الحمد لله رب العالمين، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً.
اللهم لك الحمد كما أنعمت به علينا من نعمك العظيمة، وآلائك الجسيمة، نحمدك ونشكرك ونثني عليك الخير كله، ونشكرك ولا نكفرك، ونخلع ونترك من يفجرك، إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك، ونخشى عذابك، إن عذابك الجد بالكفار ملحق.
وعندنا اليوم خمسة أحاديث أو ستة في باب صلاة التطوع، نسأل الله تعالى أن يعلمنا ما ينفعنا، وينفعنا بما علمنا، ويزيدنا علماً وعملاً إنه أرحم الراحمين.
الآن نأخذ هذه الأحاديث:
قال المصنف رحمه الله: [ وعن عبد الله بن بريدة رضي الله عنه عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( الوتر حق، فمن لم يوتر فليس منا )، أخرجه أبو داود بسند لين، وصححه الحاكم، وله شاهد ضعيف عن أبي هريرة رضي الله عنه عند أحمد .
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة، يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثاً، قالت
ولهما في رواية عنها رضي الله عنها: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي من الليل عشر ركعات، يوتر بسجدة، ويركع ركعتي الفجر، فتلك ثلاث عشرة ركعة ).
وفي رواية أخرى: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة، يوتر من ذلك بخمس، لا يسلم بشيء إلا آخرها )، متفق عليه.
وعنها رضي الله عنها قالت: ( من كل الليل قد أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى انتهى وتره إلى السحر )، متفق عليهما ].
أحاديث هذا اليوم فأولها حديث عبد الله بن بريدة رضي الله عنه عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( الوتر حق، فمن لم يوتر فليس منا ).
ولفظ أبي داود : ( الوتر حق، فمن لم يوتر فليس منا )، ورواه أيضاً الإمام أحمد في مسنده، والحاكم في مستدركه.
وقد قال المصنف هاهنا: بسند لين، وسر تليين المصنف لهذا الإسناد هو أبو المنيب عبيد الله بن عبد الله العتكي، فهذا الرجل مختلف فيه، ضعفه جماعة، ووثقه آخرون، وممن وثقه ابن معين رحمه الله، وكذا أبو حاتم الرازي قال: صالح الحديث، وهو من الأئمة المتشددين في التعديل، فإذا عدل راوياً فهو إلى الثقة وإلى العدالة أقرب، وقل ما يعدل راوياً ويضعفه غيره، ولعل هذا المثال من الأمثلة القليلة التي خولف فيها أبو حاتم رحمه الله، فهو قال في هذا الراوي: صالح الحديث، وكذلك يحيى بن معين وثق عبيد الله هذا العتكي، وتكلم فيه آخرون، وممن تكلم فيه الإمام النسائي، وهو أيضاً متشدد في الجرح، وابن حبان والعقيلي، وقال ابن عدي في الضعفاء: لا بأس به، وأما الحافظ ابن حجر رحمه الله فإنه ذكره في تقريب التهذيب، وقال: صدوق يهم، وقال هاهنا: بسند لين.
وقد اختلف أهل العلم في درجة: صدوق يهم، فمنهم من اعتبر حديثه حسناً، ومنهم من ضعف حديث الصدوق إذا قيل فيه: يهم؛ لأن هذا دليل على كثرة الوهم عنده، ومذهب سماحة شيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز أن مثل هذا الراوي إذا قيل فيه: صدوق يهم، فدرجته أن حديثه حسن، ويقول: من هو الذي لا يهم، ما من أحد إلا ويهم، ولكن المشهور عند جماعة من علماء الجرح والتعديل أن الصدوق إذا قيل فيه: يهم، فحديثه أقرب وأميل إلى الضعف، بخلاف الصدوق الذي له أوهام، فإنه يرتقي عنه قليلاً، وهذا الحديث كما أسلفت ذكرناه شاهداً لحديث أبي أيوب رضي الله تعالى عنه وأرضاه .
أما حديث أبي هريرة الآخر، والذي لم يسق المصنف لفظه، لكنه أشار إليه بمعناه، ونسبه إلى الإمام أحمد رحمه الله، فإنه قد رواه الإمام أحمد في مسنده في (2/ 443)، ورواه في موضع آخر أيضاً وسنده أيضاً فيه ضعف، كما ذكره المصنف رحمه الله شاهداً لحديث عبد الله بن بريدة، وله شاهد ضعيف عن أبي هريرة رضي الله عنه عند أحمد.
إذاً: في الحديث علتان:
العلة الأولى: أن فيه الخليل بن مرة وهو ضعيف، ضعفه أبو حاتم والبخاري .. وغيرهما.
العلة الثانية: أنه منقطع بين معاوية بن قرة وبين أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه، فإن معاوية بن قرة لم يرو عن أبي هريرة شيئاً ولا لقيه، قال ذلك الإمام أحمد، قال: لم يرو معاوية بن قرة عن أبي هريرة رضي الله عنه شيئاً ولا لقيه.
ففي الحديث علتان.
ويجاب عن هذين الحديثين وما أشبههما بأجوبة، سبق أن ذكرنا شيئاً منها:
منها: أن يقال إن لفظ: (حق) ليس نصاً في الوجوب (الوتر حق).
ومنها: أنه جاء عند ابن المنذر لفظ: ( الوتر حق وليس بواجب ).
ومنها: أن الأحاديث ضعفت هذه، فقد ضعف هذان الحديثان وغيرهما.
والوجه الرابع في الإجابة عنها: أن يقال: على فرض صحتها، وصحتها أيضاً مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه لابد من الجمع بينها وبين الأحاديث الأخرى الصريحة في عدم الوجوب، فتحمل هذه الأحاديث على تأكيد الوتر، وشدة استحبابه، وتحمل تلك على عدم الوجوب.
وهناك وجه خامس ظهر لي والله تعالى أعلم إن كان صواباً: أن تحمل هذه الأحاديث على من ترك الوتر بالكلية، يعني: إنسان لا يوتر قط، فهذا لا شك أنه مذموم، وللعلماء فيه كلام، أما من كان يوتر ويترك، فلا يمكن أن يقال: إن هذا آثم بتركه للوتر يوماً أو يومين أو أياماً .
وفي هذه المصادر: ( أن أبا سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عائشة
الحديث الذي ذكره المصنف بعد ذلك، وهو قولها رضي الله عنها: ( كان يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة، يوتر من ذلك بخمس، لا يجلس في شيء إلا في آخرها )، فهذا وجه آخر روي عنها، وهو في الصحيحين أيضاً كما سوف يأتي.
وقد جاء عنها رضي الله عنها: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي من الليل عشر ركعات )، وجاء عنها خلاف ذلك كما سوف يأتي تفصيل شيء منه.
والجمع بين هذه الوجوه التي وردت عن عائشة رضي الله عنها، الجمع بينها له وجوه:
الوجه الأول: أن يحمل ذكر ثلاث عشرة ركعة على أنها أضافت إلى ذلك راتبة العشاء، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصليها في البيت كما هو معروف، فيحتمل أن عائشة رضي الله عنها أضافت راتبة العشاء إلى الركعات الإحدى عشرة، فصارت ثلاث عشرة ركعة.
ويحتمل وجه آخر: وهو أن تكون أضافت إليه الركعتين اللتين كان النبي صلى الله عليه وسلم يستفتح بهما صلاة الليل، فقد روى مسلم في صحيحه : ( أنه عليه الصلاة والسلام كان يستفتح صلاة الليل بركعتين خفيفتين )، وهو من حديث عائشة، من رواية سعد بن هشام عن عائشة رضي الله عنها.
ويحتمل وهو وجه ثالث: أن تكون أضافت إلى العدد الركعتين اللتين كان النبي صلى الله عليه وسلم يصليهما بعد الوتر وهو جالس، وهذا قد صح أيضاً عنه صلى الله عليه وسلم من حديثها رضي الله عنها، كما في مسلم، وهناك اختلافات أخرى في صلاة الليل عن عائشة رضي الله عنها، غير الاختلاف على الإحدى عشرة، والثلاث عشرة، ويحمل هذا الخلاف على تنوع الأحوال، أي: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينشط أحياناً فيزيد، ويصيبه التعب أحياناً فينقص، فتكون عائشة رضي الله عنها روت أحوالاً متعددة من صلاة الليل، بالنسبة للرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
ومما يؤكد ذلك أن الرواة اختلفوا عن عائشة رضي الله عنها في ذلك، بمعنى: أن سعد بن هشام سألها فأجابته بجواب، أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف سألها فأجابته بجواب، مسروق سألها فأجابته بجواب، فاختلف السائلون واختلفت الأجوبة منها رضي الله عنها، فدل على أن ما نقل عنها يحمل على تعدد الأحوال، وليس اضطراباً في الحديث، لا منها رضي الله عنها، ولا ممن فوقها كما زعمه قوم، وإنما الصواب أنها أحوال متعددة لصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل.
أما قولها: (يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن)، فالمعنى: أن هذه الركعات الأربع حسنة طويلة، فلا تسأل عن حسنها وطولها، أي: أنها في الطول والحسن بصورة لا يحتاج معها إلى سؤال.
وكونها قالت: (ثم يصلي أربعاً فلا تسأل) يحتمل معنيين:
المعنى الأول: أنه يصلي أربع ركعات بتسليم واحد، ثم يصلي أربع ركعات أيضاً بتسليم واحد، وهذا قال به بعض الشراح، وهو وجه ضعيف؛ وسبب ضعفه أنه معارض للروايات الأخرى، ومنها قوله عليه الصلاة والسلام: ( صلاة الليل مثنى مثنى )، وسبق أن بحثنا هذه المسألة، وما يتعلق بصلاة الليل والنهار، وكيف يصلي.
الوجه الثاني: أن المعنى (يصلي أربعاً): يسلم من كل ركعتين، وإنما فصلت رضي الله عنها الأربع الأول عما بعدها؛ لأنه يفصل بينها براحة أو نوم.. أو ما أشبه ذلك، فهو يصلي ركعتين ثم ركعتين متشابهتين، التسليمتان متشابهتان في الطول، ثم يفصل بينهما، ثم يصلي أربعاً أيضاً بتسليمتين، يعني: ركعتين ثم يسلم، ثم ركعتين ثم يسلم، فتكون فصلت رضي الله عنها الخبر عن الركعات الأول والخبر عما بعدها؛ إما لأنه يفصل بينها بنوم أو راحة، أو لأن الركعات الأربع الأول والمتشابهة في الطول والركعات التي تليها تكون أقصر منها.
إذاً: يحتمل قولها: (يصلي أربعاً) أن تكون الأربع بتسليم واحد، وهو ضعيف، ويحتمل أن تكون بتسليمتين، أي: يسلم من كل ركعتين وهو الراجح، ويدل عليه ما ورد عن عائشة رضي الله عنها عند أبي داود، وسبق أن ذكرناه، وكذلك ما ورد عن ابن عباس في صحيح مسلم : ( أنه يصلي ركعتين ثم يسلم، ثم ركعتين ثم يسلم ).. إلى آخره. وهذا هو المشهور من هديه صلى الله عليه وسلم أنه يسلم من كل ركعتين، وكما في قوله: ( صلاة الليل مثنى مثنى ).
أما قولها: (أتنام قبل أن توتر): فهو يدل على أنه قد استقر في خلدها رضي الله عنها: أن المشروع أن يوتر الإنسان قبل أن ينام، فإن هذا هو الحزم والاحتياط، ولهذا تعجبت من نوم النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يوتر، فسألته عن ذلك، فأجابها عليه الصلاة والسلام بقوله: (إن عيني تنامان ولا ينام قلبي)، وهذا الجواب منه صلى الله عليه وسلم، كأنه يدل على أن هذا الأمر من خصائصه عليه الصلاة والسلام، أن تنام عيناه ولا ينام قلبه، وقد يكون هذا من خصائص الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ولذلك ينام قبل أن يوتر، أما غيره من الناس ممن تنام عيونهم وقلوبهم، فالحزم في حقهم ألا يناموا حتى يوتروا، يعني: في آخر الليل إذا قاموا للتهجد، أما في أول الليل، فإن طمع أن يقوم في آخر الليل أخر الوتر إلى آخر الليل، وهو وقت التنزل الإلهي، وإن خشي ألا يقوم فإن السنة في حقه أو يوتر قبل أن ينام، كما أوصى النبي صلى الله عليه وسلم أبا هريرة وأبا ذر رضي الله عنهما: ( أوصاني خليلي بثلاث -وذكر منها:-وأن أوتر قبل أن أنام ).
منها: أن النوم الناقض للوضوء: هو النوم الذي يكون معه غفلة القلب ونوم القلب؛ ولهذا قال بعضهم: إن نوم النبي صلى الله عليه وسلم غير ناقض للوضوء؛ لأنه لا ينام قلبه، وهذا فيه نظر والله تعالى أعلم، وإن كان ينام حتى ينفخ عليه الصلاة والسلام ثم يقوم ويصلي، لكن يحمل هذا على أنه نوم لا استغراق معه، أما النوم المستغرق، يعني: إذا وضع جنبه عليه الصلاة والسلام على الفراش، ونام مستغرقاً طويلاً فيحتاج إلى دليل، أن يقال: إن مثل هذا النوم لا ينقض الوضوء، والمعلوم من هديه عليه الصلاة والسلام أنه إذا قام من الليل، قام إلى شن معلقة فتوضأ منها، ثم صلى، ولم ينقل عنه أنه كان يصلي بعدما يقوم من الليل دون أن يتوضأ، ولكن نومه ذاك الذي قبل صلاة الفجر نوم خفيف، وإن صاحبه نفخ أو ثقل في النفس.
الذي وقفت عليه من وجهين:
الأول: قال بعضهم: أن له عليه الصلاة والسلام أحوالاً، فأحياناً تنام عيناه ولا ينام قلبه، وأحياناً تنام عيناه وقلبه، فيكون جوابه عليه الصلاة والسلام لـعائشة هنا عن الحال التي سألته عليها، يعني: نومه قبل الوتر، يكون جوابه في قوله: (تنام عيناي ولا ينام قلبي) يعني: للنوم الذي حصل قبل أداء الوتر، فهذا جواب، ويكون نومه في الوادي مما اجتمع فيه نوم العينين ونوم القلب.
الجواب الثاني: أن يقال: إن رؤية الشمس وإدراك طلوع الوقت مما يتعلق بالعين لا بالقلب، فقد نامت عيناه صلى الله عليه وسلم، فلم ير طلوع الفجر وبزوغ الشمس حتى طلعت، وهذا لا تعلق له بنوم القلب، هكذا قال بعضهم.
على كل حال هذا ما يتعلق بحديث عائشة رضي الله عنها.
(ويوتر بسجدة) أي: بركعة واحدة، فهذه إحدى عشرة ركعة.
(ثم يصلي ركعتي الفجر، فتلك ثلاث عشرة ركعة)، وهذا ينسجم مع ما ذكرته في الحديث السابق في قولها: ( ما كان يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة )، فهي إحدى عشرة ركعة مضافاً إليها ركعتا الفجر.
وفي هذا اللفظ دليل على الوتر بركعة واحدة، وأنه جائز، وقد جاء في الحديث: ( الوتر ركعة من آخر الليل، وإذا خشي أحدكم الصبح صلى واحدة )، وسبق ذكر بعض أدلة ذلك .
فهذا رواه الشيخان: رواه البخاري في صحيحه في كتاب الوتر، باب ساعات الوتر، ورواه مسلم في صلاة المسافرين، باب صلاة الليل، ورواه الترمذي، وأبو داود، والنسائي .. وغيرهم.
المسألة الأولى: أحوال أو صفات صلاته صلى الله عليه وسلم بالليل، وقد سبق أن قرأ أحد الإخوة رقعة، أظنه نقلها من المحلى للإمام ابن حزم في أحواله عليه الصلاة والسلام في صلاة الليل، كما نقلت لكم شيئاً من كلام الإمام ابن القيم في زاد المعاد في أحوال النبي عليه الصلاة والسلام في صلاة الليل، وقد أوصل بعضهم الأحوال التي صلى النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الليل، والصفات التي صلى عليها، إلى ما يزيد على ثلاث عشرة صفة، ولكن في بعض هذه الصفات نظر؛ لأنها لم تثبت من فعله عليه الصلاة والسلام، وإنما هي اشتقاق واستخراج، والذي يصفو من ذلك فيما ظهر لي عشر صفات نقيدها، ثم لا مانع أن نستدرك فيما بعد إذا ثبت ما يزيد على هذه الصفات العشر، وهي:
أنه كان يصلي تسع ركعات يجلس بعد الثامنة، ثم يتشهد ولا يسلم، ثم يقوم ويصلي التاسعة، ثم يتشهد ويسلم، هذه صفة، وهذه جاءت في حديث رواه مسلم عن عائشة رضي الله عنها، بهذا الوصف الذي ذكرناه.
ومنها: أنه يصلي سبعاً فيتشهد بعد السادسة ولا يسلم، ثم يقوم ويصلي السابعة يوتر بها، ثم يجلس ويتشهد ويسلم، وهذا أيضاً جاء في حديث عند مسلم عن عائشة رضي الله عنها، وهو مثل الذي قبله، إلا أن الأولى تسع وهذه سبع.
ومنها: أنه يصلي خمس ركعات، هذه الخمس الموجود عندنا، أنه يوتر من ذلك بخمس، وقد يصلي عليه الصلاة والسلام خمس ركعات متصلات، لا يفصل بينهن، وهذا جاء في حديث عن أم سلمة رضي الله عنها رواه أهل السنن ولا بأس بإسناده؛ أنه: ( يوتر بسبع وبخمس لا يفصل بينهن )، يعني: لا يسلم بينهن، ولا يجلس للتشهد.
فالصورة الثالثة: أنه يصلي خمس ركعات بتسليم واحد، وجاء هذا في حديث أم سلمة، وقد رواه أهل السنن، رواه النسائي وابن ماجه وأحمد .. وغيرهم هذه ثلاث.
الصورة الرابعة: أنه يصلي ثنتي عشرة ركعة، يسلم من كل ركعتين، ثم يوتر بواحدة، يصلي ثنتي عشرة ركعة بست تسليمات، ثم يوتر بركعة واحدة، فيكون المجموع ثلاث عشرة ركعة، وهذا جاء أيضاً في حديث عائشة رضي الله عنها كما أسلفنا.
الخامسة: أنه يصلي إحدى عشرة ركعة، كما في حديث الباب: ( يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن )، قلنا: ركعتين ركعتين، ( ثم أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثاً ) فيكون المجموع إحدى عشرة ركعة، أربع وأربع وثلاث.
السادسة: أنه يصلي ركعتين ركعتين خمس تسليمات ثم يوتر بثلاث ركعات، هذه هي الصفة السادسة.
السابعة: وهي مثل السادسة، يصلي عشر ركعات بخمس تسليمات ثم يوتر بواحدة، فيكون المجموع إحدى عشرة ركعة، وقد يصلي ثمان ركعات بأربع تسليمات ثم يوتر بخمس كما قالت عائشة : ( يوتر من ذلك بخمس لا يجلس في شيء -يعني- إلا في آخرها )، يعني: في آخر الخمس، فيكون المجموع ثماناً وخمساً كم؟ ثلاث عشر ركعة.
ومنها: أنه يصلي ثلاث ركعات يفصل بينهن، يعني: يجلس بعد الثانية ويتشهد ولا يسلم، ثم يقوم مثل ما هو فيما يتعلق في صلاة المغرب، وهذا رواه ابن حزم في المحلى عن ابن عمر رضي الله عنه واعتمده، وقد جاءت أحاديث صحاح في النهي عن ذلك، ولعل هذه إحدى المسائل التي نحب من بعض الإخوة أن يحررها لنا إن شاء الله، بعدما نستأنف الدرس: مسألة الوتر بثلاث سواءً سرد الوتر الثلاث سرداً أو فصل بينهن بتشهد، ثم قام مثل ما هو في صلاة المغرب، أو سردها سرداً دون تشهد، بيان الأحاديث الواردة في إثبات ذلك، والأحاديث الواردة في النهي عنه، وترجيح الأقوال.
أيضاً من الصور الواردة أن يوتر عليه الصلاة والسلام بركعة واحدة، وهذا جاء من قوله عليه الصلاة والسلام: ( الوتر ركعة من آخر الليل )، ولا أدري هل ثبت من فعله عليه الصلاة والسلام أنه أوتر بركعة واحدة، يعني: دون أن يسبقها قيام أو صلاة.
إذاً: ننظر فيما يتعلق بالصيغ، فيه صيغة أظن ذكرت حديثها حديث أم سلمة، قلت لكم: إنها قالت: ( إن رسول الله عليه الصلاة والسلام يوتر بسبع، ويوتر بخمس لا يفصل بينهن )، فحديث أم سلمة يدل أيضاً على أنه قد يوتر بسبع سرداً، لا يفصل بينهن بشيء، وهذه أظن أنها ما ذكرت نعم أو ما حسبت.
على كل حال: من الظاهر جداً أنه بالنسبة للإنسان لو أراد أن يصلي ركعتين ثم يسلم، وركعتين ثم يسلم، ثم يوتر بما شاء الله له، فإن هذا باب واسع، فلو صلى مثلاً أربع ركعات بتسليمين، ثم أوتر بواحدة، أو أوتر بثلاث أو أوتر بخمس يعني: يتفرع عن ذلك صور كثيرة جداً داخلة في الجواز، لكن نحن نريد أن ننقل أو نذكر ما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم، فينظر في حديث جابر رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
هذا فيه: مسألة وقت الوتر، وسبق بحث هذه المسألة، لكن بمناسبة حديثها رضي الله عنها فإن حديثها يدل على أن الليل كله وقت للوتر، وقد أجمع أهل العلم فيما ذكره ابن المنذر وابن عبد البر .. وغيرهما، على أن الوتر وقته يمتد من بعد صلاة العشاء إلى طلوع الفجر، وممن ذكر الإجماع على ذلك أيضاً ابن رشد .. وغيره، أن وقت الوتر يمتد من بعد صلاة العشاء إلى طوع الفجر، وهذا من حيث الجملة.
أما ما يتعلق بآخر الوقت فقد ذهب الجمهور إلى أن آخر وقت الوتر هو طلوع الفجر، وذهب المالكية والشافعية.. وغيرهم من أهل العلم أيضاً، إلى أن للوتر وقتين كما أسلفت: وقت اختيار ينتهي بطلوع الفجر، ووقت اضطرار يمتد إلى صلاة الفجر، وهنا يظهر الخلاف في مثل هذه المسألة، فيما لو أدى الإنسان الوتر بعد طلوع الفجر وقبل الصلاة، فعند الأولين يكون أداؤه للوتر قضاء؛ لأنه بعد خروج الوقت، فمن ذكرت من الشافعية والمالكية، فإن صلاة الوتر بعد طلوع الفجر حينئذٍ تكون أداء عندهم؛ لأن الوقت لم يخرج، ووقت الاضطرار لا يزال باقياً، هذا ما يتعلق بهذا الموضوع.
أسأل الله تعالى أن يرزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح.
الجواب: هذا صحيح، وقد سبق أن ذكرناه في الدرس الماضي .
الجواب: ليس النظر في جواز الوتر بركعة، فقد بحثناه، وذكرنا حديث البتيراء جواز الوتر بركعة، وكلام ابن عباس، ووتر معاوية رضي الله عنه بركعة وهو في الصحيح، إنما الذي قلت الذي فيه نظر، قصدي ثبوت ذلك من فعل النبي صلى الله عليه وسلم.
سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر