الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً وعملاً يا أرحم الراحمين.
عندنا في هذا اليوم ثلاثة أحاديث: حديث أبي قتادة رضي الله عنه، وحديث أبي سعيد رضي الله عنه، وحديث سليمان بن يسار عن أبي هريرة رضي الله عنه.
الحديث الأول عندنا: حديث أبي قتادة رضي الله عنه قال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بنا، فيقرأ في الظهر والعصر في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورتين، ويسمعنا الآية أحياناً، ويطول في الركعة الأولى، ويقرأ في الأخريين بفاتحة الكتاب ) الحديث متفق عليه.
وقد جاء ذلك صريحاً في لفظ الحديث، من رواية البخاري في كتاب الأذان أيضاً، باب القراءة في صلاة العصر، فإن البخاري ساقه بإسناده بلفظ آخر: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الركعتين الأوليين من الظهر والعصر بفاتحة الكتاب، وسورة سورة ) أي: سورة في كل ركعة، فهذا يفسر ما أبهم في حديث الباب.
وقوله رضي الله عنه: (ويسمعنا الآية أحياناً)، وجاء في رواية في الصحيح أيضاً: ( ويسمع الآية أحياناً ) يعني: يسمع مَنْ وراءه، وخاصة من يكونون قريبين منه في الصفوف الأولى، ويكونون قريبين من الإمام، والمعنى أنه يجهر بها صوته حتى يسمعوه، ولذلك قال البراء في حديثه الذي رواه النسائي وسنده جيد أنه قال: ( كنا نسمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم الآية بعد الآية ) .
وفي الحديث الإشارة إلى تطويل الركعتين الأوليين من الظهر والعصر، أكثر من غيرهما، بل وتطويل الركعة الأولى، أكثر من الثانية، وقد تكلم الفقهاء في تعليل ذلك، فمنهم من علله بأن المصلي يكون في أول الصلاة نشطاً مقبلاً على صلاته، فلذلك ناسب التطويل، وكان من المناسب أيضاً أن تكون ما بعدها أخف منها؛ حتى يمتنع حصول الملل للمصلي، وانشغاله عن صلاته، فخفف ما بعدها لدفع الملل وأطالها؛ لأن المصلي يكون مقبلاً على صلاته نشطاً، وهذا يصلح في حق أمثالنا، أما أولئك الذين إذا أقبلوا على صلاتهم تلذذوا بها، وبمناجاة الله سبحانه وتعالى فيها، فليسوا كذلك، ولكن الشرع راعى حال العامة من الناس.. الجماهير.
وأما من كانوا على خلاف ذلك، فهذا أمر آخر، خاصة وهذه فريضة وليست نافلة، وإنما هي فريضة على كل مسلم، فيراعى فيها حال العامة من المسلمين، تخفيفاً بهم ورحمة، ولذلك أطال الركعة الأولى، وقصر الثانية عنها، وجعل الركعتين الأوليين أطول من الركعتين الأخريين، هذا تعليل من بعضهم لسبب التطويل في الأولى، ثم في الثانية.
وثمة تعليل آخر ذكره بعضهم، وجاء ما يدل عليه في الحديث المرفوع، وهو: أن المقصود بذلك حتى يدرك الناس الركعة الثانية، وقد جاء ذلك في مصنف عبد الرزاق من رواية معمر عن يحيى في الحديث نفسه قال الصحابي: [ فظننا أنه يريد بذلك أن يدرك الناس الركعة ]، وهذا ظن من الصحابي، لا شك أنه ليس بحجة؛ لأنه إذا كان العلماء اختلفوا في قول الصحابي: هل هو حجة، فظنه أيضاً ليس بحجة وليس يقيناً، بل هو ظن، ولو كان يقيناً لكان اجتهاداً منه رضي الله عنه واحتمالاً.
على أي حال! هذا ظن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما أخبر عنهم أحدهم أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يريد بذلك أن يدرك الناس الركعة، وقد رواه أيضاً هذا اللفظ أبو داود، وابن خزيمة في صحيحه من طريق آخر بنحو ما سبق.
أبي قتادة
رضي الله عنه فوائد: منها: تطويل الركعة الأولى في الظهر والعصر، أطول من غيرها، كما نص عليهأبو قتادة
. ومن فوائد الحديث: بيان ما يقرأ في الركعتين الأوليين من الظهر والعصر، حيث يقرأ بفاتحة الكتاب وسورة سورة، يعني: سورة مع الفاتحة. ومن فوائد الحديث أيضاً: تطويل الركعتين الأوليين من صلاة الظهر وصلاة العصر، كما هو ظاهر؛ لأن قراءة سورة فيهما يقتضي تطويلهما عن بقية الركعات، كما أن الأولى -كما سبق- تطويل. ومن فوائد الحديث: جواز تسمية الصلاة بوقتها ونسبتها إليه، كأن تقول: صلاة الظهر، صلاة العصر، صلاة المغرب.. إلى غير ذلك كما هو معروف. ومن فوائد الحديث أيضاً: استحباب قراءة سورة كاملة في الركعة الواحدة، وأن قراءة سورة كاملة في الركعة أفضل من قراءة ما يعادلها من سورة أخرى طويلة، فأن تقرأ مثلاً سورة (( سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى ))[الأعلى:1] في إحدى الركعتين من صلاة الظهر، أفضل من أن تقرأ مقدارها من سورة البقرة، أو من سورة آل عمران؛ ولذلك نصأبو قتادة
رضي الله عنه (أنه يقرأ بفاتحة الكتاب وسورتين)، واللفظ الآخر: (وسورة سورة)، وهذا جاء في أحاديث أخرى غير حديثأبي قتادة
، ولذلك نص أهل العلم على استحبابه وفضيلته، بل قال الشافعية كما نقلهالبغوي
والنووي
وغيرهما من أهل العلم، قالوا: إن قراءة سورة كاملة في الركعة، أفضل من قراءة مقدار أطول منها من سورة أخرى طويلة، ولذلك قالأبو قتادة
رضي الله عنه: (أحمد
رحمه الله في رواية: أنه كره قراءة مقدار من سورة طويلة، وكان يصلى وراء إمام يقرأ من أواخر السور، فلما استمر على ذلك قال الإمامأحمد
لبعض من حوله: تقدم فصل بنا، فقال: فلان يصلي بكم منذ كم؟ قال: إنه يتقصد أواخر السور. والرواية الأخرى عن الإمامأحمد
كما ذكرهاابن قدامة
وغيره: أنه لا يرى بذلك حرجاً ولا بأساً، من أن يقرأ الإنسان من أواخر السور. وفي رواية ثالثة: أنه لا يرى حرجاً أيضاً في أواخرها ولا في أوساطها. إذاً: فعلى كل حال! ما يفعله الناس اليوم من قراءة أواخر السور، فكثير من الناس يقرءون آخر سورة البقرة، أو آخر سورة آل عمران، أو آخر سورة المؤمنون مثلاً، أو آخر سورة القصص.. أو غيرها، الأظهر أنه جائز بلا كراهة، لأسباب، منها: أنه قرآن، والله سبحانه وتعالى يقول: (( فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ ))[المزمل:20]، (( فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ ))[المزمل:20]، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول للمسيء في صلاته: (مسلم
: (مالك
في موطئه وسيأتي بعد قليل عنأبي عبد الله الصنابحي
: (أنه صلى خلفأبي بكر
رضي الله عنه في المدينة، وذكر أنه في الركعة الثالثة من صلاة المغرب -وسيأتي ذكر الحديث- قرأ سورة الفاتحة، ثم قرأ هذه الآية: (( رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ))[آل عمران:8])، وهذه لا شك آية من وسط سورة، فذلك يدل على الجواز، وقد استدل شيخنا سماحة الشيخعبد العزيز بن عبد الله بن باز
على جواز ذلك، بما أسلفته من قراءة النبي صلى الله عليه وسلم للآية من سورة البقرة، والآية من سورة آل عمران في راتبة الفجر، وقال حفظه الله: إنه ما جاز في النفل جاز في الفرض، إلا بدليل مخصص، ولم يرد هاهنا مخصص. ومن الفوائد الموجودة في حديثأبي قتادة
أيضاً: ذكر بعض أهل العلم أن من فوائد الحديث: انتظار القادم للصلاة، إذا كان الإمام قائماً أو راكعاً وعلم بقدوم أحد، فإنه يشرع له انتظاره أو انتظارهم، قالوا: لأن النبي صلى الله عليه وسلم أطال الركعة هاهنا، حتى ينتظر قدوم الناس، كما أشار إليه في الرواية الأخرى عندعبد الرزاق
وأبي داود
وابن خزيمة
، وربما عزز بعضهم هذا الاستنباط بحديث: (أبا قتادة
قال: (البراء
في الرواية الأخرى، التي سقتها قبل قليل: (ابن قدامة
في المغني : الجهر في مواضع الجهر، والإسرار في مواضع الإسرار مجمع على استحبابه، ولم يختلف المسلمون في مواضعه، أي: أن المسلمين متفقون مثلاً على الإسرار في الظهر والعصر، وعلى الجهر في المغرب والعشاء والفجر، في الركعتين الأوليين من المغرب والعشاء وفي صلاة الفجر، متفقون على مواضعه، قال: ولم يختلفوا في مواضعه، وهم أجمعوا على استحبابها. إذا جهر في موضع الإسرار، أو أسر في موضع الجهر، هل يسجد للسهو؟ قال كثير من الفقهاء: لا يسجد للسهو. نص عليهالنووي
.. وغيره، والأظهر والله أعلم أنه ينظر، فإن كان يجهر موافقة للحديث.. أو ما شابه ذلك متعمداً، فإنه لا سجود عليه؛ لأنه لا سهو حينئذ، أما لو جهر سهواً، وهذا يحصل في كثير من الأحيان، خاصة إذا كان الناس في زمن الشتاء والغيوم، والجو مظلم، فربما توهم أحدهم مثلاً وهو في صلاة العصر أنه في صلاة جهرية، فجهر بالفاتحة سهواً، فهذا الأفضل في حقه أن يسجد للسهو، لكنه لا يجب عليه السجود، ولعل هذه المسألة يأتي لها مزيد بسط، في باب سجود السهو بإذن الله تعالى.
وقد جاء في رواية أخرى عند مسلم بدل قوله هنا: (قدر ألم تنزيل السجدة) يعني: سورة: الم * تَنزِيلُ الْكِتَابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ [السجدة:1-2] جاء في رواية أخرى قال: قدر ثلاثين آية، وسورة السجدة ثلاثون آية، فجاءت الرواية الأخرى قال: ( قدر ثلاثين آية، وفي الأخريين قدر خمس عشرة آية، أو قال نصف ذلك ) وكل هذه في صحيح مسلم .
وجاء في رواية أيضاً أن في قوله: (كنا نحزر) أنهم كانوا ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، الذين كانوا يحاولون تقدير قراءة النبي صلى الله عليه وسلم مع أبي سعيد الخدري.
منها: مشروعية القراءة في الأوليين من الظهر والعصر بفاتحة الكتاب، وسورة كما سبق.
ومنها: القراءة في الأخريين من الظهر بفاتحة الكتاب وسورة أيضاً؛ لأنه إذا كانت الركعة الثالثة مثلاً قدر خمس عشرة آية، معنى ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ فيها بسورة الفاتحة، ويقرأ فيها أيضاً بسورة أخرى مع الفاتحة قدر كم آية؟
قدر ثمان آيات، يعني: إذا حذفت الفاتحة تكون قدر ثمان آيات، وسواء كان هذا أو أكثر منه، فالمقصود أنه يقرأ مع سورة الفاتحة في الركعة الثالثة وفي الرابعة أيضاً بسورة أخرى في الظهر، وربما قرأ في العصر أيضاً، فهذا دليل على أنه يشرع أن يقرأ في الأخريين من الظهر والعصر أحياناً بسورة بعد الفاتحة، وذلك من أجل الجمع بين حديث أبي سعيد الذي يدل على ذلك، وبين أحاديث أخرى، كحديث أبي قتادة السابق وغيره، الذي يدل على أنه يقتصر على قراءة الفاتحة، فيجمع بينهما بأن يحمل الأمر على تعدد الأحوال، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل هذا تارة، وهذا تارة أخرى، وأنه يشرع للإنسان أيضاً أن ينوع في ذلك.
قوله: (كان فلان) فلان هذا هو كما ذكر البغوي وغيره كان أميراً على المدينة، قيل: اسمه عمرو بن سلمة، وقيل غير ذلك، لكنه ليس هو عمر بن عبد العزيز كما ذكر بعضهم؛ لأن عمر رضي الله عنه لم يولد إلا بعد وفاة أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه.
والحديث سنده صحيح كما ذكر المصنف هنا، وذكره في الفتح ولم يعلق عليه بشيء، ذكره محتجاً به، وذكر ابن عبد الهادي في المحرر : أن سنده صحيح، وذكر النووي أيضاً في المجموع : أن سنده صحيح، وقد صححه الإمام ابن خزيمة رحمه الله، فالحديث إسناده صحيح كما ذكر المصنف.
فأولاً: صلاة الفجر، يستحب للإنسان أن يقرأ فيها بطوال المفصل، وذلك لأدلة كثيرة جداً لا يتسع المجال لسردها، فقد ذكرها أهل العلم في مواضعها، ولكن من هذه الأدلة مثلاً، وقد سبق معنا أيضاً طائفة كثيرة منها: حديث أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه الطويل وفيه: ( وكان يقرأ بالستين إلى المائة ) نعم، يعني: في الركعتين، والحديث متفق عليه.
وأيضاً مثله حديث أبي هريرة المتفق عليه وفيه: ( كان يقرأ في الركعة -وفي رواية: في الركعتين- ما بين الستين إلى المائة )، وهذا جاء على الشك، وأكثر الروايات: ( وكان يقرأ فيها ما بين الستين إلى المائة ) يعني: في صلاة الفجر، فيكون يقرأ في كل ركعة قدر ثلاثين آية أو نحواً من ذلك، فتكون الستون أو المائة مقسومة بين الركعتين.
كذلك جاء عنه صلى الله عليه وسلم: ( أنه قرأ في الفجر بسورة قد أفلح المؤمنون )، كما رواه مسلم في صحيحه من حديث عبد الله بن السائب، وذكره البخاري تعليقاً، فلما جاء ذكر موسى وهارون أو ذكر عيسى أصابته سعلة فركع صلى الله عليه وسلم.
كذلك جاء في قراءته صلى الله عليه وسلم في صلاة الفجر أنه قرأ بسورة (ق)، رواه قطبة بن مالك رضي الله عنه، كما في صحيح مسلم .
وفي حديث عمرو بن حريث عند النسائي ظناً وعند أبي داود جزماً: ( أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الفجر: فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ * الْجَوَارِ الْكُنَّسِ [التكوير:15-16]).
وفي صحيح مسلم من حديث ابن مسعود : ( أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في فجر الجمعة بـ(ألم تنزيل السجدة)، وفي الركعة الثانية بـ(هل أتى على الإنسان) )، ولذلك قالوا: يقرأ في الفجر بطوال المفصل، وهذا أطبق عليه الفقهاء.
والحنابلة ومن وافقهم يقولون: يقرأ في الظهر بأواسط المفصل، فهي عندهم أشبه بالعصر.
فالشافعية منهجهم ومذهبهم إلحاقها بالفجر، والحنابلة ومن وافقهم يلحقونها بالعصر، مع أنها قد تكون أطول من العصر، وأقصر من الفجر، فلذلك يجمع بينهما، فيقال: إنه يقرأ في الظهر أحياناً بطوال المفصل، لكنها ليست الطوال التي يقرأ بها في الفجر بل دونها، فالطوال منها الطويلة ومنها أطول، وكذلك أحياناً يقرأ بها بالأواسط، أواسط المفصل، لكنها ليست الأواسط التي يقرأ فيها بالعصر، لكنها أطول منها، والمفصل فيه هذا وفيه هذا، فالطوال منها طوال، ومنها دون ذلك، والأواسط منها أواسط، ومنها دون ذلك، وكذلك القصار، فليست مثلاً سورة: إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ [الكوثر:1] أو (العصر) كسورة: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ [الشرح:1]، وليست أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ [الشرح:1] كسورة: وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى [الليل:1]، وليست (الليل) كسورة (سبح)، ولا (سبح) كـ(النازعات) مثلاً أو (عبس)، ولا هذه كـ(هل أتى) وهكذا، فهي متسلسلة في الطول.
فالمقصود أنهم اختلفوا في الظهر هذا الاختلاف، والأمر في ذلك قريب من قريب، ولا مانع أن يحمل أيضاً على التنويع، أن يقرأ تارة من الطوال، وتارة من أواسط المفصل في الظهر.
ومن أدلتهم في ذلك حديث أبي سعيد رضي الله عنه، وهو ظاهر.
ومن أدلتهم أيضاً: حديث البراء قال: ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بنا الظهر فنسمع منه الآية بعد الآية ) كما ذكرته قبل قليل. قال: ( فنسمع منه الآية بعد الآية من سورة لقمان والذاريات ) والحديث رواه النسائي كما أسلفت، وابن ماجه أيضاً، وقال النووي في المجموع : إسناده حسن. فذكره لسورة لقمان والذاريات دليل على أنه يقرأ في الظهر بطوال المفصل عندهم، ومن قالوا بالأواسط أيضاً ذهبوا إلى ما ذكرت، ولهم أدلة.
أما فيما يتعلق بالعصر فإنه يقرأ فيها بأواسط المفصل، وهذا قول عامة الفقهاء، وحجتهم حديث أبي سعيد حديث الباب.
ومن أدلتهم أيضاً: حديث الباب حديث سليمان بن يسار في قوله: ( ويقرأ في المغرب بقصار المفصل ) وهو صحيح كما سبق، وإن كان الكلام ليس إخباراً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما هو إخبار عن فلان، وفلان هذا رجل من التابعين والله أعلم، ولكن أبا هريرة زكاه، وذكر أنه ما صلى وراء أحد أشبه صلاة برسول الله عليه الصلاة والسلام من هذا، وهذا لا يدل على القطع، لماذا؟ لأنه قد يكون بقصد أبي هريرة رضي الله عنه صلاته من حيث الجملة، ولا يلزم في ذلك أن يكون كل تفصيل لصلاته، إنما يستأنس بهذا على قراءة القصار، قصار المفصل في صلاة المغرب.
ومن الأدلة أيضاً على قراءة القصار في صلاة المغرب ما أسلفته قبل قليل من رواية أبي عبد الله الصنابحي، وهي في موطأ مالك رحمه الله، ذكر: (أنه ذهب إلى المدينة فصلى وراء أبي بكر رضي الله عنه, قال: فصليت وراءه المغرب فقرأ في الأوليين بأم الكتاب وسورة سورة -يعني من المغرب- من قصار المفصل) فهذا دليل على أن أبا بكر رضي الله عنه كان يقرأ بقصار المفصل، قال: (ثم قام إلى الركعة الثالثة فقرأ بأم الكتاب، ثم بقوله تعالى: رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ [آل عمران:8])، وقد ذكرت هذا قبل قليل.
وقد نازع في ذلك جماعة من أهل العلم في القراءة بقصار المفصل في المغرب, كما ذكره ابن عبد البر من المتقدمين في التمهيد، وكما ذكره الشوكاني من المتأخرين في نيل الأوطار، وقالوا: إن قراءة قصار المفصل في المغرب فيه نظر؛ وذلك لأنه ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة المغرب أنه قرأ بغير ذلك كثيراً، فمثلاً: مما ورد -ولعله سبق معنا شيء من ذلك- عن زيد بن ثابت : ( أنه أنكر على
وكذلك هذا الحديث جاء عن عائشة رضي الله عنها، نفس حديث زيد، جاء عند النسائي عن عائشة رضي الله عنها، قال النووي في المجموع : بإسناد حسن: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في المغرب بسورة الأعراف، قسمها على الركعتين ) فهذا حديث.
أيضاً من الأحاديث: حديث جبير بن مطعم : ( أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور )، وهو في الصحيح أيضاً. (والطور) من طوال المفصل.
وأيضاً من الأدلة وحديث ابن عباس في الصحيحين: ( أنه قرأ سورة المرسلات، فقالت له
كما أن من أصح وأصرح ما ورد فيها ما رواه الشيخان من حديث جابر : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـ
وقد كتب عمر رضي الله عنه، كما ذكر ابن قدامة في المغني، ونسبه إلى أبي حفص، وأظنه يعني: ابن شاهين بـحفص بن شاهين : [ أن عمر رضي الله عنه كتب إلى أبي موسى الأشعري : اقرأ في الصبح بطوال المفصل، واقرأ في الظهر بأواسط المفصل، واقرأ في المغرب بقصار المفصل ].
وأما بالنسبة للمفصل ما هو؟ فالمقصود آخر القرآن، وفي تحديده عشرة أقوال ذكرها صاحب القاموس .. وغيره، ولعل أعدل هذه الأقوال أن المفصل يبدأ من سورة (ق) إلى آخر القرآن، وأما طواله فإلى سورة (عم يتساءلون)، وأما قصاره فتبدأ من سورة (والضحى) إلى آخر القرآن.
يا أمتي ناديت لبي النداء لا للسلام ولا للعجم
يا هيئة الأمم يا رمز العدا يا رمز تحطيم القيم
القدس ما تنباع إلا بالدماء
الجواب: يبدو أنه تسرب إليك الشعر النبطي، فكان ينبغي أن تقول:
القدس لا تعود إلا بالدماء.. وما تباع بسوق من باع الذمم.
لا بأس، محاولات جيدة، نسأل الله أن يزيدك.
الجواب: أي نعم، هو إن كان هو المقصود، فلا يكون هو الصحابي الوارد في الحديث الآخر، أما إن كان هو فلا شك أن عمرو بن سلمة صحابي.
الجواب: الظاهر أن الرسول عليه الصلاة والسلام قرأ سورة الأعراف مرة والله أعلم، كما ذكره زيد وعائشة رضي الله عنهما، فلو قرأها الإنسان بين الحين والآخر، إذا لم يكن على المأمومين في ذلك حرج، ولا مشقة فلا بأس، والسنة للإنسان أن يخفف الصلاة بما لا يخل بها، فلا يشق بذلك على المأمومين، والتخفيف أمر نسبي، فما يكون تخفيفاً بالنسبة إلى قوم قد يكون تطويلاً بالنسبة إلى آخرين والعكس، فليس له ضابط دقيق محدد، لكن ينبغي أن يراعي الإنسان حالة المأمومين، من حيث إقبالهم على الصلاة، ومن حيث انشغالهم، ومن حيث تعبهم، فإذا كان مثلاً يصلي بفلاحين يأتون لبعض الصلوات، ورءوسهم قد تعبت من طول العمل والجد في مهناتهم وأعمالهم، فيراعي هذا الحال ويخفف عليهم، وكذلك لو كانوا في حال يحتاجون فيها إلى الرعاية، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( من ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم، رفق الله به، ومن شق عليهم، شق الله عليه )، فهذا من ولاية أمر هذه الأمة، لكن لا ينبغي أن يكون التقصير إخلالاً بالصلاة، أو تخفيفاً، أو تهاوناً بها، بل ينبغي أن يعوّد الناس أن يكون أطول مما يريد الناس، ولو كان أقصر مما في نفسه أحياناً.
سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك، والحمد لله رب العالمين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر