الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
رقم هذا الدرس هو (176)، وهذه ليلة الإثنين الرابع من شهر صفر من سنة (1426) للهجرة.
أربعة أحاديث إن شاء الله تعالى من شرح بلوغ المرام، ونحن حاولنا أن نستعجل في أشياء كثيرة؛ لأن في ودنا أن نقطع مرحلة جيدة، والبلوغ تعرفون صار له الآن يمكن عشر سنوات, بدأنا فيه والحمد لله.
وأنا مؤمن بأن من أغلى ما يملكه الإنسان ويستفيد منه هو المواصلة والإصرار والدأب.
أخلق بذي الصبر أن يحظى بحاجته ومدمن القرع للأبواب أن يلجا
حقيقة أنا أعتز فيما يخصني كوني على حين ساعتي هذه وسني ما زلت أجد في نفسي قوة للقراءة، وأحمل أوراقي وأحفظ وأراجع، وأعتقد أن هذا بحد ذاته شيء طيب يجعل الإنسان في النهاية يحصل ولو على بعض ما يريد، كما يقولون: العلم أعطه كلك يعطك بعضه .
فبعض الإخوة يسألون عن الحفظ، والحفظ بودنا أن يكون فيه برنامج خاص بين الشباب لحفظ الأحاديث وتسجيل مستوى الحفظ، إنما هذا سنرتبه, إن شاء الله -لعله- الأسبوع القادم نحدد لكم فيه موعداً.
ما يتعلق بالأحاديث التي عندنا كلها في صلاة الجمعة: الحديث رقم (457)، حديث ابن عباس رضي الله عنه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الجمعة بسورة الجمعة وسورة المنافقين ).
المصنف رحمه الله ذكر هذا الحديث وقال: رواه مسلم .
وهو كما قال المصنف رحمه الله، فقد رواه مسلم في كتاب الجمعة، باب ما يقرأ في صلاة الجمعة، وساق قبله ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الفجر يوم الجمعة بسورة السجدة وهل أتى على الإنسان، ويقرأ في صلاة الجمعة بالجمعة والمنافقين ).
وقد رواه أهل السنن, فهو في سنن أبي داود أيضاً في الباب نفسه، ما يقرأ في صلاة الصبح يوم الجمعة؛ لمناسبة ذكر السجدة وهل أتى.
وأيضاً النسائي في السنن , القراءة يوم الجمعة, ورواه البيهقي وأحمد وأبو عوانة, وغيرهم.
والحديث بطبيعة الحال صحيح؛ لأنه كما قال المصنف: رواه مسلم .
الحديث الذي بعده: حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه, والمصنف رحمه الله ساقه أيضاً برقم (458), قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في العيدين وفي الجمعة بـ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى [الأعلى:1]، و هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ [الغاشية:1] ).
والمصنف أيضاً قال: وله -يعني: لـمسلم - فالحديث أيضاً رواه مسلم في الباب والكتاب نفسه، ما يقرأ في صلاة الجمعة، وذكر تمام الحديث: ( أنه إذا اجتمع العيد والجمعة في يوم واحد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ بهما أيضاً في الصلاتين ). وقد رواه أهل السنن, فرواه أبو داود في الجمعة، ما يقرأ به في صلاة الجمعة، والترمذي وابن ماجه والنسائي والدارمي وابن خزيمة وصححه وابن حبان والبيهقي، وغيرهم.
وما يتعلق بالسجدة وهل أتى في صلاة الفجر، كان يقرأ السجدة في الركعة الأولى، وهل أتى على الإنسان في الركعة الثانية.
ولم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم أنه جزأ هذه السور في قراءتها، كأن يقرأ السجدة مثلاً في الركعتين، أو يقرأ جزءاً منها ثم يسجد، أو يقرأ سورة أخرى فيها سجدة، وإنما كان يقرأ الم [السجدة:1] تَنزِيلُ [السجدة:2]، وهي سورة السجدة.
والحديث الآخر: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في العيدين - يعني: في صلاة العيدين، في صلاة عيد الفطر، وفي صلاة عيد الأضحى- كان يقرأ أيضاً بـ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى [الأعلى:1]، و هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ [الغاشية:1] ). ويقرأها أيضاً في الجمعة.
ففيها ما يقرأ في صلاة الجمعة؛ طبعاً العيد سوف يأتي إن شاء الله في باب خاص, لكن فيها ما يقرأ في صلاة الجمعة، وهي مسألة خفيفة, والعلماء فيها على قولين:
القول الأول: أنه يستحب للإمام أن يقرأ في صلاة الجمعة بسورة الجمعة في الركعة الأولى، وسورة المنافقين في الركعة الثانية، فإذا لم يقرأ بالجمعة والمنافقين استحب له أن يقرأ سبح والغاشية، سبح في الركعة الأولى، والغاشية في الركعة الثانية، وهذا مذهب جمهور العلماء: مذهب الإمام مالك وأهل المدينة وأحمد والشافعي وأهل الحديث وأهل الظاهر، وغيرهم.
وأدلة هذا القول: الأحاديث المذكورة, مثل حديث ابن عباس رضي الله عنه، وحديث النعمان بن بشير .
وأدلة أخرى كثيرة، مثل حديث أبي هريرة رضي الله عنه, وهو في صحيح مسلم أيضاً: ( أنه صلى بالناس فقرأ في الركعة الأولى بسورة الجمعة، وقرأ في الركعة الثانية بسورة المنافقين، فلما قضى صلاته, يقول أحد الرواة -وهو
كما ورد عن سمرة بن جندب أيضاً وغيره مثل هذا المعنى في أحاديث كثيرة جداً.
أما القول الثاني في المسألة: فهو أنه لا يتعين لصلاة وقراءة الجمعة شيء، وإنما يقرأ بما تيسر، وهذا هو المشهور في مذهب الحنفية, وكأنهم رأوا أنه لا معنى لتخصيص شيء من السور بشيء من الصلوات.
وقد يحتجون بعمومات, مثل قوله سبحانه: فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ [المزمل:20].
وكذلك في السنة قصة المسيء صلاته، وهي في المتفق عليه، حديث أبي هريرة وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ). فقالوا: هذا دليل على أنه لا يشرع تخصيص شيء من القرآن بشيء من الصلوات.
وهذا مردود في الواقع؛ لأنه يصح أن يقال فيه: إنه قياس في مقابلة النص، فإننا أمام نصوص نبوية صحيحه وصريحة، وليست القضية فقط في الجمعة، فقد ورد مثلاً بالقراءة في صلاة الفجر يوم الجمعة، وورد القراءة في صلاة الجمعة، وورد القراءة في العيدين كما ذكرنا، وورد في القراءة في راتبة المغرب، وورد القراءة في راتبة الفجر، قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ [الكافرون:1], و قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1]، وورد القراءة في الوتر بـ سَبِّحِ [الأعلى:1] و قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ [الكافرون:1] و قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1].
فورد التخصيص في مواضع كثيرة جداً، ولا شك أن المتعين في هذا هو الرجوع إلى السنة والمأثور عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولذلك نقول: إن المنقول والمعقول يدل على ما عليه الجمهور من أن السنة هي قراءة هذه السور في تلك الصلوات.
ولو أنه أسر في صلاة الجمعة، أو جهر في صلاة الظهر، هل عليه في ذلك حرج؟ لا، ليس عليه حرج، وإنما يكون خالف السنة، وليس عليه حرج، ولا حتى يجب عليه سجود سهو؛ لأن الأمر كما قلنا مبناه على السنية.
فالسنية أن يجهر في صلاة الجمعة، وأن يسر في الصلوات النهارية كصلاة الظهر والعصر، ولو خالف ذلك فقد خالف السنة, ولا شيء عليه.
وفيه أيضاً من الفوائد: استحباب قراءة سورة الجمعة والمنافقين في ركعتي الجمعة، كما دل عليه الحديث.
ومن الفوائد: استحباب قراءة سورة سبح والغاشية، كما دل عليها الحديث الثاني.
وفيه أيضاً فائدة: أن قول ابن عباس رضي الله عنه مثلاً: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الجمعة سورة الجمعة والمنافقين ). قوله: ( كان يقرأ ) هنا هل يحمل على المداومة؟ لا يحمل على المداومة. لماذا؟ لأنه لو كان يداوم على الجمعة والمنافقين ما قرأ سبح والغاشية، وحديث سبح والغاشية حديث النعمان، قال: ( كان يقرأ في العيدين وفي الجمعة سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى [الأعلى:1]، و هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ [الغاشية:1] ). فهذا يحمل على تكرر ذلك منه، ليس على المداومة، ولكن على تكرر ذلك منه.
وهذه فائدة، وهذا يؤخذ منه كل ما كان من هذا الباب، (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل كذا وكذا)، أن هذه الصيغة بمجردها لا تدل على المداومة، بل قد تحتمل المداومة, وقد تحتمل أن يكون ذلك ويتكرر منه، فينظر في الأدلة الخارجية, هل تدل على المداومة أو تدل على عدم المداومة؟ على ما هو معروف.
كذلك يؤخذ من الحديث قضية تخصيص بعض الصلوات بسور, وأن هذا هو السنة كما ذكرنا, وخالف في هذا الحنفية.
فيه أيضاً مناسبة هذه السور لصلاة الجمعة، فأما سورة الجمعة والمنافقين فالله أعلم أن سورة الجمعة فيها ذكر النداء, يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [الجمعة:9].
وأيضاً من السياق المناسب قول الله عز وجل في شأن اليهود: مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا [الجمعة:5]. مما يدل على أهمية الإنصات للخطبة.
وقد سبق معنا في الأسبوع الماضي الحديث الذي رجحنا أنه من قول ابن عمر رضي الله عنه, وأنه لا يصح مرفوعاً, أو ابن عباس [ أن الذي يتكلم يوم الجمعة والإمام يخطب فهو كمثل الحمار يحمل أسفاراً ].
فالمقصود بكل حال أن هذه السور فيها معان مناسبة، وفيها الوعد للمؤمنين، وفيها الوعيد للكافرين والمنافقين. وهكذا أيضاً سورة سبح والغاشية, فيها المعاني ذاتها.
فيها من الفوائد أيضاً: بيان مقدار ما يقرأ به في الصلاة، وقد سبق معنا في غير موضع الكلام عن التطويل والتخفيف في القراءة والصلاة، واختلاف الفقهاء في ذلك، وذكرنا أن خلاصة القول: أن مقدار الصلاة أمر إضافي -يعني: نسبياً- يختلف من جماعة إلى أخرى، ومن إمام إلى آخر، بل من زمان إلى زمان، أو مكان إلى مكان، وهذه السورة هي إحدى المحددات، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الجمعة بالجمعة، ويقرأ بالمنافقين، ويقرأ بسبح، ويقرأ بالغاشية، فينبغي للإمام أن يقرأ من هذا الجنس, أو قريباً منه.
وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قال كما سبق: ( إن قصر خطبة الرجل وطول صلاته مئنة من فقهه ) فإنه ينبغي أن يراعى هذا في صلاة الجمعة، فيقصر الخطيب الخطبة، ويطيل الصلاة نسبياً، نقيض ما يفعله الناس، فإن الخطيب يطيل الخطبة، فإذا انتهى الأمر إلى الصلاة كان الناس قد ملوا وتعبوا، فربما قرأ سورة وَالْعَصْرِ [العصر:1] في الركعة الأولى، و إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ [الكوثر:1] في الركعة الثانية، وتجوز في الركوع والسجود.
عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: ( صلى النبي صلى الله عليه وسلم العيد ثم رخص في الجمعة، فقال: من شاء أن يصلي فليصل ). رواه الخمسة إلا الترمذي , وصححه ابن خزيمة.
هذا الحديث جاء من طريق إياس بن أبي رملة الشامي، وإنما ذكرت اسمه لأن مدار الحديث عليه، وفيه نظر، إياس بن أبي رملة الشامي، أنه شهد معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه -كأنه يوم كان أميراً على الشام- وهو يسأل زيد بن أرقم إذا اجتمع العيد والجمعة في يوم واحد ماذا يصنع؟ فقال له زيد رضي الله عنه: ( إن النبي صلى الله عليه وسلم صلى العيد ثم أرخص في الجمعة، وقال: من شاء أن يصلي الجمعة فليصل ).
من هم الخمسة إذاً؟ أبو داود , وقد روى هذا الحديث أبو داود أيضاً كما ذكرنا في كتاب الجمعة، في الباب نفسه, باب إذا وافق العيد يوم جمعة.
والترمذي هو من الخمسة, لكن المصنف هنا استثناه.
أيضاً النسائي , فإنه روى هذا الحديث في الصلاة في التخلف عن الجمعة لمن أدرك العيد.
وأيضاً الثالث منهم هو ابن ماجه , فقد رواه في إقام الصلاة إذا اجتمع العيدان في يوم.
ورواه أيضاً الحاكم في مستدركه، وقال: إنه صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي في التلخيص , فقال: هو صحيح, وقد رواه أحمد في مسنده، والدارمي في سننه، وابن أبي شيبة والبيهقي وابن خزيمة , وغيرهم.
وهذا الحديث فيه كلام في سنده، والمصنف رحمه الله يقول: صححه ابن خزيمة، والواقع أن ابن خزيمة روى الحديث - كما ذكرنا- في كتاب الجمعة، لكنه لم يصحح الحديث، وإنما قال: إن صح الحديث، فإن فيه إياس بن أبي رملة الشامي، ولا أعرفه بعدالة ولا جرح، فتبين أن ابن خزيمة رحمه الله وقف صحة الحديث على الشامي، أو وقف الحكم على صحة الحديث، فهنا لا يصح أن يقال: إن ابن خزيمة صححه، وإنما ابن خزيمة رحمه الله رواه في صحيحه وتردد في صحته.
ومما ينبغي أن يعلم -وهذه فائدة- أن كثيراً من العلماء عندما يقولون: صححه ابن خزيمة أو صححه ابن حبان، لا يعنون أنه نص على تصحيحه، لكن يتسامحون ويقصدون أنه رواه في صحيحه, الذي سماه الصحيح، مع أنه ما دام نص على التردد فيه فإنه لا يعتبر مصححاً له.
وأيضاً ممن صحح الحديث كما ذكرنا قبل قليل الحاكم , قال: صحيح على شرطهما، والذهبي في التلخيص , وعلي بن المديني صحح الحديث، والنووي في المجموع وفي الخلاصة في أحاديث الأحكام، قال عن سند الحديث: حسن, وقال مرة: إسناده جيد.
والمصنف الحافظ ابن حجر في غير ما موضع, وعدد من المعاصرين كالشيخ الألباني والأرنؤوط وغيرهم من المحققين، قالوا: بأنه حديث حسن أو صحيح، وبعضهم صححوه لغيره، يعني: لطرقه, وليس لذات إسناده.
والحديث -كما ذكرنا- فيه الراوي عن زيد، وهو إياس بن أبي رملة الشامي , وهو أقرب إلى المجهول، وقد نص على جهالته جمع, كـابن القطان وابن المنذر , وغيرهما, بل الحافظ ابن حجر نفسه في التقريب قال: مجهول .
ولذلك فإن سند الحديث ضعيف، وهذا أيضاً ملحظ ثان.
إذاً: قول المصنف رحمه الله هنا لما قال: رواه الخمسة إلا الترمذي وصححه ابن خزيمة، نقول: إن تصحيح ابن خزيمة فيه نظر، وما قد يفهم من إقرار المؤلف وتصحيحه له كما في التلخيص الحبير وغيره أن فيه مأخذاً؛ فإن سند الحديث ضعيف.
أولاً: ضعفه ليس شديداً؛ لأنك تلاحظ أن هذا الرجل من التابعين, وليس مشهوراً بالرواية, فهو مجهول، لكنه ليس وضاعاً ولا كذاباً ولا متهماً.
الحديث له شواهد: من شواهده حديث عن أبي هريرة رضي الله عنه عند أصحاب السنن، بمعنى حديث الباب، ولكن حديث أبي هريرة رضي الله عنه أيضاً ضعيف، فإن فيه بقية بن الوليد , وقد سبق ذكره مراراً, وأنه من أصحاب التدليس والتسوية، والتسوية هي شر أنواع التدليس .
ولذلك نقول: إن حديث أبي هريرة رضي الله عنه ضعيف, فيه بقية بن الوليد، وسند الحديث أيضاً حديث أبي هريرة مضطرب، ولذلك رجح جماعة من العلماء المحققين أنه حديث مرسل, يعني: ليس فيه ذكر أبي هريرة رضي الله عنه.
الشاهد الثاني: هو عن ابن عباس رضي الله عنه، وقد رواه ابن ماجه، وحديث ابن عباس أيضاً حكم جماعة من العلماء منهم المصنف رحمه الله - ابن حجر - بأنه وهم، وأن الصواب أن حديث ابن عباس مرده لحديث أبي هريرة , لكن أخطأ الراوي فنسبه أو رواه عن ابن عباس , والصواب أنه هو حديث أبي هريرة .
إذاً: هذا لا يعتبر شاهداً آخر، وإنما هو نفسه حديث أبي هريرة الذي ذكرناه في رقم واحد.
من شواهد الحديث حديث ابن عمر، وهو أيضاً عند ابن ماجه في السنن، وفي سنده شيخ اسمه جبارة بن المغلس، وجبارة بن المغلس ضعيف، بل بعضهم يقول: إنه منكر الحديث، وليس ذلك من قبل أنه يكذب, ولكنه يروي عن الوضاعين والكذابين والضعفاء.
إذاً: هذا الشاهد أيضاً لا يفرح به، وإنما يذكر من باب التوسع ليس أكثر.
ومن أقوى ما يستشهد به: ما رواه البخاري رضي الله عنه، ولكنه أثر وليس حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم, إنما هو أثر عن أبي عبيد مولى ابن أزهر : ( أنه شهد العيد يوم الأضحى مع عمر بن الخطاب عثمان عثمان
هذا الأثر عن عثمان رضي الله عنه رواه البخاري، وقد فعله عثمان في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبحضرة الناس والصحابة، فهو دليل أيضاً على أن هذه سنة معروفة ومأثورة.
ومثل ذلك أيضاً أثر عن ابن الزبير عن عطاء أنه قال: ( صلى بنا ابن الزبير ابن عباس
والحديث رواه أبو داود، فهذا دليل على أن من الثابت عند ابن الزبير وابن عباس أن سنة النبي صلى الله عليه وسلم، أنه إذا اجتمع جمعة وعيد فإن الجمعة تسقط عمن صلى العيد.
لكن هنا ملحظ مهم جداً في أثر ابن الزبير ؛ لأنه قال: ( أنه صلى بهم، ثم لم يخرج إليهم حتى صلى العصر ). فهذه رواية عن عطاء، وجاءت بأكثر من لفظ، والراوي عن عطاء هو ابن جريج، والعلماء حكموا بأن رواية ابن جريج عن عطاء ضعيفة، وأن الغالب عليه التدليس، فجاء في هذه الرواية ما يوحي بأن ابن الزبير لم يصل الظهر، حتى الظهر، ومن هنا قال بعض العلماء كما سوف يأتي: إن من صلى العيد يعني واليوم جمعة فإنه تسقط عنه صلاة الجمعة، وتسقط عنه أيضاً الظهر.
ونسبوا هذا القول لـعطاء، وقد ينسبه بعضهم لـابن الزبير، وإنما الواقع أن هذه رواية مغلوطة، لأنها مخالفة للروايات الصحيحة على الجادة أنه لم يخرج إليهم وصلوا فرادى, وحداناً، صلوا في المسجد, وكونه لم يخرج يعني: أنه صلى الظهر في بيته أو في مسجد آخر، وليس فيه أنه لم يصل الظهر.
أيضاً: ورد عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عند عبد الرزاق بسند جيد مثل هذا المعنى، أنه إذا اجتمع العيد والجمعة سقطت الجمعة على من صلى العيد.
معاوية
), يعني: الشهود معناه: أنه حضر، والمقصود بالعيد هنا لم يتحدد, العيد الذي اجتمع مع جمعة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر الشراح هل هو عيد الفطر أو عيد الأضحى، بخلاف العيد الذي ذكرناه في صحيح البخاري عن عثمان رضي الله عنه: ( أنه صلى الجمعة يوم العيد، وقال: من شاء من أهل العوالي أن ينتظر, ومن شاء فليذهب )، فإنه عيد الأضحى، بخلاف العيد الذي فعله ابن الزبير , فإنه عيد الفطر.لكن العيد الوارد في أنه اجتمع عيد وجمعة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لم يتحدد، هل هذا العيد عيد فطر أو أضحى، والمسألة ليس فيها إشكال، وإنما من باب التقصي، وإلا فالحكم واحد, سواء كان هذا أو ذاك.
فيه أول وأهم مسألة ظاهرة هي قضية اجتماع العيد والجمعة في يوم واحد, وما هو الحكم فيها؟
هذه فيها أربعة أقوال:
القول الأول: أنه تجب صلاة الجمعة والعيد، حسب القول بالوجوب أو الاستحباب، لكن المقصود أن الجمعة واجبة حتى على من صلى العيد، وأنه لا يباح له التخلف عنها.
طبعاً الكلام هو في صلاة الجمعة، وأما العيد ففيه خلاف ثان، وسيأتي في وقته، وأن من العلماء من يرى وجوب صلاة العيد، ومنهم من يرى استحبابها، ومنهم من يرى أنها فرض كفاية.
إنما الكلام الآن في صلاة الجمعة، إذا اجتمع عيد وجمعة وصلى العيد هل تلزمه الجمعة أو لا تلزم؟
فالقول الأول: أنها تلزمه، ولا يباح له التخلف عنها، وهذا مذهب المالكية، وابن حزم، والأحناف، أنهم يرون وجوب الجمعة حتى على من صلى العيد.
وحجة هؤلاء واضحة, يعني: أنهم أخذوا بالأصل، كما في قوله سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ [الجمعة:9]، فقالوا: الأصل وجوب صلاة الجمعة، ووجوب إجابة المؤذن، والسعي إلى الصلاة.
ومثله أيضاً: ( من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر ), و( من ترك ثلاث جمع تهاوناً ... ) .. إلى غير ذلك مما سبق من النصوص التي تدل على وجوب الجمعة. هذا أولاً.
ثانياً: قال الكثير منهم: إن العيد سنة، ونافلة، والجمعة واجبة، والنفل لا يسقط الفرض. وبناءً عليه قالوا بوجوب صلاة الجمعة حتى لو صلى العيد.
وهذا لا شك أنه قد يكون قياساً سليماً بحد ذاته لو لم يكن في المسألة نص، فإذا ثبت في المسألة نص فحينئذ يمكن للقياس أن يأخذ وجهاً آخر، كما سوف أذكر.
إذاً: هذا هو القول الأول.
القول الثاني: أن الجمعة تسقط على من صلى العيد، يعني: إذا صلى العيد سواء كان مأموماً، وبعضهم يستثني الإمام، أو نقول بشكل عام: إن الجمعة تسقط على من صلى العيد، لكن إذا سقطت عنه الجمعة يجب عليه أن يصلي الظهر. نعم. وهذا مذهب الحنابلة وكثير من السلف والصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم.
وأدلة هؤلاء واضحة جداً، الذين يقولون: إنها تسقط عنه الجمعة ويصلي بدلها ظهراً منها: حديث زيد بن أرقم وحديث ابن عباس , وحديث الزبير , وحديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه, وحديث عثمان , كلها تدل على هذا المعنى, أنها تسقط عنه الجمعة، ويصلي بدلها ظهراً، وكونه تسقط عنه الجمعة هذا واضح من النصوص والشواهد، لكن من أين أخذنا أنه يجب عليه أن يصلي الظهر مع أنه لم يرد لها ذكر في الأحاديث؟
مسألة فرض فرضية الصلوات الخمس من قطعيات الدين، وأنا أقول: إن هذا الخلاف فضلاً عن أنه ضعيف كما سوف نشير، إلا أنه غريب أيضاً -مسألة القول بسقوط صلاة الظهر-؛ لأن الصلوات الخمس من المحكمات في الأصل، في نصوص الكتاب والسنة والإجماع من حيث الأصل، وهذه الأشياء الثابتة في الدين ما ينبغي أنها تهتز أحياناً بأدلة محتملة أو موهومة، فالتمسك بالأصل في مثل هذه الأمور لابد منه، ولا مندوحة عنه، ولهذا القول بسقوط الظهر قول ضعيف جداً، خصوصاً إذا علمت -كما ذكرنا قبل قليل- بأن الرواية نفسها رواية منكرة، وهي من رواية ابن جريج عن عطاء، مخالفة للروايات الصحيحة عنه وعن غيره.
إذاً: ثبوت الظهر في ذمته مما لا إشكال فيه، وإنما التوسعة كانت بإسقاط الجمعة عنه.
إذاً: القول الثاني: أن الجمعة تسقط عمن صلى العيد، ويلزمه أن يصلي ظهراً، والأدلة مثل حديث الباب أيضاً، فإن فيها الرخصة بترك الجمعة، وفي رواياته أنهم صلوا وحداناً، وفي بعضها أنه رخص لهم في ترك الجمعة، والترخيص في ترك الجمعة ليس فيه أي إشارة إلى أنه رخص لهم في ترك صلاة الظهر. هذا من المنقول.
أما من المعقول والنظر: فهناك معنى جيد وواضح، وهو أن الجمعة تتميز عن الظهر بالخطبة، وأنها ركعتان، فإذا كان في العيد خطبة، فمعنى ذلك أنه لا حاجة لتكرار الخطبة في يوم واحد، فتجزئ الخطبة الأولى عن خطبة العيد، ويبقى في ذمة المكلف ما تعبده الله به أصلاً، وهو صلاة الظهر.
وأيضاً: نقول: إن الإنسان في يوم العيد يحتاج إلى التوسعة، وربما يذهب أو يجيء أو يتمتع، فإذا أوجبنا في ذمته صلاة وخطبة في أول النهار، ثم أوجبنا صلاة وخطبة بعد الزوال؛ فإن ذلك فيه مشقة عليه، وقد يخدش من كمال متعته في هذا اليوم وانطلاقه؛ لأن المطلوب في العيد هو الفرح والتوسعة على الناس.
إذاً: نقول: من المعقول المناسب ألا يشتمل يوم العيد على خطبتين إذا صادف يوم جمعة، وقد أشار إلى هذا المعنى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى.
القول الثالث: أن الجمعة تسقط عن أهل القرى ولا تسقط عن أهل المدن والبلدان الكثيرة، وهذا منقول عن الشافعي، وربما استدل له بمثل قول عثمان رضي الله عنه -كما في البخاري -: [ لأهل العوالي ]، ولا شك أن هذا القول ليس بقوي.
والقول الرابع هو قول عطاء ونسب إلى ابن الزبير : أنه يرى سقوط الجمعة والظهر، وهذا القول قول منكر .. أنا لا أستطيع أن أقول: إنه منكر وقد قال به.. هو ما قال به عطاء حقيقة ما نص عليه، وإنما أظن أنه نسب إليه لظاهر الرواية، والرواية لا تدل على أنه يقول بهذا القول، لكن على فرض أنه نقل عنه نصاً أنه يقول بسقوط الظهر، فإننا نقول: هذا قول غريب جداً، ومخالف لأصول عظيمة في الدين، فهو قول مردود.
أكبر فائدة فيه: أنه إذا اجتمع في يوم واحد جمعة وعيد؛ فإن الجمعة تسقط عمن صلى العيد كما ذكرنا، وهو مذهب الأكثرين، ومذهب جمهور الصحابة كما نقل عن عثمان وعلي وابن الزبير .. وغيرهم.
وذكرنا الفائدة الثانية: وهي سبب الاكتفاء بأحد الصلاتين عن الأخرى لقوة الشبه بينهما، وأن ميزة الجمعة الخطبة، وهي موجودة في صلاة العيد.
الفائدة الثالثة: أن سقوط الجمعة خاص بمن صلى العيد، لكن من لم يصل تلزمه الجمعة، لماذا؟ لأن هذه رخصة لمن صلى العيد وشهدها، أما من لم يصل العيد، فهذا نقول: يبقى على ما هو الأصل، فيصلي الجمعة، ولذلك نقول: يجب أن يكون في مساجد تقيم الجمعة؛ لأنه ليس كل الناس يصلون العيد، فينبغي أن يكون في مساجد تقيم الجمعة ليصلي معهم من لم يصل.
ومن فوائد الحديث: استحباب التنبيه على الأحكام في مناسباتها، فإننا نجد عثمان رضي الله عنه، وكذلك عمر وغيرهم، كانوا ينبهون على الأشياء إذا جاء لها مناسبة، وعثمان هنا نبههم إلى أن من صلى العيد لا تلزمه الجمعة، وإن كان من أهل العوالي أن ينصرف أو يبقى.
والحديث رواه أهل السنن: رواه النسائي وابن حبان والدارمي وابن خزيمة وأحمد وغيرهم.
إذاً: قوله: ( فليصل بعدها أربعاً )، يعني: أربع ركعات، سواء كان ذلك بتسليم وهو أقوى، يعني: مثنى مثنى، أو كان ذلك بتسليم واحد.
فأشهر هذه الأقوال: أولاً: أنه يصلي بعد الجمعة ركعتين فقط، وهذا قول المالكية ورواية عن الحنابلة والشافعية؛ أنه يصلي بعد الجمعة ركعتين، وهذا ورد فيه أدلة:
منها: حديث عند البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد الجمعة ركعتين )، فهذا الحديث استدل به مالك ومن وافقه على أن السنة: أن يصلي بعد الجمعة ركعتين فحسب، وجاء هذا أيضاً عن ابن عمر رضي الله عنه من طرق مختلفة، وجاء عن بعض الصحابة: ( أنهم كانوا يصلون بعد الجمعة ركعتين ) كما عند ابن أبي شيبة وابن المنذر .
القول الثاني: أنه يصلي بعد الجمعة أربعاً على ما يقتضيه حديث الباب، وهذا مذهب أبي حنيفة والشافعي، وهو أيضاً رواية عند الحنابلة، ونقل عن جمع من الصحابة.
أدلتهم: أولاً: حديث الباب؛ حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا صلى أحدكم الجمعة فليصل بعدها أربعاً )، وقد جاء فيه روايات كثيرة، وقد جاء في ذلك آثار صحيحة عن ابن مسعود : ( أنه كان يصلي أربعاً )، وعن الأسود بن يزيد وعن حماد وغيرهم. ( أنهم كانوا يصلون بعد الجمعة أربع ركعات )، وهذه آثار صحيحة.
القول الثالث: أنه يصلي بعد الجمعة ستاً، يعني: ثلاث تسليمات، وهذا قول بعض الحنفية، ورواية عن الإمام أحمد، ورواية عن أبي حنيفة، وقول لـعلي بن أبي طالب وغيره. وهذا أيضاً جاء فيه آثار صحيحة، مثل: أثر ابن مسعود رضي الله عنه قال بعضهم: ( إنه كان يأمرهم أن يصلوا أربع ركعات، فجاء علي إليهم فأمرهم أن يصلوا ست ركعات ).. إلى غير ذلك من الآثار.
طبعاً في المسألة أقوال أخرى: مثل: أن لا يصلي شيئاً، وهذا نقل عن حذيفة رضي الله عنه، والصواب: أنه ليس من فعل حذيفة : أنه لا سنة بعد الجمعة، لكنه سمع من يقول: إن حذيفة إذا صلى الجمعة لم يقنع حتى يصلي إليها ركعتين، فترك الصلاة حينئذ لهذا العارض، وليس لأنه لا يرى السنة.
وبعضهم قد يقول: بأنه بعد الجمعة يصلي ما كتب له أو ما تيسر له، فهذا أيضاً لا بأس، وليس بالضرورة أن يعد من الأقوال؛ لأن المقصود الأقوال المحددة كما ذكرنا. إذاً: هذه الآن ثلاثة أقوال.
أيضاً هناك قول يمكن أن نضيفه ونعتبره قولاً خامساً، وهو قول ابن القيم رحمه الله وابن تيمية، ونسب لـإسحاق الحنظلي قال: إن صلى في المسجد صلى أربعاً، وإن صلى في بيته صلى ركعتين، هذه خمسة أقوال، وفي حديث عند أبي داود في هذا السياق.
والأرجح من هذه الأقوال كما قال الإمام أحمد رحمه الله: قال: كل ذلك ثابت، إن شاء صلى ركعتين، وإن شاء صلى أربعاً، وإن شاء صلى ستاً.
فنقول: الأمر في ذلك واسع، ولا يظهر قوة ووجاهة التفريق الذي فرق فيه ابن تيمية رحمه الله بين أن يصلي في بيته أو يصلي في المسجد؛ لأن هذه أفعال للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأفعاله عليه الصلاة والسلام قد لا يستطيع الجميع أن يحكمها وأن يرويها، وقد يترك النبي صلى الله عليه وسلم السنة لعارض، والعبرة في هذا المجال بما قاله النبي صلى الله عليه وسلم، فكونه يقول: ( إذا صلى أحدكم الجمعة فليصل بعدها أربعاً )؛ دليل على أن بعد الجمعة صلاة تشبه الراتبة أو هي راتبة؛ أن يصلي أربع ركعات، ولو زاد ركعتين -كما قاله الإمام أحمد : أن ذلك ثابت- فلا حرج، ولو اقتصر على ركعتين فلا حرج، ولو ترك الصلاة كلها أيضاً ولم يصل بعد الجمعة شيئاً فلا حرج عليه. وأما التفريق بين المسجد والبيت فلا يظهر لي في ذلك شيء.
وبعضهم يقول: إن هذه من السنة التي تتنوع، مثل (سبح) و(الغاشية) و(الجمعة) و(المنافقين)؛ يفعل هذا تارة وهذا تارة لا بأس بذلك.
المسألة فيها قولان:
القول الأول: أنه يسن له صلاة ركعتين أو أربع ركعات قبل الجمعة، وكأن هذه عندهم مثل الراتبة، وهذا مذهب أبي حنيفة وبعض الشافعية، وقال به بعض الحنابلة أيضاً؛ قالوا: إنه قبل الجمعة صلاة .. ركعتان أو أربع.
وأدلتهم: ( أن ابن عمر رضي الله عنه كان يطيل الصلاة قبل الجمعة )، وكذلك علي بن أبي طالب رضي الله عنه، بل ورد في صحيح البخاري: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من أتى الجمعة ثم صلى ما كتب له.. )، فهذه تدل على الصلاة قبل الجمعة .. وهناك آثار عديدة كما قلنا عن بعض الصحابة.
القول الثاني: أنه ليس للجمعة صلاة قبلها، يعني: ليس قبلها سنة راتبة، وإنما هو نفل مطلق، يعني: يصلي ما شاء الله له من غير تحديد، يمكن يصلي ركعتين أو أربعاً أو ستاً أو ثماناً أو عشراً، تعب من الصلاة يقرأ القرآن، تعب من القعود قام يصلي من غير تحديد.
فالمقصود: ليس لها صلاة راتبة تخصها، وإلا فإن كونه يصلي ما كتب له هذا ثابت في السنة، قد يقرأ القرآن ويصلي ويطيل الصلاة أو يقصرها، لكن ليس لها سنة تخصها، ومن باب أولى أنه لا يشرع تحري صلاة ركعتين بعد الزوال وقبل دخول الإمام مثلاً؛ هذا لا يشرع تحريه؛ لأن الجمعة ليست كالظهر، إذا زالت الشمس استحب له أن يصلي ركعتين، فنقول: هذا لا يشرع أن يتحراه الإنسان، إلا أن يكون يصلي ما كتب له فلا بأس بذلك، وهذا مذهب الجمهور كما ذكرنا؛ لعدم ثبوته عن النبي صلى الله عليه وسلم.
أولاً: استحباب الصلاة بعد الجمعة ركعتين أو أربعاً أو ستاً كما ذكرنا، ونقل هذا عن الإمام أحمد، والثابت في السنة أربع فهو أقوى ما ورد كما في الصحيح.
ومن فوائد الحديث: أنه لا توجد راتبة قبل صلاة الجمعة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج من بيته، ثم يصعد على المنبر ولا يصلي هو، ولم يأمر بذلك، فإذا دخل النبي صلى الله عليه وسلم المسجد وأخذ في الخطبة فكان لا يفصل، ولم يكن الناس يصلون إلا أن يصلي أحدهم تحية المسجد على ما ذكرناه في الأسبوع الماضي.
ذكر بعضهم وجهاً، كما ذكرناه عن ابن القيم وابن تيمية في صلاة.. أنه يصلي أربع ركعات إن صلى في المسجد وركعتين إن صلى في البيت، وهذا اختيار، وفيه نظر، والأقرب عندي أنه يصلي أربعاً، فإن نقص أو زاد فلا شيء عليه.
ومن فوائد الحديث أيضاً: استحباب صلاة بعض النوافل في المسجد، حتى قال: ( إن عجل بك أمر فصل ركعتين في المسجد وركعتين في بيتك )، دليل على أن المعهود عندهم: أنهم كانوا يصلونها في المسجد كلها، فهذا دليل على أنه توقع بعض النوافل في المسجد؛ بل هناك نوافل لا مكان لها إلا في المسجد، مثل تحية المسجد، وهناك نوافل قد يكون وجودها في المسجد أفضل، مثل النوافل القبلية، حتى يضمن الإنسان التبكير إلى الصلاة وإلى الصف الأول.
ومن السنة إيقاع بعض النوافل في البيت، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم ولا تجعلوها قبوراً ).
هذه تقريباً أهم مباحث وفوائد الحديث، وبه نكون أتينا على أربعة أحاديث.
نسأل الله سبحانه وتعالى العون والتمام.
الجواب: هذا ذكرناه فيما مضى، وهو أمر نسبي.
الجواب: إذا كان مسافراً جد به الطريق فليس عليه جمعة، إن صلاها صلاها مع الناس وأجزأته، وإلا فإنه يصليها ظهراً مقصورة، يعني: ركعتين.
الجواب: هذا الذي ذكرناه أنه من التكلف والاحتياط الذي لا داعي له.
الجواب: لا بأس، هذا يعني بمناسبة الهجرة.
الجواب: لا بأس بها، نحن نرى جواز المساهمة فيها.
الجواب: هذا السؤال جيد، طيب، لو أنه جاء متأخراً للعيد وصلى العيد ولم يحضر الخطبة، ماذا تقولون؟
يقول: الصلاة قبل الخطبة جميل.
الجواب: هنا تأتي بركعة وتسجد للسهو.
الجواب: يصلي ما كتب له.
الجواب: صلاة ضحى، مبحث مهم جداً، وهذه حطوها في الفوائد أيضاً، فاتتني أن نقول: إن النهي للجمعة يكون مثله في سائر الأيام، فقد ذهب بعض أهل العلم واختاره ابن القيم إلى أن يوم الجمعة ليس فيه وقت نهي عند الزوال، وأن هذه من خصائص يوم الجمعة كما ذكره في زاد المعاد، والمسألة فيها خلاف كثير، والأرجح أن يوم الجمعة كغيره، وأن فيه وقت نهي، لكن وقت النهي هنا وقت يسير، والناس في المساجد لا يلزمهم أن يتحروه، لكن إذا عرف الإنسان وقت النهي في الساعة، فإنه لا يشرع له فيه أن يصلي، إلا أن تكون صلاة لها سبب كتحية المسجد، أو يكون مستمراً في صلاة فيكملها.
سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر