نحمد الله تعالى ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً.
وعن جبير بن مطعم قال: ( سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور ).
ورواه مسلم أيضاً في كتاب الصلاة، باب القراءة في الصبح.
ورواه أيضاً مالك في موطئه في كتاب الصلاة، باب القراءة في المغرب والعشاء.
وقد بينت الروايات الكثيرة في هذا الحديث، أن مجيء جبير رضي الله عنه كان عقب غزوة بدر، وكان جاء في فكاك وفداء بعض الأسارى، ففي صحيح البخاري مثلاً: أن جبيراً رضي الله عنه قال: ( وكان ذلك في فداء أسارى بدر )، ونحوه أيضاً في صحيح ابن حبان، وزاد الإسماعيلي في مستخرجه قال: ( وهو يومئذ مشرك ) .
وروى البخاري أيضاً في موضع آخر غير كتاب الأذان، بل في كتاب المغازي والسير، قال جبير : ( وذلك أول ما وقر الإسلام في قلبي ) يعني: لما سمع الآية دخل الإسلام في قلبه.
وفي رواية عند الطبراني قال: ( فأخذني من قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم الكرب )، بل في رواية أخرى في صحيح البخاري أيضاً أنه قال: ( فلما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ قوله تعالى: (( أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بَل لا يُوقِنُونَ * أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ ))[الطور:35-37] قال: كاد قلبي أن يطير ) .
وفي رواية عند سعيد بن منصور قال: ( فكأنما صدع قلبي حين سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ ) .
بل كلها؛ لأنه لو كان قرأ بعضها لم يكن فيه حجة لـزيد بن ثابت ؛ لأنه إن كان قرأ بعضها، يكون قد قرأ من سورة الأعراف قدر سورة من قصار المفصل، وإلا ما يصير؟
إذاً: احتجاج زيد رضي الله عنه بقراءة الأعراف على مروان، دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ سورة الأعراف كلها في الركعتين، بل جاء هذا مصرحاً به في بعض الروايات.
إذاً: فلا وجه لما زعمه الإمام الطحاوي رحمه الله، من أن المقصود أن يكون قرأ بعضها، وأن قوله: (يقرأ بطولى الطوليين) أن الباء للتبعيض، كما في قوله: عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا [الإنسان:6] (بها) يعني: منها، وأنه يكون المعنى قرأ بعض الأعراف، كلا، بل هو قرأها كلها، وقد جاء الحديث من طريق عائشة وسنده حسن، كما ذكره النووي، وأسلفت ذكره في الدرس السابق.
وكذلك في حديث زيد بيان قراءة النبي صلى الله عليه وسلم في المغرب بالسور الطوال أحياناً، وأن ذلك يقع منه صلى الله عليه وآله وسلم، وليس بمنسوخ خلافاً لما زعمه بعضهم كما سيأتي.
على كل حال! أنه يقرأ بأواسط المفصل وأن هذا غير منسوخ كما سلف؛ لأن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم، وسماع أم الفضل كان في آخر حياته عليه الصلاة والسلام، فقد قالت: (إنها لآخر سورة سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ بها في المغرب)، بل جاء في رواية عند النسائي في سننه، أن ذلك كان في مرض موت النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: ( أنه صلى بهم عليه الصلاة والسلام في مرض موته متوشحاً في ثوب، وأنه لم يصل صلى الله عليه وسلم بهم بعدها حتى قبض ) فدل على أن ذلك كان في مرض موته، وهذا يرد على ما زعمه أبو داود في سننه، من أن قراءة الطوال في المغرب منسوخ، لأن هذا ليس بمنسوخ، بل هو في آخر حياته عليه الصلاة والسلام، وربما يدعي أحد عكس ذلك، فيقول: إنه ناسخ لغيره، ولكن لا حاجة إلى القول بالنسخ، فإن النسخ إنما يلجأ إليه عند تعارض الأدلة، وعدم إمكان الجمع بينها على وجه صحيح.
ومثله أيضاً ما رواه ابن حبان عن جابر بن سمرة : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ بهم في المغرب بـ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ [الكافرون:1] و قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1] ) وهذا الحديث فيه سعيد بن سماك وهو متروك، فلا يتعزز به غيره، والمحفوظ هي القراءة في المغرب في الراتبة لا في الفريضة، كما سلف.
وهو أن هذا من فعل فلان هذا، وليس من فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وقول أبي هريرة أنه لم ير أحداً، أو لم يصل خلف أحد أشبه صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم منه، لا يلزم من أن يكون مماثلاً للرسول عليه الصلاة والسلام في كل تفاصيل صلاته، بل قد يكون في غالبها، ومع ذلك يصدق عليه كلام أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، فليس نصاً في الباب، وإن كان مما يستدل به على القراءة في المغرب بقصار المفصل.
وفي موضع آخر أيضاً من الجزء التاسع من التمهيد قال: وأهل العلم يستحبون أن يقرأ في المغرب بقصار المفصل، قال: ولعل ذلك آخر الأمرين -يلتمس لهم دليلاً- من رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو يكون ذلك منه إباحة وتخييراً، فيكون دليلهم على هذا قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ( من أم الناس فليخفف وليقصر ) قال: والحمد لله الذي جعل في ديننا سعة وتيسيراً وتخفيفاً.
وأجود من ذلك كلام الإمام ابن دقيق العيد، فإنه قال في إحكام الأحكام: الصحيح عندنا أن ما صح في ذلك عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مما لم تكثر مواظبته عليه فهو جائز من غير كراهة، كحديث جبير بن مطعم رضي الله عنه في قراءة النبي صلى الله عليه وسلم بالطور، وكحديث قراءة النبي صلى الله عليه وسلم الأعراف في صلاة المغرب.
ومثله أيضاً قول الإمام ابن خزيمة في صحيحه فإنه قال: هذا من الاختلاف المباح، فجائز للمصلي أن يقرأ بما أحب من القرآن، إلا إن كان إماماً، فإن السنة في حقه أن يخفف؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من أم بالناس فليخفف ) .
وقد جمع الحافظ ابن حجر في فتح الباري بين هذه الأحاديث، وذكر أن طريق الجمع بين هذه الآثار: هو أن النبي صلى الله عليه وسلم أحياناً يطيل القراءة في صلاة المغرب، وإطالته تلك إما لبيان الجواز، وأن إطالة المغرب جائزة لا حرج فيها، وإما لعلمه صلى الله عليه وسلم بعدم المشقة على المأمومين، في هذه الإطالة، ولا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يراعي حال المأمومين، فلا يطيل عليهم إطالة تشق عليهم، كما إذا كانوا متعبين، أو كانوا في حال سفر أو إعياء أو شغل.. أو ما أشبه ذلك، وقد عاتب معاذاً على إطالته ببعض الناس، الذين يأتون من مزارعهم متعبين، وقال له: ( أفتان أنت يا
جبيراً
رضي الله عنه قال: (البخاري
أشرت إليها قبل قليل، أنه قال: (أبي قتادة
: (جبير
رضي الله تعالى عنه، أنه قال: (النووي
رحمه الله في المجموع : السنة الجهر في الأوليين من المغرب والعشاء والفجر والجمعة، والإسرار في الثالثة من المغرب والعشاء، والرابعة منها، وفي الظهر والعصر، قال: ذلك كله للإمام، وقال: هذا ثابت بإجماع المسلمين، مع الأحاديث الصحيحة المتظاهرة على ذلك. ونحو هذا الكلام قاله الإمامابن حزم
في كتابه مراتب الإجماع، وأقره عليه الإمامابن تيمية
. ومثله أيضاً كلام الإمامابن قدامة
في المغني، وقد سبق أن نقلته. فهو دليل على أن الجهر فيما يجهر والإسرار فيما يسر أنه ثابت بالإجماع. الفائدة الثانية من الحديث: هي صحة أداء ما تحمله الإنسان حال الكفر، إذا أداه حال الإسلام، فإنجبيراً
تحمل هذه القصة، من قراءة النبي صلى الله عليه وسلم وهو كافر؛ لأنه جاء في أسارى بدر، وهو يومئذ مشرك، كما قالالإسماعيلي
، ولكنه أدى هذه الرواية وذكرها بعدما أسلم. إذاً: دليل على أن الكافر إذا روى أو شهد قصة حال كفره، ثم حدث بها حال إسلامه، فإنه يصح منه ذلك، وهذا نموذج لهذه القصة، ومن باب أولى، فإنه دليل على صحة أداء ما تحمله وهو فاسق، إذا أداه وهو عدل، أو صحة أداء ما تحمله وهو مبتدع، إذا أداه وهو صاحب سنة؛ لأن هذا كله من باب الأولى. كما أن من فوائد الحديث: بيان ما يقرأ به في صلاة المغرب، وأنه يشرع له أن يقرأ في المغرب أحياناً بطوال المفصل، وفيه جواز دخول الكافر المسجد لحاجة، كما هو ظاهر أنجبيراً
رضي الله تعالى عنه دخل المسجد لحاجته.من هذه الشواهد: ما رواه مسلم عن ابن عباس رضي الله عنه، ورواه أيضاً أبو داود، والترمذي، والنسائي، وأحمد في مسنده : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في صلاة الفجر يوم الجمعة (ألم تنزيل) و(هل أتى على الإنسان) ) .
ومن شواهده أيضاً: حديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنه، وهو عند الطبراني في معجمه الكبير، ورواه ابن ماجه في سننه، وهو الذي أشار إليه المصنف في الحديث الذي بعده، وفيه قوله: (يديم ذلك) وسيأتي الكلام على هذا الحديث، وما فيه من المقال.
ومن شواهده: ما رواه ابن ماجه أيضاً في سننه، في كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، القراءة في الفجر يوم الجمعة، من حديث مصعب بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه، وهذا الحديث فيه ضعف، فإن فيه الحارث بن نبهان وهو ضعيف.
ومن شواهده أيضاً: ما رواه الطبراني في معجمه الأوسط، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه. قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري : وفي إسناده ضعف.
على كل حال! قراءة النبي صلى الله عليه وسلم لسورة السجدة، وهل أتى على الإنسان في فجر يوم الجمعة، هذا ثابت بلا شك، وأصح ما ورد فيه حديث أبي هريرة المتفق عليه، وحديث ابن عباس، وهو في صحيح مسلم .
الأولى: مشروعية قراءة هاتين السورتين في فجر يوم الجمعة، وقد خالف في ذلك المالكية، فإنهم لا يرون مشروعية قراءتها، وكذلك بعض الأحناف لا يرون أنها تقرأ، بل نص كثير من المالكية على كراهة قراءتها في صلاة الفجر يوم الجمعة، واختلفوا في السبب في عدم ذهابهم إلى قراءتها، بدءاً بالإمام مالك نفسه، فإنه لا يرى قراءتها، بل يكره ذلك كما جاء النص عنه بهذا، وقيل: إنهم لا يرون قراءتها لاشتمالها على سجدة زائدة، فيرون أن هذه السجدة في الفرض غير مشروعة، قال الإمام القرطبي : وهذا تعليل فاسد بنص حديث الباب. ولا شك أنه فاسد كما ذكرت.
وقيل: إنهم لا يرون قراءتها خشية التخليط في ذلك على المصلين، يعني: بوجود هذه السجدة الزائدة، فبعضهم يسجد، وبعضهم يركع.. إلى غير ذلك.
وقيل: إنهم لا يرون مشروعية قراءتها؛ لئلا يعتقد العوام فرضية ذلك.
ومنهم من علل عدم ذهاب المالكية والإمام مالك إلى قراءتها، بأن عمل أهل المدينة كان بخلاف ذلك، أنهم كانوا لا يقرءون سورة السجدة وهل أتى في فجر الجمعة، وهذا فيه نظر، بل هو مردود؛ فقد روى ابن أبي شيبة بسند صحيح، عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف: (أنه أم الناس بهاتين السورتين في المدينة في الفجر يوم الجمعة)، فهذا دليل على أنه كان يعمل به أهل المدينة.
أما التعليلات الأخرى باستثناء التعليل الأول، فقد ذكرنا أنه تعليل فاسد، لكن خشية التخليط على المصلين، وخشية أن يعتقدوا أن ذلك فرض، فهذه تعليلات يجيب عليها الإمام ابن دقيق العيد رحمه الله، فقد قال كما في إحكام الأحكام قال: إذا انتهى الحال إلى وقوع هذه المفسدة -يعني: إذا ظهر من أمارات الأحوال ومن قرائنها وقوع هذه المفسدة- فينبغي أن تترك أحياناً، لتندفع بذلك هذه المفسدة، فإن المستحب قد يصرف لدفع المفسدة المتوقعة، وهو يحصل بالترك في بعض الأوقات.
وكذلك قال الإمام ابن العربي كلاماً نحو هذا.
ومما يتعلق بذلك كلام وجدته في كتاب إيضاح المسالك إلى قواعد الإمام مالك للإمام الونشريسي المغربي، فإنه قال في القاعدة الرابعة والثلاثين في كتاب إيضاح المسالك، وهي قاعدة: درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، يعني: يذكر أمثلة لهذه القاعدة، قال: ومن ثم كرهت الغسلة الثالثة إن شك فيها، والصوم يوم عرفة إن شك فيه، هل هو العيد أم لا، ورجح المكروه على المندوب، وكره مالك قراءة السجدة في الفريضة -هذا الشاهد، لأنها تشوش على المأموم، فكرهها للإمام ثم للمنفرد حسماً للباب.
قال الونشريسي : والحق الجواز للحديث كـالشافعي . يعني: الحق مذهب الشافعي في جواز قراءة السجدة في الفريضة، وهذا لا شك أنه هو الصحيح، إلى أن قال الإمام الونشريسي : تنبيه: قال الشيخ شهاب الدين رحمه الله: شاع عند عوام مصر أن الصبح ركعتان -أن صلاة الفجر ركعتان- إلا في يوم الجمعة فإنها ثلاث ركعات، قال: لأجل أنهم يرون الإمام يواظب على قراءة السجدة يوم الجمعة ويسجد، ويعتقدون أن تلك ركعة أخرى واجبة، وسد هذه الذرائع متعين في الدين، وكان مالك رحمه الله شديد المبالغة فيها. انتهى.
قال بعض الشيوخ -ولا زال الكلام للونشريسي - : ومضى عمل الشيوخ بالجامع الأعظم من تونس على قراءتها في صبح الجمعة، ولا أكثر من جماعته؛ وذلك لأجل التخليط لتقرير العادة بذلك، حتى صار ترك قراءتها موجباً للتخليط.
إذاً: مسألة أن تركها خشية التخليط قد يكون تركها أحياناً هو الذي يسبب التخليط، وذلك إذا كان الجماعة قد اعتادوا على أنه في فجر الجمعة يقرأ السجدة، فإذا قرأ غيرها حصل عندهم في ذلك تخليط، وحصل عندهم في ذلك شك، فنقول: السنة أن يقرأ في فجر الجمعة بالسجدة وبـ(هل أتى)، لكن إن كان يخشى أن يقع في نفوس العوام أن ذلك واجب، أو أن يختلط الأمر عليهم لغلبة الجهل، فمن الممكن أن يترك ذلك أحياناً.
ما هي العلة في قراءة هذه السورة؟ قال بعضهم: علة قراءتها من أجل وجود السجدة فيها، السجدة الزائدة، ولذلك قال بعضهم: إذا لم يقرأ بالسجدة فإنه يقرأ بسورة أخرى يكون فيها سجدة، كـمريم مثلاً .. أو غيرها من السور التي فيها سجدة، وقد روى ابن أبي شيبة بإسناد قوي، كما قال الحافظ ابن حجر في الفتح، عن إبراهيم النخعي قال: (يستحب أن يقرأ في صلاة الصبح بسورة فيها سجدة).
وعند ابن أبي شيبة أيضاً: (أن إبراهيم نفسه فعل ذلك، فقرأ مرة في صلاة الفجر بسورة مريم)، يعني: من أجل أن يسجد.
وكذلك روى ابن أبي شيبة عن عبد الله بن عون قال: (كانوا يقرءون في صلاة الفجر بسورة فيها سجدة).
وهذه الآثار تدل على أن هذا موجود عند بعض علماء الكوفة وبعض التابعين، ولكن ذهب أكثر الفقهاء إلى أنه لا يستحب له أن يتعمد في صلاة الفجر سورة فيها سجدة يوم الجمعة إلا سورة (ألم تنزيل)، ولذلك قال بعض أهل العلم: إنه مكروه، بل نص بعض الشافعية على أنه محرم أن يختار سورة فيها سجدة، بل بالغ بعضهم وقال: لو اختار سورة فيها سجدة غير السجدة بطلت صلاته بذلك، وهذا ليس بصحيح على كل حال، وكذلك القول بالتحريم ليس بصحيح، أما القول بالكراهة فكأن له وجهاً -والله تعالى أعلم- فإنه إذا أراد أن يسجد يقرأ سورة (ألم تنزيل) حيث كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرؤها.
إذاً: التعليل بأنه يقرؤها للسجدة هو ليس بصحيح ولا دليل عليه، وإن كان نقل عن بعض التابعين.
التعليل الثاني وهو الراجح: أنه صلى الله عليه وسلم قرأ هاتين السورتين؛ لما فيهما من ذكر خلق آدم، وبدء الإنسان ونهايته، وما فيهما من أحوال يوم القيامة، وما يجري فيها.. وغير ذلك، وأن ذلك كله إنما كان بدؤه يوم الجمعة، ولذلك جاء في الحديث: أن آدم خلق يوم الجمعة، وأنه اليوم الذي تقوم فيه الساعة، ولذلك كان فيه الساعة التي لا يوافقها عبد مسلم، يسأل الله تعالى من خير الدنيا والآخرة، إلا أعطاه إياه، وهي منقسمة بين وقتين: ما بين أن يدخل الإمام إلى أن تقضى الصلاة، هذا جزء. والجزء الثاني: هو آخر ساعة من العصر يوم الجمعة، كما حققه الإمام ابن القيم في زاد المعاد، وكما حققه أيضاً الإمام الحافظ ابن حجر في نتائج الأفكار وغيرهم، وذهب إليه جماعة من أهل العلم.
إذاً: سر القراءة بهاتين السورتين؛ لما فيهما من العبر والآيات، من بدء الإنسان ونهايته، وبدء آدم> وخلقه، وقيام الساعة، ودخول أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار.
من فوائد الحديث أيضاً: ما يقرأ في صلاة الفجر عموماً، وأنه يقرأ فيها بالسور الطوال.
ومن الفوائد: تخصيص فجر يوم الجمعة بقراءة هذه السورة.
ومن فوائده: استحباب قراءة هاتين السورتين جميعاً، السجدة في الأولى، وهل أتى في الثانية، أما ما يفعله بعض الناس أنهم يقسمون سورة السجدة بين الأولى والثانية، أو يقرءون هل أتى في الركعة الأولى والثانية، أو يقرءون بعض السجدة وبعض هل أتى، فهذا كله خلاف السنة، فقد ذكر الإمام ابن القيم في زاد المعاد : أن ذلك يخالف السنة، وأنه إذا لم يقرأ السورة بكاملها فينبغي أن يقرأ غيرها. ذكر كلاماً هذا معناه.
وقال الإمام البوصيري في الزوائد: إسناده صحيح ورجاله ثقات. وكذلك قال الإمام الحافظ ابن حجر في الفتح : ورجاله ثقات، لكن صوب أبو حاتم الرازي إرساله، أي أنه حديث مرسل.
قال الإمام ابن دقيق العيد : ليس في الحديث -يعني: حديث أبي هريرة الأصلي في قراءة السجدة وهل أتى في فجر الجمعة- ما يقتضي فعل ذلك دائماً اقتضاءً قوياً.
يعني: كأن ابن دقيق العيد يقول: إن حديث أبي هريرة، ومثله حديث ابن عباس أيضاً ليس فيه ما يقتضي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحافظ على قراءة السجدة، وهل أتى في فجر الجمعة اقتضاءً قوياً.
والظاهر أن ما قاله ابن دقيق العيد متوجه، يعني: ليس في الحديث ما يقتضي أنه كان يديم ذلك، كما نص عليه في حديث ابن مسعود، لكن قوله رضي الله عنه: (كان) في الحديث يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من ذلك ويكرره، ولا يلزم أن يكون يفعل ذلك في كل يوم جمعة، بل هو الغالب من فعله صلى الله عليه وآله وسلم، ولو ترك الإنسان ذلك أحياناً للأغراض السابقة، فلا حرج إن شاء الله.
الجواب: هذا سيأتي إن شاء الله، نعم، صح أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ سورة (إذا زلزلت) في الركعتين في بعض أيامه في صلاة الفجر، فأعادها في الركعة الثانية، قال الصحابي: ( فلا أدري هل قصد النبي صلى الله عليه وسلم ذلك أم نسي ) .
قال: صليت الفجر في أحد الأرياف يوم الجمعة، فقدموني فلم أكن في ذلك الوقت أضبط سورة السجدة وأستذكرها، يقول: فقرأت سورة مريم، وكان المحراب على عادة المساجد القديمة يشق الصفوف، بحيث لا يرى الإمام إلا من هم خلفه مباشرة، فعندما كبرت للركوع هوى الناس للسجود، ثم بدءوا يتداركون ويقومون، ثم بعد الصلاة تكلم حفظه الله عليهم ونبههم، وكيف أنكم لا تميزون سورة مريم من السجدة.. إلى غير ذلك، والله أعلم. ذكر ذلك في أشرطة فتاوى جدة .
إذاً: الآن الأخ أحالنا إلى مليء وأسند، فجزاك الله يا أخانا خيراً.
الجواب: نعم، ورد في صلاة الجمعة يقرأ بسبح والغاشية، ويقرأ بالجمعة والمنافقون، وفي صحيح مسلم أيضاً أنه قرأ بالجمعة والغاشية في إحدى المرات، وكذلك في العيدين بـ(ق) واقتربت.. وغير ذلك كثير.
سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك، والحمد لله رب العالمين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر