ثم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وهذا هو المجلس السادس والستون بعد المائة من أمالي شرح بلوغ المرام، ينعقد في هذه الليلة، ليلة الإثنين (21/ربيع الأول/ 1425هـ)، في جامع الراجحي ببريدة.
عندنا حديث واحد وهو حديث أنس رضي الله عنه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سافر مسيرة ثلاثة أميال أو فراسخ قصر الصلاة )، والحديث رواه مسلم.
وكذلك خرجه أبو عوانة في مستخرجه على صحيح مسلم -وهو مطبوع- في الباب نفسه، ورواه أبو داود في كتاب صلاة السفر، والإمام أحمد في المسند، والبيهقي في السنن، وابن أبي شيبة وابن حبان، وأبو يعلى وغيرهم.
والحديث ليس فيه كلام وإن كان بعضهم تكلم في بعض رجاله، لكن يكفي تخريج مسلم رحمه الله له.
فإن فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم: ( كان إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال )، ومعنى قوله: ( خرج مسيرة ثلاثة أميال )، يحتمل أن يكون المعنى إذا وصل إلى هذه المسافة وليست هذه نهاية مقصده، فقد يكون سافر إلى مكة مثلاً، ولكنه لما مضى ثلاثة أميال من السفر قصر الصلاة، وهذا هو قول الجمهور في معنى الحديث، فيكون قوله: ( إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال )، أنه لا تكون الأميال الثلاثة هي نهاية قصده في السفر، وإنما هي مرحلة من مراحل السفر.
وقد يعترض عليه: بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد يقصر في أقل من ذلك. فنقول: الحديث ليس فيه تعرض لقضية أنه لا يقصر في أقل من ذلك، ولكن فيه إخبار من أنس أنه إذا سافر هذه المسافة قصر، وقد يكون هذا أمراً اتفاقياً فيقصر فيما دونه ويقصر فيما بعده.
وبعضهم حمل الحديث على أن المقصود (ثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ) أن تكون هي نهاية السفر، يعني: لو ذهب إلى مدينة أو إلى قرية بينها وبين المدينة المنورة ثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ فإنه يقصر الصلاة على هذا القول وعلى هذا التأويل.
على كل حال سيأتي عرض هذه المسألة, إنما نحن نقول: حتى على هذا الوجه، فإنه لا يستدل بالحديث لسبب، وهو أن الحديث فيه شك: ( ثلاثة أميال أو فراسخ )، وهذا الشك من شعبة راوي الحديث، كما نص عليه الإمام مسلم وأبو داود والبيهقي وأحمد وكل من روى الحديث، قالوا: شعبة الشاك.
فالحديث فيه شك وتردد، إضافة إلى الشك في معناه كما قلنا، هل أن ثلاثة أميال أو فراسخ هي نهاية السفر أو أن ثلاثة أميال أو فراسخ هي مرحلة أولى في السفر، ويكون قصده بعيداً، كأن يكون قصده مكة مثلاً، أو غزواً أو غيره؟
وحين نقول بالبصر المعتدل، يأتي الإشكال: أين البصر المعتدل؟ ومن هو بصره المعتدل؟ إنما هذا قدر ما كانوا يطيقون في التعريف، ومع ذلك كان لهم تعريفات في غاية الدقة والمحاولة، حتى حددوا الميل إلى حد الشعيرة، حددوا الميل كم هو شعيرة، وكم هو إصبع، وكم هو شبر، وكم هو ذراع، وكم هو قدم، تحديدات كثيرة وطويلة جداً.
على كل حال نحن نقول: الأميال هذه جمع ميل، والميل قالوا: إنه ستة آلاف ذراع عند كثير من فقهاء الحنابلة والشافعية، والذراع من أين إلى أين؟ من طرف الإصبع إلى نهاية المرفق.
ويقول الحافظ ابن حجر رحمه الله: إنه بالذراع الحديد المعروف أقل من ذلك، فهو تقريباً بقدر خمسة آلاف ومائتين وخمسين ذراعاً.
طبعاً العلماء المتأخرون يحددون الميل بالنسبة إلى الكيلو بأنه كيلو وثلاثة على خمسة، يعني: أن الميل ثمانية أخماس الكيلو، تجد الآن السيارات بعضها الطبلون فيها محدد بالكيلو، وبعضها بالميل.
فالمقصود: أن الميل أكثر من كيلو ونصف، وهذا التحديد العصري ليس بعيداً عن كلام الفقهاء، خصوصاً إذا تأملت، وعرفت أن التقديرات الحسابية عند السابقين ليست على سبيل التحديد والدقة، وإنما هي على سبيل التقريب، هذا هو الميل: ( إذا سافر مسيرة ثلاثة أميال ).
إذاً: ما دام عرفنا الميل فالفرسخ ثلاثة أميال، وتقريباً- تقريباً أيضاً- يبدو أن الفرسخ بالحسابات والأسماء العصرية يكون خمسة كيلو ونصف، وهذا أيضاً تقريباً وليس بالضبط والدقة، خمسة كيلو ونصف تقريباً.
قال: (أو)، ( ثلاثة أميال أو فراسخ )، (أو) هذه هل هي للتخيير؟ لا، قلنا: إن (أو) هذه للشك.. للتردد، والشك هنا من شعبة راوي الحديث, فهو شك في هذا الكلام، هل قال أنس رضي الله عنه: إن النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا سافر مسيرة ثلاثة أميال)، أو قال: (إذا سافر مسيرة ثلاثة فراسخ), والأميال والفراسخ بينها فرق.
قوله: ( صلى ركعتين )، ما معنى: ( صلى ركعتين )؟ يعني: يقف وينزل ويصلي نافلة ركعتين؟ لا. وإنما المقصود: قصر الصلاة الرباعية.
الأولى منهما مسألة مهمة وكبيرة جداً، وهي: مسألة مسافة القصر، وهذه ربما أهم مسألة في باب السفر كله تقريباً، مسألة مسافة القصر، وما يتعلق بها، وإلى كم يقصر المسافر.
وهذه المسألة قرأت معظم ما كتب حولها، طبعاً في السفر وجد كتب مطبوعة، مثل كتاب أحكام السفر للدكتور عبد الله العجلان مطبوع، وهناك أيضاً رسالة ماجستير للدكتور صالح الونيان في أحكام السفر، وفي أحكام الرخص للمسافر مجموعة من الرسائل الجامعية، وفضلاً عن كلام الفقهاء والشراح، فاطلعت على معظم ما كتب في هذا الموضوع، وأعطيت هنا خلاصة، يعني: ليست جامعة ولا مانعة، لكنها كافية إن شاء الله في مثل هذا المجلس.
فأولاً: الفقرة الأولى في موضوع مسألة مسافة القصر: أن هذه المسألة كثر فيها التردد، وكثر فيها الاضطراب، وتفاقمت فيها أقوال أهل العلم، حتى إن ابن المنذر رحمه الله وابن حجر وغيرهم ذكروا فيها ما يزيد على عشرين قولاً للفقهاء، ويمكن بالتتبع وجمع أقوال أهل العلم أن تزيد على هذا العدد، وممن أفاض فيها في الكلام -كما ذكرنا- ابن المنذر وكذلك ابن حزم رحمه الله في المحلى، وابن حجر في فتح الباري والإمام ابن عبد البر في الاستذكار وغيرهم من أهل العلم.
إذاً: هي مسألة كثر فيها التردد وكثر فيها الاضطراب، وإذا عرفنا أن هذه المسألة تتعلق بعبادة، بل بمجموعة من العبادات، تتعلق بالصلاة، وتتعلق بالصيام، وتتعلق بالمسح على الخفين, وتتعلق باعتبارات كثيرة جداً أدركنا أن هذا الاضطراب في نظري يمثل جانباً من سعة الشريعة التي ضيقتها عقول الناس؛ لأنه كما كان عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه يقول: [ إن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم اختلفوا، وما يسرني أنهم لم يختلفوا؛ لأنهم إذا اختلفوا فاختلافهم رحمة، وإذا اتفقوا لم يسع أحداً أن يخالفهم ]، فأنت يمكن تنظر إلى هذا الاضطراب إلى أنه جانب من جوانب السعة والمرونة في الشريعة لو أحسن الناس التعامل معه.
الطريقة الأولى: هي تقدير السفر بالمسافة المكانية، يعني: بمقدار ما يقطعه الإنسان، وهذا تقريباً هو مذهب الجمهور، وأكثر أهل العلم أنهم يقدرون السفر بكذا من الأميال، أو بكذا من الفراسخ، أو بكذا من الكيلو مترات، أو بكذا من المراحل، المهم أنهم يحددون المسافة بالمقدار المكاني الذي يقطعه الإنسان، هذه هي الطريقة الأولى، وهي طريقة الحنابلة والشافعية والمالكية وبعض الأحناف وغيرهم.
الطريقة الثانية هي: تحديد السفر بالزمان، بالمسافة الزمنية، وهذه غالباً طريقة الأحناف، أنهم يحددون مسافة القصر بالزمن، فيقولون مثلاً: مسيرة ثلاثة أيام، ولا يحددونه بالمكان أو بمقدار ما يقطعه الإنسان، فلا يعتبرون الميل، ولا يعتبرون الفرسخ، وإنما يعتبرون المدة، وهم هنا حين يعتبرون المدة لا يقصدون أنه لازم يقطع المدة هذه، لكن يقصدون ما جرت العادة به، وأيضاً: لا يقصدون أنه لازم إذا قلنا ثلاثة أيام، معناه أنه يمشي من يوم خرج من بيته إلى نهاية اليوم الثالث هل هذا متصور؟ لا. وإنما يقولون مثلاً: يمشي بعد صلاة الفجر إلى وقت الزوال، ثم ترتفع الشمس ويشتد الحر فينزل الإنسان ويقيل ويتغدى وينام، وقد يسير آخر النهار أو ينام ويمشي من الغد، فهم يراعون هذا الأمر المعتاد عند المسافرين إذا حددوا المدة، حتى إن منهم من حدد وقال: إن المقصود أنه يمشي من الفجر إلى وقت الزوال. المهم: أنهم يحددون المسافة بالزمان.
الطريقة الثالثة: من يجمع بين الزمان والمكان، وهذه أيضاً طريقة لبعض فقهاء الأحناف، فيجمعون بين المسافة الزمنية وبين المسافة المكانية، كأن يقولون مثلاً: ثلاثة أميال يقطع فيها مثلاً خمسة عشر فرسخاً لكل يوم خمسة فراسخ، هكذا قال بعض فقهاء الأحناف، أو يزيدون على ذلك، المهم: أنهم يجمعون بين المسافة الزمنية والمسافة المكانية.
الطريقة الرابعة: هي طريقة من لا يعتد لا بمسافة ولا بزمان، وإنما يعتد بالعرف، وهذه طريقة ابن تيمية ومن وافقه كما سوف نذكرها.
إذاً: هذه أربع طرق في تحديد المسافة.
إذاً: يترتب عليها نتائج كبيرة في صلب العبادات، ومع ذلك قال العلماء: الأمر فيه سعة، وفيه مرونة، ولا ينبغي أن يكون فيه إنكار ولا هجر ولا تعنيف لمن اختلفوا، وهذا مسلك حميد وجيد ينبغي أن نتعلمه مع كل مسألة نتعلم فيها الخلاف.
وقد وجدت أن ابن العربي رحمه الله لما ذكر الخلاف في المسألة هذه، ذكر خلاف الظاهرية، وتعرفون أن الظاهرية وجودهم الغالب في الأندلس وبلاد المغرب التي هي بلد ابن حزم رحمه الله، فكان بينه وبينهم مناكفة ومنافرة؛ ولذلك كان ابن حزم معروفاً، ولما أحرقت كتبه كان يقول:
فإن تحرقوا القرطاس لا تحرقوا الذي تضمنه القرطاس بل هو في صدري
يقيم معي حيث استقلت ركائبي وينزل إن أنزل ويدفن في قبري
دعوني من إحراق رق وكاغد وقولوا بعلم كي يرى الناس من يدري
وإلا فعودوا في الكتاتيب بدأة فكم دون ما تبغون لله من ستر
كذاك النصارى يحرقون إذا علت أكفهم القرآن في مدن الثغر
فـابن حزم كان قاسياً رحمه الله وشديداً، والذي يقرأ كتاب المحلى يجد لغة حادة عنده رحمه الله، ولا أقول هذا للنيل منه، فهو إمام، وجبل، وله مكانته وقدره، ويكفي ثناء الأئمة عليه كـابن تيمية وابن القيم والذهبي، وإنما أقول هذا لئلا يقرأ بعض الطلاب كتاب المحلى فيتقمصون شخصية ابن حزم التي فيها نوع من القوة والشدة والقسوة.
وأيضاً: في مقابل ذلك فإن بعض المالكية الذين صار لهم مع ابن حزم مواقف، هم أيضاً ربما اشتدوا عليه، حتى إن منهم من يقول: لا ينبغي حكاية قول الظاهرية في الخلاف؛ لأنهم ليسوا من العلماء.
وكذلك: ابن العربي رحمه الله لما ذكر هذه المسألة قال: وقد وجد في هذه المسألة قول لولا أن بعض الفقهاء ذكروه ما كان يستحق أن أنظر إليه بطرف عيني، وكلام من هذا الباب، يعني ربما الإمام أبو بكر بن العربي على جلالة قدره ومكانته لو لم يقل هذا الكلام لكان خيراً وأفضل، وإن كان مجتهداً فيما قال، لكن المسألة ما دام فيها الخلاف لا ينبغي التثريب على المخالف.
تقريباً ثمانية عشر كيلو، هذا ضمن قول واحد فقط الذي هو قول الجمهور, فكيف بغيره من الأقوال الأخرى؟
إذاً. فالمقصود هنا: أن كلام الأئمة ونصوا عليه، كلام الشافعية والأحناف والمالكية يقولون: إنه تقريبي، وليس دقيقاً أو قطعياً، وهذا أيضاً لا فائدة؛ لأن كثيراً من الأساتذة الذين يدرسون أو يعملون أو الموظفين يقع عندهم اختلاف أقصر أو ما أقصر، وهكذا الذين ينتقلون من بلد إلى بلد, ومن مكة إلى جدة يقع الخلاف، ومن بريدة إلى الرس أو الرس إلى بريدة ومناطق كثيرة جداً يتساءل الناس فيها.
فنقول: لا يكون الأمر فيه دقة كما لو كان الإنسان يحسبها بالآلة الحاسبة، الأمر فيه سعة وفيه مرونة، والفقهاء نصوا على أن الباب تقريب وليس حسماً وتدقيقاً.
وكذلك الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في هذا الباب، فالذي يسوغ القصر، إذاً: هو السفر، ولماذا نقول هذا الكلام؟ لأن هناك قولاً عند المالكية واختاره بعض الحنابلة أن القصر قد يكون لسبب آخر وهو النسك، مثلاً قصر أهل مكة في عرفة مثلاً، يقولون: لأجل النسك، وهذا القول كأنهم لجئوا إليه خروجاً من الإشكال، أن أهل مكة ربما قصروا مع النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة، فقالوا: القصر لأجل النسك، ونقول: هذا مذهب مرجوح والله أعلم، والراجح أن القصر لا يكون إلا للسفر.
طيب. ما هو قولهم؟ ذكرناه قبل قليل؟
مسيرة ثلاثة أيام، الأحناف يرون: أن الإنسان يقصر فيما هو من مسيرة ثلاثة أيام، وإنما بدأنا بهذا القول؛ لأنه تقريباً هو أطول المسافات، يعني: المسافة عند الأحناف أطول من المسافة عند الجمهور، فهم يقولون ثلاثة أيام، وهذا أكثر مما هو عند الجمهور، وقد يعبر عن ثلاثة أيام بثلاث مراحل؛ لأن العادة في الغالب أن ما يقطع في يوم يسمى: مرحلة، وهذه فائدة أيضاً.
طيب, ما هي حجة الحنفية في التقدير بثلاثة أيام؟ احتجوا بعدة أدلة:
أولاً: حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه في صحيح مسلم قصة شريح : ( لما جاء إلى
وجه الدلالة من الحديث واضحة، لكن على هذا الحديث إشكال، نقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم هنا حدد أن الإنسان يمسح مسافة ثلاثة أيام بلياليها، حتى لو كان سفره مثلاً شهراً بدلاً من أن يكون يخلع كل يوم وليلة، يعني: يكون أعطي ضعف ذلك، كما أن الصلاة أسقط عنه نصفها، فكذلك المسح على الخفين أعطي ضعف الرخصة، وليس الأمر متعلقاً بمسافة القصر.
إذاً: الاستدلال بهذا الحديث قوي أو ليس بقوي؟ ليس بقوي, وأنا عمداً ما أحببت أن أقول: قوي أو ضعيف؛ نريد إذا استطعنا أننا نأتي بعبارة تؤدي المقصود دون أن يكون فيها خدش لمكانة العالم أو الفقيه يكون هذا أفضل.
الدليل الثاني عند الأحناف أيضاً: حديث نافع عن ابن عمر كما في الصحيحين في البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تسافر المرأة مسيرة ثلاثة أيام إلا مع ذي محرم )، وهذا الحديث أيضاً فيه النص على تحريم سفر المرأة مسيرة ثلاثة أيام، إلا مع ذي محرم، فقالوا: هذا أيضاً تحديد السفر الذي تكون به الرخصة.
ومثله أيضاً في الدلالة: الحديث الآخر عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وهو في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر سفراً يكون ثلاثة أيام إلا ومعها ذو حرمة أو ذو محرم )، والحديث متفق عليه أيضاً حديث أبي سعيد، وكذلك حديث ابن عمر .
طيب, الدلالة واضحة، كيف نجيب على هذين الحديثين؟ فيه جواب سهل وواضح وقريب إن شاء الله.
نجيب بأنه إذا كان هذا الحديث حدد ثلاثة أيام فعندنا أحاديث أخرى في الصحيحين حددت أقل من ذلك كما سوف يأتي أنها حددت يوماً وليلة، مسيرة يوم كما في حديث أبي هريرة وغيره، فنقول: هذا التحديد لا ينفي ما دونه، فليس حداً للسفر؛ لأنه ورد في أحاديث أخرى صحيحة أنه لا يحل للمرأة أن تسافر مسيرة يوم إلا ومعها ذو حرمة.
إذاً: أجبنا أيضاً على هذا الحديث، هذا القول الأول وهو قول عثمان، وابن مسعود، وحذيفة، والأحناف، وقلنا: إنه هو أبعد الأقوال.
إذاً: القول الثاني وهو قول الجمهور كما ذكرنا ابن عمر وابن عباس من الصحابة، والأئمة الثلاثة، واختيار البخاري، هذا القول ربما أصبح معروفاً لدينا الآن بعدما شرحنا حديث الباب تقريباً وبينا بعض الأقوال.
نقول: هذا القول يعتبر أن السفر الذي تقصر فيه الصلاة أولاً مرحلتان، أي: يوم وليلة، اليوم والليلة يقطع الإنسان فيها تقريباً مرحلتين؛ وهذا القول ربما أنه يقارب ثمانية وأربعين ميلاً؛ لأنه أربعة برد كما ذكرنا، والبريد أربعة فراسخ فعندنا أربعة برد في أربعة فراسخ ستة عشر، طيب الفرسخ كم ميل؟
ثلاثة، اضرب ستة عشر في ثلاثة كم تصبح؟ ثمانية وأربعين ميلاً، هذا هو قول الجمهور، وكما قلنا المسألة تقريبية تزيد كذا ميل أو تنقص كذا ميل، وقد وجدت غالب العلماء يحددونها ما بين خمسة وسبعين إلى تسعين كيلو متر، والمتقدمون حددوها بالذراع:
ستة آلاف ذراع، وبالذراع الحديدي قلنا: خمسة آلاف ومائتين وخمسين بذراع الحديد، وهكذا طبعاً التحديدات كثيرة.
نذكر الآن أدلة الجمهور:
من أدلة الجمهور: حديث ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( يا أهل مكة ! لا تقصروا الصلاة في أقل من أربعة برد من مكة إلى عسفان )، يعني: من مكة إلى عسفان أربعة برد، فيقول: لا تقصروا في أقل من هذه المسافة، طبعاً هذا الحديث مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقد رواه البيهقي والدارقطني، ولكنه لا يصح، بل هو ضعيف جداً من حيث المرفوع، فإن في سنده عبد الوهاب بن مجاهد وهو واه، وفيه أيضاً إسماعيل بن عياش وهو ضعيف.
إذاً: الحديث لا يصح مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولكنه صحيح عن ابن عباس من قوله هو، كان يقول ابن عباس لأهل مكة: (لا تقصروا الصلاة في أقل من أربعة برد من مكة إلى عسفان) ما بين مكة إلى عسفان أربعة برد، وهذا الحديث أو الأثر إلى ابن عباس قد رواه ابن المنذر والبيهقي وعبد الرزاق بسند صحيح, وعلقه البخاري في صحيحه كما ذكرنا وغيره، هذه هو الدليل الأول، وهو حديث مرفوع، لكن ضعفنا المرفوع, واقتصرنا على الموقوف.
الدليل الثاني: حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يحل لامرأة أن تسافر مسيرة يوم وليلة ليس معها حرمة )، (ليس معها حرمة) يعني: ليس معها حرمة أخرى؟
لا. حرمة يعني: محرم، هذا هو المعنى.
طيب. والحديث متفق عليه، فنقول: هذا الحديث يقضي على أدلة الأحناف الذين قالوا: بثلاثة أيام: ( لا يحل لامرأة أن تسافر )؛ لأن هذا أقل من ذاك، فيدخل فيه، يعني: إذا نهى عن يوم وليلة، من باب أولى أن ينهى عن ثلاثة أيام، فهذا دليل جيد للجمهور.
الدليل الثالث: الآثار الواردة عن ابن عمر رضي الله عنه وهي صحيحة جداً: أنه كان يقصر في أربعة برد، وهي آثار كثيرة جداً، روى مالك في الموطأ عدداً كبيراً من هذه الآثار، وهي بأسانيد صحيحة مثل: مالك عن سالم عن ابن عمر مثلاً: (أن ابن عمر رضي الله عنه ركب إلى ريم فقصر الصلاة)، ريم: اسم بنت لكنه اسم موضع أيضاً، فيقول مالك رحمه الله: إن ريم إلى المدينة مسيرة أربعة فراسخ، أربعة في أربعة ستة عشر، والفرسخ كم ميلاً؟ ثلاثة، ستة عشر في ثلاثة ثمان وأربعين ميلاً.
إذاً: مالك يقول: ريم على بعد ثمان وأربعين ميلاً، لكن بعضهم مثل ما نقل عن ابن شهاب الزهري أنه قال: إن ريم ثلاثين ميلاً وليس ثمانياً وأربعين، فكيف نجمع بينهما؟
الإمام ابن عبد البر قال: قد تكون ريم منطقة واسعة، ما هي بموضع، أولها: ثلاثين ميلاً، وآخرها ثمان وأربعين، واستشهد بأبيات جميلة، يقول الشاعر:
فكم من حرة بين المنقى إلى أحد إلى جنبات ريم
جنبات يعني: مواضع أو مناطق واسعة.
إلى الروحا وكم ثغر نقي عوارضه ومن دل رخيم
ومن عين مكحلة المآقي بلا كحل ومن كشح هضيم
ما هو الكشح الهضيم؟
الكشح هو خصر المرأة أو وسطها، والهضيم معناه أنه يعني: ناحل، وغالباً المرأة ما توصف بدقة خصرها وتمدح بذلك، فهذا مقصوده.
الشاهد قوله: (إلى جنبات ريم)، ما لكم وما للكشح الهضيم؟
كذلك عبد الرزاق روى عن مالك عن سالم عن ابن عمر رضي الله عنه، أنه: (كان يقصر في مسيرة اليوم التمام)، واليوم التمام: كأنه اليوم التام الذي يكون يوماً وليلة، ويقطع فيه في الغالب هذه المسافة التي هي أربعة برد.
وهكذا روى مالك عن ابن عمر رضي الله عنه أنه: (سافر إلى ذات النصب فقصر)، وذات النصب هي أربعة برد كما قال مالك أيضاً.
(وسأل رجل ابن عمر رضي الله عنه فقال له: أقصر؟ -يعني: إلى أين أقصر؟- قال له ابن عمر : هل تعرف السويداء ؟ قال: نعم، قال: اقصر إلى السويداء)، والسويداء ربما أكثر من المسافة التي ذكرنا لكن ابن عمر ذكرها على سبيل التقريب.
إذاً: هذا ثابت بأسانيد صحيحة وكثيرة عن ابن عمر ؛ ولذلك نقول: إذا روي عنه خلاف هذا فإن هذا النقل هو الأقوى والأكثر، وهو عنه ثابت وصحيح.
الدليل الرابع أيضاً: هو عن ابن عباس رضي الله عنه, منها الحديث الذي ذكرناه قبل قليل, وقوله لأهل مكة: [لا تقصروا في أقل من أربعة برد من مكة إلى عسفان]، وهكذا أيضاً روى عبد الرزاق في المصنف ومالك في الموطأ وابن المنذر والبيهقي بسند صحيح عن ابن عباس، والبخاري كما قلنا: علقه عن عطاء بن أبي رباح أن ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهما: (كانا يصليان الرباعية ركعتين في مسافة أربعة برد)، فما زاد على ذلك، وهذا أيضاً أثر صحيح عن ابن عباس وابن عمر .
وهكذا الشافعي والبيهقي رووا بسند صحيح عن عطاء قال: (سئل ابن عباس رضي الله عنه: سأله رجل من أهل مكة فقال له: هل أقصر الصلاة إلى عرفة ؟ قال له: لا تقصر الصلاة إلى عرفة, ولكن اقصر الصلاة إلى جدة وإلى الطائف وإلى عسفان)، ونحن نلاحظ أن جدة والطائف وعسفان متفاوتة تقريباً، لكن الأمر كما قلنا ليس على سبيل التحديد، وهذه الأماكن كلها بينها وبين مكة نحو أربعة برد، جدة والطائف وعسفان، ومن هذه الأقوال نرجح الآن أن لأهل جدة أن يقصروا في مكة، أو أهل مكة أن يقصروا في جدة ؛ لأن الأمر منصوص عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم.
إذاً: هذه بعض الآثار والأدلة للجمهور على تحديد السفر بمسافة يوم تام أو يوم وليلة أو أربعة برد أو ثمان وأربعين ميلاً، وكم قدرناها بالكيلو متر؟
قلنا: ما بين خمسة وسبعين إلى تسعين تقريباً.
الظاهرية يرون أن أي سفر تقصر له الصلاة ولو كان مسيرة ثلاثة أميال، بمعنى أنهم يقولون: كل سفر ثلاثة أميال فما زاد تقصر له الصلاة، وعلى ذلك الواحد منكم لو ذهب يدرس في الجامعة يكاد أن يقصر الصلاة لقرب المسافة، فهم يرون أن القصر يكون ثلاثة أميال فما زاد، ما هي حجة الظاهرية على ذلك؟ حجتهم:
أولاً: الآية القرآنية: وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ [النساء:101]، ولم يحدد سفراً من سفر.
وكذلك: الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في القصر، وكما في قوله: ( صدقة تصدق الله بها عليكم )، وقصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وكذلك: حديث الباب: ( إذا سافر مسيرة ثلاثة أميال أو فراسخ قصر أو صلى ركعتين ). كل هذه قالوا: لم يتم فيها تحديد، ورأوا أن الأسماء التي علق الشرع بها أحكاماً أو رخصاً ولم تحدد، أنه يؤخذ فيها بأقل مقدار منها، وبناءً عليه لم يلتزموا بأي تحديد، وإنما قالوا: كل سفر، واشترطوا: ألا يقل عن ثلاثة أميال.
ويرد على الظاهرية:
أولاً: بأن ما ورد في حديث الباب وما شابهه أنه ليس المقصود به نهاية السفر، وإنما هذا بداية السفر كما ذكرنا.
كما يرد عليهم: بالتردد الموجود في حديث الباب: ( ثلاثة أميال أو فراسخ )، وكما هو معروف عند الأصوليين: أن الدليل إذا تطرق إليه الاحتمال بطل به الاستدلال .
ويرد عليهم أيضاً: بأن السفر من الأحوال العامة التي يكثر تلبس الناس بها، فالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يسافرون ويخرجون إلى العوالي وإلى قباء وإلى المناطق التي حول المدينة ولم يكونوا يقصرون، ولو كانوا يلتزمون القصر والفطر لنقل ذلك، وإنما كانوا يقصرون في الأسفار الظاهرة البعيدة.
ومن أدلتهم أيضاً: حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سافر فرسخاً قصر الصلاة )، والفرسخ كم يكون؟
ثلاثة أميال. إذاً: هذا يوافق قولهم، لكن نقول لهم: هذا الحديث (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سافر فرسخاً قصر )، رواه عبد الرزاق، ورواه سعيد بن منصور أيضاً في سننه، وأظن أن ابن حزم ذكره في المحلى، نقول: هذا الحديث لا يصح الاستدلال به، فيه أبو هارون العبدي وهو ضعيف جداً.
إذاً: قول الظاهرية ضعيف.
المهم: أن هذا رأي ابن حزم يقتصر على الميل، وقد استدل ابن حزم بما رواه ابن أبي شيبة عن ابن عمر رضي الله عنه أنه كان يقول: (إني لأسافر الساعة من النهار فأقصر الصلاة)، وهكذا نقل عن ابن عمر أيضاً أنه كان يقول: (لو خرجت ميلاً لقصرت الصلاة)، وكلا الإسنادين صحيح، كما ذكره الحافظ في الفتح .
فنقول عن قول ابن عمر (ساعة أو ميل): أن المقصود البداية؛ جمعاً بين هذه النصوص وبين النصوص الصحيحة الثابتة عن ابن عمر رضي الله عنه، طبعاً قول ابن حزم أضعف من قول الظاهرية.
وهذا القول لم أجد نصاً عليه عند المتقدمين، وإنما الذي أبرزه وأتقنه وأظهره ودافع عنه وانتصر له هو الإمام ابن تيمية ثم انتشر من بعده، فأخذ به الإمام ابن القيم، والمدرسة التي تتلمذت على الشيخ حتى من المتأخرين مثلاً، هناك كثير من الناس في مصر، في الجزيرة، في الهند، في الشام تلقوا عن ابن تيمية، مثل ما تجد في مصر الشيخ رشيد رضا ومن قبله محمد عبده استفادوا كثيراً من تراث ابن تيمية، وفي الشام القاسمي ثم الألباني، وفي الهند أيضاً صديق حسن خان وجماعة من الفقهاء، في اليمن مثل الشوكاني رحمه الله والصنعاني، وفي نجد والجزيرة مثل الشيخ ابن عثيمين أيضاً ممن يقول بهذا القول رحمهم الله جميعاً.
فتجد أن هذا القول انتشر عن طريق ابن تيمية، والحقيقة هذا فيه درس، يعني: هذا قول ليس فيه نص من المتقدمين، لا من الصحابة ولا من الأئمة، ومع ذلك الشيخ رحمه الله كان عنده قوة العارضة وحدة الذهن، فأخذ هذا القول واستنبطه من أقوال الأئمة واستفاد من كلام الظاهرية، واستفاد من الأدلة، ثم أتى بهذا القول الذي قد يعد جديداً ولكنه ليس خارج الأقوال في الجملة، ولا شك أن العلماء إذا اختلفوا إلى أقوال متعددة يمكن للعالم والفقيه أن يأتي بقول آخر لا يتفق مع واحد منها، ولكنه قد يكون من مجموعها أو من غيرها، ومع ذلك لم يكن ابن تيمية رحمه الله قد أتى بإدٍ من الأمر ولا بضلال ولا بحوب ولا بخطأ، وأوذي بسبب ذلك، ولكنه صبر، وهذا دليل على أن العلم ينبغي أن يكون فيه نوع من الحصانة للعالم، وأن يكون فيه نوع من الحرية للعالم أيضاً والفقيه، نعم! ليس العلم كلأ مباحاً لمن هب ودب أنه يتكلم بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدًى وَلا كِتَابٍ مُنِيرٍ [الحج:8]، لكن العالم الذي له فحولة وله قوة وله عارضة، مثل الأئمة والعلماء والمجتهدين، قد يكون لهم اختيارات في مثل هذه المسائل.
المهم: هذا كلام ابن تيمية، وطبعاً لا يفوتني أن أقول: إن ابن قدامة رحمه الله في المغني يعني مال إلى هذا القول، وانتصر له.
طبعاً حجتهم:
أن الشريعة ربطت الرخصة بهذا الاسم ولم يتم له تحديد، ولم يكن الناس يحددون المسافات في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: الأمر مرتبط بالسفر، فكل ما كان سفراً كان للإنسان فيه رخصة.
وحقيقة: هذا القول من حيث الدليل جيد، لكن من حيث التطبيق صعب متعب؛ لأن تحديد العرف أمر يحار فيه الناس حيرة شديدة ويضطربون فيه، ولا يدرى هل المقصود العرف في عهد الرسالة؟ أو المقصود عرف الناس اليوم؟ وعرف الناس اليوم يختلف، وأنت تريد من المستفتي أن ترجعه مفتياً ليحدد عرفه، فيقول: لست أدري والله، واضطرب أمر الناس، ولذلك نحن نميل إلى قول الجمهور، خصوصاً إذا تخيلنا أن الأئمة الأربعة خلاف كلام ابن تيمية رحمه الله، حتى أبو حنيفة هل يقول بقول ابن تيمية؟ لا.
إذاً: الأئمة الأربعة كلهم يميلون إلى تحديد المسافة بحد فاصل يرجع إليه من غير اعتبار للعرف، فهذا مذهب الأئمة الأربعة، وقد صح عن جماعة من الصحابة كما ذكرنا, فنحن نختار هذا القول، وأن السفر يحدد بالمسافة، ونختار مذهب الجمهور: أحمد ومالك والشافعي في تحديد المسافة بثمان وأربعين ميلاً، وهو كما قلنا: ما بين خمسة وسبعين إلى تسعين كيلو متر, فمن ذهب هذه المسافة كان مسافراً.
وهذا طبعاً لا يتأثر بطبيعة السفر، سواء كان السفر مريحاً أو متعباً، سفر بالسيارة أو بالطائرة أو بالباخرة أو بالقطار، بالبر أو بالبحر، كان سفره راحة مرفهاً أو متعباً، كل هذا بل لو قطع هذه المسافة نفسها في لحظة فإن له أن يقصر، كما نص عليه ابن قدامة وجمهور أهل العلم، في الماضي كانوا يتكلمون عن قضية الكرامة، افرض إنساناً حصل له كرامة وطار من بلد إلى بلد، وهذا كان عندهم افتراض، لكن اليوم أصبحت الكرامة واقعاً عملياً للناس كلهم، كل الناس تطير من بلد إلى بلد في لحظات قصيرة، فنقول: لو قطع هذه المسافة في لحظة فإنه يتمتع بهذه الرخصة.
طيب, هذه المسافة هل هي في الذهاب والإياب، أو في الذهاب فقط دون الإياب؟
هي في الذهاب دون الإياب، يعني: أن يكون خمسة وسبعون أو ثمانون كيلو متر في الذهاب ومثلها في الإياب.
طيب, هذه هي المسألة الأولى، وهي كما لاحظتم مسألة عويصة وطويلة، لكن نحن حاولنا أن نجمع شتات أطرافها ونعطيكم فيها ملخصاً يعرف الإنسان نهايته، وذكرنا فيها خمسة أقوال:
أوسعها: قول الحنفية بثلاثة أيام.
ثم قول الجمهور: الحنابلة والمالكية والشافعية بمسيرة يومين أو يوم تام، أو مرحلتين أو ثمان وأربعين ميلاً أو خمسة وسبعين إلى تسعين كيلو متر.
القول الثالث: للظاهرية ثلاثة أميال.
القول الرابع: لـابن حزم مسافة ميل.
القول الخامس: لـابن قدامة وابن تيمية وابن القيم ومن وافقهم، أنه يتم التحديد بالعرف, واخترنا ماذا؟
مداخلة: قول الجمهور.
الشيخ: قول الجمهور.
يبقي عندنا مسألة ثانية وهي خفيفة إن شاء الله.
وحجتهم: القرآن والسنة؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال: وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ [النساء:101] مثلاً، فالإنسان الذي هو جالس في بيته وناو أن يسافر هل يقال: إنه ضرب في الأرض؟ لا. فربط الله سبحانه وتعالى الرخصة بالفعل بمباشرة الفعل، وهكذا الأحاديث كلها سواءً الأحاديث القولية أو الفعلية من فعل النبي صلى الله عليه وسلم أنه: ( كان إذا خرج أو إذا سافر )، فقالوا: إن الرخصة مبنية ومقيدة ومربوطة بالفعل. ولذلك لا يقصر ولا يفطر إلا إذا خرج من البلد، ولا شك هذا القول هو مذهب الجمهور, وهو الصحيح.
طبعاً في تفاصيل كثيرة لا نطيل فيها.
وربما أقوى ما يحتج به هؤلاء على ما ذهبوا إليه: هو أثر أو حديث نقل عن أبي بصرة الغفاري رضي الله عنه: ( أنه كان بـالكوفة أو في الفسطاط، فخرج قريباً ثم قرب له غداؤه ودعا بالسفرة، فقال له بعض الحاضرين: ألست ترى بيوت البلد؟ فقال: أترغب عن سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟! )، وهذا أثر لكنه قال: ( أترغب عن سنة رسول الله )، فدل على أنه يراه سنة مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، رواه أبو داود وابن خزيمة وصححه الألباني في إرواء الغليل، وغيره، وكأنه مال إليه فيما يظهر لي، ويحتاج هذا إلى تأكد من هذه النقطة.
المهم: أنهم احتجوا بهذا على أن الإنسان يقصر وهو في البلد.
ونحن نقول: أولاً: هذا الحديث ليس حجة؛ لأنه خرج، وأما رؤية البيوت فالإنسان قد يرى البيوت وهو خارجها أو بعيداً عنها، ولو صح وأكل في البلد لكان هذا اجتهاداً خاصاً له، وكونه يقول: سنة، ليس معناها أنه نقل السنة بهذه الجزئية، وإنما أنه ظن أن هذا من رخصة الفطر في السفر، ورخصة الفطر في السفر لا إشكال فيها، لكن الإشكال أن يفطر وهو في البلد.
فالراجح إذاً: هو قول الجمهور.
هنا سؤال: عندنا الآن في الرياض في بريدة، في جدة، في مكة، ما هو الضابط فيما إذا كان داخل البلد وما كان خارج البلد؟
أنا أرى أن الضابط في هذا هي الخطوط الدائرية، الحزام الدائري على المدن إذا لم يكن بعيداً جداً عنها، والغالب أنه ليس بعيداً، فنقول: إن هذه الخطوط الدائرية تصلح أن تكون ضابطاً خصوصاً لمن يقع عنده ارتباك، وإلا لو اجتهد أحد وقال: أنا طالب علم ولا أحتاج ضابطاً، قلنا الحمد لله الأمر فيه سعة ولا ينبغي الحرج فيه، لا يقول هذا: لماذا؟! أنت صليت ركعتين صلاتك باطلة، لا، هو صلى ركعتين بناءً على أنه مسافر، ولا ذاك يقول: تركت رخصة السفر أيضاً ورغبت عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم، لا؛ لأنه يظن أنه ليس له حق التمتع بها، إنما عوام الناس كثيراً يحتاجون إلى نوع من الضبط.
فنحن نقول: ما كان خارج الحزام الدائري للمسافر، يعني: من أراد أن يذهب إلى الرياض إذا خرج من الدائري له أن يقصر. والقادم؟ مثل ذلك.
والخط الدائري نفسه ماذا نقول فيه؟ أنا ظهر لي أن نجعله منطقة محايدة، ما معنى منطقة محايدة؟ يعني: إن كنت خارجاً من البلد، الآن أنت في بريدة ستسافر إلى الرياض فاعتبر أن الخط الدائري من البلد، فلا تقصر حتى تتجاوزه، لكن لو كنت مقبلاً من الرياض وداخلاً بريدة تعتبر الخط الدائري نفسه من السفر فلك أن تقصر فيه، هذا طبعاً نفس الخط، باعتبار أن الخط متردد، يمكن أن يعتبر من البلد ويمكن أن يعتبر من السفر، فنقول: إن كان قادماً من السفر يلحق بالسفر، وهو الأصل، المسافر الأصل بقاؤه على سفره، وإن كان خارجاً من البلد يلحق بالبلد؛ لأن البقاء في البلد أيضاً هو الأصل.
أما ما يتعلق طبعاً بفوائد الحديث: فالحديث أكثر من المسألة التي ذكرناها؛ لأن الحديث كله يدور حول مسألة قصر الصلاة في ثلاثة أميال أو في ثلاثة فراسخ.
الجواب: ينبغي أن تكون منسجماً مع نفسك ومع الاختيار الذي تميل إليه.
الجواب: نحن ذكرنا أن قول الجمهور ما بين خمسة وسبعين إلى تسعين، وهذا ضبط تقريبي.
الجواب: لا. هذه ما هي لـ ابن حزم، هذه منقولة عن الإمام أحمد رحمه الله.
الجواب: ذكرنا هذا سابقاً، سواءً كان السفر للنزهة أو لغيره إذا كانت مسافة قصر جاز له ذلك.
الجواب: لا يحتاج إلى قياس، هو لم يرد للإبل ذكر، وإنما المقصود المسافة والسفر.
الجواب: لا. ما دام وصلت لا تقصر، بل عليك أن تصلي الصلاة تماماً غير قصر.
الجواب: يعني: أنتم الآن سكان في هذه القرية وتدرسون في بريدة، أرى أنكم تتمون الصلاة في قريتكم، وتتمونها في بريدة، وتقصرون فيما بين ذلك.
الجواب: التأمين إذا كان اضطرارياً فلا إشكال فيه، مثل التأمين على الرخصة، وهكذا التأمين الصحي وسع فيه كثير من أهل العلم، يبقى أنواع التأمين الأخرى فيها كلام طويل وبحث, يراجع في مواضعه.
الجواب: يعني: هذا إذا كان هناك ضرورة ولا يوجد محرم لها، فهذا رخص فيه الإمام ابن تيمية والشافعية والمالكية وجماعة من أهل العلم إذا أمنت الفتنة، ولكن النص السابق الذي تلوناه عليك ينبغي أن تراعيه المرأة، فلا تأتي إلا إذا لم يكن لها محرم، وكانت محتاجة حاجة شديدة إلى هذا السفر.
الجواب: لا بأس، ما دام ترى أن هذا فيه مصلحة وليس فيه محاباة فلا حرج عليك في ذلك، وكثير من كبار السن إن استشرتهم ترددوا، وإن عملت أقروا.
الجواب: هذا لا إشكال فيه، هذا صحيح، يعني: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب، وإنما الكلام في الرخصة إذا ترتب عليها مفسدة كما ذكرنا.
الجواب: تقصر الصلاة إذا سافرت ولو أذن وأنت في البلد.
هذا الأخ يقول: الدكتورة خديجة عبد الماجد أم عبد الرحمن رحمها الله إذا كان الخبر صحيحاً، يعني: هي خسارة، أخت داعية في جدة وفاضلة، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يرحمها وجميع المسلمين.
الجواب: هذا أشرنا إليه، أن الشيخ له رسالة في هذا، لكن هل الشيخ استمر عليها أم رجع عنها؟ لا أعلم.
الجواب: لا. ليست مضطربة, وإنما كل حديث ينزل على حال معينة، ويؤخذ بالأقل منها.
الجواب: حقيقة ما دامت الشغالة موجودة سفرها معكم مهما كان أفضل من بقائها؛ لأن بقاءها هي مسافرة حتى لو بقيت ولكن في بقائها بعيداً عنكم ضرر لإمكانية أن يقع لها ما لا تحمد عقباه.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر