن عمرو بن العاص لما رأى عليه ثوبين معصفرين، قال: ( أمك أمرتك بهذا؟ )، ومثلما قال لـعمر : ( إنني لم أكسكها لتلبسها )، ومثلما قال أيضاً لـعبد الله بن عمرو : ( إنما يلبس هذا من لا خلاق له ).
فقوله: ( رأيت الغضب )، يعني: كراهية، وإنما تليق الكراهية في شيء يكون فيه خليط من حرير قد لا يصل إلى درجة التحريم المحض، لكن يكون الورع منه أولى، والله أعلم.
فهذا معنى قوله: (سيراء) والأكثرون يقرءون حلة بالتنوين (سيراءَ) هذا هو قول الأكثرين، وكأن هذه الحلة السيراء فيها أعلام، يعني: بُردٌ فيه أعلام خطوط من حرير ولكنها كثيرة.
وقوله: (فشققتها بين نسائي) شقها يعني: مزقها، قطعها، لكن بين نسائي، علي رضي الله عنه كم زوجة عنده؟ عنده، واحدة فقط وهي فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ولما أراد علي أن يتزوج غضب النبي صلى الله عليه وسلم وقال، يعني: كان ابن أبي طالب يريد أن يتزوج بنت أبي جهل، فهدده وقال: ( إن فاطمة
إذاً: علي لم يتزوج على فاطمة رضي الله عنها، فقوله: ( بين نسائي ) يعني: بين النساء الموجودات عنده في منزله، فيشمل ذلك أمه وأخته وزوجته وكلهن فاطمة، ولهذا قال في رواية : ( فشققتها خمراً بين الفواطم )، (خمراً) يعني: جمع خمار، والخمار هو ما يغطى به الرأس أو الوجه.
الجواب: نعم، والحاجة ما يحتاجه الإنسان مع أنه إن لم يترخص في ذلك لا يؤدي به إلى هلاك، لكن يؤدي به إلى ضيق، أن يضيق الأمر عليه.
الجواب: يعني: القول الصحيح يكون في المسائل الواضحة شديدة الوضوح، التي يكون القول الآخر فيها ضعيفاً، أما القول الراجح فإنه يكون الترجيح فيها أقل.
الجواب: لا. الكفار مخاطبون بفروع الشريعة، نعم، لكن لم يعطها له ليلبسها وإنما لينتفع بها ببيع أو غيره.
الجواب: الأقرب جوازه.
الجواب: نفس الشيء فيما يتعلق بقصة عمر .
الجواب: ( من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة )، وقد ذهب ابن الزبير أن هذا معناه وعيد بأن لا يدخل الجنة، لكن الجمهور يرون أن المعنى أنه لم يلبسه وإن دخل الجنة.
الجواب: لا يجوز.
الجواب: لا.. تدرك بإدراكها مع الإمام بعد التكبيرة مباشرة أو بعده بفاصل يسير.
الجواب: لا يجوز.
الجواب: يجوز ذلك.
الجواب: الشعر: معروف وهو الكلام المنظوم، والنشيد: هو إنشاد هذا بصوت حسن، والحُداء: عادة ما يستخدم للحث عند العمل مثل: عند السفر، أو عند البناء والعمل أو غيره، أما الغناء: فقد يطلق على ما كان من النشيد وقد يطلق على ما صحبه أصوات ومعازف.
الجواب: هذا ليس له أصل، كثيراً ما يأتي السؤال عنه.
الجواب: معنى الحديث: يعني: كون الإنسان يعطي الكفارة إذا حلف على شيء وأراد أن يتخفف، مثل حلف على زوجته أن لا تذهب لزواج أختها مثلاً، فكونه يكفِّر بكفارة ويسمح لزوجته بالذهاب، هذا أحسن وأحب إلى الله من كون الإنسان يصر على يمينه.
الجواب: بلى، هذا قد يكون هو الأفضل والله أعلم، وأصل المسائل الشاذة الغالب أن القول الشاذ فيها هو مرجوح، ولم يكن شاذاً إلا لندرة من يقول به وضعف أدلته.
الجواب: نعم، بعض الناس الذين لا يستوعبون ولا يفهمون، يعني: يوسع عليهم قد لا يدركون بعض المسائل.
الجواب: عليه أن يكتبها ديناً على نفسه حتى يغنيه الله تعالى، ويعطيها لأصحابها، وإذا استطاع أن يبلغهم بالأمر بطريقة أو بأخرى أو يستقرض أو يستدين فعليه بذلك.
الجواب: أهم شيء أن تعرف أنت أنها كذب ولا يلزم أن تردها.
الجواب: هو لم يمنع منه للنساء، وأيضاً إذا منعنا الحرير فإننا لا نمنع غيره، وكذلك إذا منعنا الذهب قد نسمح بما هو أكثر منه غلاءً مثل: الماس، هذا تعليل المنصوص.
الجواب: لا. حضور الدرس أفضل؛ لأنه في حديث: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )،
الجواب: أنا أرى أن تشتغل في البيع والشراء في الأسهم، وأما الأسهم النقية فلا إشكال فيها، ويقع بحوث كثيرة جداً لكن العبرة بما عليه الاعتماد والفتوى، ولذلك أنا في مسألة الأسهم أميل إلى مذهب الشيخ عبد الله بن منيع واللجان الشرعية في البنوك وهي أوسع حتى من مذهب الدكتور الشبيلي ومن معه، والله تعالى أعلم.
وصلى الله على نبينا محمد..
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر