إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد.
أما اليوم فعندنا أحاديث ربما كانت طويلة بعض الشيء أيضاً، وسوف تأخذ من الوقت الكثير.
قال المؤلف رحمه الله في كتاب الوتر: [ عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يا
وعن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أوتروا يا أهل القرآن! فإن الله وتر يحب الوتر )، رواه الخمسة وصححه ابن خزيمة.
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( اجعلوا آخر صلاتكم من الليل وتراً )، متفق عليه.
وعن طلق بن علي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( لا وتران في ليلة )، رواه أحمد والثلاثة، وصححه ابن حبان ].
هذه -بطبيعة الحال- الأحاديث كلها في باب صلاة التطوع كما علم سابقاً، ونحن في أبواب الوتر الآن.
فالحديث الأول: عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( يا
وأخرجه مسلم أيضاً في صحيحه، ولكن في كتاب الصيام، باب ما يكره من صوم الدهر لمن يضره ذلك، وهذا بالنظر إلى طرف آخر في الحديث.
وكذلك أخرجه النسائي في سننه، في قيام الليل، باب ذم من ترك قيام الليل.
وأخرجه البغوي في شرح السنة .
وأخرجه ابن حبان كما في الإحسان المطبوع.
(لا تكن مثل فلان)، فلان هذا المبهم يقول الحافظ رحمه الله تعالى في الفتح: لم أقف على اسمه في شيء من طرق الحديث، وكأن الشأن في هذا فيما استظهره الحافظ رحمه الله أن هذا الرجل أبهم بقصد الستر عليه، كما أبهم أمثاله في أحاديث كثيرة، هذا احتمال.
وقد ذهب بعضهم إلى أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يسم له أحداً من الأصل، أي: أنه قال لـعبد الله: (يا عبد الله لا تكن مثل فلان)، ولم يقل: مثل زيد أو عبيد أو عمرو، إنما قال: (مثل فلان) يعني: كأنه قال: لا تكن كرجل من الناس، أو كشخص أعرفه (كان يقوم من الليل، فترك قيام الليل)، وهذا الاحتمال يريحنا من إشكالات كثيرة:
الإشكال الأول منها: هو البحث عن هذا الشخص المجهول المبهم في الرواية، فحينئذٍ لا نحتاج إلى البحث عنه؛ لأنه مبهم من الأصل، حتى راوي الحديث عبد الله بن عمرو لا يعرفه، وإن كان أكثر الشراح على أن الإبهام هنا من أحد الرواة، وهذا هو الأقرب والله تعالى أعلم، كما أن إبهام الراوي يريحنا من إشكال معنوي سوف أذكره بعد قليل.
ثم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (كان يقوم من الليل)، كما هي في الرواية التي ساقها المصنف بلفظ: (من)، (يقوم من الليل)، يقول الحافظ ابن حجر والعيني رحمهما الله: إن أكثر الرواة لم يذكروا (من) هذه، بل قالوا: ( كان يقوم الليل، فترك قيام الليل )، وهي كما يقولان مقصودة في المعنى، إذ إن المقصود أنه يقوم جزءاً من الليل أو بعض الليل وليس كله، هكذا قالا رحمهما الله تعالى.
وجاء في رواية -يعني: في إحدى روايات البخاري - زيادة لفظ: (من) ( كان يقوم من الليل، فترك قيام الليل ).
ثم إنه ظهر لي وجه آخر: وهو ألا تكون (من) هاهنا مقصودة، وأن يكون الأصل فعلاً (كان يقوم الليل، فترك قيام الليل)، وهذا احتمال يقويه ويعززه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينهى عبد الله بن عمرو عن أن يثقل ويشق على نفسه بالعبادة، فقد أُخبر عن أنه يقوم الليل، ويصوم النهار، فدعاه أو أتاه فقال: ( ألم أخبر أنك تقوم الليل، وتصوم النهار؟ قال: بلى، فنهاه عن ذلك صلى الله عليه وسلم، وقال له: قم ونم، وصم وأفطر ).
إذاً: من اللائق بهذا أن يكون هذا الرجل الذي مثل به النبي صلى الله عليه وسلم، ربما والله أعلم كان يقوم الليل كله، فثقل عليه الأمر، وطال عليه الأمد، فترك قيام الليل، وهكذا العادة أن من أثقل على نفسه بعمل يشق عليه، فإن العين تهمل لذلك، والنفس تسأم وتمل، فـ( اكلفوا من العمل ما تطيقون )، وهذا الوجه يليق بحال عبد الله بن عمرو رضي الله عنه، وطلب النبي صلى الله عليه وسلم إليه أن يقتصد في العبادة، فيقوم من الليل وينام بعضه، ويصوم بعض الأيام ويفطر بعضها، وعلى هذا تكون رواية الأكثرين: ( لا تكن مثل فلان، كان يقوم الليل، فترك قيام الليل )، وتكون مناسبة لحال عبد الله، فكأنه صلى الله عليه وسلم قال له: يا عبد الله إذا قمت الليل كله ولم تنم منه صرت مثل فلان، رجل من الناس كان يقوم الليل كله، فآل به الأمر إلى أن ترك قيام الليل .
عائشة
رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (عائشة
رضي الله عنها إذا عملت العمل أثبتته ]، (أثبتته) يعني: داومت عليه ولم تتركه. وجاء أيضاً في رواية في صحيحالبخاري
: (علقمة
رحمه الله أنه قال: (عائشة
رضي الله عنها، فقلت: يا أم المؤمنين! أو يا أم! كيف كان عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: كان عمله ديمة، وأيكم يطيق ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطيق؟!أم سلمة
وعائشة
، وهما في الصحيحين أيضاً، ثم حافظ بعد ذلك على ركعتين بعد العصر، وبيَّن في ذلك الأمر. الفائدة الثالثة من فوائد الحديث: وقد أشار إليهاابن حبان
في تخريجه لهذا الحديث، كما في الإحسان: أن ذكر الإنسان بشيء مما قد يضيق به أو يبتئس له، ولكنه يذكر لا على سبيل الذم له، أو الحط من قدره، وإنما على سبيل حث الآخرين على عمل من الأعمال الصالحة، وتنشيطهم إليه، أو الاعتبار بحاله، أن ذلك لا يدخل في الغيبة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـعبد الله بن عمرو بن العاص
: (ابن حبان
رحمه الله تعالى. ومن فوائد الحديث: استحباب الاقتصاد في العمل، وأن يكلف الإنسان من العمل ما يطيق، فلا يشق على نفسه بالعبادات والأعمال التي قد يعجز عن مواصلتها فينقطع؛ ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أبي هريرة
وهو في صحيحالبخاري
، فأرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى الاعتدال في العمل والعبادة والطلب.. وغير ذلك؛ بحيث يستمر الإنسان ويطول الأمر به، بخلاف من شق على نفسه بالأعمال، فإنه سرعان ما يعجز عنه ويثقل العبء عليه، فينقطع، فيكون كـ(عبد الله بن عمرو بن العاص
الذي دعاه ليعاتبه على قيام الليل، وصيام النهار، فكأنه كان يقول له: إن فعلت ذلك ثقل الأمر عليك، ثم انقطعت. إذاً: يدل الحديث على مشروعية الاقتصاد في الأعمال الصالحة، من العبادة أو الجهاد أو طلب العلم أو الدعوة.. أو غير ذلك. ومن فوائد الحديث بل من أبرزها: فضل قيام الليل؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم جعله من علامات الصالحين، وعاب على من تركه، ونهىعبد الله بن عمرو
أن يكون مثله، ولا شك أن صلاة الليل أفضل من صلاة النهار كما أسلفنا في الجملة، وقد جاء في صحيحمسلم
من حديثأبي هريرة
رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ورواه أيضاً أبو داود رحمه الله تعالى في سننه، في كتاب الصلاة، تفريع أبواب الوتر، باب استحباب الوتر.
ورواه النسائي أيضاً في سننه، في كتاب قيام الليل، باب الأمر بالوتر.
ورواه الترمذي في جامعه، في كتاب الصلاة، باب ما جاء أن الوتر ليس بحتم، وقال الترمذي عقب رواية الحديث: هذا حديث حسن غريب.
ورواه أيضاً ابن ماجه في إقامة الصلاة، في باب ما جاء في الوتر.
وأشار المصنف إلى أن ابن خزيمة رواه، فإن قوله: وصححه ابن خزيمة يعني: أنه أخرجه في صحيحه، ولو لم ينص على تصحيحه، فإن ابن خزيمة روى الحديث أيضاً في كتاب الصلاة، باب ذكر الوتر، وما فيه من السنن.
هذا الحديث ساقه المصنف هنا، والذي يغلب على الظن أن الأولى أن يسوقه المصنف قبل ذلك، فإن المصنف ساق قبل أحاديث حديثاً آخر عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه موقوفاً، أنه قال: ( ليس الوتر بحتم كهيئة المكتوبة )، وهو برقم (395) حسب النسخ الموجودة معي، قبل نحو عشرة أحاديث أو تزيد، قال: ( ليس الوتر بحتم كهيئة المكتوبة، ولكن سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم )، وقال هناك: رواه الترمذي وحسنه، والنسائي، والحاكم وصححه.
والذي يظهر أن هذا الحديث أليق به أن يوضع هناك، فإنه جاء في بعض الطرق وفي بعض الروايات: أن علياً رضي الله عنه قال: ( ليس الوتر بحتم كهيئة المكتوبة، ولكن سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم قال: وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أوتروا يا أهل القرآن، فإن الله وتر يحب الوتر )، فكان محله هناك، ولذلك فقد ذكرنا هناك أن ذلك الأثر الموقوف: ( ليس الوتر بحتم )، فيما يغلب على ظني أننا ذكرنا هناك: أن ذلك الأثر جاء من طريق عاصم بن ضمرة عن علي.
إذاً: فهذا الحديث يقال فيما يقال في ذاك: أنه جاء من طريق عاصم بن ضمرة عن علي رضي الله عنه، وعاصم سبق أنه مختلف فيه، ومن مراجعة ترجمته في التهذيب يتبين أن الأكثرين من علماء الجرح والتعديل على تعديله، أو حتى على توثيقه، فقد وثقه علي بن المديني والعجلي وابن سعد في الطبقات، وقال عنه النسائي : لا بأس به، وقال: البزار : صالح الحديث.
وبالمقابل فهناك من ضعف عاصم بن ضمرة، ومن أشهر من ضعفه الجوزجاني في أحوال الرجال، فقد شدد النكير عليه، وأنكر مروياته، والجوزجاني منحرف عن أصحاب علي رضي الله عنه، ورحمهم الله تعالى، متحامل عليهم، فلذلك لا يقبل طعنه في عاصم بن ضمرة، ولكن تابعه على ذلك ابن عدي في الكامل في ضعفاء الرجال، وكذلك ابن حبان فإنه ضعف عاصماً، ولعل الأقرب في حاله ما قاله النسائي: إنه ليس به بأس، أو لا بأس به, وما قاله أيضاً البزار: إنه صالح الحديث، وقريب منهما ما ذكره الحافظ في التقريب، فإنه قال: صدوق.
وبناءً عليه فالإسناد حسن، ويقارن هذا بما ذكرناه هناك، فإنه لم يتسن لي مراجعته، وأرجو أن يكون متطابقاً مع الكلام السابق.
والاحتمال الثاني: أن يكون قوله عليه الصلاة والسلام: (يا أهل القرآن)، المقصود به خاصة المسلمين من حفاظ القرآن وقرائه والقائمين به، تلاوة وحفظاً وقياماً به في الليل، وعملاً به في النهار، ومن هنا قال بعض أهل العلم: إن الوتر وإن لم يكن واجباً على الأمة كلها، إلا أنه واجب على حفاظ القرآن الكريم. وذكر هذا الإمام ابن تيمية في بعض مصنفاته، وكأنه مال إليه.
أيضاً حديث عاصم بن ضمرة جاء في الصلاة قبل العصر، هذا أحد مروياته، لكن لا أدري أين ذكرناه، وربما نكون ذكرناه في الموضعين احتمالاً يعني.
قوله: ( فإن الله وتر يحب الوتر )، أي: أن الله تعالى واحد، كما قال سبحانه: وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ [البقرة:163]، وكما قال: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1]، فهو واحد في ذاته سبحانه، ليس له شريك في ربوبيته، ولا في ألوهيته، ليس له شريك في أفعاله، ولا في أسمائه، ولا في صفاته، ليس له معين، اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص:1-4].
وقوله: (فإن الله وتر يحب الوتر)، هذا اللفظ قد جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة في الحديث المشهور: ( إن لله تعالى تسعة وتسعين اسماً، مائة إلا واحداً، من أحصاها دخل الجنة، وهو وتر يحب الوتر ).
إذاً: هذا اللفظ جاء في الصحيحين في حديث الأسماء الحسنى.
قال القاضي عياض رحمه الله تعالى في تفسير قوله: (يحب الوتر)، قال: لأنه أمر بالوتر في كثير من الأعمال والطاعات، كالصلوات الخمس مثلاً، ووتر الليل، وأعداد الطهارة، يعني: أنه يغسل ثلاثاً، وتكفين الميت، وفي كثير من المخلوقات أيضاً كالسماوات والأرض.. وغيرهما.
وقيل: المقصود بقوله: (يحب الوتر): أن الله تعالى يحب صلاة الوتر، وقد عزز هؤلاء قولهم بحديث الباب، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أوتروا؛ فإن الله وتر يحب الوتر )، فالوتر هنا يكون معناه محدداً بالمعهود الذكري، يعني: أن الوتر ذكر في أول الحديث بقوله: ( أوتروا؛ فإن الله وتر يحب الوتر )، يعني: أحب صلاة الوتر التي أمرتكم بها في الحديث، وهذا ظاهر في حديث الباب، بخلاف حديث الأسماء الحسنى في الصحيحين، فإنه لم يسبق فيه ذكر الوتر، وإنما قال: ( إن لله تسعة وتسعين اسماً، مائة إلا واحداً، من أحصاها دخل الجنة، وهو وتر يحب الوتر ).
وقيل المراد بالوتر الذي يحبه الله: الجمعة، أو يوم عرفة .. أو غير ذلك.
وقال بعض الشراح: المقصود أن الله تعالى يحب التوحيد، فهو وتر واحد لا شريك له، وهو يحب التوحيد والموحدين، فيحب من عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر: ( إن الله يرضى لكم ثلاثاً )، وذكر منها: ( أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً ).
وحمل الحديث على العموم أحسن وأظهر، فيقال: ( الله تعالى وتر يحب الوتر )، فيحب مثلاً: صلاة الوتر؛ لأنها تدخل في الحديث، ويحب أن يكفن الميت في ثلاثة أثواب؛ لأن هذا من السنة التي جاء بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ويحب أن يتوضأ الإنسان ثلاثاً ثلاثاً؛ لأن هذا أيضاً من السنة التي يحبها الله تعالى، وهكذا كل الأشياء التي ثبت فيها سنة، أن تقطع على وتر، فإن ذلك مما يحبه الله تعالى ويرضاه.
لكن ما لم يرد فيه سنة، هل نقول: يشرع فيه الوتر، كما يظنه كثير من الناس؟ كما هي الحال بالنسبة للأكل مثلاً الأكل العادي، لكن هناك أكل يشرع ويستحب أن يقطعه الإنسان على وتر، ما هذا الأكل؟
تمرات قبل صلاة العيد، فإن هذا جاء فيه أثر وسنة، لكن التمر في الأوقات العادية: هل يشرع للإنسان أن يعد التمرات، ويقطعها على وتر؟ هل يستحب هذا؟ لا، هذا من الأمور العادية التي لم يرد فيها سنة، ومثله الشرب، ومثله اللبس فإن الأصل في هذه الأمور أنها من العادات، التي لا نقول بوجود سنة فيها أو استحباب، إلا إذا جاء في ذلك توقيف عن المعصوم صلى الله عليه وآله وسلم، فما يعتقده الناس من ذلك ليس بصحيح، فإن بعضهم إذا قدم لك الشاي أو القهوة فشربت كوبين أو (فنجانين) قال لك: الثالث؟ قلت: يكفي جزاك الله خيراً، قال: ( أوتروا؛ فإن الله وتر يحب الوتر )، إن قال هذا مازحاً فهذا شيء، أو قاله تلطفاً للضيف، لكن إن قاله معتقداً أنه يستحب أن يقطع الشاي أو القهوة، أو التمر، أو الطعام.. أو ما أشبه ذلك على وتر، فهذا ليس بجيد ولا دليل عليه.
وفي الحديث: ( أوتروا يا أهل القرآن، فإن الله وتر يحب الوتر )، فيه: حكم الوتر، فإنه دليل لمن قال بوجوب الوتر، حيث فيه أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، وقد سبق بحث هذه المسألة وترجيح الاستحباب للأدلة والقرائن المذكورة في حينها، وهذا هو مذهب الجمهور .
أولاً: استحباب الوتر وتأكيده، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به، وحث عليه، فقال: ( أوتروا يا أهل القرآن، فإن الله وتر يحب الوتر )، وفي ذلك إشارة إلى أن الله تعالى يحب هذا العمل، وهذا من الدوافع والمنشطات إلى المحافظة عليها.
ومن فوائد الحديث أيضاً: تأكد الوتر على حملة القرآن، من الحفاظ خاصة، ومن طلبة العلم، ومن القراء أنه يتأكد عليهم الوتر، حتى قيل بوجوبه عليهم خاصة، من بين سائر المؤمنين.
ومن فوائد الحديث: قال بعض العلماء: إن الوتر هو أفضل الأعمال بعد الفرائض، يعني: هو أفضل الصلوات بعد الفرائض؛ وذلك لأنه إن فهمنا أن قوله عليه الصلاة والسلام: ( إن الله وتر يحب الوتر )، أن المقصود بالوتر هنا الوتر المعروف، فظاهر، وإلا فعلى المعنى العام، فإن الوتر هو أول ما يدخل في الحديث، في قوله عليه الصلاة والسلام: (يحب الوتر).
ومن فوائد الحديث: إثبات صفة المحبة لله جل وعز، محبة حقيقية تليق بجلاله وعظمته، لقوله: (يحب)، وفي القرآن الكريم من ذلك كثير: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ [البقرة:222].. إلى غير ذلك.
وأخرجه مسلم في صحيحه أيضاً، في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب صلاة الليل مثنى مثنى.
وأخرجه أيضاً أحمد في مسنده، وهذا الحديث هو بمعنى حديث سبق. فإنه سبق معنا حديث ابن عمر الآخر وهو: ( صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح، صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى )، فهذا الحديث بمعنى ذلك الحديث.
واستدل هؤلاء الذين ينهون عن الركعتين بعد الوتر بأدلة:
أهمها وأولها: حديث الباب: ( اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً )، فإن فيه أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، وأقل ما يقتضيه الأمر هو الاستحباب، ولا شك أنه لا يقال بالوجوب في هذا الحديث قط، فإن أعلى ما يمكن أن يقال فيه أيضاً: هو الاستحباب، يعني: استحباب أن يختم الإنسان صلاته بوتر؛ لأننا سبق أن قررنا أن الوتر كله ليس بواجب، فلو أن إنساناً صلى شفعاً ركعتين ركعتين ثم لم يوتر، أفيكون آثماً بذلك؟ كلا، مع أنه لم يمتثل لحديث الباب؛ لأنه لم يجعل آخر صلاته وتراً، بل جعل آخر صلاته شفعاً، بالنظر إلى أنه لم يوتر أصلاً، وقد تقرر سلفاً: (أن الوتر ليس بحتم كهيئة المكتوبة)، كما قاله علي رضي الله عنه وأرضاه.
الدليل الثاني: هو الحديث الذي أسلفته قبل قليل وهو حديث ابن عمر أيضاً المتفق عليه وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة، توتر له ما قد صلى ).
وحديث: (صلاة الليل مثنى مثنى)، جاء فيه زيادة في بعض طرق الحديث وهي: ( صلاة الليل والنهار مثنى مثنى ).
وهذه الزيادة تفرد بها أحد الرواة، ولهذا حكم جماعة من العلماء بشذوذها، وقد تفرد بها علي بن عبد الله البارقي، ويقال: الأزدي، نسبتان.
إذاً: هذا الحديث: ( صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى واحدة ) دليل على أن المشروع أن يكون الوتر آخر الصلاة، قبل طلوع الصبح؛ ولذلك جاء في رواية أخرى في صحيح البخاري أيضاً، من حديث ابن عمر رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( فإذا أردت أن تنصرف -يعني: من صلاتك- فاركع ركعة واحدة، توتر لك ما قد صليت )، وهنا الانصراف سواء بخشية الصبح أو بغيره، يعني: إذا أردت أن تنتهي من الصلاة، فاختم صلاتك صلاة الليل بركعة واحدة، ليكون ما سبق كله وتراً.
أما الأحاديث الواردة في الركعتين بعد الوتر وهو قاعد، فقد ردها هؤلاء أو أجابوا عنها، لا أقول: ردها؛ لأن العبارة ليست مناسبة، بل ينبغي أن نقول: أجابوا عنها بأجوبة:
بعضهم قال: إن هاتين الركعتين من خصائص النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ لأنه عليه الصلاة والسلام أمره على خلافهما هذا الأول.
الثاني قال: إن القاعدة الأصولية: أنه إذا تعارض قوله عليه الصلاة والسلام مع فعله فالمقدم حينئذٍ قوله؛ لأن قوله موجه للأمة، أما فعله فهو يحتمل احتمالات كثيرة، منها: الخصوصية، فقالوا: نقدم قوله عليه الصلاة والسلام بالختم بوتر، على فعله في كونه يصلي ركعتين بعد الوتر، وهو جالس.
وبعضهم: أنكر هاتين الركعتين بعد الوتر وهو الإمام مالك.
وبعضهم، وهذا هو الوجه الرابع حكيته قبل عن النووي، وطوائف من أهل العلم: أن ذلك لبيان الجواز، فعله النبي صلى الله عليه وسلم أحياناً قليلة؛ لبيان الجواز، ولذلك قال الإمام أحمد : لا أفعله ولا أمنعه، ولا أمنع من فعله. فكأنه يرى أن هذا أمر جائز من فعله، فلا حرج عليه، ومن تركه فلا حرج عليه أيضاً.
وهناك قول: أن هاتين الركعتين هما ركعتا سنة الفجر راتبة الفجر، وهذا القول فيه نظر؛ فإن رواية مسلم مفصلة، وهي صريحة في أنه يركع هاتين الركعتين وهو جالس، ثم يضطجع، حتى إذا أذن المؤذن للصلاة صلى ركعتين، وهما راتبة الفجر.
وهاهنا حكمة للإمام النووي في هذا الموضوع أنقلها، في كتاب المجموع يقول رحمه الله: الروايات المشهورة في الصحيحين عن عائشة، مع رواية خلائق من الصحابة رضي الله عنهم في الصحيحين، مصرحة بأن آخر صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الليل كانت وتراً، ثم ساق بعض هذه الروايات كما أسلفت، ثم قال: فكيف يظن بالنبي صلى الله عليه وسلم مع هذه الأحاديث وأشباهها، أنه كان يداوم على ركعتين بعد الوتر، وإنما معناه ما ذكرناه أولاً من بيان الجواز، وإنما بسطت الكلام في هذا الحديث؛ لأني رأيت بعض الناس يعتقد أنه يستحب صلاة ركعتين بعد الوتر جالساً، ويفعل ذلك ويدعو الناس إليه؟! قال رحمه الله وغفر له: وهذه جهالة وغباوة فاحذر من الاغترار. انتهى كلامه رحمه الله.
إذاً: هذا هو القول الأول.
أولاً: حديث عائشة رضي الله عنها في صحيح مسلم : ( أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي ركعتين بعد الوتر وهو جالس، قالت: ثم يضطجع، فإذا أذن المؤذن صلى بين النداء والإقامة ركعتين )، فهذه الصلاة بين الأذان والإقامة هي راتبة الفجر، وهذا يرد قول من قال: إن الركعتين وهو جالس هما راتبة الفجر. هذا الدليل الأول.
الدليل الثاني: ما رواه الإمام أحمد في مسنده، عن أم سلمة رضي الله عنها: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد الوتر ركعتين خفيفتين )، وسنده لا بأس به .
الدليل الثالث: ما رواه الإمام أحمد أيضاً في مسنده، عن أبي أمامة رضي الله عنه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد الوتر ركعتين خفيفتين وهو جالس، يقرأ في الأولى بـ إِذَا زُلْزِلَتِ [الزلزلة:1]، ويقرأ في الثانية بـ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ [الكافرون:1] )، وحديث أبي أمامة وإن جوده أو حسنه بعضهم ففي سنده أبو غالب اسمه قيل: حزور وقيل غير ذلك، وفيه ضعف يسير، لكنه يصلح في الشواهد، فهو يتقوى بما قبله.
ومن أدلتهم أيضاً: حديث أنس رضي الله عنه، وهو مثل حديث أبي أمامة السابق: الصلاة ركعتين خفيفتين وهو جالس، وقراءة (الزلزلة) و(الكافرون) فيهما، وحديث أنس رواه الدارقطني في سننه، وفيه ضعف، ولكن يشهد له حديث أبي أمامة .
والدليل الخامس: -وكلها شواهد بعضها يشهد لبعض- حديث ثوبان رضي الله عنه بمعنى ما سبق وقد رواه الطحاوي رحمه الله.
وهناك ما يمكن أن يسمى دليلاً سادساً، ذكره الإمام ابن القيم في زاد المعاد، وذلك أنه قال: إن هاتين الركعتين أشكلتا على أقوام، ولا إشكال فيهما، هذا معنى كلامه، قال: فإن الوتر هو كصلاة المغرب، فالمغرب وتر النهار، وقد شرع بعد المغرب صلاة ركعتين راتبة للمغرب، تكملان وتر النهار وتتمانه، فهكذا بالنسبة لوتر الليل، فإنه شرع له ركعتان بعده، تقومان مقام الراتبة من صلاة المغرب، خاصة إذا تذكرنا أن هناك من يقول بوجوب الوتر، فتكون هاتان الركعتان من الوتر بمثابة الراتبة من الفريضة، تكملها وتتممها، ولا إشكال في ذلك. هذا مقتضى كلامه رحمه الله، وذلك في الجزء الأول في صفحة ثلاثمائة وثلاثين.
طيب. إذاً: هؤلاء القوم يقولون بمشروعية أو استحباب ركعتين بعد الوتر.
كيف يجيبون عن الأحاديث السابقة: ( اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً، فإذا خشيت الصبح فأوتر بواحدة )؟
يجيبون: بأن ذلك محمول على من جعل الوتر والصلاة آخر الليل، فمن قام آخر الليل قالوا: ينبغي أن يجعل الوتر آخر صلاته، لكن لو أوتر في وسط الليل أو في أوله مثلاً، قالوا: يشرع في حقه أن يصلي ركعتين بعد الوتر وهو قاعد، وهذا جواب فيه نظر، لحديث ابن عمر : ( فإذا خشيت الصبح فأوتر بواحدة ).
والجواب الثاني: قالوا: إن المقصود في قوله: ( اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً )، المقصود: من صلى صلاة خاصة مستقلة متصلاً بعضها ببعض، فإنه يجعل آخرها وتراً، وهذا أيضاً فيه نظر كما لا يخفى.
وقد سئل الإمام أحمد كما في المغني، فقال له قائل: [ هل أصلي بعد الوتر مثنى مثنى؟ فقال له الإمام أحمد : نعم، ولكن بعد ركعة الوتر ] فهذا يدل على أن هناك من أهل العلم من يقول الصلاة المتصلة لا يكون بعدها ركعتان، يعني: إذا أوترت لا تصلي ركعتين بعد الوتر مباشرة، فهذا حملوا عليه: (اجعلوا آخر صلاتكم)، إنما لو أوترت ثم نمت تصلي ركعتين، فتكون هاتان الركعتان بعد الوتر.
وهذا ينقلنا إلى مسألة ثانية، قبل أن ننقل إليها نقف عند مسألة هاتين الركعتين بعد الوتر، كأن الغالب من حال النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان لا يصليهما، ولو كانت صلاته لهما مستفيضة كثيرة، لنقلها الذين نقلوا صلاته عليه الصلاة والسلام، وهم كثيرون.
ولكن أيضاً الأحاديث الواردة في هاتين الركعتين صحيحة وكثيرة، ولذلك لا حرج على من صلاها، ولا حرج أيضاً على من تركها.
أما القول بأنها سنة بعد الوتر، كما ذهب إليه الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى، فإنه لا يخلو من إشكال كما سبق.
المسألة الثانية: وهي تتعلق بما مضى: وهي من أوتر أول الليل: ( اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً )، من أوتر أول الليل كما يقع في التراويح في رمضان، ثم قام آخر الليل كيف يصنع؟ هل يصلي أم لا يصلي؟ وإذا صلى هل ينقض الوتر الأول أم لا ينقضه؟ وهذه المسألة أتركها للحديث الذي بعده.
ورواه أيضاً أبو داود رحمه الله، في الصلاة، باب نقض الوتر.
ورواه النسائي، في قيام الليل، باب نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الوترين في ليلة.
ورواه الترمذي في كتاب الصلاة، باب ما جاء (لا وتران في ليلة).
ورواه ابن خزيمة في صحيحه، والبيهقي، والطبراني، والطيالسي، أما ابن حبان فاضرب عليه؛ لأني لم أجده في الإحسان .
وسند الحديث حسن، فإنه من رواية قيس بن طلق بن علي عن أبيه، وقيس بن طلق سبق معنا في باب نواقض الوضوء في مس الذكر.
وخلاصة القول: الذي ظهر لي بعد مراجعتي اليوم لترجمته أنه صدوق، وأن حديثه حسن، ولذلك حسن هذا الحديث جماعة من أهل العلم، فممن حسنه الإمام الترمذي رحمه الله تعالى، وممن حسنه أيضاً الحافظ ابن حجر في فتح الباري، فإنه قال: إسناده حسن، وقد نقل النووي كلام الترمذي وأقره عليه.
وصحح الحديث جماعة من أهل العلم: منهم: ابن خزيمة كما أسلفت، ونسب تصحيحه لـابن حبان، وإن صح هذا يكون ابن حبان قد خرج الحديث أيضاً، لكن ربما في موضوع آخر، وكذلك صححه عبد الحق الإشبيلي .. وغيره من أهل العلم.
ولهذا الحديث قصة ذكرها قيس، كما في المصادر الآنفة الذكر، قال: زارني أبي في رمضان، فأمسى عندنا فأفطر، فقام بنا تلك الليلة -يعني: يصلي بنا صلاة الليل برمضان- وأوتر ثم غدا أو انحدر إلى مسجده، فصلى بأصحابه، ثم قدم رجلاً فقال له: أوتر بهم فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( لا وتران في ليلة )، هذه هي قصة الحديث.
الحديث دليل بظاهره على عدم تكرار الوتر، وأنه لا يشرع للإنسان أن يصلي وترين في ليلة واحدة، أن ذلك مكروه.
أولاً: الجمهور من أهل العلم يقولون: يصلي ما شاء من آخر الليل، ويبقى وتره الأول بحاله، فيصلي بعد ذلك مثنى مثنى، فمثلاً: لو صلى التراويح مع الإمام في رمضان، ثم قام آخر الليل، فإنه يصلي ثنتين ثنتين ولا يوتر، يكفيه الوتر الأول, وقد حكى عياض هذا عن أكثر أهل العلم، وحكاه ابن المنذر عن جماعة من الصحابة، منهم: أبو بكر رضي الله عنه، كان يقول: [ أما أنا فإنما أنام على فراش، فإذا استيقظت صليت شفعاً حتى الصباح ]، يعني: بعدما أوتر، وأيضاً هذا القول هو مذهب جماعة من الصحابة: سعد بن أبي وقاص وعمار بن ياسر وابن عباس وعائذ بن عمرو وعائشة وطلق بن علي ؛ لأنا ذكرنا قصته الآن، حيث أوتر في مسجد كان فيه ولده، ثم ذهب إلى قومه فصلى بهم، فلما جاء الوتر قدم رجلاً يصلي، ومعنى ذلك: أن طلقاً لم يصل الوتر معهم واكتفى بوتره الأول، وإلا لم يكن لتقديمه لذلك الرجل في صلاة الوتر معنى.
وكذلك هو مذهب جماعة من التابعين، حكاه ابن المنذر عنهم، منهم: طاوس، والنخعي، وأبو مجلز، وهو مذهب سعيد بن المسيب، كما ذكره الحافظ ابن حجر في الفتح، ومذهب الأوزاعي ومالك وأحمد، كما هو منقول عنه كما في المغني وغيره، وهو مذهب أبي ثور، وبإمكانك مراجعة كتاب المجموع (4/24)، فقد ذكر بعض هذه الأقوال.
وفي المغني: (أنه قيل للإمام أحمد : ولا ترى نقض الوتر؟ قال: لا، ثم قال: وإن ذهب إليه رجل، فأرجو ألا بأس به) يعني: إن ذهب أحد إلى نقض الوتر فالأمر واسع، هذا معنى كلامه، (وإن ذهب إليه رجل فأرجو أن لا بأس به)؛ لأنه قد فعله جماعة، يعني: نقضوا الوتر.
وكذلك روى محمد بن نصر المروزي في كتاب قيام الليل، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه ما يدل على أنه يقول بهذا القول، وإن كان المشهور عنه خلافه، فقد روى محمد بن نصر المروزي بإسناده: (أن ابن عمر رضي الله عنه سئل عن ذلك، فقيل له: أرأيت إن أوترت قبل أن أنام، ثم نمت من الليل، فشفعت حتى أصبحت، فقال ابن عمر رضي الله عنه: ليس بذلك بأس)، وربما يكون هذا دليلاً على أنه وإن نقض الوتر بنفسه، إلا أنه يرى أن الأمر واسع، سواء نقضت الوتر أو صليت مثنى مثنى شفعاً، وإنما يتجه القول بنقض الوتر، على قول من يقولون بجواز التنفل بركعة واحدة، وهذا القول سبق ذكره، وفيه ما فيه.
ومن أدلة هؤلاء القائلين بعدم نقض الوتر الأحاديث السابقة في الركعتين.
ومن أدلتهم أيضاً: حديث الباب فإنه صلى الله عليه وسلم قال: ( لا وتران في ليلة )، فإذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن وترين في ليلة، أفلا يكون النهي عن ثلاثة أوتار من باب أولى؟ بلى، ولذلك فإن النقض صورته أنه أوتر ثلاث مرات: فأوتر في آخر الصلاة الأولى، ثم لما استيقظ آخر الليل نقض الوتر الأول بركعة، ثم لما انتهى من الصلاة أوتر بواحدة، فكأنه أوتر ثلاثاً.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر