الحمد لله رب العالمين، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، ونصلي ونسلم على عبده ورسوله وأفضل أنبيائه، نبينا وإمامنا محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.
أما في هذا اليوم فعندنا ثلاثة أحاديث نمر عليها إن شاء الله وعلى مسائلها.
الحديث الأول عندنا: حديث جابر رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تؤمن امرأة رجلاً، ولا أعرابي مهاجراً، ولا فاجر مؤمناً ).
وكذلك ذكر البوصيري صاحب مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه، ذكر هذا الحديث في زوائد ابن ماجه ؛ لأنه من مفرداته كما سبق، وأشار إلى ضعفه، كما أشار المصنف، فقال البوصيري : إن إسناده ضعيف، وأعله بوجود عبد الله بن محمد العدوي وعلي بن زيد بن جدعان، والواقع أن العدوي هذا متهم، اتهمه وكيع بأنه يضع الحديث، وأما علي بن زيد بن جدعان ففيه مقال مشهور وهو ضعيف، فكان حق الحديث وفيه العدوي أن يكون شبه الموضوع أو موضوعاً، ولكن عبارة البوصيري رحمه الله قصرت، فقال: إنه ضعيف، وأعله بالاثنين، لكنه ساق له طرقاً أخرى كما سأذكر .
وقد روى الحديث أيضاً كما ذكر الحافظ في التلخيص عبد الملك بن حبيب في رسالته الواضحة، وهو من فقهاء المالكية، وقال: عن فضيل بن عياض عن علي بن زيد -يعني: ذكره بإسناده- وعبد الملك نفسه صاحب الواضحة يتهم بأنه يسرق الأحاديث، ويخلط الأسانيد بعضها ببعض، كما قال ذلك ابن الفرضي .. وغيره.
وهذا من ذلك، فإن ابن عبد البر رحمه الله تعالى ذكر: أن عبد الملك قد غير وخلط في إسناد هذا الحديث، وأفسد إسناده كما قال، والصواب: أنه عن أسد بن موسى عن فضيل بن مرزوق، فقال عبد الملك : عن فضيل بن عياض، وإنما هو عن فضيل بن مرزوق عن الوليد بن بكير عن عبد الله بن محمد العدوي عن علي بن زيد، فحذف عبد الملك رجلين من إسناده، وغير اسم رجل آخر، فصار الإسناد عنده: عن فضيل بن عياض عن علي بن زيد وأخفى فيه عبد الله بن محمد العدوي، وهو آفته الكبرى، فرجع إلى الإسناد الأول .
وكذلك له شاهد آخر عن أبي سعيد الخدري، أشار إليه البوصيري، وهو موجود في مجمع الزوائد للهيثمي، حيث ذكره ونسبه إلى المعجم الأوسط للطبراني، وقال: وفيه موسى بن عطية الباهلي ولم أجد من ترجمه، وباقي رجاله ثقات.
إذاً: الحديث ضعيف وإن تعددت طرقه، وإن كان له شاهد إلا أنه ضعيف؛ لأنه حتى هذا الشاهد حديث أبي سعيد -كما ذكرت- فيه موسى بن عطية الباهلي، وهو مجهول.
هذا من حيث سند الحديث وتخريجه.
الأولى: إمامة الفاسق؛ لقوله في هذا الحديث فيما نسب إليه عليه الصلاة والسلام: ( ولا فاجر مؤمناً )، يعني: ولا يؤمنّ فاجر مؤمناً، فهذا دليل على أنه لا يجوز للفاجر أن يؤم غيره، وهذا إجماع من أهل العلم من حيث الكراهة، فقد أجمعوا على أنه يكره أن يؤم الفاسق قوماً إذا وجد غيره، أما لو كانوا كلهم فساقاً فهذا أمر آخر، لكن إذا وجد غيره، فإنه يكره أن يؤم الفاسق قوماً فيهم عدل؛ وذلك لعدم الثقة به في المحافظة على الصلاة، وأركانها، وشروطها، وسننها، وواجباتها، هذا في جانب.
وفي الجانب الثاني: فقد نقل ابن حزم رحمه الله تعالى في كتابه الفصل في الملل والنحل : الإجماع من الصحابة رضي الله تعالى عنهم وغيرهم، على جواز الصلاة خلف الفاسق، سواء في ذلك صلاة الجمعة.. أو غيرها، وذكر أن الصحابة رضي الله عنهم أجمعوا على ذلك، وهذا الإجماع الذي نقله ابن حزم رحمه الله فيه نظر، يبين بعد قليل، لكن قد يكون أراد بذلك الإجماع العملي، كما سيتضح أن الصحابة صلوا خلف مروان بن الحكم، وصلوا خلف الحجاج .. وغيرهم من أئمة الجور وأمراء الفسق.
إذاً: هناك إجماع على كراهية الإمام الفاسق إذا وجد العدل، وابن حزم نقل الإجماع على صحة الصلاة خلفه في الجمعة.. وغيرها.
الأول: فسق عملي يتعلق بأعمال العبد، كارتكاب الكبائر، أو الإصرار على الصغائر.
والنوع الثاني: فسق اعتقادي، وهو يتعلق بالتأويل الذي لا يصل إلى الكفر، أن يؤول الإنسان بعض أمور الاعتقاد المتعلقة بأسماء الله تعالى وصفاته، وأمور الإيمان والغيب والقدر.. وغيرها، مما هو مخالف للنص الشرعي، ولكنه لا يصل إلى تكفير صاحبه وخروجه من الدين، فهذا يسمونه: فسقاً اعتقادياً، والصواب أن كثيراً من أهل العلم لا يرون تفريقاً بين هذا وذاك، يعني: يرون أنه لا داعي لهذا التقسيم أصلاً، لكننا سائرون على هذا التقسيم الآن.
فأقول: القسم الأول: الفسق الاعتقادي، وهو تحت التأويل الذي لا يصل إلى درجة الكفر، كما ذكرت، كفسق المعتزلة مثلاً، والخوارج .. وغيرهم من أهل البدع، مما لا يصل إلى درجة الكفر المخرج من الملة، فهذا فيه قولان:
أدلة هؤلاء القائلين بصحة الصلاة متعددة، منها:
أولاً: الأصل، فإن الأصل صحة الصلاة، والقاعدة: أن من صحت صلاته صحت إمامته إلا بدليل يخرجه عن ذلك.
ومنها: ما رواه البخاري في كتاب الجماعة والإمامة، باب إمامة المفتون والمبتدع، عن عبيد الله بن عدي بن الخيار : ( أنه دخل على عثمان رضي الله عنه وهو محصور في بيته، فقال له: إنك إمام عامة، ونزل بك ما ترى، ويصلي لنا هذا الإمام إمام فتنة -من الذين خرجوا على عثمان رضي الله عنه- قال: فنحن نتحرج؟ فقال له عثمان رضي الله عنه: إن الصلاة من أحسن ما يعمل الناس، فإذا أحسنوا فأحسن معهم، وإذا أساءوا فاجتنب إساءتهم )، فدل ذلك على أن عثمان رضي الله عنه أفتى الصحابة رضي الله عنهم أن يصلوا خلف إمام مفتون، خارج على إمام العامة، وعلى خليفة راشد رضي الله عنه، ولذلك بوب البخاري رحمه الله: إمامة المفتون والمبتدع، فكأنه أخذ منه جواز إمامة المبتدع.
ومن الأدلة وهو الثالث أيضاً: قوله أو ما نسب إليه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( صلوا خلف كل من قال: لا إله إلا الله، وصلوا على كل من قال: لا إله إلا الله )، يعني: صلوا عليه صلاة الجنازة إذا مات، وصلوا وراءه إذا أمكم، وهذا الحديث رواه الدارقطني .. وغيره من طرق عديدة كلها ضعيفة، ليس فيها شيء يثبت، وضعفه الدارقطني .. وغيره، والحديث لو صح لكان دليلاً، لكنه ضعيف كما ذكرت.
الدليل الرابع: قوله صلى الله عليه وسلم: ( صلوا خلف كل بر وفاجر )، والحديث رواه أبو داود والدارقطني والبيهقي .. وغيرهم من طرق عن مكحول عن أبي هريرة، وهو منقطع؛ فإن مكحولاً لم يأخذ عن أبي هريرة رضي الله عنه، ولهذا قال أبو أحمد الحاكم عن إسناد هذا الحديث: هذا حديث منكر. فهو منقطع مرسل، وكذلك حكم عليه أبو أحمد الحاكم بأنه منكر، وقد جاء من طرق أخرى أيضاً متعددة، ولكنها ضعيفة أيضاً: ( صلوا خلف كل بر وفاجر )، ولهذا قال العقيلي في الضعفاء : ليس في هذا المتن إسناد يثبت.
وكذلك نقل ابن الجوزي في التحقيق عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى: أنه سئل عن الحديث؟ فقال: ما سمعنا بهذا. والدارقطني قال: ليس فيها شيء يثبت، يعني هذه الأحاديث.
والحافظ ابن حجر قال كما في التلخيص : للبيهقي في هذا الباب أحاديث كلها ضعيفة غاية الضعف، وأصح ما فيه حديث مكحول عن أبي هريرة على إرساله، يعني: الحديث الذي ذكرته أولاً، وأبو أحمد الحاكم قال: حديث منكر.
إذاً: هذا الحديث والذي قبله لا يصح إسنادهما ولا يحتج بهما.
أدلتهم: أولاً: حديث الباب: ( ولا فاجر مؤمناً ) فقالوا: إن هذا يعد فاجراً بمعتقده الخبيث، فلا يجوز أن يؤم مؤمناً على السنة والجماعة، وحديث الباب كما رأيتم إسناده ضعيف فلا يحتج به، ولو صح لكان حجة في الباب.
الدليل الثاني: ما نقل عن واثلة بن الأسقع صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أنه سئل عن الصلاة خلف القدرية؟ فقال: لا تصلوا خلفهم، ثم قال: لو صليت خلف قدري لأعدت الصلاة ) وهذا الأثر عن واثلة رواه الطبراني في معجمه الكبير، وفي إسناده مجاهيل، فهو لا يصح أيضاً.
وبناءً عليه فالراجح: هو القول الأول أن الصلاة خلفه صحيحة، وإن كان الإجماع على أن غيره من أهل السنة، الذين لم يتلطخوا ببدعة أفضل منه، وأنه يكره أن يؤمهم المبتدع مع وجود من هو على السنة والطريقة، ولكن الراجح أنه لو صلى بهم صحت الصلاة لأمور:
أولاً: أن هذا هو الأصل كما سبق.
ثانياً: قوة الأدلة.
ثالثاً: ضعف أدلة المعارضين.
رابعاً: أن ذلك قد يفضي إلى ترك الجماعة، فإن كثيراً من الناس يبدِّع بعضهم بعضاً، ويفسِّق بعضهم بعضاً على غير هدى ولا دليل ولا كتاب منير، فلو فتح هذا الباب، لما صلى كثير من هؤلاء من المخالفين حتى في الفروع، لما صلى بعضهم خلف بعض، وأفضى ذلك إلى ترك الجماعة وتنافر القلوب، كما ذكر ذلك الإمام ابن تيمية .. وغيره رحمهم الله تعالى.
اللهم إلا أن يكون ترك الصلاة خلفه سبباً في تركه لبدعته، أو إخمال ذكر البدعة، وعدم اقتران الناس به، وربما كان ما نقل عن بعض الأئمة من ترك الصلاة خلف المبتدع محمولاً على ذلك، أن يكون في هذا زجراً له بترك البدعة، أو إخمالاً لذكر بدعته؛ لئلا يغتر بها الناس.
أدلتهم أولاً: حديث أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له فيما رواه مسلم .. وغيره، قال له: ( كيف أنت إذا كان عليك أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها؟ قال: كيف تأمرني يا رسول الله؟ قال: صل الصلاة لوقتها، فإذا أدركتها معهم فصل، فإنها لك نافلة )، فهذا الحديث دليل على صحة الصلاة خلف الفاسق فسقاً عملياً.
أولاً: لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أبا ذر أن يصلي وراءهم، وبين أنها صحيحة نافلة، والأصل أن ما جاز في النفل جاز في الفرض، إلا بدليل يدل على خلاف ذلك.
الوجه الثاني في دلالة الحديث: أن ظاهر الحديث يدل على أنهم لو صلوا الصلاة لوقتها، مع أنهم فسقة، أنهم لو صلوا الصلاة لوقتها لكان أبو ذر رضي الله عنه مأذوناً له أن يصلي وراءهم فريضة لا نافلة.
الدليل الثاني: حديث أبي هريرة المتفق عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( يصلون لكم، فإن أصابوا فلكم ولهم، وإن أخطئوا فلكم وعليهم )، وهو ظاهر أيضاً في أن الإمام إذا أصاب فله ولمن وراءه، وإذا أخطأ فعليه ولمن وراءه، فدل على أنه لا يضر المأمومين ما يكون عليه حال الإمام، وأنهم يصلون وراءه، فإن أصاب في صلاته أو في غيرها فله ولهم، وإن أخطأ فعليه ولهم، وليس عليهم من وزره شيء.
الدليل الثالث: حديث مكحول السابق: ( صلوا خلف كل بر وفاجر )، وهو صريح في الباب، لكنه مرسل منقطع.
وكذلك الحديث الرابع: ( صلوا خلف كل من قال: لا إله إلا الله )، وهو ضعيف، ليس في هذا الباب شيء يثبت كما نقلته عن جماعة قبل قليل.
الخامس: السيرة العملية، فإنه من المعلوم يقيناً أن الصحابة رضي الله عنهم صلوا خلف أئمة الجور، كـالحجاج صلى خلفه أنس وابن عمر وسائر الصحابة، وكذلك مروان بن الحكم كان أميراً على المدينة، وصلى الصحابة خلفه كلهم، العيد والجمعة والأوقات من غير نكير، وكذلك أبو سعيد الخدري معروف صلاته وراءه يوم العيد، مع أنه أنكر عليه أنه قدم الخطبة على الصلاة.
وهذا أمر معلوم مستفيض، ولهذا نقله ابن حزم إجماعاً كما ذكرت في مطلع هذا الكلام، فهذه الأدلة تدل على جواز الصلاة خلف الفاسق فسقاً عملياً.
والصحيح القول الأول: أن الصلاة خلفه تصح، وإذا كانت الصلاة خلف الفاسق فسقاً اعتقادياً تصح، فمن باب أولى أن تصح خلف الفاسق فسقاً عملياً، كما سبق. هذه مسألة.
ولعل هذا طريف، وأنا عرضت له في شرح عمدة الفقه في دروس الإجازة الصيفية الصباحية، عرضت له عرضاً سريعاً، ولم أكن استوعبت المسألة بحثاً، لكنني أعرض الآن بعض الأقوال في هذه المسألة.. مسألة إمامة المرأة.
أما إمامة المرأة للنساء فهذا باب آخر، فيجوز للمرأة أن تصلي بالنساء، وقد جاء في هذا حديث أم سلمة وعائشة وأم ورقة وجماعة، وذكر هذه الأحاديث أهل العلم، كـالزيلعي وابن حجر .. وغيرهم.
وكذلك فيما سبق في إمامة المرأة للنساء في وقوفها في وسط النساء أيضاً، إنما الكلام في إمامة المرأة للرجال؛ لأن الحديث يقول: ( ولا امرأة رجلاً )، فالكلام في إمامة المرأة للرجال.
وهذه المسألة فيها ثلاثة أقوال:
واستدلوا بأدلة:
أولها: حديث أبي هريرة الذي رواه مسلم، وسوف يأتي: ( خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها )، فإن فيه: أن صفوف الرجال أفضلها المقدم، وصفوف النساء أفضلها المؤخر، فدل على أن المرأة كلما تأخرت كان ذلك أفضل لها، حتى ولو كانت في صفوف النساء، فكيف لها أن تتقدم على الرجال، وتصلي بهم إماماً.
الدليل الثاني: حديث أنس المتفق عليه في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في دارهم قال: ( فصففت أنا واليتم وراءه، والعجوز من ورائنا )، فدل على أن المرأة تصلي خلف الصفوف، حتى ولو كانت منفردة، ولا تصاف الرجال وإن كانوا محارم لها، فلا تصلي إلى جوارهم، فمن باب أولى ألا تصلي أمامهم.
الدليل الثالث: حديث أبي بكرة وهو في صحيح البخاري : لما بلغ النبي عليه الصلاة والسلام أن فارس ولوا عليهم امرأة، قال عليه الصلاة والسلام: ( لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة )، وهذا وإن كان سببه مخصوصاً، إلا أن العبرة بعموم اللفظ، وكذلك قوله: (أمرهم) الأمر هاهنا عام يشمل كل أمر، قال بعضهم: عام يشمل كل أمر، وقد يحمل على الأمر الخاص المعروف، وهو أمر الولاية العظمى والسلطة؛ لأنه ليس نكرة هاهنا، بل هو معرف بالإضافة، (أمرهم) يعني: الأمر المعهود.
ولكن بعضهم قالوا: إن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وقالوا: إن أمر الصلاة من أعظم الأشياء، وإن النبي صلى الله عليه وسلم أومأ بالتقديم في الصلاة، إلى التقديم في الإمامة العظمى، فقدم أبا بكر رضي الله عنه في الصلاة إشارة إلى أحقيته بالخلافة.
الدليل الرابع: حديث أبي سعيد الخدري المتفق عليه أيضاً، في خطبة النبي صلى الله عليه وسلم يوم العيد وأنه أتى النساء فوعظهن وذكرهن وقال لهن: ( ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن )، فقالوا: إنه وصفهن بنقصان العقل والدين، ومن كان عقله ودينه ناقصاً، فليس جديراً بالإمامة والتقدم على الناس في هذه الشعيرة العظيمة، بل الأحق بها الأكمل عقلاً وديناً.
وهذا الحديث أيضاً في دلالته نظر؛ لأن الإمام يجوز أن يكون ناقصاً في عقله أو دينه عن غيره، فيمكن أن يكون أقل من غيره فهماً وحفظاً وإدراكاً، أو أقل من غيره علماً، أو أقل من غيره تديناً، وإن كان سبق الإجماع أنه يكره إمامة المفضول مع وجود الفاضل.
إذاً: القول الأول وهو مذهب الجمهور: أنها لا تجوز مطلقاً لا في الفرض ولا في النفل، لما سبق من الأدلة.
واستدلوا بأدلة: أهمها: حديث أم ورقة ( أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن تؤم أهل دارها )، وحديث أم ورقة رواه أبو داود والحاكم .. وغيرهما، وسأذكره بعد قليل بإسناده، سأذكر إسناده، المهم أنه جاء في الحاكم : ( أنه أمرها أن تؤم أهل دارها في الفرائض ).
قالوا: وكان من ضمن أهل دارها مؤذنها، وقد قال عبد الرحمن بن خلاد الأنصاري : فأنا رأيت مؤذنها شيخاً كبيراً، يعني: وكانت تصلي بهم، وهو من ضمنهم، فدل ذلك على أنه يجوز أن تصلي المرأة بالرجال، فهذه أم ورقة صلت بأهل دارها، ومن ضمنهم مؤذنها، فدل ذلك على الجواز، بل أمرها به النبي صلى الله عليه وعلى وآله وسلم.
وهذا أيضاً هو الذي ذكره ابن هبيرة في الإفصاح عن الإمام أحمد، ولم يذكر غيره.
دليل هؤلاء بطبيعة الحال حديث أم ورقة، الذي ذكرته قبل قليل عند أبي داود وفيه: ( أن
وجاء في رواية: ( أنها كان عندها عبد وأمة قد دبرتهما -يعني: أعتقتهما عن دبر بعد موتها- فقاما إليها بقطيفة في الليل فخنقاها فماتت، فلما أصبح عمر رضي الله عنه قال: من لي بهما؟ فجيء بهما إلى عمر رضي الله عنه فصلبهما، فكأنا أول مصلوبين في المدينة ) انظر الخبث! يعني: هي أعتقتهما عن دبر فعجلوا بموتها حتى يعتقا؛ لأن (دبر) يعني: يعتقون بعد موتها.
الحديث رواه أبو داود كما ذكرت في كتاب الصلاة، باب إمامة النساء.
ورواه الحاكم في المستدرك وصححه على شرط مسلم، ووافقه الذهبي .
ورواه الدارقطني وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم، كما ذكرت والذهبي، وسكت عليه أبو داود، وفي سنده الوليد بن جميع عن عبد الرحمن بن خلاد الراوي عن أم ورقة .
والرجلان ليسا بالمشهورين، وقد ذكرهما ابن حبان في الثقات، والحديث إذاً في سنده ضعف يسير، وعلى فرض صحته، فإنه لا دليل فيه لهذا القول في التفريق بين الفريضة والنافلة، بل رواية الحاكم نصت على الفريضة.
والأقرب -والله تعالى أعلم- هو القول الأول مذهب الجمهور: أنه لا يجوز أن تؤم المرأة الرجال لا في الفرض ولا في النفل، وينبغي أن يقال: إلا أن يكون لذلك حاجة شديدة، كأن يكون أولئك الرجال لا يحسنون قراءة الفاتحة، ولا يستطيعون إقامة الصلاة، فتصلي بهم حينئذ، كما ذكر الإمام ابن تيمية رحمه الله، ولا تكون أمامهم، لأنه حينئذ سوف تترك كثير من واجبات الصلاة لهذه الحاجة، فتكون وراءهم ولو كانت إماماً للضرورة حينئذ، وإلا فالأصل أن المرأة لا يجوز لها أن تصلي بالرجال، بل ولا أن تصلي مع الرجال بجوارهم، فضلاً عن أن تتقدمهم في الصلاة.
في الحديث السابق حديث جابر لا داعي أن أذكر الفوائد المتعلقة به؛ لأنه حديث ضعيف الإسناد كما سبق .
ورواه النسائي أيضاً في كتاب الإمامة، باب حث الإمام على رص الصفوف.
ورواه البغوي في شرح السنة، والبيهقي، وأحمد في مسنده، وابن حبان كما في الإحسان، والحديث سنده صحيح، بل رجاله رجال البخاري ومسلم، فهو صحيح على شرط الشيخين.
وتسوية الصفوف ورصها يشمل ثلاثة أمور، كما ذكر العراقي في طرح التثريب :
يشمل أولاً: الترابط بين المصلين، بحيث لا يكون بينهم فُرَجٌ يدخل منها الشيطان، كما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث.
ويشمل ثانياً: تسوية الصفوف، بحيث لا يكون بعض المصلين متقدماً عن بعض، أو متأخراً عنه.
ويشمل ثالثاً: تكميل الصفوف الأول فالأول، بحيث لا يكون هناك فرج في الصفوف، أو فراغات في أطرافها.
منها: حديث النعمان بن بشير قال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسوي الصف، حتى يجعله مثل القِدح )، القدح بكسر القاف وسكون الدال، ( حتى يجعله مثل القِدح أو الرمح، قال: فرأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم صدر رجل ناتئاً -يعني: الحديث طويل، لكن هذا مختصره-، فقال: عباد الله! سووا صفوفكم، أو ليخالفن الله بين وجوهكم )، وفي لفظ: ( أو ليخالفن الله بين قلوبكم )، والحديث في الأصل متفق عليه، أخرجه البخاري ومسلم، ورواه غيرهما أيضاً، وفيه قال النعمان رضي الله عنه: ( فرأيت الرجل منا يلزق كعبه بكعب صاحبه، ومنكبه بمنكبه، وركبته بركبته ).
وقوله: (مثل القدح)، القدح بكسر القاف وسكون الدال: هو السهم قبل أن يراش، خشبة السهم إذا بريت قبل أن يوضع فيها الريش يسمى: القدح، فإذا ريش سمي: سهماً.
والمقصود: اعتدال الصف وعدم اعوجاجه.
وقوله: (أو ليخالفن الله بين وجوهكم) يعني: بين مذاهبكم وأقوالكم وآرائكم؛ ولهذا قال في الرواية الأخرى: (بين قلوبكم) فالمعنى واحد، فالمقصود بالوجوه القلوب، يعني: وجهة كل إنسان وما يكون أمره بيده.
والمقصود أن اختلاف الصفوف ذريعة إلى البغضاء والتطاحن والتخالف والتدابر بين الناس.
ومن الأحاديث أيضاً وهو الثاني: حديث أبي مسعود رضي الله عنه، قال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح مناكبنا في الصلاة، ويقول: استووا ولا تختلفوا، فتختلف قلوبكم، ليلني منكم أولو الأحلام والنهى، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم )، والحديث رواه مسلم وأحمد والنسائي .. وغيرهم.
وفيه: مس النبي صلى الله عليه وسلم لمناكبهم في الصلاة؛ لتسويتها واعتدالها، وألا يتقدم بعضها على بعض، وأمرهم بالاستواء، وأنه يقول لهم: (استووا)، يأمرهم بذلك، وينهاهم عن الاختلاف، ويحثهم على أن يتقدم الأفضل فالأفضل.
الحديث الثالث: حديث أنس رضي الله عنه قال: ( أقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجهه، حين قام إلى الصلاة قبل أن يكبر تكبيرة الإحرام، فقال: أقيموا صفوفكم وتراصوا، فإني أراكم من وراء ظهري )، وقوله: (أقيموا صفوفكم) يعني: عدّلوها عندما يعوج الصف، أو يتقدم بعضهم على بعض.
وقوله: (تراصوا) هو أمر بأن ينضم بعضهم إلى بعض، ولا يدعوا فرجات للشيطان.
وقال عليه الصلاة والسلام: (فإني أراكم من وراء ظهري)، والحديث رواه البخاري والنسائي وأحمد .. وغيرهم، وفيه أيضاً: قال أنس رضي الله عنه كما في حديث النعمان بن بشير، فيه: قال أنس رضي الله عنه: ( فكان أحدنا يلزق منكبه بمنكب صاحبه، وقدمه بقدمه ).
الحديث الرابع، والأحاديث كثيرة جداً، ولكن اخترت طائفة منها، حديث أنس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( سووا صفوفكم، فإن تسوية الصفوف من تمام الصلاة )، الحديث رواه البخاري .. وغيره، وفي رواية: ( من إقام الصلاة )، وفي رواية: ( من حسن الصلاة ).
أولاً: جمهور أهل العلم على أن تسوية الصفوف سنة، وهذا مذهب الأئمة الأربعة والجماهير، واحتجوا لذلك برواية: ( من حسن الصلاة )، وهي في البخاري أيضاً، فقالوا: إن الحسن دليل على أنه أمر تحسيني ليس بفرض، هكذا ذهب ابن بطال .. وغيره.
وذهب ابن حزم إلى أن تسوية الصفوف فرض كما في المحلى، وذكر من الأحاديث في الوعيد على عدم إقامتها، وقال: لا يكون هذا الوعيد إلا على ترك واجب.
ومنها أيضاً: ما جاء أن أنساً لما سألوه: (هل تنكر شيئاً؟ قال: لا، إلا أنكم لا تسوون الصفوف) قال: فلا يكون المباح منكراً، فكون أنس أنكر فهو دليل على أن ذلك واجب.
ومنها: أن عمر رضي الله عنه كان يأمرهم بذلك، ويبعث من يسوي الصفوف، وكذلك عثمان رضي الله عنه صح عنهما رضي الله عنهما: أنهما كانا يبعثان من يسوي الصفوف، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك: ( سووا صفوفكم ) .. إلى غير ذلك.
وعلى كل حال! فإن الأمر فيه تفصيل: فأما إن كان المراد بتسوية الصفوف أن توجد الصفوف وتقام، فيتقارب الناس فيها في الجملة، فهذا ينبغي أن يقال بالوجوب؛ لأنه من السنة العملية المطردة أن المصلين كانوا يقفون وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم صفوفاً منتظمة، لم يكن بعض الناس خلف بعض مثلاً كأفراد أفراداً، ولم يكونوا يقفون هكذا على غير انتظام، ولكنهم كانوا يقفون صفوفاً بعضها خلف بعض، وفي كل صف كان يقف الرجل إلى جوار أخيه، فهذا القدر من تسوية الصفوف ينبغي أن يقال بوجوبه، وألا يكون ذلك مما يجري فيه الخلاف بين الأئمة الأربعة أو بين غيرهم، فإنه لم يزل المسلمون يقفون صفوفاً خلف أئمتهم بعض الصفوف وراء بعض، لم يكونوا يقفون أفراداً كل واحد خلف الآخر، ولا يقفون هكذا كيفما اتفق من غير انتظام ولا ترتيب، كما ذكر ذلك الإمام ابن تيمية في شرحه لـعمدة الفقه، فهذا أمر ظاهر ينبغي أن يكون متفقاً عليه، وهو سنة عملية قطعية لا إشكال فيها.
أما إن كان المقصود بتسوية الصفوف ورصها ألا يوجد في ذلك أي فجوة ولو قلّت، ولا أي فراغ أو اختلاف ولو يسير، فإن هذا الأقرب أن مجاله ومداره مدار السنّة، ولا يقال بوجوبه كما أومأ إليه ابن حزم، وربما يكون الخلاف بينهم لفظياً، على النحو الذي ذكرت وبينت، فإن المقصود رص الصفوف وتقريبها، كما تشير إليه جملة الأحاديث الواردة.
الأمر الثاني: قال الإمام الخطابي في معالم السنن في شرح أبي داود قال: قوله ( رصوا الصفوف ) أي: ضموا بعضها إلى بعض، وقاربوا بينها، ومنه رص البناء، كما قال الله تعالى: كَأَنَّهُمْ بُنيَانٌ مَرْصُوصٌ [الصف:4]، ثم ساق الخطابي الحديث الذي رواه أبو داود وغيره: ( خياركم ألينكم مناكب في الصلاة )، وقال: إن معنى لين المنكب: هو لزوم السكينة في الصلاة والطمأنينة، وألا يلتفت المصلي، ولا يحاك بمنكبه منكب جاره أو صاحبه.
ثم ذكر وجهاً آخر في قوله: (ألينكم مناكب): وهو ألا يمتنع على من يريد أن يدخل إلى الصف إذا كان فيه فرجة، انتهى كلامه.
ويتجه معنىً ثالث ظهر لي في قوله: (ألينكم مناكب): وهو أن يكون لين منكبه ليناً، فيما إذا وجد من يرص الصفوف أو يقارب بينها، كما هي السنة المعروفة عند المسلمين، إذا وجدت فرج أو فجوات بين الصفوف، فيكون لين منكبه بتواضعه وقبوله أن ينضم إلى جاره، وأن يسد الفجوة أو الفرجة الموجودة، ولا يمتنع عن ذلك أو يتأذى منه، كما هو حال بعض الناس الذين لا يكون عندهم ترغيب في الصلاة، أو قبول لهذه السنة، أو معرفة بهدي النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك.
الأمر الثالث: قول النعمان بن بشير وأنس رضي الله عنهما في إلزاق الصحابي كعبه بكعب صاحبه، ومنكبه بمنكبه، وركبته بركبته، هذا يدل على ما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم من المسارعة إلى تطبيق أمر النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، والحرص على رص الصفوف، وعلى تعديلها حتى يلزق أحدهما كعبه بكعب صاحبه، بحيث يطمئنون بهذا الإلزاق، هذا الإلزاق بعضهم يظن أنه من أجل رص الصفوف، والذي يظهر لي أنه من أجل انتظام الصفوف، وعدم تقدم بعضهم على بعض؛ لأن الجسم كله على استقامة الكعب، فإذا كانت الأكعب على سمت واحد انتظم الصف كله، فليست العبرة مثلاً بمقدم الرجل؛ لأن رجل الواحد قد تطول أو تقصر، إنما العبرة بأن تكون الأكعب متحاذية، فحينئذٍ تكون الصفوف والأجسام كلها متساوية، لا يتقدم بعضها على بعض، ولهذا جاء في حديث النعمان لكنه طويل، جاء فيه: ( أنه عليه الصلاة والسلام كان يسوي صفوفنا، كأنما يسوي بها القداح، حتى إذا رأى أنا قد عقلنا عنه، التفت يوماً فرأى رجلاً بادياً صدره من الصف، فقال: استو يا فلان، ثم قال: لتسوون صفوفكم أو ليخالفن الله بين قلوبكم أو قال: بين وجوهكم )، فدل على أن ظهور صدر أحدهم أو تأخره أمر مذموم، مخالف للمسامتة والاستقامة المشروعة في صفوف الصلاة.
ثم إن قوله: (وركبته بركبته، ومنكبه بمنكبه) فإن من المعلوم قطعاً لا يختلف فيه اثنان: أنه لا يمكن للمصلي أن يكون طيلة صلاته ملتصق المنكب بمنكب جاره، ولا ملتصق الركبة بركبة جاره، وأيضاً يتعذر أن يضع الإنسان كعبه؛ لأن الكعب داخل في القدم التي تلتصق بالأرض وتقف عليه، فيتعذر أن يلصق كعبه بكعبه أبداً، إنما المقصود التقريب والإلزاق بقدر المستطاع، وهذا هو رص للصف وتعديل له، وقد يكون محل ذلك إذا بدءوا في الصلاة؛ ولذلك جاء في بعض الأحاديث أن ذلك قبل التكبير، وبوب عليه البخاري أنه بعد الإقامة وقبل التكبير للصلاة، حتى تنتظم صفوفهم، أما أن يظن البعض أنه يظل على ذلك طيلة صلاته يلصق كعبه بكعبه، وركبته بركبته، ومنكبه بمنكبه، فإن هذا من المتعذر الذي لا يكلف الله تعالى به، ولا يستطيعه الإنسان، وفيه من التشاغل عن الإقبال على الصلاة، وعن النظر إلى موضع السجود، وعلى إدراك الإنسان لما هو مشروع في حقه، فيه من ذلك ما لا يخفى على من عقل عن الله تعالى، وعن رسوله صلى الله عليه وآله وسلم.
وفيه أيضاً: مشقة وحرج وأذية لمن يكون بجوار الإنسان في كثير من الأحيان، فعلى الإنسان أن يدرك أن الشرع دائماً شأنه التيسير والمحاسنة، والأمور السمحة السهلة، وأن تطبيقها دائماً يكون على مقتضى الأمر الطبعي، البعيد عن التكلف والتنطع في ذلك.
أولها: مشروعية رص الصفوف وتقارب المصلين فيما بينهم، وضابط ذلك: ألا يدعوا فرجات للشيطان؛ ولهذا كان من أجمع الأحاديث الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم في رص الصفوف، أنه كان يقول كما في حديث ابن عمر الذي رواه أبو داود وابن خزيمة والحاكم وصححاه: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول: ( أقيموا الصفوف، وحاذوا بين المناكب، وسدوا الخلل، ولا تذروا فرجات للشيطان، ومن وصل صفاً وصله الله، ومن قطع صفاً قطعه الله ) .
الفائدة الثانية: مشروعية المقاربة بين الصفوف، يعني: ألا يكون بين الصف والصف الذي وراءه مسافة بعيدة.
الفائدة الثالثة: مشروعية المحاذاة، بحيث لا يتقدم بعضهم على بعض أو يتأخر.
أولها: فضيلة الصف المقدم للرجال، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( تقدموا فائتموا بي .. وقال: لا يزال أقوام يتأخرون حتى يؤخرهم الله ).
الفائدة الثانية: منع إمامة المرأة، وأنه لا يجوز للمرأة أن تؤم الرجال، كما سبق تقريره قبل قليل.
الفائدة الثالثة: فضيلة بعد المرأة عن الرجال في سائر الأمور؛ لأنه إذا كان ليس مشروعاً في الصلاة وفي المساجد وهي أماكن العبادة، فغيرها من باب أولى.
الفائدة الرابعة: أن النساء يشرع لهن الصفوف كالرجال، بخلاف ما يظن بعض النساء أنهن يجتمعن في الصلاة هكذا من غير صفوف، بل على النساء أن يكن صفوفاً، وينضم بعضهن إلى بعض، ويتممن الصفوف، ولكن ينبغي أن يقال هاهنا الآخر فالآخر، لقوله عليه السلام: ( وخير صفوف النساء آخرها ) ومحل ذلك كما قال جماعة من أهل العلم: فيما إذا كانت صفوف النساء مكشوفة، أما إذا كانت معزولة عن الرجال بحيث لا يرونها فيتجه أن يقال: إن خير صفوف النساء أولها أيضاً؛ لأنها الأقرب والأفضل وهي أيضاً بعيدة عن الرجال، وقد تكون الصفوف البعيدة أحياناً المتأخرة أقرب إلى أن يراها الرجال؛ لكونها قريبة مثلاً من المداخل أو من الأبواب.. أو ما أشبه ذلك.
هذا ما تيسر، والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
الجواب: هذا الجواب عليه يسير، يجاب عنه من وجوه كثيرة:
أولها: أن الحكم للغالب، وهذه قاعدة..
الثاني: أننا لا يمكن أن نقول: إنه يوجد اليوم قوم ولوا أمرهم امرأة، حتى لو كانت امرأة مثلاً رئيسة وزراء، كما في ... أو كانت في بريطانيا أو في الهند أو في إسرائيل.. أو ما أشبه ذلك، فإنها لم تتولّ الأمر حقاً، وإنما تولت بعض الأمر، ويوجد غيرها أعداد هائلة من الرجال، هم الذين يؤثّرون عليها، ويشيرون عليها، وتراجعهم في سائر الأمور، فقد اختلف الأمر اليوم عن ذي قبل، بالأمس بالزمن الماضي كان الحاكم هو كل شيء، أما اليوم فقد أصبح هناك مؤسسات، الدول اليوم تسمى دول المؤسسات، لا يديرها شخص لا رجل ولا امرأة، إنما تديرها مؤسسات، والرجل قد يكون على رأس المؤسسة، أو على قمة الهرم كما يقال، ولذلك قد يكون الحاكم أحياناً ضعيفاً، يعني في بريطانيا مثلاً: هناك الملكة، لكن ليس للملكة شيء أبداً، في دولة اليهود هناك رئيس الدولة، رئيس الدولة أكثر الناس لا يعرفون اسمه أصلاً، وليس له أي قيمة ولا اعتبار، في الهند كذلك يوجد رئيس لا يعرفه الناس، ولا يذكر في الأخبار، وليس له أي اعتبار إلا من الناحية التقليدية فحسب.
الجواب: هذا ليس بتأويل؛ لأن الحديث نفسه جاء في لفظ: ( أو بين قلوبكم )، وفي لفظ آخر: ( بين وجوهكم )، فيحمل بعضه على بعض.
الجواب: نعم، لا شك أن هذا أحد الوجوه، التي يرجح بها عدم جواز إمامة المرأة للرجال: أن المرأة فتنة في جلستها، وفي صوتها أيضاً.
الجواب: لا يمنع أن تكون له مناقب، لكنه كان مخالفاً للسنة، وعليه مآخذ كثيرة.
الجواب: أولاً: الحديث ذكرنا ضعفه، لكن الصلاة على المسلم ولو كان تاركاً لبعض الصلوات أو للجماعة ما دام مسلماً يصلى عليه، وما زال المسلمون عبر التاريخ يصلون على كل من يكون بين المسلمين، ولا يعرف عنه ردة عن الدين، ولو كان مقصراً مفرطاً.
أما إذا عرفنا عنه بذاته وبعينه وشخصه أن هذا الإنسان مرتد مخالف للدين، وساب الله والرسول عليه الصلاة والسلام، أو تارك للصلاة بالكلية، فتترك الصلاة، ودع الناس يصلون عليه؛ لأنهم لا يعرفون حقيقة أمره، وهكذا من كان يصلي أحياناً ويترك أحياناً، فهذا مسلم يرث ويورث ويصلى عليه.
الجواب: لا، لا يبطل الصلاة، لكن يستحب أن تتقارب الصفوف.
الجواب: نعم، الحديث في الصحيح.
الجواب: ورد نعم، يشمّت ثلاثاً، ثم يدعى له بالشفاء، شفاك الله.
سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر