إسلام ويب

الصوتيات

  1. الصوتيات
  2. علماء ودعاة
  3. محاضرات مفرغة
  4. سلمان العودة
  5. شرح بلوغ المرام
  6. شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صلاة الاستسقاء - حديث 539-545

شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صلاة الاستسقاء - حديث 539-545للشيخ : سلمان العودة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لما اشتد الجدب في المدينة وما حولها طلب المسلمون من النبي صلى الله عليه وسلم أن يستغيث لهم، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه في خطبة الجمعة واستغاث ربه وكرر الدعاء، وخرج بهم مرة أخرى إلى الصحراء فصلى بهم ركعتين كصلاة العيد، واستغاث ربه ودعاه، ورفع يديه وألح في الدعاء وحول رداءه، ورفع المسلمون أيديهم تأسياً به صلى الله عليه وسلم فأغاثهم الله وأزال شدتهم.
    بسم الله الرحمن الرحيم.

    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    اللهم صل على محمد وعلى آله وأصحابه وأزواجه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين.

    رقم هذا الدرس (189) من سلسلة شرح بلوغ المرام، وهذا اليوم هو السادس عشر من شهر جمادى الأولى لعام (1426) للهجرة.

    وإن شاء الله تعالى في هذا اليوم سوف نأتي على ما تبقى من باب الاستسقاء، حيث فيه أحد عشر حديثاً شرحنا منها أمس أربعة، وأتينا فيها على معظم مباحث ومسائل هذا الباب، فاليوم نأتي على ما تبقى من الأحاديث وكلها أحاديث لطيفة وسهلة، وليس فيها مباحث فقهية كبيرة.

    الحديث الأول منها ذكره المصنف رحمه الله برقم خمسمائة وسبعة عشر، وهو حديث أنس رضي الله عنه: ( أن رجلاً دخل المسجد... ) إلى آخر الحديث.

    وهذا الحديث من حيث لفظه مشهور، وقد جاء في الصحيحين بروايات متعددة وكثيرة، وخلاصته: ( أن رجلاً دخل المسجد والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب، فقال: يا رسول الله! هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله يغيثنا، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه إلى السماء وقال: اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، قال أنس رضي الله عنه: ولا والله نرى في السماء من سحاب ولا قزعة، فأنشأت سحابة في السماء مثل الترس، حتى إذا توسطت المدينة انتشرت وأمطرت، فجعل المطر يتحادر على وجه النبي صلى الله عليه وسلم ولحيته، وما بيننا وبين سلع من بيت ولا دار، فلا والله ما رأينا الشمس سبتاً، فلما كانت الجمعة الثانية دخل رجل من الباب وقال: يا رسول الله! هلكت الأموال، وانقطعت السبل، فادع الله يمسكها عنا، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه إلى السماء وقال: اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام والظراب، وبطون الأودية، ومنابت الشجر، قال: فانقشعت أو فأقلعت وخرجت الشمس. فسأل شريك بن عبد الله الراوي أنساً رضي الله عنه: أهو الرجل الأول؟ قال: لا أدري ).

    تخريج الحديث

    هذا الحديث رواه البخاري في صحيحه في أبواب الاستسقاء، باب الاستسقاء في خطبة الجمعة.

    ورواه مسلم أيضاً كما أشار المصنف في أبواب الاستسقاء، باب الدعاء في الاستسقاء.

    ورواه أبو داود أيضاً في رفع اليدين في الاستسقاء، والنسائي، باب هل يسأل الإمام رفع المطر إذا خاف ضرره.

    ورواه أيضاً مالك في الموطأ وأحمد والبيهقي وابن حبان والطحاوي والطبراني وغيرهم.

    معاني ألفاظ الحديث

    ما يتعلق بألفاظ الحديث، الحديث كما ذكرت طويل، والمصنف رحمه الله لم يذكره كاملاً وإنما ذكر طرفه، وفي الحاشية موجود أحد ألفاظ الحديث.

    قول الرجل المرة الأولى: (يا رسول الله! هلكت الأموال)، ما سبب هلاكها؟ ما معنى هلاكها؟ طبعاً هي هلكت بسبب القحط، فما معنى هلاك الأموال؟ وما هي الأموال؟

    الأموال هي: المواشي، ولذلك في بعض الألفاظ قال: ( هلك الكراع ) يعني: الإبل والبقر والغنم والخيل ونحوها؛ وذلك لأنها كانت هي غالب أموال العرب، وهلاكها هو موتها أو هزالها بسبب عدم وجود ما تأكله.

    (وانقطعت السبل) السبل جمع سبيل وهي: الطرق التي يسافر عليها الناس ويمشون فيها، وانقطاع السبل هنا معناه: أنه بسبب هزال المركوب، لأن الإبل كانت مركوب الناس، وكذلك الخيل وغيرها، فبسبب هزالها وعدم وجود الكلأ والمرعى، لم تعد قادرة على قطع المسافات.

    ويحتمل أن يكون انقطاع السبل بمعنى: أنه لأنه لا يوجد في السبل مرعى، فلا يسافرون عليها؛ لأنها تنفق مواشيهم حينئذ.

    (فادع الله يغيثنا) يعني: يأتينا بالغيث، وهو المطر كما أسلفنا.

    وهنا (ادع الله يغيثنا) هذا هو المشهور في الرواية أن الفعل مرفوع، هذا فعل مضارع مرفوع، وهو له وجه في اللغة، والأفصح أن يقول: (أن يغيثنا)، أو إذا حذفنا (أن) نقول: (ادع الله يغثنا)، يعني: يكون جواب الطلب.

    و(يغيثنا) هنا لها وجه، يعني: أن يكون هذا مضمون الدعاء، يعني: ادع الله لنا بالإغاثة، فإن تدعو الله أن يغيثنا أغاثنا.

    قال أنس رضي الله عنه: ( ولا والله ما نرى في السماء من سحاب ولا قزعة ) السحاب معروف والقزعة هي القطعة من السحاب، والسحاب إذا كان متفرقاً فإنه قد يسمى قزعة، ومنه النهي عن القزع، وهو حلق بعض الرأس وترك بعضه؛ لأنه تبقى بقع محلوقة وبقع أخرى غير محلوقة، فهذا يسمى قزعاً، يعني: بقع، فهو يقول: ليس في السماء سحاب كبير ولا حتى قزعة، يعني: قطعة من السحاب، بل كانت السماء صحواً.

    ( وما بيننا وبين سلع من بيت ولا دار ) سلع هو: جبل قريب من المدينة، وهو بفتح السين وسكون اللام، وهو جبل معروف في السيرة .

    وقوله: ( ما بيننا وبين سلع من بيت ولا دار ) ما مناسبة هذا الكلام للقصة؟

    المناسبة: احتمال أنه يقصد أن الأرض فضاء يرى ما وراءها، واحتمال أن يكون المقصود: أن هذه المنطقة ما بين مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وسلع، أو ما بين المدينة وسلع ليس فيها أحد؛ لأن الناس رحلوا منها بسبب الجدب والضيق.

    ثم قال: ( حتى أنشأت سحابة مثل الترس ) والترس هو أحد أنواع السلاح عند العرب، وهو مثل القرص المدور، ويستخدم الترس كنوع من الدروع، ولهذا يقال: فلان يتترس به، يعني: يتخذه ترساً يتقي به، فهذا معنى الترس، وهو نوع من الدروع التي يتقي بها الإنسان ما قد يأتيه من السهام وغيرها في الحرب.

    وقوله هنا: (مثل الترس) يعني: إما أن يكون المعنى بحجمها، وهنا (مثل الترس) نقول: حجمها في عين الرائي، وليس حجمها في السماء؛ لأن الرائي بسبب بعد السحاب لا يراه على حقيقته، وإنما يراه أصغر مما هو، مثلما قلنا سابقاً في ارتفاع الشمس قدر رمح، هل المقصود أن الرمح حقيقي أم في نظر الرائي؟ في نظر الرائي.

    واحتمال أن يكون قوله: (مثل الترس) يعني: في استدارتها، وهم يقولون: إن هذا من أجود ما يكون من السحاب عند العرب، فهذا معنى قوله: (مثل الترس).

    قوله: ( فلا والله ما رأينا الشمس سبتاً ) أي: أسبوعاً، وهذا من باب إطلاق الجزء وإرادة الكل، ومنه حديث: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأتي مسجد قباء كل سبت فيصلي فيه ) يعني: كل أسبوع، ويحتمل أن يكون يوم السبت أيضاً، وقال بعض الشراح: إن هذا لأن أهل المدينة كانوا يجاورون اليهود، واليهود عندهم يوم السبت هو أفضل الأيام، فلذلك كانوا يسمون الأسبوع بأفضل أيامه عندهم وهو السبت، فيسمون الأسبوع سبتاً، هذا وجه، ولا غرابة فيه؛ لأنه مع كثرة الاستعمال ينسى الأصل الذي بسببه سمي الأسبوع سبتاً، وتبقى التسمية الدارجة عند الناس.

    وقال كثير من الشراح: إن قوله: (سبتاً) لا يعني به أسبوعاً، وإنما يعني قطعة من الوقت، وهذا معروف؛ لأن من معاني السبت في اللغة القطع، اسبته، يعني: اقطعه، ومنه النعال السبتية، أنه يلبس النعال السبتية التي يقطع الشعر منها، وأيضاً يوم السبت قد يكون هكذا؛ لأنه قُطِع فيه خلق بعض مخلوقات الله تعالى.

    إذاً: السبت في اللغة من أشهر معانيه: القطع، فيكون قوله هنا: ( ما رأينا الشمس سبتاً ) يعني: قطعة من الأيام، أي: بضعة أيام من غير تحديد، وهذا يبدو أنه أيضاً مشهور عند أهل اللغة، أنهم يقولون (سبتاً) ويريدون قطعة من الأيام، يعني: مدة أو زمناً.

    وبعضهم قرأها ورواها: (ما رأينا الشمس ستاً) يعني: ست ليال، ويبدو أن هذا نوع من التصحيف، وأن الرواية المشهورة: (سبتاً) بالباء، على اسم أحد أيام الأسبوع.

    ( فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه إلى السماء وقال: اللهم حوالينا ولا علينا ):

    معنى: (حوالينا) قريباً منا.

    (ولا علينا)، يعني: يدعو النبي صلى الله عليه وسلم ربه أن يكون المطر يصيب المناطق القريبة منا ولا يقع علينا؛ لأن وقوعه على الناس حينئذٍ يكون فيه ضرر بانقطاع السبل وهلاك المواشي وهلاك الزرع وغير ذلك، فإذا كان في المناطق التي تحتاج المطر فإنه يكون نافعاً، فمن هنا النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( حوالينا ولا علينا ) وهذا من الأدب العظيم في الدعاء.

    ثم قال: ( اللهم على الظراب والآكام ) يعني: اللهم أنزل المطر على الظراب والآكام، ( وبطون الأودية ومنابت الشجر) الظراب: جمع ظرب. أو ( على الآكام والظراب ) يعني هما روايتان، وبكل حال لا يضر يعني.

    فقوله: (الآكام) جمع أكمة بفتح الهمزة والكاف، والعرب يقولون في أمثالهم: وراء الأكمة ما وراءها متى يقولون المثل هذا؟ إذا شكوا في شيء، فلان جاء مثلاً وكان منقطعاً عني مدة طويلة جداً، ثم فوجئت به يأتيني ويسلم بطريقة غريبة ويظهر الود والصفاء، فيقول الإنسان حينئذ: فلان جاءني اليوم ووراء الأكمة ما وراءها، ماذا يعني؟ يعني القصة فيها شيء، هذا السلام ليس عادياً، هناك سبب معين، أو إذا حصل أمر يريبه، معناه: أن هناك شيئاً مخفياً.

    إذاً: الأكمة شيء مرتفع تخفي ما وراءها، فالأكمة هي أقل من الجبل، صخرة أو صخور أقل من الجبل .. دون الجبل، تسمى أكمة، مرتفع.

    (والظراب): جمع ظرب، وهي التلة المرتفعة أيضاً.

    (وبطون الأودية) معروفة، فالوادي هو مسيل الماء أو هو المنخفض بين جبلين أو منطقتين مرتفعتين، وبطون الأودية يعني: منخفضاتها.

    (ومنابت الشجر) يعني: مكان نبات الكلأ والمرعى.

    قال: (فأقلعت) يعني: توقف المطر.

    وشريك الذي يسأل أنساً رضي الله عنه هو شريك بن عبد الله بن أبي نمر، وهو تابعي جليل.

    فوائد الحديث

    الحديث فيه فوائد: منها: الاستسقاء في صلاة الجمعة، وقد سبق أن هذه إحدى ثلاث صيغ واردة في مشروعية الاستسقاء: إما في صلاة الجمعة في الخطبة، أو استسقاء مع الصلاة ويدعى الناس إليه، أو دعاء من غير صلاة، وكل ذلك وارد في السنة. ومنها: جواز إظهار الشكوى، خاصة إذا كان ذلك لحاجة، فالرجل اشتكى في المرة الأولى للنبي صلى الله عليه وسلم هلاك الأموال وانقطاع السبل، ثم اشتكى له مرة أخرى أيضاً مثل ذلك ولم ينكر عليه النبي عليه الصلاة والسلام. ومنها: أنه كما يشرع طلب السقيا -وهو موجود حتى عند الأنبياء السابقين: ((وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ)) [الأعراف:160]- فكذلك يشرع طلب الاستصحاء . وما هو طلب الاستصحاء؟ يعني: طلب توقف المطر ومجيء الصحو إذا تضرر الناس بطول المطر. ولكن نضيف لهذه الفائدة فائدة رابعة وهي: أن الاستصحاء لا تشرع له صلاة؛ لأنه لم يرد أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج بهم إلى المصلى ولا صلى بهم، وإنما طلب الصحو فقط في الجمعة ولم يرد غير هذا في خطبة الجمعة . وفيه: جواز الكلام مع الخطيب للمصلحة، سواءً كان ذلك لأمر يتعلق بالخطبة، أو يتعلق بالصلاة، أو كان يتعلق بمصالح الناس العامة، فإن الرجل خاطب النبي صلى الله عليه وسلم في المرة الأولى وخاطبه في المرة الثانية دون نكير، فدل على جواز مخاطبة الإمام، وأن هذا لا يدخل في النهي عن الكلام والإمام يخطب، لما قال: ( إذا قلت لصاحبك والإمام يخطب: أنصت؛ فقد لغوت ) فهذا لا يدخل فيه؛ لأنه يخاطب الإمام نفسه. وكذلك فيه مشروعية طلب الدعاء من الرجل الصالح، فأما إن كان لمصالح عامة، أن تطلب منه الدعاء بالمطر أو بالنصر أو بالتفريج عن المسلمين أو بغير ذلك من المصالح فهو مشروع، بل مستحب؛ لأنه يطلب شيئاً لعامة الناس، وأما إن كان الإنسان يطلب منه دعاءً يخصه هو مثل أن يقول: ادع لي بالرحمة أو بالمغفرة أو بالغنى أو بالرزق أو ما أشبه ذلك، فنقول: هذا أيضاً جائز، وإخوة يوسف ماذا قالوا؟ ((يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ))[يوسف:97]. وكذلك في صحيح مسلم

    قصة أبي الدرداء

    لما قال: ( لا تنسني من دعائك، ادع لي ) وكذلك أم الدرداء

    ، وفي حديث عمر

    أيضاً وإن كان فيه ضعف يسير. والأرجح أن هذا لا بأس به إن شاء الله، وإن كان من أهل العلم من قال بأنه خلاف الأولى، كما أشار إليه ابن تيمية

    وابن القيم

    رحمهما الله. وكذلك فيه مشروعية رفع اليدين في الاستسقاء، حتى في خطبة الجمعة؛ لأن المشروع في الدعاء إذا دعا في خطبة الجمعة هل يشرع رفع اليدين؟ الأقرب أنه لا يشرع، وإن كان الأمر واسعاً، لكن الأقرب أنه لم يثبت في السنة رفع اليدين خلال الدعاء في خطبة الجمعة، إلا إذا كان يدعو بالاستسقاء أو يدعو بالاستصحاء، يعني: بالمطر أو برفع المطر وكشفه، كما في حديث أنس

    هنا، فإنه يستحب رفع اليدين، وسيأتي مزيد إيضاح لهذه النقطة. وفيه: أن خطبة الجمعة لا تنقطع بالكلام بين الخطيب وبين من يتحدث معه . من فوائد الحديث: انتداب واحد ليقوم عن الجماعة بما ينوبهم، فهذا الرجل المبادر هذا الأعرابي الذي جاء فعل خيراً مع أنه قام بالمهمة بالنسبة للناس الكثيرين وتكلم بلسانهم، يعني: هو دعا للناس كلهم في المرة الأولى وفي المرة الثانية، ففيه جانب المبادرة، وأنه يقوم الإنسان عن الآخرين بما يحتاجون إليه أو ما ينوبهم من أمر الدين أو من أمر الدنيا، مثل إنسان في حي قد يطلب للناس خدمات أو مصالح أو دفع ما يؤذيهم أو يضرهم، لكن هذا يعتبر مبادرة، وهو جيد ومحمود، وفرق بينه وبين ما قد يقع من بعض الناس من العجلة والتدخل فيما لا يعنيه، فإن بعض الناس يكون عنده نوع من العجلة، فقد يتحدث باسم الناس في أمور الناس لا يوافقونه عليها. من فوائد الحديث: تكرار الدعاء ثلاثاً، وهذا ثابت: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا تكلم تكلم ثلاثاً، وإذا دعا دعا ثلاثاً ) مثل قوله هنا: ( اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا ). ومنها: إجابة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه آية من آياته عليه الصلاة والسلام، وهي كثيرة جداً ومعجزاته، وقد صنف فيها أهل العلم، ومن آياته ومعجزاته إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم في المرة الأولى وفي المرة الثانية. بل يضاف إلى الفوائد: أن من آياته صلى الله عليه وآله وسلم أنه ما أشار بيده إلى السحاب في مكان إلا تجلى السحاب وتفرق، فهذا من آياته عليه الصلاة والسلام. وفيه: مراعاة مصالح الناس، وأن الإمام يعني الحاكم أو العالم أو الفقيه أو المسئول أو من عنده شأن من الشئون؛ أنه يشرع له أن يراعي مصالح الناس. وأنت ترى النبي صلى الله عليه وسلم يقطع خطبة الجمعة التي هي شعيرة من شعائر الدين، ولم يعاتب الرجل، ويقبل على ربه بالدعاء والتضرع في المرة الأولى، ومثل ذلك في المرة الثانية، فهذا فيه درس: أن الإنسان كلما كان أكثر تديناً وصلاحاً كان من علامة ذلك نفعه للناس وحرصه على مصالحهم، سواءً في أمر دينهم الذي ينفعهم في الآخرة، أو في أمر الدنيا الذي يوسع عليهم بالمال أو بالرزق أو بالوظيفة أو بالغنى أو بالزواج . ولهذا من أعظم ما يتقرب به إلى الله، بل هو أفضل من نوافل العبادة؛ منافع الناس الدنيوية، كونك مثلاً في مشروع خيري للناس، للشباب، للصغار، للكبار، للأرامل، للمطلقات، لليتامى، للأيامى، للفقراء، للمعوزين، للمحاويج، للبعيدين، لغير ذلك، هذا من أعظم مقاصد الشريعة والدين، وهو أفضل من نوافل العبادة، بل يثاب عليه العبد حتى من غير نية، وما ذلك إلا لحفز الناس على أن ينفع بعضهم بعضاً ويحسن بعضهم إلى بعض: ( وأحب العباد إلى الله أنفعهم لعباده ) . من الفوائد أيضاً: جواز رفع الصوت في المسجد لحاجة، وهذا لا يعني أن تكون المساجد مكاناً للصراخ والزعيق والفوضى والحراج، لكن لحاجة، مثل هذا الرجل يخاطب النبي صلى الله عليه وآله وسلم في المرة الأولى وفي المرة الثانية. أما قلة الأدب فهذه غير مناسبة للمساجد، وينبغي على من يدخل المسجد أن يتأدب! أنا أقول: نحن في هذا الدرس أكثر من مرة أنشغل عن درسي؛ لأنني أسمع صوتاً مرتفعاً فألتفت فأجد إنساناً يتصل بالجوال في هذا المكان أو ذاك المكان أو غيره وبصوت مرتفع، هذا غير لائق، أو حتى في المسجد يمكن يرى الإنسان في المسجد خطأ يسيراً فيغيره عن طريق خطأ أعظم منه، فيغسل -كما يقال- النجاسة بما هو أنجس منها. وهذا من قلة الوعي وقلة الذوق عند بعض الناس، ربما يرن الجوال في المسجد، وقد يكون صاحب الجوال معذوراً، مثل واحد عنده جنازة في المسجد ينتظر أناساً يكلمونه: وصلنا، تأخروا قليلاً.. إذا أمكن، أين نجدكم؟ مثلاً يحدث هذا، أو قد يكون عنده قضية معينة، أو قد يكون ناسياً، والنسيان من طبع ابن آدم، فرنين الجوال لا شك أنه شيء فيه إزعاج خصوصاً إذا كانت النغمة مرتفعة، أو قد يكون فيه أحياناً مخالفة، فيه موسيقى أو غناء أو ما أشبه ذلك، لكن تجد أن من ينكر هذا الأمر ينكره بطريقة أشنع وأفظع، وقد يرفع الصوت وقد يدعو، حتى أني سمعت أحد الخطباء قبل فترة يدعو على إنسان سمع منه صوت الجوال أن الله لا يهديه أو نحو هذا، ويقول: يستاهل؛ لأن هذا نهيناه مرة ومرتين ولا امتثل، طيب! ما أدراك أنه هو هو، يمكن غيره، يمكن الجوال هذا لواحد ثان!! فهذه من الأمور التي تحتاج إلى تربية الناس على نوع من الذوق، خصوصاً إذا كانت المنطلقات دينية، الناس يعتبون على الإنسان الذي يكون منطلقه في العمل دينياً، فينتظرون منه أن يكون على الكمال، وقد لا يسامحونه بشيء من التقصير. ولهذا ينبغي للإنسان الذي يتصرف بمقتضى الشريعة أن يحرص قدر المستطاع على أن تكون طريقته في الفعل مناسبة للشريعة أيضاً، يعني كما قال بعض السلف: يجب أن يكون أمرك بالمعروف بمعروف، وأن يكون نهيك عن المنكر غير منكر، انظر لهذه الحكمة. من فوائد الحديث أيضاً: الخلق العظيم للنبي صلى الله عليه وآله وسلم كما وصفه ربه. فهنا الأعرابي يأتيه، أو يجوز أن يكون تكلم مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو في منتصف الحديث ما كمل حديثه، فالنبي صلى الله عليه وسلم ينصت له، ما قال: اصبر حتى نكمل، أو إذا كان عندك شيء تعال في وقت آخر، بل أنصت له النبي صلى الله عليه وسلم حتى انتهى حديثه، ثم أقبل النبي صلى الله عليه وسلم على الاستجابة لطلب الرجل بالدعاء قبل أن يعود إلى حديثه الأول. ولا يقول مثلاً: نكمل الحديث ثم نستسقي في آخر الخطبة، وهكذا في الأسبوع الثاني، مع أنه لو كان واحد منا الذي حصل الأمر له لقال لهذا الأعرابي: انفتح عليه الباب، هذا يمكن الأسبوع الثالث أيضاً يأتينا بقضية ثالثة، لكن محمداً صلى الله عليه وسلم كان شيئاً مختلفاً: ((وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ)) [القلم:4].

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088930141

    عدد مرات الحفظ

    779954016