إسلام ويب

الصوتيات

  1. الصوتيات
  2. علماء ودعاة
  3. محاضرات مفرغة
  4. سلمان العودة
  5. شرح بلوغ المرام
  6. شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صلاة العيدين - حديث 510-514

شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صلاة العيدين - حديث 510-514للشيخ : سلمان العودة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الفطر يوم يفطر الناس والصوم يوم يصومون، ويثبت دخول العيد برؤية هلال شول أو إتمام رمضان ثلاثين يوماً، وقد كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يغدوا إلى صلاة الفطر إلا بعد أكل تمرات بخلاف عيد الأضحى، كما كان يأمر بأخذ العواتق وذوات الخدور ويعتزل الحيض المصلى شهوداً للعيد وجمعاً للأمة في ذلك اليوم العظيم.

    1.   

    معنى العيد

    اليوم عندنا الدرس رقم (182)، من أمالي شرح بلوغ المرام في هذه الليلة ليلة الإثنين (24) من شهر ربيع الأول لسنة (1426هـ).

    والباب الذي عندنا هو باب صلاة العيدين.

    والعيدان هما عيد الفطر وعيد الأضحى.

    وأصل كلمة العيد مشتقة من العود، وهو كل ما يعود ويتكرر في الحزن أو الفرح، ولكن الغالب عليه أنه في الفرح، ولذلك أمم الأرض كلها لها أعياد، والغالب أن أعيادها تكون أعياداً دينية، فالعيد فيه تذكير بالمعاني الدينية التي تجتمع عليها الأمة.

    وكذلك للعيد أحياناً معان وطنية كأعياد توحيد البلاد، أو استقلال البلاد التي كانت محتلة، أو غير ذلك، وفيها معان إنسانية بإرعاء الغني على الفقير والكبير على الصغير، ونفسية بإظهار الفرح والغبطة والسرور، فالعيد أحد تجليات الرحمة الإلهية لأهل هذا الدين وهذه الأمة.

    وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم لهذه الأمة عيدين هما: عيد الفطر وعيد الأضحى، وأول ما كان من الأعياد هو عيد الفطر، وكان في السنة الثانية من الهجرة، وبعد ذلك الأضحى.

    وطبعاً: أحياناً يخترع الناس أو يبتكرون أعياداً أخرى ليس لها أصل، وإنما الأمر كما يقول الشاعر:

    عيدان عند أولي النهى لا ثالث لهما لمن يبغي السلامة في غد

    الفطر والأضحى وكل زيادة فيها خروج عن سبيل محمد

    يوجد أشياء قد تتكرر عند الناس لكن لا على سبيل العيد، وإنما بمعان دنيوية محضة وليس لها صفة العموم، فهذه الأمر فيها مختلف، مثل أن يكون الناس عندهم مناسبة معينة تتكرر في اجتماع العائلة أو في الزواج، يعني: كون الإنسان مثلاً إذا تزوج في يوم معين، إذا جاء مثل هذا اليوم من العام القادم أهدى لزوجته هدية أو خرج بها أو ما أشبه ذلك، هذا لا يسمى عيداً وليس له صفة العموم، وهو قد يكون أحياناً من مكارم العادات والأخلاق التي لا تحمد ولا تذم لذاتها.

    1.   

    شرح حديث: (الفطر يوم يفطر الناس ..)

    عندنا مجموعة أحاديث:

    الحديث الأول: حديث عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( الفطر يوم يفطر الناس، والأضحى يوم يضحي الناس )، قال المصنف رحمه الله: رواه الترمذي .

    تخريج الحديث

    فالحديث في سنن الترمذي كتاب الصوم باب ما جاء في الفطر والأضحى، وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند أهل العلم، ورواه أيضاً الدارقطني .

    هذا الحديث في سنده علتان:

    العلة الأولى: أن في إسناده يحيى بن اليماني أبو زكريا العجلي، وقد تكلم فيه من قبل حفظه، فهو صدوق في نفسه لكن تكلم فيه من قبل حفظه، وأصيب في آخر عمره بالفالج فوقع له ضعف، وإن كانت أقوال علماء الجرح والتعديل فيه مختلفة، لكنه إلى الضعف أقرب أو يقال: هو صدوق يخطئ .

    الثاني: أن الحديث من رواية محمد بن المنكدر من عائشة رضي الله عنها، ومحمد بن المنكدر تابعي ثقة، ولكن يقال: إنه لم يسمع من عائشة، البخاري رحمه الله سئل كما ذكر الترمذي في سننه أنه سأل محمد بن إسماعيل، يعني: البخاري، عن سماع محمد بن المنكدر عن عائشة فأثبته، فعلى طريقة البخاري يكون السند هنا متصلاً .

    لكن أبا زرعة وابن معين وغيرهم يقولون: إن محمد بن المنكدر لم يسمع من أبي هريرة، وعائشة رضي الله عنها توفيت قبل أبي هريرة، فإذا كان لم يدرك أبا هريرة فمن باب الأولى أنه لم يدرك عائشة، فتكون روايته عن عائشة وعن أبي هريرة أيضاً مرسلة.

    واللافت للنظر أن هذا الحديث جاء حتى في رواية أخرى، جاء الحديث عن محمد بن المنكدر عن أبي هريرة فيكون أيضاً مرسلاً على هذا.

    الراجح كما يقول الدارقطني بعدما ساق هذا الحديث: أنه موقوف على عائشة، يعني: كأنه يكون من كلامها رضي الله عنها، وكأن هذا فيه إشارة إلى أن الأئمة يتسامحون في الموقوف ما لا يتسامحون في المرفوع، وإلا فالسند هو هو، ولكن كأن الدارقطني يشير إلى أن الرفع لا يصح وأنه موقوف على عائشة رضي الله عنها من قولها، وقد صححه الترمذي كما ذكرت قبل قليل.

    شواهد الحديث

    وللحديث شاهد عن أبي هريرة رضي الله عنه كما أسلفت، وهو عند الترمذي أيضاً وأبي داود وابن ماجة، وقال الترمذي حديث حسن، وكذلك الإمام النووي في المجموع قال عنه: إنه حديث حسن، يعني: رواية أبي هريرة رضي الله عنه. ويقول الشوكاني في نيل الأوطار : رجال إسناده ثقات.

    وهذا الحديث حديث أبي هريرة الذي هو شاهد حديث الباب جاء من طرق:

    أحدها ابن المنكدر كما ذكرت؛ لكن جاء من طرق أخرى يقوي بعضها بعضاً، وبذلك يتبين أن حديث الباب الذي هو حديث عائشة وإن كان ضعيفاً في نفسه إلا أنه يتعزز بحديث أبي هريرة رضي الله عنه.

    والراجح أنه موقوف على عائشة كما ذكره الدارقطني، وطبعاً للحديث شواهد عديدة لكن أنا ذكرت أصح هذه الشواهد وأهمها.

    معاني ألفاظ الحديث

    ما يتعلق بألفاظ الحديث:

    قوله صلى الله عليه وسلم: ( الفطر يوم يفطر الناس )، المقصود هنا بالفطر عيد الفطر، كأنه قال: عيد الفطر يوم يفطر الناس.

    وأصل الفطر هو الإفطار من الصيام، يقال: صام وأفطر، ولكن المقصود هنا بالفطر العيد وهذا واضح من السياق، وقوله صلى الله عليه وسلم: ( يوم يفطر الناس )، يعني: يوم يعتقد الناس فيه أنه الفطر، فكأنه علق صلى الله عليه وسلم كون هذا اليوم عيداً بأن يعتقد الناس أنه عيد ويأخذون بذلك.

    قوله: ( والأضحى يوم يضحي الناس )، الأضحى أيضاً المقصود به عيد الأضحى، والأضحى مأخوذ من الأضحية التي تجمع على أضاح، وقد يقال: أضحاة وتجمع عند بعضهم على أضحى، وقد تسمى التضحية، وهي النسيكة أو الذبيحة التي تذبح في وقت معين معلوم، وعيد الأضحى متى يكون؟

    طبعاً عيد الفطر هو اليوم الأول من شهر شوال، عيد الأضحى هو اليوم العاشر من شهر ذي الحجة، وكلها أعياد شرعية دينية كما أسلفت.

    إذاً: المقصود بقوله صلى الله عليه وسلم: ( الأضحى يوم يضحي الناس )، أن عيد الأضحى هو العيد الذي يعتقد الناس أنه العيد، فإذا وقف الحجاج بـعرفة في يوم التاسع، أو ما يعتقدون أنه اليوم التاسع، فاليوم الذي يليه هو العيد في ذلك المكان وفي كل بلد بحسبه.

    الشهادة برؤية هلال يوم العيد

    مسائل الحديث:

    في هذا الحديث مسألة فقهية مهمة، وهي: قضية الشهادة برؤية هلال شوال، أو الشهادة بالعيد، كيف تكون وكيف تعرف؟

    أكثر أهل العلم والجمهور يقولون: إنه لابد في رؤية هلال شوال من شاهدين يشهدان أنهما رأيا هلال شوال حتى يعيد المسلمون، وهذا مذهب الجمهور بما فيهم أبو حنيفة .

    بماذا يستدل هؤلاء على ضرورة وجود شاهدين؟

    استدلوا أولاً: بحديث رواه أمير مكة واسمه الحارث بن حاطب يرويه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ( أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننسك برؤيته -يعني: رؤية الهلال- فإن لم نره وشهدا شاهدا عدل نسكنا لشهادتهما )، فهذا دليل على أنه لابد من شاهدي عدل، وهذا الحديث صحيح رواه أبو داود والدارقطني والبيهقي وصححوه، فهو دليل على أنه يشترط لقبول الشهادة أن يكونا شاهدين اثنين، وأن يكونا شاهدي عدل، أن يكونا عدولاً معروفين.

    وكذلك مما استدل به هؤلاء على اشتراط الاثنين حديث أبي عثمان النهدي : ( أن الصحابة رضي الله عنهم أصبحوا، فجاء رجلان من البادية فشهدا أنهما رأيا الهلال، فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم: أمسلمان أنتما؟ قالا: نعم، نشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بلالاً أن يؤذن أو يعلم الناس بالفطر )، وهذا الحديث رواه ابن أبي شيبة وهو حديث مرسل ولكن يشهد له ما قبله.

    فهذان الحديثان يدلان على أنه لابد في هلال شوال، هلال العيد من شاهدين، وأنا أؤكد على قضية هلال شوال أنه ليس بلازم أن هذا الخلاف بحروفه يقع في هلال رمضان؛ لأن هلال رمضان له حكم يختلف ويأتي في وقته.

    ولكن كثير من الفقهاء أشاروا بلطف إلى اختلاف هلال شوال عن هلال رمضان، وقالوا: إن من الفروق الواضحة البينة؛ أن هلال شوال يترتب على رؤيته حقوق مالية، والحقوق المالية مثل صدقة الفطر، ومثل الحقوق المالية عادة لابد فيها من اثنين في الشهادة.

    القول الثاني: أنه يكفي رؤية شاهد واحد ثقة، وهذا مذهب الإمام ابن حزم وبعض أهل الحديث، ونقل عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وبعض فقهاء السلف، ولكنه ليس مشهوراً عند الأئمة الأربعة، أنه يكفي فيه شاهد واحد.

    ولعل مما يستدل به هؤلاء للشاهد الواحد, أولاً: الحديث الذي رواه سماك عن عكرمة عن ابن عباس في قصة الرجل الذي جاء، في دخول رمضان وقال: ( إنه شهد الهلال، فقال: تشهد أني رسول الله؟ قال: نعم. فأمرهم بالصيام )، فقالوا: إن دخول رمضان وخروجه سواء.

    ونحن نقول: إن هذا فيه منازعة، وإن دخول رمضان ليس كخروجه.

    أيضاً مما يستدلون به ما نقل عن عمر رضي الله عنه أنه أعلن العيد بشاهد واحد، وكذلك نقل عن علي رضي الله عنه وهو خليفة، فقالوا: إن فعل عمر وعلي دليل على أنه يكتفى بالشاهد الواحد، والذي نرجحه القول الأول وهو قول الجمهور أنه لابد من شهادة عدلين.

    فوائد الحديث

    في الحديث فوائد كبيرة، والحقيقة أن هذا الحديث عظيم، حديث عائشة وأبي هريرة في أهمية الجماعة: ( الفطر يوم يفطر الناس، والأضحى يوم يضحي الناس ) والصوم يوم يصوم الناس.

    بمعنى: أن يد الله مع الجماعة، وأن الله يحب الجماعة ويكره الفرقة والشذوذ، حتى لو أن الناس أخطئوا عن غير عمد في أمر من الأمور فوقع خلاف ما هو عليه فهو مقبول عند الله، يعني: لو أن الناس وقفوا بـعرفة في اليوم العاشر يظنونه التاسع؛ هذا ليس عليهم فيه بأس وحجهم صحيح ولا بأس عليهم في ذلك، والراجح أنهم لو وقفوا أيضاً في اليوم الثامن بـعرفة يظنونه اليوم التاسع أن حجهم صحيح، وهل فيه فرق بين الثامن والعاشر؟

    يعني: إذا وقفوا في العاشر فلا إشكال، لكن الثامن، حتى الثامن على القول الراجح أنه لا إشكال، ويوجد فرق بين العاشر والثامن؟

    يوجد فرق، مثلما قلنا في الفرق بين دخول رمضان ودخول شوال؛ لأن اليوم العاشر قد يكون أخذوا بالاحتياط في دخول شهر ذي الحجة وأكملوه بينما هو ناقص، أو بمعنى أنهم تحروا وترتب على ذلك تأخير الوقوف بـعرفة، لكن في اليوم الثامن قد يكون لو حصل هذا الخطأ فالغالب أنه بسبب الإهمال وعدم التحري، يعني: هذا الفرق ذكره عدد من الفقهاء.

    وفي الواقع أنه فارق غير مؤثر؛ لأن عامة الناس لا يتسنى لهم ترائي الهلال وما أشبه ذلك، وإنما ينظرون إلى ما تقرره السلطة أو الجهة المختصة، فالمقصود: أن الناس لو أخطئوا بـعرفة فوقفوا كلهم في اليوم العاشر أو الثامن يظنونه يوم عرفة أن ذلك يجزئ، وكذلك لو عيدوا في آخر يوم من رمضان -وهو يوم الثلاثين من رمضان- ظنوه عيداً، أو العكس أنهم أتموا رمضان وهو ناقص، أو ما أشبه ذلك، أو كان عيد الأضحى تأخر عندهم أو تقدم بخطأ غير مقصود والناس على هذا؛ أن هذا لا يضر، وأن موافقة الناس فيها خير، ولا يحل لأحد أن يخالف ما عليه إجماع الناس في هذه الأمور، فهذا معنى مهم جداً أن يد الله مع الجماعة، وأن الإنسان عليه أن يحرص على الاجتماع ويكره الفرقة .

    الفائدة الثانية: أنه لا يجوز لمسلم أن يشذ عن المسلمين لا بفطر ولا بصوم ولا بعيد ولا بحج ولا بغيرها، بحجة أنه علم ما لم يعلموا، ممكن يحصل أن واحداً واقف بـعرفة لوحده أو فئة قليلة لماذا؟ قالوا: والله جاءنا الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام وقال لنا: الناس ما عندهم خبر وقفوا قبل عرفة أو بعدها، فوقفنا حيث أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم.

    فنقول: الذي ادعيتم أنكم رأيتموه في المنام قد رآه الناس في اليقظة وقال لهم: ( الفطر يوم يفطر الناس، والأضحى يوم يضحون، والصوم يوم يصومون ).

    الثالث: فيه عصمة الاجتماع، وأن الله تعالى جعل اجتماع هذه الأمة عصمة، وأن هذه الأمة لا تجتمع على ضلالة، وأن ما اجتمعت عليه فهو الصواب، ولذلك قال ابن تيمية رحمه الله: إن ما اجتمع الناس عليه من وقوف بـعرفة أو غيرها فهو الصواب عند الله، حتى لو ظن الناس أنهم اليوم العاشر أو اليوم الثامن أو ما أشبه ذلك.

    1.   

    شرح حديث: (أن ركباً جاءوا فشهدوا أنهم رأوا الهلال..)

    الحديث الذي بعده ورقمه: (486) عن أبي عمير بن أنس رضي الله عنه، عن عمومة له من الصحابة رضي الله عنهم: ( أن ركباً جاءوا فشهدوا أنهم رأوا الهلال بالأمس، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يفطروا، وإذا أصبحوا أن يغدوا إلى مصلاهم )، الحديث يقول المصنف رحمه الله: رواه أحمد وأبو داود، وهذا لفظه، وإسناده صحيح. ‏

    تخريج الحديث

    رواه أبو داود في كتاب الصلاة، باب إذا لم يخرج الإمام لصلاة العيد من يومه وخرج من اليوم الثاني، وكذلك النسائي رواه في العيدين باب فوت وقت صلاة العيد، ورواه أيضاً ابن ماجه في كتاب الصيام باب الشهادة على رؤية الهلال، ورواه البيهقي والدارقطني وغيرهم.

    والحديث مثلما قال المصنف هنا: إسناده صحيح، وهكذا تواطأ الأئمة على تصحيح إسناده، فممن صححه الإمام ابن المنذر، وابن السكن، وابن حزم، والبيهقي، والنووي كما في المجموع والخلاصة، وابن حجر كما ها هنا وفي مواضع أخرى أيضاً، والألباني وغيرهم.

    ترجمة راوي الحديث

    الفقرة الثانية: راوي الحديث وهو هنا أبو عمير بن أنس وهذه كنيته (أبو عمير ) وقيل: كنيته اسمه، وقيل: اسمه عبد الله، وهو أكبر أولاد أنس بن مالك رضي الله عنه، وهو تابعي، وإنما يروي في الغالب عن عمومة له من الأنصار كما يقول أو من الصحابة كما يقول ها هنا، ولذلك حكم الأئمة بأن أبا عمير هذا ثقة كما قال ابن سعد في الطبقات، وابن حبان ذكره في الثقات أيضاً، ومن قال: إنه مجهول فإنه لا يعتد بما قال كما ذكر ذلك الإمام ابن عبد البر, فإن الشافعي فيما أحسب علق القول بهذا الحديث على ثبوت سنده.

    فقال ابن عبد البر : إن أبا عمير غير معروف، وتعقب العلماء ابن عبد البر وقالوا: إن أبا عمير معروف عند من وثقه، كما ذكرنا عن ابن سعد في الطبقات، وابن حبان، وهو أيضاً يروي عن عمومة له، وهؤلاء العمومة من الصحابة فلا تضر جهالتهم؛ لأنهم جمع من أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ولذلك أكثر أهل العلم صححوا هذا الحديث وثبتوه.

    معاني ألفاظ الحديث

    المعاني:

    قوله: (إن ركباً جاءوا) جمع راكب، وغالباً ما يطلق على من يركب البعير ونحوه، فيسمون ركباً، وقد يقال عنهم: سفر، جمع سافر أو مسافر، يعني: راكبون جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: إنهم رأوا الهلال، والهلال معروف وهو بداية ظهور القمر ليلة واحد وليلة اثنين وليلة ثلاثة، يقال: إنه في الليالي الثلاث الأولى يسمى هلالاً، ثم يسمى بعد ذلك الأسماء الأخرى، أو يقال له: بدر وقمر، إلى آخره.

    فالهلال هو القمر في أول بزوغه في أول الشهر، وإنما سمي هلالاً؛ إما لأنه يظهر فيرفع الناس أصواتهم.

    وإذا نظرت إلى عوارض وجهـه بزغت بزوغ الهاطل المتهلل

    فالناس إذا رأوا الهلال استهلوا بالحديث والكلام وارتفعت أصواتهم، أو بالتهليل فلذلك سمي هلالاً، ونقول: إما الهلال لشدة ظهوره أو لأصوات الناس إذا رأوه.

    قال: ( شهدوا أنهم رأوا الهلال )، الشهادة هنا أقوى من الخبر، وتختلف حتى عن الرواية، والعلماء وضعوا فصولاً للفرق بين الرواية وبين الشهادة، وبين الرواية وبين الخبر، فالشهادة فيها أداء شرعي، وقد تكون غالباً عند الحاكم أو من يسجل ويدون الشهادة.

    ( شهدوا أنهم رأوا الهلال بالأمس ) قوله: (بالأمس) هذا دليل على أنهم متى جاءوا للرسول صلى الله عليه وسلم؟

    رأوه بعد الزوال، يعني: أمس. فأخبروا النبي صلى الله عليه وسلم بذلك.

    و(الأمس) هنا هو اليوم الذي قبل اليوم الذي نحن فيه، وهو مبني على الكسر، جاء فلان أمس، هذا إذا كان غير معرف، وأما إذا قلت (بالأمس) فهو يأخذ حكم غيره، لكن بعض بني تميم يلزمونه إعراب ما لا ينصرف, كما يقول ابن عقيل في شواهده، يقول:

    لقد رأيت عجباً مذ أمسا عجائزاً مثل السعالي خمسا

    يأكلن ما في رحلهن همسا لا ترك الله لهن ضرسا

    (أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يغدوا إلى مصلاهم)، الغدو هو الذهاب، لكن هل أي ذهاب أو ذهاب في وقت معلوم؟

    الذهاب أول النهار يسمى غدواً، وبعد الزوال يسمى الرواح، نحن عندنا في لغتنا ولهجتنا الشعبية الرواح مطلق، وأين فلان؟ تقول: راح، سواء كان في الصباح أو في المساء، لكن الغدو لا يستخدم عندنا إطلاقاً، ما تقول: (غدا) إلا إذا ضاع، غدا يعني: ضاع لا ندري أين هو، بينما في اللغة الغدو غالباً يطلق على الذهاب أول النهار، والرواح الذهاب آخر النهار.

    أما المصلى، أمرهم أن يغدوا إلى مصلاهم، فالمقصود هنا: مصلى العيد، وقد كان، يعني: النبي صلى الله عليه وسلم له مصلى يصلي فيه العيد على ما هو معروف.

    قضاء صلاة العيد بعد فوات وقتها

    الحديث فيه مسألة مهمة، وهي مسألة: قضاء صلاة العيد إذا فاتت، يعني: لم يعلموا بالعيد إلا بعد فوات وقته، فكيف يصنعون؟ هل يقضون أو تكون فاتت وسقطت عنهم؟

    القول الأول: أنهم يقضون صلاة العيد في اليوم الثاني كما في هذا الحديث، فإذا كان من الغد وجاء وقت صلاة العيد، يعني: متى وقت صلاة العيد؟

    بعد ارتفاع الشمس قدر رمح، يعني: بعد عشر دقائق من بزوغ الشمس تقريباً، يبدأ وقت صلاة العيد؛ لأن ما قبله وقت نهي، فإذا كان من الغد صلوا صلاة العيد، ذهبوا إلى المسجد وصلوها، هذا هو القول الأول وهو مذهب أبي حنيفة، وأحمد، وقول عن الإمام الشافعي، ومذهب الظاهرية.

    وهذا نستطيع أيضاً أن نقول -رداً عليك يا مهنا - إنه مذهب الأكثرين.

    حجتهم حديث الباب، وحديث الباب صحيح كما قلنا، وسردنا من صححه، ودلالته على هذا الموضوع واضحة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم عندما لم يعلموا بذلك إلا بعد الزوال أمرهم إذا كان من الغد أن يغدوا إلى مصلاهم ويصلوا صلاة العيد، فهو نص في المسألة.

    أيضاً من الأدلة على هذا القول: الحديث المتفق عليه المعروف: ( من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك )، فهذا دليل على أن الإنسان إذا فاتته الصلاة لنوم أو نسيان أنه يقضيها، فإذا كان فواتها لعارض آخر خارج عن إرادته كانت أولى بالقضاء، فتقضى صلاة العيد.

    الأمر الثالث: أن صلاة العيد خير أمر الله تعالى به، فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ [الكوثر:2]، والله سبحانه وتعالى يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمُ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ [الحج:77]، فقالوا: هذا خير لا يفوت، فيصلون صلاة العيد من الغد، هذا القول الأول.

    القول الثاني: أنها لا تصلى إذا فات وقتها وهو اليوم الأول، فتسقط عنهم حينئذٍ وهذا قول مالك رحمه الله وأحد القولين في مذهب الشافعي .

    ما هي حجتهم على ترك صلاة العيد؟ قالوا:

    أولاً: أن هذه صلاة مؤقتة خرج وقتها، و الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا [النساء:103]، ووقتها هو يوم العيد فهي مرتبطة بسبب معين، وسببها هو العيد، فقد ذهب السبب فلا تصلى حينئذٍ لفوات محلها.

    ثانياً: احتجوا بالجمعة، وقالوا: إنه لو فاتته صلاة الجمعة أو لم يأت خطيب فإنهم حينئذٍ لا يصلون جمعة.

    والجواب: أن الجمعة إنما شرعت بدلاً عن صلاة الظهر، فإذا زالت الجمعة لعارض رجع الناس إلى الأصل وهو الظهر بخلاف العيد.

    وأما خروج الوقت فنحن نقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم شرع لنا وقتاً إضافياً وهو اليوم الثاني، وأن يكون أداء العيد في اليوم الثاني أداء أو قضاء؟

    الأقرب أن يكون أداء.

    فوائد الحديث

    الحديث أيضاً فيه فوائد، منها:

    أن العبرة بدخول الشهر وخروجه بالرؤية، وهذا معروف وجاء فيه أحاديث كثيرة جداً، منها حديث ابن عمر : ( صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته )، فهو دليل على أن العبرة في دخول الشهر وخروجه بالرؤية، وهذا مذهب الجمهور، لكن أي رؤية؟

    اليوم الناس في كل بلد لهم رؤية، وتجد أهل البلد الواحد منهم الصائم ومنهم المفطر، ولذلك وقع للناس ارتباك عظيم خصوصاً في الأمصار الأخرى، وفي بلاد أوروبا جاليات إسلامية في المسجد الواحد جماعات، هذا مفطر للعيد وهذا صائم تكملة رمضان، وهذا من أبشع وأسوأ ما يصيب الناس، وهذا العجيب العجيب فعلاً أننا نقرأ الآن حديث: (الصوم يوم يصوم الناس، الفطر يوم يفطر الناس)، ونتكلم عن قضية الاجتماع والتواضع بين الناس، ثم تجد أن هذا العيد الذي شرع لتحقيق معاني الاتحاد بين المسلمين، يكون فرصة لتحقيق الاختلاف والتناحر في المسجد الواحد والمركز الواحد والبيت الواحد، وصراعات لا أول لها ولا آخر.

    منهم من يصوم بحسب الحساب، ومنهم من يصوم برؤية خاصة، ومنهم من يصوم بحسب البلد الذي جاء منه؛ قد يكون جاء من المغرب أو من مصر أو من موريتانيا، ومنهم من يصوم بحسب تقويم السعودية ؛ لأن فيها مكة وهي أم القرى، فيصبحون أحياناً أربع مجموعات.

    وهذا في الحقيقة عار علينا نحن المسلمين.

    وأنا أقول: يجب على كل ذي عقل رشيد من الأمة، سواءً كان من العلماء أو من الدعاة أو المسئولين أو غيرهم، أن يكون هناك سعي حثيث لتوحيد الصوم والفطر في العالم الإسلامي كله، ولا شيء يمنع من هذا أبداً، فإذا رآه أهل بلد ألزم الناس كلهم بالصوم -وهذا أحد الأقوال- بحيث تتحقق وحدة العالم الإسلامي على أقل تقدير في رؤية الهلال والعيد ودخول رمضان، وما أشبه ذلك.

    أما الفوضى التي تحصل، وكل سنة تجد أنه ممكن أهل بلدين يستحيل أن تكون الرؤيا مختلفة عندهم، ومع ذلك هؤلاء صائمون وهؤلاء مفطرون، ويكون هناك أحياناً تداخلات سياسية وتقاطعات وإشكالات كبيرة، فهذا أمر محزن جداً.

    ولذلك أنا أقوال استطراداً لهذا الحديث وإن كنت أقول بالرؤية، إلا أنني أقول: إن اتفاق الناس مطلب، ولو اتفق الناس على الحساب في بلد معين وجب اتباعهم وطرح الرؤية، يعني: لو أنك في بلد معين، هب أنك في مصر، ومصر لا ينظرون الرؤية وإنما يعملون بالحساب مثلاً، وأعلنوا دخول الشهر أو خروجه، لا يجوز لك أن تشذ عنهم، بل يجب أن تأخذ بما هم عليه.

    وهكذا لو كان الإنسان في بلد.

    ولو أجمع المسلمون أو حكوماتهم على اعتماد الرؤية لكان ذلك خيراً وحسناً وأفضل، وإن لم يجمعوا وأجمعوا على الحساب وجب على الناس أن يتفقوا على هذا.

    وأرى أن من شر ما يقع فيه المسلمون هو الشتات الذي هم فيه الآن، والذي لا يعتمد على رؤية ولا يعتمد على حساب، وإنما يعتمد في الغالب على الولاية السياسية وإعلانها، بعض الولايات تنظر إلى الرؤية كما في حال المملكة ودول الخليج، وبعضها تعتمد على الحساب كما في دول أخرى، والخلاف قائم عند الجميع.

    قد تكون أحياناً منطقة مشتركة بين بلدين، مثلاً: عمان والإمارات، مدينة العين مدينة واحدة نصفها تابع للإمارات والنصف الثاني تابع لـعمان ليس بينها إلا شارع وأنا قد أتيت هذه المدينة ورأيتها، تدخل فلا تعرف أنك خرجت، لكن إذا جاء الصوم سيكون هؤلاء تبعاً لدولتهم وهؤلاء تبعاً لدولتهم.

    الفائدة الثانية أيضاً: أن قيام الحجة هو حين بلوغها، كما هو واضح في الحديث، أما إذا لم يبلغ الإنسان أمر شرعي أمر به أو نهي نهى عنه فإنه لا يحاسب حتى تبلغه، وهكذا ما يتعلق بالصوم، وما يتعلق بالفطر وغيرها، ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يفطروا لما بلغت الشهادة وأن يصوموا من الغد.

    الفائدة الثالثة: وجوب الفطر على من أصبح صائماً إذا علم بأن اليوم ليس من رمضان.

    الفائدة الرابعة: قضاء صلاة العيد -سواءً سميناه قضاءً أو أداءً- في اليوم الثاني، وهذا الذي حصل وذكر في الحديث كان في عيد الفطر ولكن الفقهاء قاسوا عليه، القائلون به قاسوا عليه صلاة عيد الأضحى أيضاً، فإذا فاتهم العيد صلوها في اليوم الذي بعده.

    بل أقول: إن صلاتها في اليوم الذي بعده في الأضحى أولى من عيد الفطر؛ لأنه ورد النص على أن أيام التشريق عيدنا أهل الإسلام.

    1.   

    شرح حديثي الأكل يوم العيد قبل الخروج للصلاة

    الحديث الذي بعده: (487) عن أنس رضي الله عنه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات )، والحديث رواه البخاري .

    قال المصنف: وفي رواية معلقة ووصلها أحمد : ( ويأكلهن أفراداً ).

    الحديث رواه البخاري في العيدين باب الأكل يوم الفطر قبل الخروج، ورواه الترمذي أيضاً مثل ذلك في العيدين باب الأكل قبل الخروج، ورواه ابن ماجة في الصيام باب الأكل قبل الخروج، وأخرجه الإمام أحمد في مسنده والدارقطني والبيهقي وابن خزيمة في صحيحه وغيرهم، وهو مثل الحديث الذي بعده، فننتقل إليه حتى نشرحهما معاً.

    الحديث: (488) عن ابن بريدة عن أبيه رضي الله عنه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يخرج يوم الفطر حتى يطعم، ولا يطعم يوم الأضحى حتى يصلي )، رواه أحمد والترمذي وصححه ابن حبان .

    رواه أحمد في مسنده، رواه أيضاً الترمذي في الباب السابق الذي هو العيدين، الأكل يوم الفطر، وابن ماجة أيضاً في الباب السابق في الصيام، باب الأكل في يوم الفطر.

    وأخرجه أيضاً غير من ذكر المصنف الإمام أحمد وابن خزيمة والدارقطني والحاكم في مستدركه وقال: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي وابن حبان في صحيحه، والطبراني والطيالسي، وابن المنذر وغيرهم.

    الحكم على الحديثين

    وبناءً على ذلك هذا التخريج نستطيع أن نقول:

    الحديث الأول: أخرجه البخاري فلا حاجة إلى التطويل بتصحيحه الذي هو حديث أنس، لكن حديث ابن بريدة رضي الله عنه نقول: بناءً على هذا التخريج صححه ابن خزيمة ؛ لأنه خرجه وصححه الحاكم والذهبي أيضاً، وصححه ابن حبان، وكذلك النووي قال: بأسانيد صحيحة.

    المصنف هنا قال في الحديث الأول: وفي رواية معلقة ووصلها أحمد : ( ويأكلهن أفراداً )، هذه الحقيقة رواية ليست في البخاري بهذا اللفظ وليست عند أحمد، وإنما المصنف رحمه الله كأنه ذكرها بالمعنى، وإنما الذي في البخاري : ( ويأكلهن وتراً )، فكأن المصنف التبس عليه، أو أنه رواها بالمعنى.

    قول المصنف: (وفي رواية معلقة)، معنى التعليق، سبق أنه مر معنا كثيراً، التعليق هذا عند البخاري رحمه الله، في صحيح البخاري، البخاري أصح الكتب يذكر الحديث بالإسناد، فإذا لم يذكر البخاري شيخه في الإسناد أو لم يذكر شيخه وشيخ شيخه، أو ألغى الإسناد واكتفى بالصحابي مثلاً، أو اكتفى بـ(قال النبي صلى الله عليه وسلم) سمي معلقاً؛ لأنه مقطوع من أعلى السند مما يلي البخاري .

    هذا هو المعلق، وغالباً ما يكون هذا في صدر الترجمة، يعني: في أول الباب وقال فلان، وقال فلان، أو يذكر عن فلان، أو ويذكر فلاناً، أو وذكر فلاناً، هذه تسمى المعلقات.

    وقد صنف فيها الحافظ ابن حجر كتاباً مطبوعاً في خمس مجلدات اسمه: تغليق التعليق، (تغليق) يعني: كمل الأحاديث المعلقة، بحيث إنه يخرج كل الأحاديث المعلقة، ويذكر من خرجها والحكم عليها إلى غير ذلك.

    طبعاً عندما يقال: الحديث معلق في صحيح البخاري، معناه: أنه ليس على شرطه إلا أن يكون ذكره في موضع آخر متصلاً بالإسناد.

    شواهد الحديثين

    هذان الحديثان المذكوران في الأكل في الفطر قبل الخروج، وفي الأضحى بعد الرجوع من الصلاة، لها شواهد كثيرة عن علي بن أبي طالب وأبي سعيد الخدري وابن عباس وابن عمر لا نطيل بسردها.

    ترجمة رواي الحديث

    راوي الحديث هو بريدة باسم البلد الذي أنتم فيه، وبريدة اسمه أبو عبد الله ويقال: أبو سهل، ويقال: أبو الحصيب، يعني: بريدة بن الحصيب، واختلف في كنيته على أقوال، وقد أسلم زمن الهجرة، يقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم مر به وقت الهجرة فعرض عليه الإسلام فأسلم، وقد شهد خيبر مع النبي صلى الله عليه وسلم وأبلى فيها بلاءً حسناً، وشهد فتح مكة أيضاً مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومات بـخراسان -بلاد من بلاد المشرق- سنة ثلاث وستين للهجرة، وهو آخر من مات بها من الصحابة رضي الله عنهم.

    معاني ألفاظ الحديثين

    الفقرة الثالثة في الحديث: ما يتعلق بالألفاظ والمفردات:

    قوله: (لا يغدو) هذا سبق معنا، أي: لا يذهب أول النهار.

    وقوله: (تمرات) جمع تمرة، وأنتم أهل التمر تعرفون أن التمر يمر بأربع مراحل: أول ما يكون بلح، وهذا ما دام أخضر، ثم إذا بدأ يصفر أو يحمر ويميل إلى النضج نسميه بسر، ثم إذا نضج نسميه رطب، ثم إذا يبس وطال عليه الوقت وصار مثل الزبيب بالنسبة للعنب هنا يسمى تمراً، هنا يسمى تمراً.

    الأكل قبل صلاة عيد الفطر وبعد صلاة عيد الأضحى

    الفقرة الثالثة في الحديث: مسألة الأكل قبل الصلاة أو بعد الصلاة، يعني: قبل الصلاة في عيد الفطر وبعد الصلاة في عيد الأضحى، هذه سنة مستحبة عند الأكثرين من أهل العلم، بل قال ابن قدامة : لا أعلم فيه خلافاً بين أهل العلم.

    وقد صح هذا المعنى كما قلنا: عن علي بن أبي طالب، وابن عباس وغيرهم، وبه قال الإمام مالك، والشافعي، وأحمد وسواهم: أنه يستحب له أن يأكل تمرات أو غيرها قبل أن يذهب لصلاة العيد في عيد الفطر، وأن يكون أكله في الأضحى بعد رجوعه من الصلاة.

    وقد روي عن ابن مسعود رضي الله عنه والنخعي التخيير في ذلك، يعني: كأنهم خيروا فيه أو وسعوا فيه أو لم يروه سنة، والله أعلم.

    الدليل على مشروعية هذا الفعل:

    أولاً: حديث الباب حديث أنس رضي الله عنه وهو صريح.

    الثاني: حديث بريدة .

    الثالث: الآثار التي ذكرناها عن ابن عباس عند الدارقطني وعن أبي سعيد عند الإمام أحمد في المسند، وعن جابر بن سمرة عند البزار وغيرهم.

    الحكمة من هذا الأكل بالنسبة للأكل قبل عيد الفطر، فالحكمة والله أعلم من ذلك المبادرة في الفطر وتمييز يوم العيد عن بقية الأيام، وأما في عيد الأضحى فإن الحكمة المبادرة في الصلاة وتأخير الأكل حتى يأكل من أضحيته، فيكون فيه مبادرة بذبح الأضحية والعمل فيها، هذا قاله جمع من أهل العلم وإن لم يكن ورد نص في تحديد الحكمة.

    وبعضهم قال: إنه يستحب أن يأكل تمراً، وهذا ورد النص فيه في الحديث، ولذلك نقل عن ابن سيرين ومعاوية بن قرة أنهم قالوا: إما أن يأكل تمراً أو يأكل شيئاً حلواً كالعسل أو غيره.

    قال بعضهم: إن المقصود من الأكل هو أكل الشيء الحلو؛ لأنه أنفع للجسد والبدن وإعطاء القوة، والله تعالى أعلم.

    فوائد الحديثين

    من فوائد الحديث: استحباب الأكل في عيد الفطر قبل الذهاب إلى الصلاة، واستحباب الأكل في عيد الأضحى بعد الرجوع من الصلاة.

    وقد نقول: من فوائد الحديث وإن لم يكن نصاً: استحباب أن تعجل صلاة عيد الأضحى أكثر مما تعجل صلاة عيد الفطر، هذا يفهم بالإشارة وإن لم يكن فيه نص.

    وفيه استحباب أن يكون الأكل أفراداً، أن يأكلها وتراً، يعني: واحدة أو ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً، ( والله تعالى وتر يحب الوتر ).

    فيه المبادرة إلى فعل الخيرات.

    وفيه أيضاً أن الشرع جاء بالفصل بين العبادات وغيرها، وبين الواجبات والسنن، ولهذا سبق أن ذكرنا مثلاً الفصل بين الفريضة والنافلة بأن يتكلم أو يغير مكانه أو يخرج، وهكذا الفصل بين الصوم والفطر، ولهذا حرم النبي صلى الله عليه وسلم صوم يوم العيد، وهكذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يوصل صوم بصوم.

    1.   

    شرح حديث: (أمرنا أن نخرج العواتق والحيض في العيدين..)

    الحديث الذي بعده وهو حديث أم عطية رضي الله عنها قالت: ( أمرنا أن نخرج العواتق والحيض في العيدين يشهدن الخير ودعوة المسلمين، ويعتزل الحيض المصلى )، يقول المؤلف رحمه الله: متفق عليه.

    تخريج الحديث

    أولاً: ما يتعلق بتخريجه، فقد رواه البخاري في أبواب العيدين، باب خروج النساء، ورواه مسلم أيضاً في العيدين، باب إباحة خروج النساء.

    وتلاحظ هنا كلمة (إباحة) وهذا التبويب في مسلم من الإمام النووي رحمه الله, فهو يذكر مذهبه في الباب وإلا فالحديث ليس فيه إباحة وإنما فيه أمر، ( أمرنا ).

    كذلك أبو داود أخرجه في الصلاة، خروج النساء في العيد، والنسائي في العيدين، باب خروج العواتق، وابن ماجة في الصلاة، باب خروج النساء، وقد رواه الإمام أحمد، والبيهقي، والطبراني، وغيرهم.

    ترجمة راوية الحديث

    ثانياً: راوية الحديث أم عطية، هذه كنيتها، واسمها نسيبة بنت كعب المازنية، ونسيبة ضبطها أهل الأنساب بالوجهين بالتصغير نُسيبة وبالفتح نَسيبة، وأجد الناس اليوم منهم من يسمي نسيبة، ومنهم من يسمي نسيبة وذلك واسع.

    نسيبة رضي الله عنها صحابية كبيرة، كانت تغزو مع الرسول صلى الله عليه وسلم تسقي العطشى وتداوي الجرحى وتعين في مهمات مساندة كثيرة، ولها في ذلك مواقف مشهورة مشهودة .

    وقد روى لها الأئمة الستة في كتبهم، ومن أشهر الروايات عنها هذا الحديث، فهو مشهور عنها، وكذلك حديث: ( نهينا عن اتباع الجنائز ولم يعزم علينا ).

    وأشهر منهما: أنها شهدت غسل بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووصفت وأتقنت وضبطت صفة الغسل، فصار الناس يتلقونه عنها ويأخذونه منها.

    معاني ألفاظ الحديث

    ثالثاً: ما يتعلق بمفردات الحديث:

    (أمرنا) من الآمر هنا؟ يقيناً هو النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فذلك له حكم المرفوع؛ لأنه إذا أطلق الأمر فإنما ينسب إليه عليه الصلاة والسلام فهذا مما له حكم الرفع كما يقول العلماء.

    (أن نخرج في العيدين) ما معنى نخرجهم، بالقوة يعني نأمرهم بالخروج، ونهيئهم له ونحثهم عليه.

    (العواتق) جمع عاتق، مثل: حيض جمع حائض، فعاتق وحائض وبالغ وحامل كل هذه وإن كانت للمؤنث إلا أنها تنطق بلفظ المذكر .

    والمقصود بالعاتق هي المرأة التي بلغت، كل من قارب شيئاً -قاربت تمامه- يقال: عاتق، فالمرأة العاتق يعني: التي بلغت أو قاربت البلوغ.

    (والحيض) جمع مفرده حائض، هي التي أصابها الحيض، والمقصود هنا بالحيض غير العواتق؛ لأن العاتق قد حاضت ولكنها الآن طاهرة، بينما (الحيض) التي هي مصابة الآن بالحيض بحيث لا تصلي؛ لأنها حائض، ومع ذلك أمروا الحيض وقت الحيض أن يخرجن مع الناس.

    قالت: (يشهدن الخير) معنى (يشهدن): يحضرن، وهذا كثير في القرآن، يقدم لفظ الشهادة والشهود بمعنى الحضور: وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ [الفرقان:72]، فالمقصود: أن الشهود أحياناً من معانيه الحضور، فيشهدن الخير، يعني: يحضرن الخير، ما المقصود بالخير هنا؟

    مداخلة:...

    الشيخ: الخطبة، هذا من الخير، وسماع الخطبة، وأيضاً؟

    مداخلة: الدعاء.

    الشيخ: الدعاء، وفضل الاجتماع والبركة، هذا كله من الخير الذي تشهده الحائض وإن كانت لا تصلي.

    (ودعوة المسلمين) يعني: يحتمل أن يقصد بالدعوة نداء المسلمين، وإن كان العيد ليس له نداء كما هو معروف، لكن معروف أن هناك دعوة شرعية، يعني: أن الله دعا المسلمين إلى الصلاة والمجيء إليها، ويجوز أن يكون المقصود بدعوة المسلمين دعاء المسلمين، إن الاجتماع يكون معه دعاء، الخطيب يدعو والناس يؤمنون، وكل أحد يدعو لنفسه ولأخيه فيكون ذلك بركة للحائض وغير الحائض.

    (ويعتزل الحيض المصلى) أما يعتزل يعني: يتجنبن ويبتعدن.

    يا بيت عاتكة التي أتعزل حذر العدا وبه الفؤاد موكل

    إني لأمنحك الصدود وإنني قسماً إليك مع الصدود لأميل

    هذا معنى (يعتزل) يعني: يبتعد أو يتجنب.

    والمقصود بالمصلى (يعتزل الحيض المصلى) إما أن يكون المقصود يعتزلن الصلاة، فلا يصلين، وهذا واضح، أو أن يكون المقصود يعتزلن المصلى، يعني: الصفوف حتى لا تقطع الحائض استمرار الصف، فتكون الحيض خلف الناس أو عن اليمين أو عن الشمال ولا يكن بين المصليات، ولا يلزم من ذلك أن يكن خارج مكان صلاة العيد كما يظنه البعض، بل يكن مع النساء ولكن لا يقطعن صفوف المصلين.

    حكم صلاة العيد على الرجال

    النقطة الرابعة: ما يتعلق بصلاة العيد، صلاة العيد عندنا هنا مسألتان:

    المسألة الأولى: حكم صلاة العيد على الناس، يعني: على الرجال وغيرهم، فيها ثلاثة أقوال تقريباً:

    القول الأول: أن صلاة العيد واجبة على كل أحد، يعني: وجوباً عينياً، وهذا مذهب أبي حنيفة، واختاره الإمام ابن تيمية رحمه الله، وابن القيم، والسعدي، والشيخ ابن عثيمين، وافقوا أبا حنيفة على اختياره أن صلاة العيد واجبة على الأعيان، وأبو حنيفة لا يقول: فرض؛ لأن الحنفية يفرقون بين الفرض وبين الواجب، الفرض عندهم أقوى من الواجب، لكنهم يصرحون بأن صلاة العيد واجبة.

    ما هو الدليل على وجوب صلاة العيد؟

    أولاً: قصة ابن أنس أبي عمير مع عمومة له من الأنصار: ( حيث أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلوا من الغد )، قال: (أمرهم) والأمر يقتضي الوجوب، فهذا دليل على وجوب صلاة العيد.

    الأمر الثاني: حديث أم عطية، ( أمرنا )، هذا أمر وهو من النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا أمر العواتق والحيض بالخروج فكيف بالرجال، هم أولى بأن يؤمروا وأن يوجب عليهم ذلك.

    الدليل الثالث: من القرآن قوله سبحانه: فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ [الكوثر:2]، قالوا: المقصود هنا بالصلاة صلاة العيد، والنحر هو ذبح الأضاحي، وهذا لو صح فهو دليل أيضاً؛ لأنه أمر الله تعالى فيه بالصلاة.

    ومثله قوله سبحانه أيضاً في العيد: وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ [البقرة:185]، يعني: كبروا الله على ما هداكم، وقالوا: إن التكبير هو صلاة العيد؛ لأن فيها تكبيراً زائداً إضافياً.

    كذلك: ما ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم أخرج أهله في صلاة العيدين، وهذا جاء عن ابن عباس وجابر من طرق، لكن كلها ضعيفة.

    إذاً: هذا هو القول الأول، والحقيقة عندما تنظر في أدلته تجد أن الأدلة فيها قوة، وهو القول بأن صلاة العيد واجبة على الأعيان.

    القول الثاني: أنها فرض كفاية، وهذا قول الحنابلة، وبه نقول: إن صلاة العيد فرض كفاية، يعني: يجب أن تقام صلاة العيد لكنها لا تتعلق بالأعيان، أما كونها فرضاً فللأدلة السابقة التي تدل على آكديتها، أما كونها ليست واجبة على الأعيان، فلمثل قول النبي صلى الله عليه وسلم لما قال له رجل: ( هل عليَّ غيرها؟ قال: لا، إلا أن تطوع )، فبين النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يجب عليه إلا الصلوات الخمس.

    وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه أحمد وأهل السنن وهو صحيح: ( خمس صلوات كتبهن الله على العباد )، إلى آخر الحديث.

    فبين أن المكتوب على الناس خمس وليس أكثر، وهذه أصول جيدة قوية، تدل على أن ما زاد عن الصلوات الخمس، فلا وجوب له لا تحية مسجد ولا صلاة عيد ولا غيرها، وإنما قد يقال: بالتأكيد وليس بالوجوب.

    إذاً: القول الثاني: أن صلاة العيد فرض كفاية، وهو مذهب الحنابلة، وهو الأقوى عندنا؛ لأن فيه جمعاً بين الأدلة.

    القول الثالث: أنها سنة، وهذا مذهب مالك والشافعي وابن حزم وغيرهم، والأدلة على السنية عندهم مشهورة معروفة.

    منها مثلاً: ما ذكرناه قبل قليل: ( هل عليَّ غيرها؟ )، قالوا: هذا دليل على أنها لا تجب، ومنها حديث خمس صلوات.

    وأيضاً: مما استدلوا به على السنية وهو استدلال لطيف قالوا: إن صلاة العيد ليس لها أذان، والنبي صلى الله عليه وسلم أمر باتباع المنادي، فلو كانت العيد واجبة لكان النداء لها واجباً.

    حكم صلاة العيد على النساء

    المسألة الثانية: حكم العيد على النساء، الذي هو حديث الباب حديث أم عطية، وهذه ذكر العلماء فيها تقريباً ستة أقوال:

    منها: القول بأن هذا الحكم منسوخ، وهذا قال به الطحاوي .

    والواقع أنه لا دليل عليه؛ لأن أم عطية كانت تقول بذلك وتفتي به بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والصحابة كانوا يفعلونه من غير نكير، فلا يصح القول بالنسخ ولا دليل عليه أصلاً، ولم يبين الإمام الطحاوي رحمه الله أو غيره ما هو الناسخ لهذا الحديث.

    ومن ذلك: القول بأن الخروج مكروه، وهذا مذهب الإمام مالك، ولا حجة فيه إلا القول بخشية الفتنة من المرأة أو الفتنة بها.

    ومثل ذلك: التفرقة بين الشابة وغيرها، وهذا هو المشهور عند الشافعية، وذكره النووي وغيره، وقالوا: إن الشابة يخشى عليها الفتنة فلا تخرج، والمتجالة أو الكبيرة تخرج.

    الإمام أحمد رحمه الله قال بالإباحة، قال: بأن خروج المرأة مباح ليس أكثر، أو جائز.

    القول الخامس: وهو أيضاً قول عند الشافعي، أن خروج النساء للعيد سنة، واستدلوا: بأحاديث الباب.

    والقول السادس: أن خروج النساء واجب، وهذا نقل عن الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم وأرضاهم.

    والذي أراه: أن خروج النساء للعيد مثل خروج الرجال مأمور به، مستحب، وأما الفتنة فالمرأة عليها أن تخرج متسترة كما تخرج للصلاة، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن منع إماء الله من مساجد الله، وتخرج المرأة لحاجتها، كأن تجد نخلاً، كما قال: (اخرجي فجدي نخلكِ )، أو تسقي زرعاً، أو تحلب ضرعاً، أو ما أشبه ذلك، فهي تخرج كما أمرها الله سبحانه وتعالى بالستر والعفاف.

    وهذه النصوص واضحة وصريحة، يعني: إخراج النساء والأمر بذلك نصاً، وإخراج الحيض وإخراج العواتق والنص عليهن، هذا دليل على أنه ينبغي أن تخرج النساء للعيد.

    وأنا أقول بالمناسبة: إن هذا الموضوع ربما في وقت من الأوقات يحصل فتن في بعض البلاد، أو يختل الأمن، أو يكون هناك نوع من الجراءة، أو ما أشبه ذلك.

    لكن اليوم إذا كانت المرأة لا تخرج لصلاة العيد، ولا تخرج للجمعة، ولا تخرج للمحاضرة، هل يعني ذلك زوال الفتنة؟ لا، زيادة الفتنة؛ لأن الشر دخل عليها في بيتها، فالتي لا تخرج جاءها حقها في بيتها؛ من وسائل البث والقنوات الفضائية والإنترنت والجوال وغير ذلك، فأصبح خروج المرأة للخير، للمحاضرة، للدرس، للخطبة، للصلاة، أصبح سبب خير يحفظ الله تعالى به دين النساء وإيمانهن.

    حكم مكث الحائض في المسجد والأقوال في ذلك

    توجد مسألة ثانية أيضاً ولها علاقة بهذا الموضوع، وهي مسألة: مكث الحائض في المسجد، لقوله: ( أمر الحيض أن يعتزلن المصلى )، وهذه المسألة أدخلتها هنا خشية ألا يأتي لها مناسبة فتضيع علينا.

    مكث الحائض في المسجد هل تمكث؟ هل تدخل المسجد أو لا تدخل؟

    في المسألة أيضاً قولان:

    القول الأول: عدم جواز دخول الحائض ومكثها في المسجد وأدلته

    الأول: وهو قول الجمهور بما في ذلك أبو حنيفة : أن الحائض لا تمكث في المسجد، وأنه لا يجوز لها دخوله.

    واستدلوا أولاً بحديث الباب: ( وأمر الحيض أن يعتزلن المصلى )، وهذا الاستدلال فيه نظر؛ لأننا بينا ما معنى اعتزال المصلى.

    ومن أدلتهم أيضاً: حديث ( لا أحل المسجد لحائض ولا جنب ) وهو حديث ضعيف سبق أن بينا ضعفه.

    ومن أدلتهم: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج رأسه إلى عائشة وهو مجاور أو معتكف، فترجله وهي حائض في بيتها أو غرفتها.

    وقالوا: هذا دليل على أنها لا تخرج إلى المسجد، وهذا أيضاً لا دليل فيه؛ لأنه قد يكون النبي صلى الله عليه وسلم لكثرة حاجته إلى الترجيل يفعل ذلك من باب التسهيل، وأيضاً خروجها إلى المسجد وما فيه من الناس. هذا القول الأول.

    القول الثاني: جواز دخول الحائض المسجد إذا أمنت تلويثه وأدلته

    القول الثاني: أنه يجوز للمرأة الحائض دخول المسجد إذا أمنت تلويثه، مثل أن تكون متحفظة، أو يكون الحيض شيئاً يسيراً، يعني: لا يصل إلى المكان الذي هي فيه، وهذا مذهب داود الظاهري، وابن حزم، والمزني، واختاره جماعة من المحققين، وبه أقول: أنه يجوز للمرأة الحائض دخول المسجد والمكث فيه إذا أمنت تلويثه، سواءً كان ذلك المسجد الحرام أو المساجد العادية، وهذا القول ينفع كثيراً للحجاج والمعتمرين وغيرهم الذين تكون معهم النساء ولا يعرفون كيف يصنعون بها.

    الأدلة على ذلك:

    أولاً: براءة الذمة؛ لأن الأصل جوازه، وما لم يوجد دليل قوي على منع المرأة فإن الأصل أنه يجوز لها أن تدخل المسجد، والبراءة الأصلية حجة قوية في حالة ضعف الأدلة .

    الأمر الثاني: قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة في البخاري وغيره: ( إن المؤمن لا ينجس )، فهذا دليل على أن المرأة المؤمنة المسلمة ولو كانت حائضاً فهي غير نجسة، وبالتالي يجوز لها دخول وغشيان المساجد.

    الدليل الثالث: ما في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـعائشة وهي في غرفتها: ( ناوليني الخمرة -وهي مثل المصلى يفترشه النبي صلى الله عليه وسلم ويصلي عليه-، فقالت له: يا رسول الله! إني حائض، قال: إن حيضتكِ ليست في يدكِ )، فهذا دليل على أن الحيضة ليست في يدها، وأنه يجوز لها أن تدخل، وأن العبرة فقط بعدم وصول الدم والنجاسة إلى المسجد.

    الدليل الرابع: وهو أيضاً قوي، ما في صحيح البخاري في قصة المرأة التي أسلمت، ثم جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكان لها قصة مشهورة:

    لما جاءت الحدأة وخطفت الذهب، فظنوا بها أنها سرقت، ففتشوها حتى فتشوا فرجها، ثم هربت منهم أو خرجت منهم وأسلمت، وكانت تقول: ويوم الحداة؛ لأن الحدأة جاءت بعد ذلك ورمت بالذهب فعرفوا الأمر، فكانت تقول:

    ويوم الوشاح من تعاجيب ربنـا ألا إنه من بلدة الكفر نجاني

    المهم أن هذه المرأة كان لها مكان في المسجد خباء كانت تبيت فيه وتجلس فيه، ومعلوم أن المرأة يعتريها ما يعتري غيرها من الحيض، ولم ينقل أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن تخرج من المسجد حال حيضها.

    الدليل الخامس: ما سبق معنا في الصحيح من ربط ثمامة بن أثال في المسجد وكان مشركاً، والله عز وجل قال: إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ [التوبة:28]، فإذا ربط الكافر الأسير في المسجد فالمرأة المسلمة من باب أولى.

    فوائد الحديث

    في الحديث فوائد نختم بها:

    أولاً: آكدية صلاة العيد، وشدة استحبابها، حتى قال بعض أهل العلم بوجوبها لأمر النساء بذلك.

    ثانياً: أن من الخير الاجتماع على صلاة العيد، وعلى المناسبات وسواها (يشهدن الخير).

    الأمر الثالث: مشروعية الدعاء في صلاة العيد ويوم العيد.

    الأمر الرابع: اعتزال الحيض للمصلى وكيف يكون.

    الأمر الخامس: تقديم المصلحة الراجحة على المفسدة المرجوحة في خروج النساء كما ذكرنا، فإن خروج النساء وإن كان يقع فيه مفاسد من بعض الفساق والسفهاء، إلا أن المصلحة الأعظم بسماع الخطبة والموعظة وغير ذلك أفضل.

    1.   

    الأسئلة

    مشاهدة الأخبار التي فيها موسيقى

    السؤال: ما حكم مشاهدة الأخبار علماً بأن فيها موسيقى؟

    الجواب: مشاهدة الأخبار تجوز، وسماع الموسيقى لا يجوز، والباقي عليك.

    قياس الحائض على الجنب في المنع من المكث في المسجد

    السؤال: يقول: ألا تقاس الحائض بالجنب؟

    الجواب: لا، لا تقاس الحائض بالجنب؛ لأن الجنب يستطيع أن يزيل نجاسته بالغسل، بينما الحائض ليست حيضتها في يدها.

    أيهما أقوى الشهادة أم الخبر؟

    السؤال: لماذا الشهادة أقوى من الخبر؟

    الجواب: لأنها غالباً تكون عند جهة معتبرة لإمضاء هذه الشهادة.

    حكم شراء أسهم شركة الكهرباء لأجل المال

    السؤال: حكم شراء أسهم شركة الكهرباء بعضها في الحال لأجل المال، إذا كان لا يجوز فما حكم من اشترى فيها عن جهل؟

    الجواب: لا بأس بذلك، الإخوة الذين يشترون من الراجحي ما يسمى بالتمويل ليس في ذلك حرج.

    حكم صلاة العيد في اليوم الثاني

    السؤال: إذا صليت صلاة العيد في اليوم الثاني، هل يأخذ أحكام العيد من إظهار الفرح واللعب وحرمة الصيام وإخراج زكاة الفطر؟

    الجواب: لا، بالنسبة للفرح نعم، اليوم الأول والثاني تكون كلها عيداً وإنما يصلى فقط، وأما بقية الأحكام فلا يأخذها.

    سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    768030571