إخوة الإسلام! وكما جاء دين الإسلام منهج هداية للبشرية في تصحيحها عقائدها، كذلك جاء لتهذيب نفوسها وتقويم أخلاقها وأخلاق مجتمعاتها ونشر الخير والفضيلة بين أفرادها، ومحاربة الشر والرذيلة وإطفائها عن بيئاتها، وسد منافذ الفساد أن تتسلل إلى صفوفها؛ لذلك فقد كانت مكارم الأخلاق ومحاسن الآداب ومعاني القيم وفضائل الشيم وكريم الصفات والسجايا من أسمى ما دعا إليه الإسلام، فقد تميز بمنهج أخلاقي فريد لم ولن يصل إليه نظام بشري أبداً، وقد سبق الإسلام بذلك نظم البشر كلها؛ ذلك لأن الروح الأخلاقية في هذا الدين منبثقة من جوهر العقيدة الصافية، لرفع الإنسان الذي كرمه الله وكلفه بحمل الرسالة، وتحصين العبادة من درك الشر والانحراف وبئر الرذائل والفساد لرفعه قمم الخير والصلاح، وأوج الاستقامة والفلاح ليسود المجتمع السلام والمحبة والوئام، رائده نشر الخير والمعروف ودرء الشر والمنكر والفساد.
أهمية الأخلاق للأمم
أمة الإسلام! الأخلاق في كل أمة عنوان مجدها، ورمز سعادتها، وتاج كرامتها، وشعار عزها وسيادتها، وسر نصرها وقوتها:
فصلاح الأفراد والأمم مرده إلى الإيمان والأخلاق:
وضعف الخلق أمارة على ضعف الإيمان، وإذا أصيبت الأمة في أخلاقها فقل عليها السلام
فقد آذنت بتصدع أركانها وزعزعة أمورها، وخراب شئونها وفساد أبنائها.
الأخلاق في السنة النبوية
الأخلاق عند السلف
أيها المسلمون! لقد كانت الأخلاق السمة البارزة في سيرة الرعيل الأول من سلف هذه الأمة، فأولوها اهتمامهم قولاً وعملاً وسلوكاً، يقول
الحسن البصري رحمه الله: [[
حسن الخلق بسط الوجه، وبذل الندى، وكف الأذى ]] ويقول
عبد الله بن المبارك رضي الله عنه ورحمه الله: [[
حسن الخلق في ثلاث خصال: اجتناب المحارم، وطلب الحلال، والتوسعة على العيال ]]، حتى قال بعضهم: لأن يصحبني عاصٍ حسن الخلق أحب إلي من عابد سيئ الخلق.
وقال أهل العلم في علامة ذي الخلق الحسن: أن يكون كثير الحياء، قليل الأذى، كثير الصلاة، صدوق اللسان، قليل الكلام، كثير العمل، قليل الزلل، قليل الفضول، براً وصولا، وقورًا صبوراً شكوراً، رضياً حليماً، وفياً مؤثراً، عفيفاً، لا لعاناً، ولا طعاناً، لا مغتاباً ولا نماماً، لا فاحشاً ولا متفحشاً، لا كذاباً، ولا غاشاً، ولا خائناً، لا حقوداً، ولا حسوداً، ولا متكبراً، هاشاً باشاً، يحب في الله ويبغض في الله، حكيم في الأمر، قوي في الحق، هذا غيض من فيض ما زخر به كتاب الله سبحانه، من ذكر صفات وأخلاق أهل الإيمان.
أين نحن من أخلاق الإسلام؟
وبعد ذلك كله يا إخوة الإسلام! لنتأمل في واقع أخلاقنا وسلوكنا مع أنفسنا وأهلينا وأولادنا وأسرنا وإخواننا المسلمين، إن الواقع في هذا يبعث على الأسى، فقد زهد كثير من الناس رجالاً ونساء شباباً وشيباً بأخلاق القرآن، في الوقت الذي نشط فيه أعداء الإسلام بنشر الغزو الأخلاقي المركز المختلف الوسائل، المتعجل القوارب ضد المسلمين، وأسرهم ومجتمعاتهم، فكثر الفساد وانتشرت المخالفات والمنكرات، وانتشر سوء الأخلاق وقل الحياء في سلوك كثير من الناس ومعاملاتهم، فهل من عودة يا أمة الإيمان والأخلاق لأخلاق القرآن والسنة؟! وهل من يقظة يا شباب الإسلام ترشد إلى المثل العليا، وتبعد عن سفاسف الأخلاق ومساوئ الأعمال؟!
وهل من رجعة أيتها الأخت المسلمة إلى التزام أحكام وأخلاق الدين القويم بالمحافظة على الحجاب والعفاف والاحتشام والبعد عن الاختلاط والتبرج والسفور؟
هل من عودة صادقة يا أمة الإسلام؟! إلى خلق الإسلام في حياتنا كلها بكل جوانبها؟ هذا الرجاء والأمل وعلينا الصدق والعمل، والله المستعان.
اللهم اهدنا لأحسن الأعمال والأخلاق والأقوال لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت، اللهم أعذنا من منكرات الأخلاق والأقوال والأعمال والأهواء والأدواء يا سميع الدعاء.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله على نعمائه، والشكر له على فضله وآلائه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله، الذي عبد ربه في سرائه وضرائه، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه.
أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله وتخلقوا بأخلاق الإسلام الفاضلة، واحذروا التأثر بأخلاق غير المسلمين، ألا وإن أولى الناس بمراعاة الأخلاق الفاضلة والتزام السجايا الكريمة هم أهل العلم وطلابه والمنتسبون إلى الحسبة والدعوة والإصلاح؛ ليتأثر الناس بهم ويكون لهم الأثر البالغ في مجتمعهم، وليعطوا صورة حسنة عن أخلاق الإسلام وسماحته ورفقه وحكمته، فذلك يجب أن يسود الأدب بين طلبة العلم في مسائل الخلاف، كذلك -أيها الإخوة- يجب أن ترفرف رايات الأخلاق على الأسرة، لا سيما بين الزوجين معاشرة بالمعروف، ومعاملة بالحسنى؛ حتى تسلم الأسرة من عواصف التصدع والتفكك والانهيار، وهكذا الأبناء مع آبائهم، والطلاب مع معلميهم، خلقاً ناشئاً عن عبادة وإيمان لا عن رياء ونفاق وتملق كما هو حال الكثير من المفتونين بالدنيا، الذين استبدلوا أخلاق القرآن بأخلاق تجارية، ومعاملة النـزاهة والإخلاص بمعاملات مادية، يرى أحدهم مع أهله ومع الناس صفيق الوجه عبوساً مقطب الجبين، معوج السلوك، غير آبه بأحد، لكنه إذا لاح له طمع، أو خاف من فزع، أو بدت له حاجة؛ تصنع وتملق، حتى إذا ما ظفر بحاجته عاد إلى قبح فعله، وذلك لعمر الحق غاية الإفلاس، فالواجب على أهل الإسلام التخلق بأخلاقه والتأدب بآدابه، فمن الأخلاق ما هو جبلي وفطري، ومنها ما هو مكتسب بالتخلق والمعاهدة:
ويا أيها الآباء والأمهات! والمدرسون والمدرسات! كونوا قدوة حسنة لمن تحت أيديكم:
وربوا أجيالكم وناشئتكم على أخلاق القرآن، أدباً وصدقاً وبراً وحسن معاملة؛ ليكونوا أعضاء صالحين في مجتمعهم نافعين لبلادهم وأمتهم، والله المسئول أن يوفق الجميع لما يحبه ويرضاه.
ألا وصلوا وسلموا رحمكم الله على صاحب الخلق العظيم، كما أمركم بذلك الرءوف الرحيم فقال سبحانه:
إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً
[الأحزاب:56]، اللهم صل وسلم وبارك على نبينا وحبيبنا وقدوتنا محمد بن عبد الله، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين وعن الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا.