إسلام ويب

نهاية العام .. دروس ووقفاتللشيخ : عبد الرحمن السديس

  •  التفريغ النصي الكامل
  • ما أسرع مرور الأيام والليالي؛ فها نحن في نهاية عام هجري، وبهذه المناسبة نتذكر هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، وكيف أن هذه الحادثة غيرت مجرى التاريخ.

    وفي هذا الدرس ذكر الشيخ حفظه الله دروساً ومواقف من الهجرة النبوية، كما تحدث عن فضل شهر الله المحرم وصيام يوم عاشوراء.

    الحمد لله مقدر المقدور، ومصرِّف الأيام والشهور، ومجري الأعوام والدهور، أحمده تعالى وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، إليه تصير الأمور، وهو العفو الغفور.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة تنفع صاحبها يوم يُبَعْثر ما في القبور، ويُحَصَّل ما في الصدور، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله، النبي المجتبى، والحبيب المصطفى، والعبد الشكور، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ما امتدت البحور، وتعاقب العشي والبكور، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم النشور، وسلَّم تسليماً كثيراً.

    أما بعد:

    فأوصيكم -عباد الله- ونفسي بتقوى الله، فهي أربح المكاسب، وأجزل المواهب، وأسمى المناقب، وبها تنال أعلى المراتب، وتتحقق أعظم المطالب.

    عباد الله: تعيش الأمة الإسلامية هذه الأيام إشراقة سنة هجرية جديدة، وإطلالة عام مبارك بإذن الله، بعد أن أفلت شمسُ عام كامل مضى بأفراحه وأتراحه، فقوِّضت خيامه، وتصرَّمت أيامه، فالله المستعان عباد الله!

    ما أسرع مرور الليالي والأيام! وتصرُّم الشهور والأعوام! لكن الموفق الملهم من أخذ من ذلك دروساً وعبراً، واستفاد منه مُدَّكَراً ومُزدَجَراً، وتزود من الممر للمقر؛ فإلى الله سبحانه المرجع والمستقر، والكيس المُسَدَّد مَن حاذَرَ الغفلة عن الدار الآخرة، حتى لا يعيش في غمرة، ويؤخذ على غرة، فيكون بعد ذلك عظة وعبرة، واللهَ نسأل أن يجعل من هذا العام نصرة للإسلام والمسلمين، وصلاحاً لأحوالهم في كل مكان، وأن يعيده على الأمة الإسلامية بالخير والنصر والتمكين إنه جواد كريم.

    إخوة الإسلام: حديث المناسبة في مطلع كل عام هجري ما سطره تأريخنا الإسلامي المجيد من أحداث عظمية، ووقائع جسيمة، لها مكانتها الإسلامية، ولها آثارها البليغة في عزِّ هذه الأمة وقوتها، وصلاح شريعتها لكل زمان ومكان، وسعيها في تحقيق مصالح العباد، في أمور المعاش والمعاد.

    معاشر المسلمين: ما أجمل أن نشير إشارات عابرة لعدد من القضايا المهمة الجديرة بالإشادة والتذكير ونحن في بداية هذا العام الجديد؛ علها تكون سبباً في شحذ الهمم، واستنهاض العزمات، للتمسك الجاد بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وحاملة على الاتعاظ والاعتبار، ووقفات المحاسبة الدقيقة، ونظرات المراجعة المستديمة في الأمة؛ تجريداً للمواقف، وإصلاحاً للمناهج، وتقويماً للمسيرة في كافة جوانبها.

    الهجرة النبوية تغيير لمجرى التاريخ

    إخوة العقيدة: وأول هذه الإشارات مع حدث الساعة وحديثها، الحدث الذي غير مجرى التاريخ، الحدث الذي يحمل في طياته معاني الشجاعة والتضحية والإباء، والصبر والنصر والفداء، والتوكل والقوة والإخاء، والاعتزاز بالله وحده مهما بلغ كيد الأعداء.

    إنه حدث الهجرة النبوية الذي جعله الله سبحانه طريقاً للنصر والعزة ورفع راية الإسلام، وتشييد دولته وإقامة صرح حضارته، فما كان لنور الإسلام أن يشع في جميع أرجاء المعمورة لو بقي حبيساً في مهده، ولله الحكمة البالغة في شرعه وكونه وخلقه.

    إن في هذا الحدث العظيم من الآيات البينات، والآثار النيرات، والدروس والعبر البالغات، ما لو استلهمته أمة الإسلام اليوم وعملت على ضوئه وهي تعيش على مفترق الطرق؛ لتحقق لها عزها وقوتها ومكانتها وهيبتها، ولعلمت علم اليقين أنه لا حل لمشكلاتها ولا صلاح لأحوالها؛ إلا بالتمسك بإسلامها، والتزامها بعقيدتها وإيمانها، فوالذي بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالحق بشيراً ونذيراً ما قامت الدنيا إلا بقيام الدين، ولا نال المسلمون العزة والكرامة والنصر والتمكين إلا لما خضعوا لرب العالمين.

    وهيهات أن يحل أمن ورخاء وسلام إلا باتباع نهج الأنبياء والمرسلين.

    إذا تحقق ذلك -أيها المسلمون- وتذكرت الأمة هذه الحقائق الناصعة، وعملت على تحقيقها في واقع حياتها كانت هي السلاح الفاعل الذي تقاتل به، والدرع الحصين الذي تتقي به في وجه الهجمات الكاسحة، والصراع العالمي العنيف، فالقوة لله جميعاً، والعزة لله ولرسوله وللمؤمنين.

    عزة الأمة تكمن في تحقيق كلمة التوحيد

    أمة التوحيد والوحدة: لقد أكدت دروس الهجرة النبوية أن عزة الأمة تكمن في تحقيق كلمة التوحيد، وتوحيد الكلمة عليها، وأن أي تفريط في أمر العقيدة، أو تقصير في أخوة الدين مآله ضعف الأفراد، وتفكك المجتمع، وهزيمة الأمة.

    وإن المتأمل في هزائم الأمم وانتكاسات الشعوب عبر التاريخ؛ يجد أن مرد ذلك إلى التفريط في أمر العقيدة، والتساهل في جانب الثوابت المعنوية، مهما تقدمت الوسائل المادية.

    وقوة الإيمان تفعل الأعاجيب، وتجعل المؤمن صادقاً في الثقة بالله، والاطمئنان إليه، والاتكال عليه، لا سيما في الشدائد.

    ينظر أبو بكر الصديق رضي الله عنه إلى مواضع أقدام المشركين حول الغار، فيقول: {يا رسول الله! لو نظر أحدهم إلى موضع قدميه لأبصرنا، فيجيبه صلى الله عليه وسلم -جواب الواثق بنصر الله-: يا أبا بكر ! ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟! } الله أكبر! ما أعظم لطف الله بعباده، ونصره لأوليائه!

    وفي هذا درس بليغ لدعاة الحق وأهل الإصلاح في الأمة: أنه مهما احلولكت الظلمات فوعد الله آت لا محالة: حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا [يوسف:110].

    العقيدة الإسلامية هي الرابطة التي لا تنقطع

    أمة الإسلام: ودرس آخر من دروس الهجرة النبوية يتجلى في أن عقيدة التوحيد هي الرابطة التي تتضاءل أمامها الانتماءات القومية، والتمايزات القبلية، والعلاقات الحزبية.

    إن طريق الأمة للتبجيل والتكريم مدين بولائها لعقيدتها، وارتباطها بمبادئها.

    يُقال ذلك -أيها المسلمون- وفي الأمة في أعقاب الزمن منهزمون كُثُر أمام تيارات إلحادية وافدة، ومبادئ عصرية زائفة، تُرفَع شعارات مصطنعة، وتطلق نداءات خادعة، لم يجنِ أهلها من ورائها إلا الذل والصغار، والمهانة والتبار، والشقاء والبوار؛ فأهواء في الاعتقاد، ومذاهب في السياسة، ومشارب في الاجتماع والاقتصاد، كانت نتيجتها التخلف المهين، والتمزق المشين.

    وفي خضم هذا الواقع المزري يحق لنا أن نتساءل بحرقة وأسى: أين دروس الهجرة في التوحيد والوحدة؟!

    أين أخوة المهاجرين والأنصار من شعارات حقوق الإنسان المعاصرة ومدنيته الزائفة؟!

    فقولوا لي بربكم: أي نظام راعى حقوق الإنسان وكرمه أحسن تكريم، وكفل حقوقه كهذا الدين القويم؟!

    فلتصغ منظماتُ حقوق الإنسان العالمية إلى هذه الحقائق، وتطَّرح الشائعات المغرضة عن الإسلام وأهله وبلاده؛ إن أرادت توخي الصدق والموضوعية.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088969985

    عدد مرات الحفظ

    780247431