فالأكثرون على تضعيفه، فالحديث لذلك فيه ضعف .
وخلاصة الكلام فيه: جمعها الحافظ ابن حجر في التقريب، فقال في شأن بكار هذا: صدوق يهم، وهذه الدرجة الأغلب أن حديث صاحبها في قائمة الضعيف، ولكنه ضعيف منجبر، فإن قوله: يهم، يدل على أن وهمه ليس بالقليل، بخلاف ما إذا قال: صدوق له أوهام أو له أغلاط، فإن ذلك يدل على أن أغلاطه معدودة، ومن هو الذي لا تكون له أوهام وأغلاط، فقوله: (يهم)، الفعل المضارع كما هو معروف يدل على التجديد والتكرر والاستمرار منه، فلذلك كان الكثيرون على أن حديث صاحب هذه الدرجة في عيار الحديث الضعيف، إلا أن ضعفه ليس شديداً، ولهذا قال النووي في المجموع بعد أن ساق هذا الحديث: إسناده فيه ضعيف ولعله يعني بكار بن عبد العزيز.
وفي الحديث مسألة سجود الشكر ومشروعيته، وسنتحدث عنه في الأحاديث التي بعده إن شاء الله تعالى.
مقارب الحديث يعني: هم أحياناً كلمة (مقارب) يطلقونها على الحديث نفسه، وأحيانا يطلقونها على الراوي، وأكثر من يستخدمها البخاري رحمه الله، وينقلها الترمذي عنه أحياناً في جامعه، فكأن المعنى أنه يقرب من الحديث المقبول، ولكنه ليس من الأحاديث الصحيحة، فكأنه يشير إلى وجود ضعف ما في الراوي.
قال البيهقي رحمه الله تعالى: وفي الباب عن جابر وأنس وابن عمر وجرير وأبي جحيفة رضي الله عنهم، يعني: في سجود الشكر، وربما عنى في مسألة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم؛ ذلك أن الحديث كما ساقه المصنف فيه طي وحذف، فإن فيه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد فأطال السجود، فلما رفع قيل: له في ذلك؟ -يعني: سجدت فأطلت السجود- فقال: إن جبريل أتاني فبشرني أو أخبرني أن من صلى علي مرة صلى الله عليه بها عشراً، فسجدت شكراً لله تعالى )، هكذا قال عليه الصلاة والسلام فذكر أن سبب السجود الفرح بهذه البشارة الربانية: ( أن جبريل أتاني فأخبرني: أنه من صلى علي واحدة صلى الله عليه بها عشراً، فسجدت شكراً لله تعالى )، فقد يكون قول البيهقي: (وفي الباب) يعني: ذلك أيضاً.
منها: مشروعية سجود الشكر، وستأتي في الحديث الذي بعده.
ومنها: فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه من صلى عليه صلاة واحدة صلى الله تعالى عليه بها عشر مرات، وهذا من فضل الله عز وجل، ففيه الحث على الإكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في كل حين، وهي واجبة في الصلاة كما سبق، ومشروعة في كل وقت، وخاصة في يوم الجمعة وليلة الجمعة.
وفيه أيضاً: مشروعية البشارة بالأمور السارة، سواء كانت من الأمور الدينية، أو من الأمور الدنيوية، فإن جبريل بشر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك وأخبره، فسجد لله شكراً، وكان المسلمون يتباشرون بالأمور السارة، كالفتح والنصر، أو التوبة على أحد، أو هزيمة عدو، أو مجيء الفرج.. أو ما أشبه ذلك، ففيه مشروعية التبشير بالأمور الطيبة السارة، سواء كانت أموراً دينية، أو أموراً دنيوية.
وعلي سجد حين جاءه الخبر بإسلام أهل اليمن.
نعم عندما وجد ذا الثدية الذي أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم من الخوارج، علي أزال القتلى فوجده في آخرهم، فخر ساجداً لله تعالى على موافقة الخَبر الخُبر.
وهو مذهب كعب بن مالك؛
لأنه سجد -كما في الصحيحين- لما بشر بتوبة الله تعالى عليه.
هذا على حسب كلام البيهقي، لا، مثل ما ذكرت لكم فيه احتمال قوله: (وفي الباب)، يحتمل هذا وهذا بالنسبة لكلام البيهقي .
وقال بهذا القول جماعة من الأئمة منهم: الأمام أحمد والشافعي وإسحاق وأبو ثور وابن المنذر، وهو من فقهاء الشافعية، والليث بن سعد، وداود الظاهري .. وغيرهم، فهو مذهب الجماهير، قالوا: بمشروعية سجود الشكر عند تجدد النعمة، أو اندفاع النقمة، أو عند رؤية الإنسان المبتلى في دينه أو دنياه.
فأما عند تجدد النعمة، نزول الخير على الإنسان، أو على الأمة، أو عند اندفاع النقمة كزوال البلاء والمصيبة، أو عند رؤية الإنسان المبتلى، كأن يرى مشوهاً في خلقته، مبتلى في ذلك، أو يرى مبتلى في دينه أيضاً.
ومن اللطيف ما ذكروا: أنه إن رأى مبتلى في دينه حمد الله تعالى علانية، وسجد علانية أيضاً؛ لأنه ينبغي أن يعلم أنه مبتلى لعله يتوب.
أما إن كان مبتلي في دنياه بمرض أو تشويه في خلقته.. أو ما أشبه ذلك، فقد قال كثير من أهل العلم: إنه لا يشرع أن يعلن ذلك؛ لما فيه من كسر قلبه، والتأثير عليه.
على كل حال سجود الشكر عند هؤلاء يشرع عند تجدد النعم، واندفاع النقم، ورؤية المبتلي ابتلاء ظاهراً، ولا يشرع عند استدامتها؛ لأن نعم الله تعالى تترى: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا [إبراهيم:34]، والمواضع التي سجد فيها النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه للشكر مواضع معدودة محدودة.
فالمقصود أن الإنسان يسجد عند حدوث أشياء تؤثر في قلبه، وتحدث له فرحاً وسروراً واغتباطاً، فيكون سجوده تعبيراً عن الشكر لله تعالى ومقام العبودية، عبودية الرغبة، أو عبودية الرهبة: إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا [الأنبياء:90].
وذلك لأدلة كثيرة منها أولاً؟ هاتوا ما عندكم من الأدلة، حتى نستفرغها في مشروعية سجود الشكر.
حديث البراء في قصة أهل اليمن، وسجود النبي صلى الله عليه وسلم لما علم بإسلامهم، وهذا حديث صحيح الإسناد ودلالته ظاهرة أيضاً.
الدليل الثاني: الحديث المتفق عليه في قصة كعب بن مالك الطويلة، وفيها: سجوده رضي الله عنه، لما بلغه أن الله تعالى تاب عليه بواسطة النذير، الذي صاح وقد أوفى على جبل سلع، فقال: (لتهنك أو قال: إن الله تاب عليك).. أو وما أشبه ذلك من الكلام، (فلما سمعه كعب خر ساجداً لله تعالى) وما وجه الاستدلال من فعل كعب ؟ قد يقال: إن هذا فعل صحابي مثلاً، فما وجه الاحتجاج به؟
الظاهر أولاً: أن كعباً إنما تلقى ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن هذا من العبادات التي تحتاج إلى توقيف، ولم يكن الصحابة رضي الله عنهم -والله تعالى أعلم- ليفعلوها إلا بتوقيف، هذا الوجه الأول من الدليل.
الوجه الثاني: هو أن هذا الأمر لو لم يكن مشروعاً، لما أقره الله تعالى على ذلك، وهو في زمن الوحي، وهذا الوجه فيه نظر؛ لأنه يعتمد على إقرار الله تعالى للصحابة فيما يفعلون زمن الوحي، وكون هذا من الأدلة الشرعية هذا فيه نظر، وممن قال بأنه من الأدلة أبو الوفاء ابن عقيل الحنبلي في كتابه الفنون، وكذلك الإمام ابن القيم، وتابعهم على ذلك الصنعاني في كتاب سبل السلام، وأما أكثر علماء الأصول، فإنهم لم يذكروا هذا إقراراً لله تعالى ما يحدث في زمن التشريع، لكن يبدو أو يظهر من حديث كعب أن سجود الشكر كان مشهوراً عند الصحابة متداولاً بينهم وهذا يكفي في الدلالة.
الدليل الثالث: حديث أبي بكرة، حديث الباب: ( أن النبي عليه الصلاة والسلام، كان إذا جاءه بخبر يسره خر ساجداً لله تعالى )، والحديث سبق، دلالته ظاهرة، فأما على اللفظ لفظ أبي داود الذي ساقه المصنف: ( كان إذا جاءه خبر يسره.. ) فهو ظاهر الدلالة؛ لأنه يدل على تكرر ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن ذلك كان من عادته، وأما لفظ الترمذي فهو يدل على أن فعله صلى الله عليه وسلم، ولا شك أن المشروعية تتحقق بفعله ولو مرة واحدة.
الدليل الرابع: حديث عبد الرحمن بن عوف، وهو أيضاً من أحاديث الباب، وفيه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد، فأطال السجود لما بشره جبريل بما بشره به )، ودلالته ظاهرة.
الدليل الخامس: في قوله تعالى لبني إسرائيل: وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ [البقرة:58].
فقوله تعالى: (وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا) هذا يصلح أن يكون أصلاً في مشروعية سجود الشكر؛ لأن الله تعالى أمرهم بأن يسجدوا شكراً له على فتح مدينة بيت المقدس لهم، وكانوا مع نبي الله تعالى يوشع بن نون، لما أخر الله تعالى عنه الشمس، ففتح بيت المقدس، وأمروا بدخول بابها سجداً لله تعالى شكراً على نعمة الفتح، فأما بنو إسرائيل فكفروا، ودخلوا يزحفون على أستاههم، كما في الحديث الذي ساقه الأخ صالح، وهو في الصحيحين، ويقولون: (حطة) أو (حنطة، حبة في شعرة)، فقالوا: هذا الكلام اللغو الباطل الذي لا مفهوم له، ولا دلالة له فيه، لمجرد السخرية بأمر الله تعالى لهم.
أما هذه الأمة فقد حققت أمر الله تعالى، فلما فتح الله تعالى على رسوله مكة دخلها متواضعاً متضرعاً، مطأطئ رأسه خضوعاً لله عز وجل، وكأنه كان ساجداً وهو على راحلته؛ ولهذا قال ابن عباس في قوله: وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا [البقرة:58]، قال: ركعاً.
فهذا يصلح أن يكون من الأدلة من أكثر من وجه:
أولاً؟ كيف يكون دليلاً؟
كيف نستدل بالآية: وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا [البقرة:58]، على مشروعية سجود الشكر؟
نعم، إما على اعتبار أن شرع من قبلنا شرع لنا، فالأمر واضح، ما لم يرد شرعنا بخلافة، وإما على اعتبار أنه ليس شرعاً لنا، فإننا نقول: يستدل إذاً بالأثر والخبر، الذي ذكرناه عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو في الصحيح لما دخل مكة فاتحاً، وكان متخشعاً متواضعاً متضرعاً لله عز وجل، فهو يدل على أن هذا الأمر الذي أمر به بنو إسرائيل من سجود الشكر، أمرت به هذه الأمة أيضاً.
الدليل السادس: هذا يصلح دليلاً، وقد ذكرناه في الأسبوع الماضي، قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (هذه توبة نبي، ونحن نسجدها شكراً )، والحديث من خرجه: ( ونحن نسجدها شكراً )؟
النسائي .. الحديث خرجه النسائي عن أبي سعيد، فهو دليل على مشروعية سجود الشكر في قوله: ( ونحن نسجدها شكراً ).
من الأدلة على مشروعية سجود الشكر: فعل الصحابة رضي الله عنهم، وأن ذلك كان مشهوراً عندهم، كما سبق من فعل كعب بن مالك رضي الله عنه، ومثل أيضاً: فعل علي رضي الله عنه، لما وجد ذا الثدية سجد لله تعالى شكراً، ومثله سجود أبي بكر رضي الله عنه لما بلغه فتح اليمامة وهزيمة المرتدين، فذلك دليل على أن هذا الأمر كان مشهوراً مستفيضاً عند الصحابة رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، هذه سبعة أدلة.
الدليل الثامن: ما رواه سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، وهو حديث طويل قال: ( خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم من مكة نريد المدينة، فلما كنا قريباً من عزورا -وهذا موضع معروف- قال: نزل النبي صلى الله عليه وسلم فرفع يديه، فدعا الله تعالى ساعة، ثم خر ساجداً، ثم مكث طويلاً، ثم قام فرفع يديه، فدعا تعالى ساعة، ثم خر ساجداً فمكث طويلاً )، ذكر ذلك ثلاث مرات، في كل مرة يسجد، ثم يرفع يديه رفعاً طويلاً.
ثم قام في آخر الحديث: ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني سألت ربي وشفعت لأمتي فأعطاني ثلث أمتي فخررت ساجداً لربي شكراً.. وهكذا في المرة الثانية سأل ربه ثلث أمته، وفي المرة الثالثة سأل ربه تعالى ثلث أمته )، وهذا الحديث يصلح دليلاً لولا أنه ضعيف؛ فقد رواه أبو داود في الموضع السابق الذي أشرت إليه في كتاب الجهاد باب سجود الشكر، وفي سنده يحيى بن الحسن بن عثمان وهو مجهول، وإن كان النووي رحمة الله عليه ذكر الحديث في المجموع، وكأنه مال إلى تحسينه، قال: لا أعلم في رواته ضعفاً، وقد ذكره أبو داود وسكت عليه، وعادته في الأحاديث التي يسكت عنها، أنها عنده من قبيل الحسن، فكأن النووي رحمه الله استظهر أن الحديث حسن، وإذا عرفنا أن تضعيف الحديث إنما هو من الجهالة، وعرفنا أنه وارد في مسألة -وهي مسألة سجود الشكر- مشهورة، فإن هذا الضعف ضعف منجبر.
الدليل التاسع: هو حديث جابر الجعفي، وهو ضعيف كما سبق مراراً، حديث جابر الجعفي عن أبي جعفر محمد بن علي مرسلاً: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً نغاشياً ).
والنغاشي بضم النون والغين، هو الذي يكون فيه تشويه في خلقته ظاهر، شديد القصر، شديد الضعف، قليل الحركة، بطيء الكلام، هذا هو النغاشي، كما ذكر ذلك ابن الأثير وغيره من أهل اللغة.
ففي حديث جابر الجعفي هذا عن أبي جعفر : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً نغاشياً، فخر ساجداً، ثم قال: أسأل الله العافية ).
وهذا الحديث المرسل ذكره الشافعي في مختصره دون إسناد، وهكذا ذكره الحاكم في مستدركه، وساقه ابن أبي شيبة في مصنفه مسنداً، وهكذا أسنده الدارقطني والبيهقي .. وغيرهم. وهو ضعيف، وضعفه من قبل جابر بن يزيد الجعفي كما أسلفت، وله طريق أخرى أيضاً ضعيفة عند ابن حبان، في كتابه الضعفاء.
الدليل العاشر: لعلنا ذكرنا حديث أبي سعيد : ( ونحن نسجدها شكراً )، فننتهي إلى ما يمكن أن يعتبر دليلاً، وهو في الواقع نوع من النظر، وهو ما ذكره الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى، قال: لو لم تأت النصوص بالسجود عند تجدد النعم، لكان هو محض القياس، ومقتضى عبودية الرغبة، كما أن السجود عند الآيات مقتضى عبودية الرهبة. انتهي كلامه، رحمه الله.
قال الله تعالى: إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا [الأنبياء:90]، فيقول: السجود عند النعمة، هو مقتضى عبودية الرغبة لله تعالى، والفرح بفضله وبرحمته، والسجود عند الآيات كما هو معروف أيضاً هو مقتضى عبودية الرهبة، والخوف من الله عز وجل.
هذا هو القول الأول: أن سجود الشكر مشروع بهذه الأدلة التسعة أو العشرة.
وأقوى مستمسك لهم في ذلك أنهم قالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم كانت تأتيه الفتوح والكرمات، وتنزل عليه النعم، وينزل الغيث، ويستجيب الله دعاءه، ويهلك الله تعالى أعداءه، فلم يكن ينقل عنه صلى الله عليه وسلم أنه يسجد لذلك، ولو كان مشروعاً لما تركه النبي صلى الله عليه وسلم وما أخل به، هذا أقوى ما استمسكوا به، وقد ذكروا حالات نزل فيها الغيث، أو حصل فيها الفتح، أو نصر فيها الجيش، أو قتل فيها عدو لله والرسول صلى الله عليه وسلم، ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم سجود، مثلاً: لما قتل أبو جهل فلم ينقل أنه سجد لله تعالى شكراً، أو نزل الغيث، أو انتصر المسلمون في بدر .. أو ما أشبه ذلك.
فكيف نجيب على هذا الإيراد أو الاستدلال؟
الجواب الأول: أن يقال: إنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد في حالات عدة، غير ما ذكروا، ومنها: حديث أبي بكرة: ( أنه كان إذا أتاه أمر أو خير يسره خرّ ساجداً لله )، فهو يدل على تكرر ذلك، هذا الجواب الأول.
ثانياً: أنه لا يلزم من كون سجود الشكر مشروعاً أن يسجد الإنسان في كل حال، بل يسجد أحياناً، فإن هذا هو معنى الاستحباب، أن يكون مطلوباً فعله على غير سبيل الإلزام، ولو كان مطلوباً أبداً، لكان ذلك واجباً، ولم يقل أحد بوجوبه، فيكفي في مشروعيته أن ينقل فعله عن النبي صلى الله عليه وسلم أحياناً.
ثالثاً: أن يقال: إن عدم نقل سجوده صلى الله عليه وسلم في بعض الأحوال، ليس دليلاً على أن ذلك لم يقع، ليس نقلاً للعدم، فقد يسجد صلى الله عليه وسلم ولا ينقل ذلك، وقد يسجد أيضاً سجوداً خاصاً لا يعلم به الناس، فإن بعض عبادات النبي صلى الله عليه وسلم كانت في بيته، وإذا ثبتت المشروعية ببعض الأحاديث، فلا يلزم أن ينقل كل ما يتعلق بالمسألة.
الوجه الرابع: أن يقال: المثبت مقدم على النافي، والأحاديث التي نسوقها كلها مثبتة للسجود.
والوجه الخامس: أن يقال: إن ذلك ثبت من فعل الصحابة، فدل على أنه مشهور في الجيل الأول.
هذه أهم الأجوبة على ما ذهب إليه أبو حنيفة ومالك والنخعي .
ويتخرج في المسألة قول ثالث: وهو رواية عن الإمام مالك بجواز ذلك دون أن يكون مشروعاً، ودون أن يكون مكروهاً أيضاً، وهو إحدى الروايتين عن الإمام مالك ولا أعلم له في ذلك دليلاً.
وأما ماذا يقال في سجود الشكر؟
فأولاً: يقال فيه ما يقال في سجود الصلاة من التسبيح لله تعالى وحمده، ومما يقال فيه: ( سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي )؛ لأن هذا مما أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقوله، كما في حديث عائشة في الصحيحين وكان يقوله في آخر عمره؛ ولأن هذا أيضاً يناسب الشكر، فإنه جاء بمناسبة نصر الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم وفتحه عليه مكة، بل جزيرة العرب: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا [النصر:1-2].
وأيضاً يقول الإنسان في سجوده ما أحب مما فيه تبتل وتضرع وتأله لله عز وجل، كشكره والثناء عليه وحمده واستغفاره.. وغير ذلك .
الجواب: يسجد من قيامه.
الجواب: أما سجود المشركين مع الرسول عليه الصلاة والسلام، فلم يكن عبادة، ولا شك أنه لا أحد يحتج بفعل المشركين ويستدل به.
وأما اشتراط الطهارة لسجود التلاوة، فلعلي نقلت الإجماع ولم أذكره من عند نفسي، فإنه ذكر غير واحد الإجماع، ولكن لا شك أن المسألة ليس فيها إجماع، بل هناك قول بعدم اشتراط الطهارة، ونقل هذا القول عن ابن عمر، وإن كان اللفظ الذي نقله عنه البخاري، اختلف في نسخ البخاري، ففي بعضها على طهارة، وفي بعضها على غير طهارة، فكلمة (غير) هذه وجدت في بعض النسخ ولم توجد في بعضها، وكذلك نقل عن بعض أهل العلم من التابعين أنه لا يشترط لسجود التلاوة طهارة.
هذا أيضاً سؤال يتعلق بالطهارة، واستقبال القبلة.
والله الذي نراه أنه لابد من الطهارة، ولابد من استقبال القبلة أيضاً، وأظن هذا ذكرناه في الأسبوع الماضي، إلا أن يكون الإنسان مسافراً على راحلته، أو على راحلته حتى لو كان في البلد، فهذا يتسامح فيه، وإن كان بعض الفقهاء -وهذا من الآراء الغريبة- رأوا أنه لا يسجد لا للتلاوة ولا للشكر وهو على الراحلة، قالوا: لأن هذه من الأحوال النادرة، والنادر لا يتسامح فيه بخلاف الرواتب والنوافل وقيام الليل.. وغيره .
الجواب: السؤال غير ظاهر، إن كان يقصد أنه يتعبد الله تعالى بسجدة مفردة، فهذا تكلم فيه الفقهاء والأقرب أنه لا يشرع، بل التنفل بركعة واحدة فيه خلاف قوي، والأولى أن الإنسان يصلي ركعتين ركعتين، إلا في الوتر، وقد جاء في الصحيح: ( صلاة الليل مثنى مثنى )، وجاء في رواية عند أهل السنن، ورجالها ثقات: ( صلاة الليل والنهار مثنى مثنى )، وقد صحح إسنادها جماعة من أهل العلم منهم من المعاصرين الشيخ أحمد محمد شاكر وسماحة الوالد الشيخ عبد العزيز بن باز .
الجواب: هذا سبق أن ذكرناه في بعض الدروس.
فالمقصود بالأطراف: الكتب التي تسوق أطراف الأحاديث وعناوينها ورءوسها، وتحيل إليها وإلى مواضعها.
وأما المستدركات: فهي الكتب التي صنفت للاستدراك على إمام فيما تركه، مما هو على شرطه.
وأما المعاجم فالمقصود بها: الكتب المصنفة في الأحاديث على حسب أسماء الشيوخ، وأشهرها: معاجم الطبراني، وأما المستدركات فأشهرها: مستدرك الحاكم، وأما الأطراف فأشهرها: تحفة الأشراف في معرفة الأطراف للحافظ: المزي .
الجواب: إن رأيت أن ذلك يؤدي إلى هذا فتسجد سراً .
الجواب: لا، لا يدل، لأن (قرأ): يعني: أمر من يقرأ، يعني: قرئ عليه الكتاب، والراجح أن النبي عليه الصلاة والسلام ظل أمياً حتى بعد نزول الوحي عليه، وهذا مذهب الجماهير، وقد انفرد الإمام الباجي وهو من فقهاء المالكية بمصنف في إثبات أن النبي عليه الصلاة والسلام ارتفعت عنه الأمية بعد نزول الوحي، وأمية الرسول عليه الصلاة والسلام آيات بينات على نبوته ورسالته وصدقه.
إن أمية الرسول قضاها الله عن حكمة لها بينات
كل أمية سواها يسيح الجهل فيها وتسبح الظلمات
الجواب: يعني: لعلك تقصد حديث أبي بكر، على كل حال هو أثر، ويعضده ما ورد عن كعب بن مالك وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه .
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر