الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على خاتم النبيين، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
هذا الدرس رقمه (178)، من أمالي شرح بلوغ المرام في هذه الليلة، ليلة الإثنين (18/صفر/1426هـ).
وأيضاً في هذه الليلة إن شاء الله سنحاول أن نأتي على ما تبقى من الأحاديث في باب صلاة الجمعة؛ لأن غالبها أحاديث إما أن تكون مرت معنا فيما سبق، أو مرت معنا مسائلها، أو هي أحاديث ضعيفة ليس فيها مباحث كثيرة.
فالحديث الأول عندنا هو: حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستغفر للمؤمنين والمؤمنات كل جمعة )، والمصنف رحمه الله خرج هذا الحديث، فقال: رواه البزار بإسناد لين. طبعاً الإسناد اللين معناه أنه ضعيف.
ونحن نسوق هذه العبارات، ونود أن نذكر أن هذه العبارات من أئمة وعلماء وفي مقام الجرح والتعديل، ومعرفة الصحيح والضعيف من حديث الرسول عليه الصلاة والسلام، وليس فيها حجة لأن يتعلم الطالب الجرأة على الناس واستخدام مثل هذه الألفاظ والعبارات في غير محلها:
فشتان ما بين اليزيدين في الندى
فلذلك أنبه إلى أهمية التوقي في العبارات، وكون الإنسان يقرأ مثل هذه الألفاظ لا يعني أنه يجرؤ عليها أو يستخف بها.
إضافة إلى مجموعة من الضعفاء والمجاهيل في الإسناد من أبناء وأحفاد سمرة بن جندب .
فالخلاصة: أن الحديث ليس فقط فيه لين كما قال المصنف، بل هو شديد الضعف، وقد رواه الطبراني أيضاً بالإسناد نفسه، وزاد: ( والمسلمين والمسلمات ).
في خطبة الجمعة؛ لأنها هي التي يسمع بها دعاء الخطيب، بينما لو استغفر له في صلاته لم يكن هذا معلوماً.
وأيضاً: لأن الخطبة محل إجابة كما سبق معنا إحدى الروايات في ساعة الإجابة أنها من حين يدخل الإمام للخطبة إلى أن تقضى الصلاة.
والاستغفار: مأخوذ من الغفر وهو الستر، ومنه المغفر، وهو الذي يلبسه المقاتل ليستر به بدنه، فالغفر إذاً هو الستر، واستعير لمعنى محو الذنوب وإزالة أثرها عن الإنسان.
وقد ذكر ذلك كثير من الفقهاء كالشافعية والمالكية والأحناف في كتبهم: أنه يستحب ويسن أن يدعو الخطيب للمؤمنين والمؤمنات في خطبته، فعلى هذا القول الدعاء لهم حكمه أنه سنة أو مستحب.
ومن أدلتهم: حديث الباب، وهو حديث واه لا يحتج بمثله في الأحكام الشرعية.
ومنها: ما رواه أو ذكره ابن شهاب الزهري بلاغاً، قال: ( بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبدأ فيجلس على المنبر إلى قوله: في الخطبة الثانية استغفر ثم نزل فصلى )، وقوله: (استغفر) يحتمل أن يكون استغفر صلى الله عليه وسلم لنفسه ولغيره كما أمره ربه: وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ [محمد:19]، وهذا الحديث مرسل كما هو واضح قد رواه أبو داود وغيره، وهو من البلاغات المنقطعة التي أيضاً لا تثبت أسانيدها، وابن القيم رحمه الله وغيره من أهل العلم ذكروا هذا مطلقاً دون أن يسوقوا له دليلاً.
إذاً: هذا هو القول الأول أنها سنة أو مشروع.
والواقع أن هذا القول بالسنية يمكن أن يقال: إنه بالاتفاق يشرع للخطيب أن يدعو، فالخطبة من مقاصدها الدعاء، فلذلك الدعاء أن يدعو الخطيب لنفسه ولغيره فالأصل أنه مشروع، ولهذا في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أنه من دعا لقوم ثم خص نفسه دونهم فقد خانهم ).
فمن الطبيعي أن الخطيب إذا دعا سوف يدعو لنفسه وللمؤمنين والمؤمنات، لكن يدعو بجوامع الدعاء، وفرق بين هذا وبين أن يكون هناك تنصيص على صيغة دعاء يقال إنها سنة يستحب أن يحافظ الخطيب عليها، بمعنى: أن يقول مثلاً: اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات بمقتضى هذا الحديث، ولذلك بعضهم ذكر الإجماع كما في الإنصاف وغيره، قال: بلا نزاع، يعني: أصل الدعاء ومشروعيته لعامة المسلمين من غير تحديده أو تقييده بلفظ أو نص.
القول الثاني: أن ذلك ركن في الخطبة، وهذا منقول عن الشافعية يرون أن الدعاء ركن.
والقول بالركنية بعيد جداً؛ لأنه السنية الآن لم تثبت بخصوص هذا الدعاء فكيف نقول بالوجوب أو بالركنية التي لو لم يفعلها الإنسان لبطلت خطبته؟ بل الدعاء كله لا يصح أن يكون ركناً، والمقصود الأصلي في الخطبة هو الذكر والوعظ كما في قوله سبحانه، وكما ذكرنا سابقاً: وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الأعراف:204].
وقد ذكر بعض الشافعية في حجتهم أن هذا هو المنقول أو المأثور عن السلف.
وفي الواقع أنهم لم يذكروا من من السلف يؤثر وينقل عنه القول بالركنية أو التزام هذا الدعاء، وحتى لو أنهم التزموا هذا الدعاء فإنه أبعد ما يكون عن أن يوصف بأنه ركن في الخطبة.
إذاً: القول بالركنية قول بعيد جداً.
والصواب: أنه حتى السنية لا نقول بسنية هذا الدعاء بلفظه، لكن نقول: من سنن الخطبة الدعاء، ومن سنن الدعاء أن يدعو بالجوامع كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل، لنفسه وللمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات .
وهذه مسألة أيضاً خلافية تكلم فيها الأئمة، وممن تكلم فيها الإمام ابن تيمية رحمه الله في منهاج السنة وغيره، والفقهاء في مسألة الدعاء للإمام ولولي الأمر في الخطبة على ثلاثة أقوال:
القول الأول: أن ذلك مستحب، وهذا قول المالكية وبعض الحنابلة، ولذلك قال في المغني: إن دعا الإمام لسلطان المسلمين فحسن، ونقل عن الإمام أحمد رحمه الله أنه كان يقول: لو كان لي دعوة مستجابة لصرفتها إلى السلطان. ولا أدري عن صحة هذا النقل عنه، ولكن ورد عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أنه كان يدعو في الخطبة لـأبي بكر وعمر، وهذا مما ذكره ابن تيمية وغيره، وذكره ابن قدامة في المغني.
وورد أن منهم من أنكر عليه أنه كان يقدم عمر على أبي بكر في دعائه ولم ينكروا عليه أصل الدعاء، فهذا من الأدلة النقلية.
قد يستدل لهم من الناحية العقلية: بأن الدعاء يكون بحسب الأهمية، وصلاح حال ولي الأمر تصلح به حال الأمة كلها، ولذلك كان الدعاء له مهماً لهذا المأخذ.
القول الثاني: أن الدعاء لولي الأمر في خطبة الجمعة جائز، وهذا قول الشافعية واختاره الإمام النووي كما في المجموع، وهو أيضاً المعتمد عند الحنابلة.
وأدلة هؤلاء قالوا: أصل الدعاء لمعين جائز، يعني: لو أنك في صلاة الفريضة مثلاً في السجود ودعوت لفلان أو فلان بأسمائهم لجاز ذلك، ولو دعوت لأحد لا بعينه لكن بوصفه كان جائزاً أيضاً.
ومن دعاء القرآن رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ [إبراهيم:41]، فقالوا: إنه كما يجوز أن تدعو لشخص بعينه، أو تدعو لوالدك، يجوز أن تدعو لولي الأمر في الخطبة.
القول الثالث: أن ذلك غير مشروع، بل قد يصرح بعضهم ببدعيته كما ذكر ذلك الإمام الشاطبي من المالكية وغيره، وهو قول عند بعض الشافعية وبعض المالكية: يرون عدم مشروعية الدعاء للسلطان أو ولي الأمر في الصلاة.
ومن أدلتهم: أثر عن عطاء بن أبي رباح فقيه أهل مكة رحمه الله أنه: قيل له، يعني: عن الذي يدعو به الناس في الخطبة -في وقته يعني- وكان الخطيب يدعو لولي الأمر أو شيء من هذا القبيل، ( فقيل له: هل كان هذا مأثوراً عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: لا. إنما هذا محدث، وإنما كانت خطبة النبي صلى الله عليه وسلم تذكيراً ووعظاً )، فقالوا: إن عطاء وصف هذا الدعاء بأنه محدث، وأثر عطاء عند ابن أبي شيبة والبيهقي والنووي يقول: إسناده صحيح.
وقد يقال: يعترض على كلام عطاء بأنه ثبت الدعاء عن أبي موسى كما ذكرناه قبل قليل، وأنه دعا لـأبي بكر وعمر، فلا يكون الدعاء بذاته محدثاً، وإن كنت سأوضح بعض هذه النقطة.
إذاً المسألة هذه فيها ثلاثة أقوال:
إما أنه: مستحب.
أو أنه: جائز ومباح.
أو أنه: غير مشروع أو مبتدع.
القول الراجح في هذه المسألة:
أولاً: أقول: إنه ينبغي أن تناقش هذه المسألة بهدوء ولا يكون فيها ما هو خارج البحث العلمي؛ لأن كثيراً من الناس لا يدخلون على المسائل باعتدال وإنصاف فلا يصلون إلى الصواب، فيدخل إنسان مثلاً وهو من شدة محبته وولائه لولي الأمر يريد أن يعزز مقامه بكل وسيلة، فيشتد في ذلك حتى إنه ينكر على من لم يدع، وكأن الدعاء لم يعد سنة أو مباحاً، وإنما تحول إلى واجب ينكر على من لم يفعله، وهذا نوع من الدخول على المسائل العلمية بروح غير علمية وغير محايدة.
وفي الطرف الآخر: من الناس من يكون عنده نوع من الكراهية أو الحنق على الحاكم أو السلطان، بحيث إنه لا يحب أن يذكر إلا بالسوء، فإذا وجد من يدعو له تبرم من ذلك وتضايق، وإذا بحث في المسألة بحثها بحث الذي يريد أن يثبت عدم مشروعية الدعاء.
والذي أراه: أن البحث العلمي كما رأيتموه يقتضي أنها مسألة من مسائل الفروع التي ينظر فيها بالأدلة، وإذا نظرت لم تجد في المسألة أدلة لا في الإثبات ولا في النفي، فبقيت هذه المسألة على أصل الفسحة الشرعية التي إن اقتضت المصلحة الدعاء دعا وإن اقتضت المصلحة عدم الدعاء لم يدع، وإن دعا شخص لم ينكر عليه، وإن ترك آخر لم ينكر عليه.
فنقول: إن تصنيف الخطباء أو استدعاءهم أحياناً حتى؛ لأن فلاناً دعا أو فلاناً لم يدع، أو تجنبهم لهذا السبب ليس بجيد، والأولى والأفضل أن تبقى هذه المسألة على سهولتها وسعتها وعفويتها، ولو عولجت كثير من هذه المسائل بهذه الطريقة لزال أكثر الخلاف.
الأمر الثاني: أن هذه المسألة، مسألة الدعاء يقصد بها ما كان دعاءً صادقاً لله سبحانه وتعالى، أما إذا تحولت إلى غير ذلك، فهذا قد يكون هو مراد عطاء وغيره، فأحياناً تسمع خطيباً يدعو وقد يكون من دعائه أن يدعو مثلاً للمسلمين لحكامهم وشعوبهم ورعاتهم ورعيتهم وكبارهم وصغارهم وعامتهم وخاصتهم، فلا أحد يتبرم من هذا الدعاء، لكن الناس قد يتبرمون أحياناً من الإفراط في الدعاء الذي قد يتحول من دعاء إلى ثناء، ويصبح فيه نوع من الإطراء.
فمثلاً: إذا دعا الإنسان ثم بدأ يعدد مآثر من يدعو له على ما فعله وعلى وعلى وعلى وعلى وعلى، قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ [الحجرات:16]، هذا معلوم لله سبحانه وتعالى إن كان حصل، لكن بالنسبة للناس قد يرون أن هذا فيه تزيد وإفراط.
فالدعاء يعني: يدعى لكل من في صلاحه صلاح للأمة وللمسلمين، يدعى له بالصلاح، بالهداية، بالتوفيق، بالرحمة، بالمغفرة، بالمعونة والتسديد، وما أشبه ذلك من الأدعية المناسبة، ولو أن الأمور كانت عند هذا القدر لأمكن تلافي الموضوع.
طبعاً الحديث؛ لأنه كما قلت لك: حديث ضعيف فليس ثمة فائدة أو نفع من تتبع ما قد يكون في الحديث من الفوائد الفقهية؛ لأنه كما ذكرت لك.
وقد سبق معنا حديث جابر في صحيح مسلم، فقد رواه مسلم في صحيحه بلفظ: ( كانت خطبته قصداً وصلاته قصداً )، ومر معنا، وفيها في الزيادة هذه الكلمات: ( آيات من القرآن الكريم )، عند أبي داود، كما رواه أبو داود في الصلاة باب الخطبة على قوس أو عصا، ورواه أحمد في مسنده أيضاً وعبد الرزاق وابن المنذر وغيرهم.
هذا الحديث طبعاً سنده جيد كما قلنا؛ لأنه سند مسلم رضي الله عنه، لكن بدون هذه الزيادة، فهل نقول: إن هذه الزيادة صحيحة؛ لأنها بإسناد مسلم ؟
هذا له وجه، وقد يقال: إن مسلماً رحمه الله تجنب إخراجها لسبب عنده.
أما من حيث أصل المشروعية: فسبق أن ذكرنا أنه يشرع قراءة شيء من القرآن الكريم، والنووي رحمه الله يقول: بلا خلاف أنه يشرع، والمشروعية أوسع من أن تكون وجوباً أو استحباباً أن يقرأ شيئاً من القرآن الكريم.
ولكن اختلفوا في قدر المشروعية، فقال قوم: بأن قراءة شيء من القرآن الكريم سنة، وهذا قول الحنفية والمالكية، والشافعية في أحد الوجوه، وهو رواية عن الإمام أحمد .
واستدلوا بمثل قوله سبحانه: وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ [الأعراف:204]، وقد سبق أن ذكرنا ذلك.
وقوله سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا [الجمعة:9].
أيضاً: حديث جابر وهو حديث الباب.
إضافة إلى أنه صلى الله عليه وسلم قرأ في خطبته شيئاً من القرآن كما قرأ سورة: (ق)، وكما قرأ: وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ [البقرة:281]، إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة.
القول الثاني: أن قراءة القرآن ركن في الخطبة لا تصح إلا بذلك، وبه قال الشافعي، وهو الوجه المشهور عند الشافعية، وهو أيضاً رواية عند الإمام أحمد .
أدلة هؤلاء القائلين بالركنية: حديث الباب أيضاً استدلوا به، فقالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم حافظ على قراءة شيء من القرآن الكريم في الخطبة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ( صلوا كما رأيتموني أصلي ).
وهذا الاستدلال ليس بقوي؛ لأن الفعل المجرد من النبي صلى الله عليه وسلم لا يدل على الوجوب؛ فضلاً عن أن يدل على الركنية.
وكذلك حديث أم هشام وقد سبق معنا: ( أنها حفظت سورة (ق) من رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كان يقرأ بها يوم الجمعة على المنبر )، ونقول أيضاً: هذا دليل على استحباب قراءة شيء من القرآن، لكن لا دليل فيه على الوجوب.
أيضاً: سبق معنا حديث أبي سعيد الخدري في قراءة السجدة، وأنه سجد في الأسبوع الأول وفي الأسبوع الثاني رأى الناس نشزوا للسجود فسجد.
وكل هذه الأدلة إضافة إلى الآثار من الصحابة تدل على استحباب ومشروعية، لكن لا دلالة فيها على وجوب القراءة.
ولذلك نقول: إن القول الراجح أن قراءة شيء من القرآن الكريم في الخطبة سنة وليس بواجب، وقد مر معنا إشارة إلى هذه المسألة، ومر معنا مقدار ما تتحقق به المشروعية هل تتحقق بقراءة سورة، بقراءة آية كاملة، أو بقراءة بعض آية يتم بها المعنى، أو بقراءة بعض آية دون اشتراط آخر.
منها: مشروعية قراءة القرآن في خطبة الجمعة كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم وحكاه جابر وغيره، وكما ذكره النووي إجماعاً.
وفيه: أن الخطبة يقصد فيها الوعظ، ولا يعارض هذا أن يدخل فيها غير الوعظ مثل التعليم، قد تجعل الخطبة للتعليم كأن يبين لهم بعض الأحكام والحلال والحرام، فهذا من مقاصد الخطبة.
وأيضاً: قد يقصد بها أحياناً الحث، أو يقصد بها النهي عن فعل شيء، أو بيان الوجه الصحيح في مسألة من المسائل، أو تحصيل مصالح الدين، أو حتى تحصيل مصالح الدنيا، وهذا كله باب واسع كما أشرنا .
فقد رواه أبو داود والطبراني والبيهقي في السنن الكبرى، وفي كتاب المعرفة له -وهو مطبوع أيضاً- وغيرهم.
وسند هذا الحديث صحيح، وبعضهم قال: على شرط مسلم، وليس هو على شرط مسلم لكنه إسناد صحيح.
وأعله بعضهم بأن طارق بن شهاب رضي الله عنه لم يسمع من النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وإنما رأى النبي عليه السلام ولم يسمع منه.
و طارق بن شهاب شهر بالحديث الآخر أيضاً: ( أن رجلاً مر على قوم، فقالوا له: قرب، قال: ما عندي ما أقرب، فقالوا له: قرب ولو ذباباً، فقرب ودخل النار، وقالوا لآخر، فقال: ما كنت لأقرب لأحد دون الله عز وجل، فقتلوه فدخل الجنة )، وأيضاً له أحاديث معدودة.
المقصود: أنهم قالوا: إن طارق بن شهاب رأى النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسمع منه، وهذا قد ذكره أبو داود وذكره الخطابي وغيره.
ونقول: هذا وإن كان صحيحاً أن طارق بن شهاب لم يرو عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن رؤيته له تدل على أن طارقاً أصبح صحابياً، وإذا كان صحابياً فروايته عن النبي صلى الله عليه وسلم تكون من مراسيل الصحابة، والأرجح والأظهر قبول هذه الرواية إذا صح إسنادها كما ذكره غير واحد.
هذا ما يتعلق بتخريج الحديث، ولذلك صححه جماعة من أهل العلم كـالحاكم والذهبي والنووي وغيرهم .
منها: حديث: تميم الداري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( الجمعة واجبة إلا على امرأة أو عبد مملوك أو صبي أو مسافر أو مريض )، وهذا الحديث ضعيف جداً، بل كما قال بعضهم: إسناده تالف فلا يلتفت إليه .
وأيضاً: حديث أبي هريرة رضي الله عنه عند الطبراني والدارقطني وهو بمعنى حديث الباب: ( خمسة لا جمعة عليهم )، وسنده أيضاً ضعيف.
حديث: جابر رضي الله عنه عند الدارقطني وغيره، وهو من طريق أبي الزبير عن جابر : ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فعليه الجمعة، إلا مريض أو مسافر أو صبي أو امرأة )، وهو بمعنى حديث الباب، وسنده أيضاً ضعيف، فهو من رواية أبي الزبير عن جابر كما سبقت معنا مراراً، إضافة إلى أن في سنده عبد الله بن لهيعة وهو ضعيف.
هناك حديث: مولى لآل الزبير بمعنى هذه الأحاديث، وحديث عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، وحديث محمد بن كعب القرظي وهو مرسل، وكل هذه الأحاديث ضعيفة، لكن يعزز بعضها بعضاً.
هذا ما يتعلق بتخريج الحديث.
وقيل: إنه مات سنة: (83) أو بعد ذلك.
فيما يتعلق بحكم الجمعة على المملوك، وإن كانت هذه المسألة لم يعد لها كبير اعتبار الآن؛ لأنه لا يوجد في الغالب المماليك الذين هم: العبيد الأرقاء، إنما الفقهاء كانوا يذكرونها.
وقد اختلفوا في مسألة وجوب الجمعة على المملوك:
منهم من قال: بوجوبها بإذن سيده، وهذه رواية عن الإمام أحمد وهو مذهب ابن حزم الظاهري وغيره؛ لأنهم قالوا: إن الخطاب من الله سبحانه وتعالى في قوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ [الجمعة:9]، يشمل كل من يصلح له الخطاب من المؤمنين سواءً كان مملوكاً أو غير مملوك؛ ولأن صلاة الجماعة تجب عليه، فالجمعة من باب الأولى.
القول الثاني: أن العبد المملوك ليس عليه جمعة، وهذا مذهب جمهور العلماء، وهو المشهور من أقوال الأئمة الأربعة من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة وغيرهم، وجماعة من السلف.
ومن أدلتهم: حديث الباب، وهو حديث طارق بن شهاب، وشواهده وهي كثيرة كما ذكرنا، كحديث تميم وجابر وأبي هريرة وغيرها.
ودليلهم من المعقول قالوا: لأن العبد مؤتمن في خدمة سيده وفي حفظ ماله وغير ذلك، فإذا ترك له صلاة الجمعة ربما فرط فيما هو واجب عليه.
والصواب: أن الجمعة لا تجب على العبد، هذا هو الظاهر من حيث النظر ومن حيث الأثر .
ولذلك نقول: إن المرأة ليست من أهل الجمعة، وإن حضرت مع الناس أجزأتها الصلاة.
وهل يجوز للمرأة أن تصلي بالناس جمعة، وتخطب بهم الخطبة كما حصل في أمريكا؟
نقول: هذا لا يجوز، ولا شك أن من صلى فعليه إعادة تلك الصلاة؛ لأن المرأة ليست من أهل الجمعة أصلاً، وليست مخاطبة بهذا الخطاب لا في الجمعة ولا في الجماعة، وليست من أهل الوجوب ولا مدعوة إلى صلاة الجمعة بالاتفاق.
وأما هل تؤم المرأة الناس بالصلاة؟
فهذا ذكرنا فيه فيما سبق في باب الجماعة أقوالاً، منها:
قول الجمهور: أنه لا يجوز للمرأة أن تؤم لا في فرض ولا في نفل، وهذا مذهب أكثر العلماء. وذكرنا قولاً آخر أن للمرأة أن تؤم في النفل دون الفرض كصلاة التراويح إذا لم يوجد من يصلي، وهذه رواية عند الإمام أحمد .
والقول الثالث: أنها تؤم في الفرض وغيره أهل دارها كما في حديث أم ورقة، والغالب أن أهل الدار هم من النساء أو من الصبيان.
والراجح: أن المرأة لا تؤم، ولو قلنا بالإمامة فإنها تؤم زوجها مثلاً في صلاة الليل أو ما أشبه ذلك إذا لم يكن قارئاً، هذا قول من قالوا بتوجيه أنه يجوز لها أن تكون إمامة.
أما أن تكون المرأة إماماً راتباً يصلي بالناس في المساجد، فهذا مما يعلم باليقين والقطع منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهود الخلفاء الراشدين وتاريخ الأمة كلها؛ أن ذلك لم يقع ولا على سبيل الاتفاق، إلا على سبيل الاستهزاء والسخرية، كما نقل عن بعض الخلفاء أنه كان ماجناً خليعاً فاجراً، فأمر إحدى جواريه أن تخرج لتصلي بالناس، وهذا قد لا يكون صحيحاً أيضاً، وإنما قد يكون من وضع بعض المجان الذين أرادوا أن يكون الدين هزواً ولعباً.
فهذا النمط من الفعل لاشك أنه -والله أعلم- أنا لا أقصد شخص المرأة، أنا لا أعرفها ولا أدري عنها، لكن أقول: إن تيسير وتشجيع مثل هذه البوادر في الغالب نوع من محاولة عولمة الإسلام وعولمة الفقه والعلم والأحكام الشرعية.
وأعتقد أننا نحن المسلمين لا نستخفي بديننا ولا نستسر ولا نعتقد أن في ديننا شيئاً لا نريد أن يعلمه الناس، فالمرأة عندنا لها حدود معينة وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ [البقرة:228]، الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ [النساء:34]، وفي نفس الوقت نحن لا نقول: إن الأحوال التي تقع على المرأة في العالم الإسلامي هي تعبير عن الإسلام نفسه، لكن نقول: حتى في القرآن والسنة المرأة لها مقام لا تتجاوزه، والرجل أيضاً له مقام لا يتجاوزه، ولم يكن من شأن المرأة أن تكون في القيادة العظمى في الدولة مثلاً، ولا في الجيش، ولا في الأعمال الشاقة والعسكرية، ولا تكون أيضاً في الإمامة لا في صلاة الفرض، ولا في الجمعة، ولا في المجامع العامة، ولا في غيرها.
وفكرة محاولة أن يستنبت في جسد الأمة الإسلامية قيم جديدة؛ هذه محاولة فاشلة؛ لأنها تصطدم بالإسلام نفسه وتصطدم برفض المسلمين لمثل هذا النمط.
ومما يستدل به على ذلك حديث الباب، والإجماع أيضاً، وقد يستدل له بما ذكرناه الأسبوع الماضي من مثل حديث ابن عمر وغيره: ( غسل الجمعة واجب على كل محتلم )، فهذا دليل على أن غير البالغ ليس عليه جمعة.
وهكذا المريض، فإن الله سبحانه وتعالى قد وضع عنه مئونة السعي إلى الجمعة والجماعة، وهذا أيضاً بالإجماع إذا كان مرضه شديداً بحيث لا يستطيع أو يشق عليه أو يؤخر برأه فإنه ليس عليه جمعة ولا جماعة، أما إن كان قادراً فهو يسعى إلى الجمعة.
الفائدة الأولى: وجوب صلاة الجمعة على من توفرت فيه الشروط، لقوله صلى الله عليه وسلم: ( الجمعة حق، أو حق واجب )، ومن معاني الحق أنه واجب، والوجوب هنا ظاهر، فنقول: ظاهر الحديث دليل على وجوب الجمعة على من توفرت فيهم الشروط.
وفيه: أن الجمعة لا تكون إلا في جماعة في عدد، وهذا سوف يأتي له الإشارة مع أنه سبق أن ذكرنا أقوال العلماء، وإن شئتم نذكرها الآن فلا بأس، يعني: أقوال العلماء في الجماعة، نتركها في وقتها أفضل لأننا الآن بصدد ذكر الفوائد، لقوله: ( الجمعة واجب على كل مسلم في جماعة )، والجماعة أقلها قيل: اثنان، وقيل: ثلاثة، وقيل: ما زاد على ذلك على ما هو معروف.
قوله: ( إلا أربعة ).
الفائدة الثالثة: أن الجمعة لا تجب على العبد المملوك.
والفائدة الرابعة: أنها لا تجب على المرأة.
والفائدة الخامسة: أنها لا تجب على الصبي.
والفائدة السادسة: أنها لا تجب على المريض، ونقول: المقصود بالمريض من يشق عليه المجيء إلى الجمعة أو يؤخر برأه أو يضره، مثل أن يكون يخشى من الروائح أو ما أشبه ذلك.
والمصنف رحمه الله قال هنا: رواه الطبراني بإسناد ضعيف.
وهو من طريق عبد الله بن نافع، ونافع معروف، وهو مولى عبد الله بن عمر، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه.
وعبد الله بن نافع ضعيف، وهو مقل من الرواية، بل قال البخاري رحمه الله: منكر الحديث، وبناءً عليه فإن هذا الحديث لا يصح كما أشار المصنف رحمه الله .
حديث ابن عمر أيضاً: ( الجمعة واجبة إلا على ما ملكت أيمانكم أو ذي علة ).
حديث جابر : ( من كان يؤمن بالله وباليوم الآخر فعليه الجمعة )، فيه ابن لهيعة، إلى غير ذلك من النصوص.
وقد اختلف العلماء في مسألة المسافر، بينما لم يقع خلاف في مسألة المرأة والصبي والمريض.
فسبب الخلاف في مسألة المسافر: هو عدم صحة الأحاديث، وأيضاً اختلاف الأمر فيه، فإن رواية: ( أو مسافر ) لم تصح عند جمع من أهل العلم، ولذلك اختلف العلماء فيه على أقوال:
والأقرب والله أعلم: أن مقصودهم هنا أنه لا جمعة على المسافر، يعني: أن جماعة المسافرين لا ينشئون الجمعة.
أدلتهم:
حديث الباب، حديث ابن عمر رضي الله عنه.
وشواهده: كحديث تميم وجابر وأبي هريرة والحسن وغيرهم، وقد ذكرنا طرفاً منها.
وقالوا: إن المسافر تلحقه المشقة بأن يدخل إلى المصر ويحضر الجمعة وينتظر الإمام، وقد يكون له رفقة فيفوتون، أو له متاع أو راحلة فتسرق، إلى غير ذلك، وأنه مشغول بالسفر وأسبابه، والشرع جاء بالرخصة في السفر، فلو وجبت عليه الجمعة لكان في ذلك عليه مشقة.
لكن قد يستدل هؤلاء بالآثار، والواقع أن ثمة آثاراً كثيرة جداً في إسقاط الجمعة عن المسافر، وهي آثار في مجموعها صحيحة، مثلاً:
علي بن أبي طالب رضي الله عنه كان يقول: (ليس على المسافر جمعة)، وكان يقول أيضاً: (لا جمعة ولا تشريق إلا في مصر جامع)، ويقصد بالتشريق صلاة العيد (إلا في مصر جامع)، يعني: أنها لا تجب على المسافرين.
وهكذا ورد عن جماعة من الصحابة أنهم ظلوا سنوات، كما نقل عن عبد الرحمن بن سمرة مثلاً أنه ظل في بلاد فارس سنتين، وكان لا يصلي الجمعة ولا يزيد في الصلاة على ركعتين، يعني: يقصر الفريضة الرباعية، وهذا محمول على أنه كان محجوزاً إما بثلج، أو بعدم وجود طريق، أو لغير ذلك من العوائق والموانع، أو يقول: غداً أخرج، اليوم أخرج، إلى غير ذلك من الأسباب.
هكذا عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه خرج وهو أمير، فمر بقوم يريدون أن يصلوا الجمعة، فقال لهم: صلوا فإنا قوم سفر، يعني: مسافرين، أو أصحاب سفر.
وورد عن إبراهيم النخعي وغيره أنهم كانوا لا يجمعون في السفر، وهكذا روى ابن أبي شيبة في مصنفه وعبد الرزاق في مصنفه أيضاً آثاراً عن طاوس والزهري وعبد الرحمن بن سمرة وغيرهم أنهم كانوا لا يصلون الجمعة في السفر.
ربما يستدل أيضاً بما نعبر عنه بالدليل العدمي، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في المدينة الجمعة، وهذا حتى كان قبل هجرته صلى الله عليه وآله وسلم، حيث جمع الأنصار في نقيع الخضمات، وكان النبي عليه الصلاة والسلام إذا سافر لحج أو عمرة أو غزو أو غيره لم ينقل عنه أنه كان يقيم صلاة الجمعة بأصحابه في الأسفار، ولو أنه عليه الصلاة والسلام فعل ذلك لنقل عنه، ولذلك قال ابن قدامة : إن هذا هو الإجماع الثابت عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
إذاً: هذا هو القول الأول وهو قول الجمهور، وهو المشهور عن الأئمة الأربعة، أنه ليس على المسافر جمعة، ولكن كما قلت لكم في شرح هذا القول: أن مقصودهم أن جماعة المسافرين، مثل لو سافروا في مركز أو في حملة أو مجموعة أو عائلة مهما كثروا، فإنهم يصلونها ظهراً مقصورة ولا يصلونها جمعة، فهذا شيء غير قضية أن المسافر يصلي الجمعة مع الناس في مسجد أقيمت فيه الجمعة أصلاً.
واستدلوا بالآية الكريمة: إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ [الجمعة:9]، كما قال ابن حزم وغيره: إن هذا نداء لا يجوز أن يخرج منه مسافر ولا عبد بغير نص من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
واستدلوا أيضاً بما رواه مسلم عن أبي رفاعة قال: ( انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب على المنبر فناديته وقلت: يا رسول الله! رجل غريب جاء يسأل عن دينه لا يدري ما دينه؟ فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بكرسي فوضع له، ثم أقبل عليه وعلمه )، فقالوا: هذا دليل على أن أبا رفاعة كان في سفر، ومع ذلك النبي صلى الله عليه وسلم علمه وجاء وشهد الجمعة.
والواقع أن هذه واقعة عين وحادثة لا تدل على الوجوب، فإنه لاشك أنه لو حضر الإنسان الجمعة ممن لا تجب عليه، كأن يكون مريضاً أو امرأة أو رقيقاً أو صبياً أو مسافراً أن الجمعة تجزئه، وإنما الكلام هل تجب عليه؟
ولذلك نقول: إن هذا القول قول وسط؛ لأنه يرى أنه يستحب للمسافر حضور الجمعة؛ لأنها أولى وأكمل، ولا يجب عليه ذلك.
والراجح من هذه الأقوال، يعني: فيه تردد، فبالنسبة لاستحباب صلاة الجمعة للمسافر إذا كان قريباً من المسجد، هذا وجيه وقوي إذا لم يشق عليه المجيء والحضور، أما إن كان في سفر قاصد، يعني: قد اشتد به السفر وجد به، فقد يقال: إن الأولى له ما هو أسهل عليه، وأنه لا يشرع له أن يوقف سفره ليحضر الجمعة في بلد.
أما إن كان المسافر مقيماً في بلد كما هي عادة كثير من المسافرين اليوم، خصوصاً مع وجود الفنادق والشقق المفروشة وغيرها، بحيث إن الناس قلما يبيتون في الطرقات والصحاري، وإنما يبيتون غالباً داخل المدن، فقد يتجه أن يقال هنا: إنهم يسمعون النداء ويمكنهم إجابته، والجمعة آكد من الجماعة، حتى لو رخص لهم في ترك الجماعة؛ للمشقة عليهم بالتردد على المسجد أحياناً أو لحاجتهم إلى الجمعة؛ أو لأن لهم مقصداً في السفر يفوت بالمحافظة على الجماعة لهم كمسافرين، إلا أن الجمعة ليس فيها عليهم مشقة كبيرة؛ لأنها إنما تتكرر مرة في الأسبوع.
ولذلك نقول: بأن إيجاب الجمعة عليهم في هذه الحالة التي هم مقيمون فيها داخل المصر ويسمعون النداء؛ أنه وجيه.
وفيه: أن الجمعة واجبة على عموم المسلمين.
أنا قلت: يمكن أن القول بالاستحباب أنه قول ابن تيمية رحمه الله والواقع أن الذي ذهب إليه هو الإمام النووي، يعني: هو قول للشافعية واختاره الإمام النووي، أما ابن تيمية رحمه الله فنصه يميل إلى القول بالإيجاب، يعني: أو على الأقل أنه قال بالوجوب احتمالاً، قال: يحتمل أن يقال بوجوب الجمعة عليه.
والشيخ رحمه الله قال: رواه الترمذي بإسناد ضعيف.
والترمذي قد روى هذا الحديث في جامعه في كتاب الجمعة، وقال: فيه محمد بن الفضل بن عطية ذاهب الحديث، وهذه أقوى وأبلغ من قول المصنف هنا: بإسناد ضعيف.
فسنده شديد الضعف.
محمد بن الفضل هذا قال فيه الإمام أحمد : حديثه ليس بشيء يأتيك بالطامات، حديثه حديث أهل الكتاب، يعني: أنه من جنس الروايات الإسرائيلية، ومع ذلك فهو قد اضطرب في سياق هذا الحديث، ولذلك حديث ابن مسعود هنا كلا شيء.
المصنف ذكر بعده حديث (473)، حديث البراء رضي الله عنه قال: [عند ابن خزيمة]
والواقع أن هذا الحديث ليس موجوداً في ابن خزيمة المطبوع، لكن لا يمنع أن يكون موجوداً في صحيح ابن خزيمة فيما فات منه؛ لأن البيهقي خرج هذا الحديث من طريق ابن خزيمة كما في سنن البيهقي أنه روى عن محمد بن إسحاق بن خزيمة هذا الحديث وذكر أن ابن خزيمة رحمه الله ضعفه أيضاً، وقال: إنه لا يحتج به، وفي سند هذا الحديث مجاهيل، ولذلك فهو حديث ضعيف أيضاً.
حديث عدي بن ثابت عن أبيه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج على المنبر فاستقبل أصحابه بوجوههم )، والحديث رواه ابن ماجه وسنده مرسل .
وحديث ابن عمر رضي الله عنه: [ أنه كان -يعني: ابن عمر - يستقبل الإمام إذا دخل وصعد المنبر ]، وقد رواه عبد الرزاق في مصنفه، وسنده ضعيف أيضاً .
طيب، إذاً هذا ما يتعلق بتخريج الحديث.
أما مسائله فهي ظاهرة .
القول الأول: أنه يسن ويشرع للناس أن يستقبلوا الخطيب بوجوههم، وهذا مذهب الأئمة الأربعة المشهور عنهم، وقال ابن قدامة وابن المنذر : إنه كالإجماع لضعف ما يخالفه، وهكذا ابن حجر وغيرهم، فهذا هو القول الأول: أنهم يستقبلون الخطيب بوجوههم.
واستدلوا بأحاديث الباب وهي كثيرة، وبالآثار الواردة أيضاً في هذا الموضوع، وقد ذكرنا الأسانيد والطرق لهذا الحديث.
أما من ناحية العقل والنظر فإنهم يقولون: إن الخطيب ترك استقبال القبلة والتفت إلى المصلين، فحقهم أيضاً أن يعملوا له مثلما عمل لهم، فيلتفتوا إليه وينظروا إليه.
الأمر الثاني: أن الخطيب يوجه حديثه لهم، فينبغي أن ينظروا إليه؛ لأن هذا النظر جزء من الاستماع والإنصات.
القول الثاني في المسألة: إن استقبال الخطيب واجب وليس بسنة فقط، وهذا قول لبعض المالكية.
وهم يستدلون بالأدلة ذاتها التي ذكرت، لكن يحملونها على الوجوب وليس على الاستحباب.
والقول الثالث: أن ذلك لا يسن، يعني: ليس بواجب ولا سنة، وإنما يستقبلون القبلة، وهذا قول الحسن البصري .
أي هذه الأقوال نرجح؟
الحقيقة أنا أرى أنه أحياناً سياقات بعض الأقوال يكون فيها إشكال؛ لأن القول الثالث وهو قول الحسن البصري أظنه يرجع للقول الأول، بمعنى: أن استقبال الناس للخطيب لا يعني أنهم ينحرفون عن القبلة لينظروا إليه، وإنما استقبالهم للقبلة هو في حقيقته استقبال للخطيب نفسه، وكثير منهم أصلاً لا يرون الخطيب حتى لو استقبلوه ونظروا إليه، وليس المقصود باستقباله بوجوههم أن يستقبلوا شخصه، بمعنى أن ينحرفوا عن القبلة.
والدليل على هذا الذي قلته: أن الناس يأتون إلى المسجد يوم الجمعة فيصلون تحية المسجد ثم يصلون ما كتب لهم، وقد يدخل الخطيب وكثير منهم يصلي أو يقرأ القرآن وهم صفوف، وهذا من جاري العادة في الأعصار والأمصار الإسلامية، ولم ينقل أنهم كانوا إذا دخل الخطيب غيروا هيأتهم، ولو أنهم غيروا هيأتهم فإن الخطيب إذا قام للصلاة يحصل من جراء ذلك ارتباك وإشكال ولا تنتظم الصفوف.
فالأقرب إذاً أن نقول: إن في المسألة والله أعلم قولين:
القول الأول: بأن ذلك واجب.
القول الثاني: بأن ذلك مستحب، والقول بالاستحباب هو مذهب الجمهور كما ذكرنا وهو الذي رجحناه. فيكون الأمر متردداً بين الوجوب وبين الاستحباب، وأن يكون المقصود باستقبال الخطيب هو استقبال القبلة أيضاً.
طبعاً في الحديث مسائل سبقت معنا، مثل: اتخاذ المنبر يوم الجمعة، وهذا ثابت، فإن النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ المنبر ووقف عليه والنصوص في الصحيحين وغيرهما كثيرة في ذلك: ( وكان من طرفاء الغابة )، ( وكان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب أول الأمر على جذع فلما صنع له المنبر قام عليه، فحن الجذع وسمع له كصوت العشار، حتى نزل النبي صلى الله عليه وسلم ووضع يده عليه فسكن )، فهذا دليل على استحباب وضع المنبر، وأن يخطب الخطيب عليه؛ لأن ذلك أبلغ في إيصال صوته، وفي مشاهدة الناس له.
نعم. رواه أبو داود في كتاب الصلاة، باب الرجل يخطب على قوس، ورواه أيضاً أحمد والبيهقي وغيرهم، ورجال الإسناد ثقات، وقد حسنه النووي كما في الخلاصة والمجموع، وكذلك حسنه الشيخ الألباني وغيرهم.
منها: حديث جابر وأصله في الصحيحين، لكن رواه أحمد في المسند وزاد: ( أنه قام على قوس أو عصا )، وهذه الزيادة التي انفرد بها الإمام أحمد من حديث جابر قد يكون فيها نظر؛ لأن عدم إخراج البخاري ومسلم لها يدل على ضعفها .
وهكذا هناك حديث آخر عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم قام على المنبر وكان يضرب بمخصرة في يده )، وهذا الحديث رواه البزار وفي سنده عبد الله بن لهيعة وهو ضعيف .
الشاهد الثاني: حديث فاطمة بنت قيس، وهو في صحيح مسلم، وهو الحديث الشهير حديث الجساسة وفيه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم طعن بمخصرة -والمخصرة هي العود الصغير الذي يحمله الخطيب أو غيره- على المنبر ).
الشاهد الرابع: حديث البراء بن عازب وهو في مسند أحمد : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم قام فخطبهم في الأضحى وكان متكئاً على قوس )، وهو ضعيف أيضاً فيه أبو جناب الكلبي وهو ضعيف.
أيضاً حديث خالد العدواني وقد مر معنا عند الإمام أحمد في مسنده أنه قال: ( إن النبي صلى الله عليه وسلم جاءهم في الطائف وقرأ سورة: وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ [الطارق:1]، وكان متكئاً على قوس )، وهذا الحديث أيضاً ضعيف فيه عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي وهو مجهول .
حديث ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: ( رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب على عصا يوم الجمعة متوكئاً في سفر )، وهذا ضعيف جداً، بل منكر، رواه أبو الشيخ وغيره، ومما ينكر في متنه قوله: ( رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة في سفر )، ومن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يصلي الجمعة في السفر، وفي سنده الحسن بن عمارة
و (القوس): كلمة يقال: إنها أعجمية تذكر وتؤنث، وهي عبارة عن سلاح قديم على شكل هلال.
فهو إذاً له صحبة، وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحديث، وليس من المشاهير، وهذا هو الموضع الأول والأخير أيضاً الذي ورد فيه ذكره في بلوغ المرام .
القول الأول: أنه يسن للخطيب أن يعتمد على قوس أو عصا أو سيف أو ما شابه ذلك، وهذا قول المالكية والشافعية والحنابلة.
واستدلوا بحديث الباب وشواهده.
أو نقول الأدلة ربما أشرنا إليها، وابن القيم رحمه الله لما ساق هذه الأحاديث قال كما في الزاد : إن هذا كان قبل أن يبنى للنبي صلى الله عليه وسلم المنبر.
ثم قالوا في تعليل ذلك: إن الاعتماد على القوس أو العصا قد يكون له معنى، فقال بعضهم: إن المقصود الإشارة بأن الإسلام إنما قام على القوة وقام بالسيف، وقد نص على هذا بعض فقهاء الحنابلة والحنفية، واستنكر هذا الإمام ابن القيم، وحق له أن يستنكره، بل هذا من فقهه العظيم، بل قال رحمه الله: إن هذا من الجهل البين؛ لأن الإسلام ما قام بالسيف، وإنما الإسلام قام بالعلم وبالقرآن وبالوعظ، والسيف كان لحماية الدين ولإزالة المعارضة عن قوة الإسلام، فلن يكن قوام الإسلام بالسيف، وإنما قومه بالحق والبينات، كما قال سبحانه: لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ [الحديد:25] ثم قال: وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ [الحديد:25].
القول الثاني: وهو للحنفية أنه يكره الاعتماد على السيف أو القوس أو العصا، قالوا: لأن هذا مخالف للسنة.
ولذلك نقول: إنه يشرع للإنسان أن يعتمد على شيء في الخطبة؛ لأنه قد يطول قيامه ويحتاج إلى شيء من الاتكاء والمراوحة، سواء اتكأ على عارضة أو على عصا أو على قوس أو على أي شيء آخر مما يعتمد عليه عادة وهذا من آداب الخطبة كما ذكرنا.
وقد ذكرنا هذه المسألة سابقاً وذكرنا فيها تقريباً أربعة عشر قولاً ذكرها الحافظ ابن حجر في الفتح، وقال: إنه يمكن إيصالها إلى عشرين قولاً بذكر الشروط أن يكونوا من أهل الوجوب أو من غيرهم.
وأول هذه الأقوال: أن الجمعة تنعقد بواحد، وهذا نقل عن الكاشاني، وقال النووي : إنه ليس ممن يذكر قوله في الإجماع والخلاف، لكن ذكر الحافظ ابن رجب الحنبلي في شرح البخاري : [ أن أبا جحيفة رضي الله عنه تأخر الإمام في يوم الجمعة فقام وصلى ركعتين وقال: أشهدكم واشهدوا أنها جمعة ]، وهذا قول شاذ ولا يكاد أن يكون قال به أحد بعد أبي جحيفة رضي الله عنه وأرضاه.
إذاً: أقل ما قيل واحد.
وقيل: إنها تنعقد باثنين، وهذا رجحه الإمام الشوكاني في السيل الجرار .
وقيل: تنعقد بثلاثة.
وقيل: بسبعة أو عشرة.
وقيل: تنعقد باثني عشر، وهذا مشهور عند المالكية والحنابلة وغيرهم، وحجتهم: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم لما خطب وجاءت العير قاموا ولم يبق إلا اثنا عشر رجلاً )، كما في الصحيح، ومع ذلك صلى بهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وقيل: تنعقد بثلاثين.
وقيل: بأربعين، وهو أكثر الأقوال، يعني: جمهور العلماء أو كثير من العلماء يرون أنها تنعقد بأربعين، ويستدلون بحديث جابر : ( مضت السنة أن في أربعين فما فوقها جمعة ).
ويستدلون أيضاً بقصة أسعد بن زرارة أنه جمع بأهل المدينة الأنصار في نقيع الخضمات قال: (كم كنتم يومئذ؟ قال: كنا أربعين رجلاً ).
وحديث جابر ضعيف كما سبق.
وأيضاً: رواية كعب بن مالك رضي الله عنه في التجميع بالأنصار وإن كانت رواية لا بأس بسندها إلا أنها أمر اتفاقي، يعني: لم يكن مقصوداً أن يكونوا أربعين رجلاً، فما الذي يدرينا أنهم لو نقصوا لصلى بهم الجمعة أيضاً ولذلك.
وقيل: إنها تنعقد بخمسين.
وقيل: بسبعين.
بل وجدت لـابن رجب أنه ساق قولاً لم أجده عند غيره، قال: إنها تنعقد بمائتين.
القول الأخير وهو قول الإمام مالك : أنها تنعقد بالجمع الكثير من غير تحديد، يعني: إذا كانوا جماعة شرع لهم أن يصلوا الجمعة.
ونحن نختار عدم الالتزام بتحديد معين، وأن مرجع الأمر إلى توفر شروط الجمعة فيهم، فإذا كان الناس في المكان مستقرين فيه مستوطنين، يعني: ليسوا مسافرين ولا طارئين، وطبعاً الحنابلة وبعض الفقهاء يشترطون إذن الإمام، والحنفية أيضاً يشترطون إذن الإمام بإقامة الجمعة أو من ينوبه، كالجهات المختصة أو المراكز الإسلامية أو غيرها.
فنقول: إذا وجدت شروط الجمعة كان لهم أن يصلوا جمعة حتى لو كانوا عشرة أو أقل، أو حتى لو كانوا ثلاثة، ولو قال قائل: اثنين إذا أذن لهم صلوا الجمعة لم يكن في هذا بأس؛ لأنه ليس في المسألة نص، وابن تيمية رحمه الله اشترط الثلاثة أو رجح الثلاثة مع أنه ليس هناك فرق واضح بين الاثنين وبين الثلاثة، فإذا كان أحدهما خطيباً والآخر مستمعاً فليس في ذلك من حرج.
فنحن نقول: إن العبرة بتوفر شروط الجمعة الأخرى، فإذا توفرت أياً كان عددهم جاز لهم أن يصلوا الجمعة .
الجواب: يعني: سبق أن شرحنا هذا .
السؤال: يقول: فهل المنع يقصد به التجار أو السماسرة أو جميع الناس؟
الجواب: يعني: المقصود بالنهي عن تلقي الركبان أنهم قبل أن يدخلوا البلد، فيشتري منهم قبل أن يعرفوا البلد وأسعار الأشياء .
الجواب: نعم. ومع ذلك عندهم هذا الفضل للجمعة، وهو مما بقي عندهم من الحق الذي لم يحرف إلى وقت عبد الله بن سلام رضي الله عنه.
الجواب: نعم. بل لو دخلت فيه وأذن الفجر، أو استطعت أن تصلي الوتر بعد الأذان مباشرة، وليست هذه من عادتك لكن تأخرت، فلا حرج عليك .
الجواب: لا. هؤلاء ليسوا مماليك، هم أحرار .
الشيخ: هذا يقودنا إلى مسألة السفر يوم الجمعة في الخلاف فيها، ونقول: الخلاصة أنه يجوز للإنسان أن يسافر يوم الجمعة قبل النداء الذي يسبق الصلاة، وإذا سافر الإنسان أيضاً وفي نيته أن يصليها في بلد آخر، يعني: سافر وفي نيته أن يصلي الجمعة مثلاً، حتى بعد النداء في نيته أن يصلي الجمعة في مدينة عنيزة ثم يواصل سفره، فلا حرج عليه في ذلك.
الجواب: لا بأس به، هذا أمر من الأمور العادية أن من ينزل بهم مصيبة يصنعون طعاماً لضيوفهم، وهذا من مكارم الأخلاق، ولا يقصد به سنة أو شيء من هذا.
الجواب: الحقيقة الجوالات مزعجة، كما تلاحظون في الصلاة كل قليل يصيح أحد هؤلاء الصبية في جيب أحدكم في حرج ويحرج.
الجواب: لا يصلون الجمعة؛ لأنهم غير مستوطنين، غير مستقرين.
الجواب: أحاديث عبد الله بن لهيعة ضعيفة إلا إذا كان من طريق العبادلة.
الجواب: البخاري رحمه الله قال: باب من لم ير الرؤيا لأول عابر، والحديث: ( أن الرؤيا على رجل طائر )، فيه نظر وليس بالقوي، ولذلك باب من لم ير الرؤيا لأول عابر، ولم ير أنها إذا فسرت وقعت .
الجواب: الصلاة على الدابة مشروعة والنبي عليه الصلاة والسلام صلى على راحلته أية وجه توجهت، لكن لم يكن يصلي عليها المكتوبة، والطهارة لازمة.
الجواب: هذه وصلتنا جزاك الله خير بالجوال، لا تخاف .
الجواب: لا .
الجواب: كلا. وبالمناسبة بعض الفقهاء قالوا: إنه إن خطب في بلاد مفتوحة عنوة استحب له أن يتكئ على قوس أو عصا، وهذا أيضاً مما لا أصل له .
الجواب: كلا. ليس هو طارق، طارق بن شهاب لم يرو عنه في القنوت شيء، ولعلك تقصد طارق بن نوفل الأشجعي .
الجواب: حتى لو اتكئوا ليس عليهم في ذلك حرج؛ لأن استقبال القبلة إنما يجب في الصلاة .
الجواب: ذكرنا أن الأمر واسع، وأنه قد يقال بأنه يختلف بحسب الأحوال، فقد يكون مستحباً في أحوال معينة، وقد يكون مباحاً في غالب الأحوال، وقد يكون غير مشروع مثل ما إذا كان هذا الدعاء يترتب عليه مفسدة، أو كما قلنا: أنه يكون نوع من الثناء الذي يكون بصيغة الدعاء، هذا في الخطبة.
وأما الدعاء إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا [مريم:3]، فالإنسان يدعو، حتى الكفار النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( اللهم اهد دوساً وائت بهم )، فضلاً عن المسلمين أن يدعى لهم لعامتهم وخاصتهم ومأمورهم وأميرهم وعالمهم وحاكمهم وشعوبهم ورعاتهم وضعفائهم .
الجواب: والله النقد كثر والعيب والسب والشتم والقيل والقال.
وأنا أقول: علينا أن نكون رابطي الجأش، وألا تكون ردودنا متشنجة على الخصوم، فالمقام مقام يتطلب يقظة وفهماً وعقلاً وإدراكاً، وأنه ليس كل شيء يرد عليه.
كثير من الإخوة يرسلون أحياناً: لازم تقرأ المقالة الفلانية، أقرأ، فنكون كأننا نروج كثيراً من المقالات بملاحقة ما يقع فيها من أخطاء، ولو أنها تركت لمرت دون اهتمام .
الجواب: هذا قول للحنفية وبعض الحنابلة، وأكثر الفقهاء لا يشترطون إذن ولي الأمر لإقامة الجمعة .
الجواب: هذا سؤال جيد وإن كان محله في الجمع.
هل يجمع بين الجمعة والعصر في السفر؟ ابن القيم رحمه الله ذكر أنه لا يجمع بينهما، وكأنه حكاه عن الفقهاء، ولكن الواقع أن المسألة فيها اختلاف وخلاف، وكثير من الشافعية وغيرهم يرون جمع العصر إلى الجمعة.
وهنا أنبه أنه إذا لم يصل الجمعة أصلاً، يعني: صلاها ظهراً مقصورة فلا خلاف حينئذٍ؛ لأنها مثل غيرها يجمعها مع العصر تأخيراً أو يجمع العصر معها تقديماً فلا حرج في ذلك، لكن الإشكال فيما لو صلاها جمعة في المسجد هل يقوم ويصلي العصر بعدها ركعتين؟ هذا مما أقول: إنه في الواقع بعد البحث لا دليل على منعه، وإن كنت أميل إلى تركه؛ لأن أكثر الفقهاء في حدود علمي وبحثي واطلاعي يرون أن هذا غير مشروع، وأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
سبحانك اللهم وبحمدك، وأشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.
وحياكم الله.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر