إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً وعملاً يا أرحم الراحمين.
اللهم إنا نعوذ بك من تحول عافيتك، وفجاءة نقمتك، وجميع سخطك.
الحديث الأول: وهو قول المصنف رحمه الله تعالى: [ وعنه رضي الله عنه ]، يعني: صحابي الحديث السابق وهو أبو هريرة رضي الله عنه.
[ قال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من قراءة أم القرآن، رفع صوته وقال: آمين )، قال رواه الدارقطني وصححه وحسنه، والحاكم وصححه ].
وقوله: (رفع صوته وقال: آمين)، كلمة: (آمين) فيها: ثلاث لغات، والمشهور منها لغتان، المشهور من (آمين) لغتان:
اللغة الأولى: هي اللغة المشهورة وهي (آمين) بالمد، وهي أشهر اللغات، والشاهد لها من قول العرب قول القائل:
يا رب لا تسلبني حبها أبداً ويرحم الله عبداً قال آمينا
فهذه هي اللغة الأولى.
أما اللغة الثانية: فهي لغة القصر أن يقول: (أمين) بدون مد، والشاهد لها من كلام العرب، قول القائل:
تباعد مني فطحل إذ دعوته أمين فزاد الله ما بيننا بعدا
فقوله: (أمين) يعني: اللهم آمين، (أمين فزاد الله ما بيننا بعداً)، وفيها لغات أخرى، لكنها لغات ضعيفة أو غير مشهورة، فهاتان أشهر اللغات فيها.
و(آمين) اسم فعل، فهو كقولهم: صه .. ونحوها من أسماء الأفعال، وهي مبنية على الفتح بإجماعهم، فإذا أراد أن يصل آمين بما بعدها قال: آمينَ أو أمينَ.
ومعناها: اللهم استجب، هذا مذهب الجمهور، وتوجد أقوال أخرى قريبة من هذا المعنى.
وقيل: المعنى: اللهم أمنا بخير.
وقيل: إن (آمين) اسم من أسماء الله جل وعلا، فكأن الذي يقول: (آمين) يقول: يا الله مثلاً.
لكن المشهور: الأول أن معنى (آمين): اللهم استجب، وهذا ظاهر معروف.
هذا ما يتعلق بالألفاظ في حديث أبي هريرة رضي الله عنه .
ثم روى أبو داود بعد هذا الحديث مباشرة بسند آخر، ولفظ آخر أيضاً، عن وائل بن حجر رضي الله عنه: ( أنه صلى ) هذا اللفظ الأول انتهينا منه.
يوجد لفظ آخر مقارب، ساقه أبو داود من حديث وائل بن حجر : ( أنه صلى خلف النبي صلى الله عليه وسلم يوماً فجهر بآمين -يعني: رسول الله صلى الله عليه وسلم- وسلم عن يمينه وعن شماله. قال: حتى رأيت بياض خده عليه الصلاة والسلام )، فهو أيضاً بمعنى الحديث السابق، ولكن سنده مختلف.
والحديث رواه أيضاً -غير من ذكر المصنف - أحمد في مسنده، والدارقطني، وابن حبان، وقال الحافظ ابن حجر في التلخيص : إسناده صحيح.
وكما ذكر المصنف حسنه الدارقطني، وصححه الحاكم .
أعل الحديث ابن القطان براو اسمه حجر بن عنبس، هو عن وائل رضي الله عنه، اسمه الحجر بن عنبس وقال: إنه لا يعرف، فكأنه يزعم أنه مجهول، وهذا الكلام الذي ذكره ابن القطان قد تعقب عليه، ولم يصب فيه؛ فإن حجراً هذا حجر بن عنبس : تابعي جليل معروف، وثقه ابن معين .. وغيره، بل قال بعضهم: إنه له صحبة، فهو عند بعضهم صحابي، وعند آخرين تابعي جليل معروف ثقة.
إذاً: العلة الأولى التي ضعف بها الحديث عند بعضهم: هي أن فيه حجر بن عنبس، وهو تابعي ثقة على الراجح فهذه هي العلة الأولى، وهي مردودة.
العلة الثانية: أشار إليها النووي، فإنه قال في المجموع لما ساق الحديث: إسناده صحيح، بل قال: إسناده حسن، كل رجاله ثقاة، إلا محمد بن كثير العبدي، محمد بن كثير هذا هو شيخ أبي داود هذا من عندي، أما النووي قال: إسناده حسن، كل رجاله ثقاة إلا محمد بن كثير العبدي جرحه ابن معين ووثقه غيره، قال النووي : وقد روى له البخاري في صحيحه، وكفى بذلك شرفاً وتوثيقاً له.
إذاً: محمد بن كثير أيضاً الراجح أنه ليس فيه جرحة، فهي العلة الثانية التي ضعف بها الحديث، ولم يصب من ضعفه بها، ولعله لذلك قال النووي رحمه الله والترمذي : إنه حديث حسن.
إذاً: الصحيح أنه جهر بها، وأما رواية: (خفض بها صوته) فقد تفرد بها شعبة، وحكم العلماء بشذوذها؛ لأنها زيادة مخالفة، مناقضة لما رواه الثقاة الأثبات، وهم أكثر وأصح، وحكم أهل العلم بأن قول شعبة (خفض بها صوته) أنه شاذ وخطأ، كما قال البخاري رحمه الله .. وغيره.
لأن وائل بن حجر رضي الله عنه متأخر الإسلام، وهو يقول في الرواية: (إنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم وصلى خلفه).
إذاً: هو يحكي أمراً سمعه، فهذا رد على من ادعى أن هذا الحكم منسوخ.
المسألة الأول منها: حكم التأمين، وفي هذه المسألة ثلاثة أقول:
القول الأول: أن التأمين واجب، وهذا نسب لأهل الظاهر، ولبعض أهل العلم قالوا: أخذاً بظاهر هذه الأحاديث والأحاديث الأخرى، التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم فيها بأن يقول الإنسان: آمين، كما سيأتي ذكر هذه الأحاديث، فقالوا: بناءً على ذلك فإن التأمين واجب، وهذا القول لم يقل به إلا أفراد وآحاد من أهل العلم، ولذلك يتجاوز كثير من أهل العلم ذكره ضمن مسألة الخلاف.
القول الثاني: أن التأمين سنة للجميع، للإمام والمأموم والمنفرد، والقائم والقاعد، والرجل والمرأة .. وغيرهم. فهو سنة بكل حال ولكل مصل، وهذا القول هو مذهب ابن عمر رضي الله عنه، وابن الزبير، والثوري، وعطاء، ومذهب جماعة من الأئمة المتبوعين، كـالشافعي، وإسحاق، وأصحاب الرأي أبي حنيفة وأصحابه، والإمام أحمد .. وغيرهم، ولهم بذلك أدلة كثيرة منها أو من أشهرها: قول أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( إذا أمن الإمام فأمنوا؛ فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه )، وهذا الحديث رواه الشيخان ومالك .. وغيرهم عن أبي هريرة رضي الله عنه، وسيأتي الإشارة إليه، ودلالة الحديث على التأمين ظاهرة، فإنه قال: ( إذا أمن الإمام فأمنوا )، فدل على أن الإمام يؤمن أو لا؟ يؤمن، والمأموم يؤمن أو لا؟ يؤمن، فغيرهم كذلك.
ومن أدلتهم ما سيأتي بعد قليل في ذكر الخلاف في الجهر بالبسملة، هل يجهر بها أو لا يجهر بها؟ فنرجئ الكلام أو سرد تلك الأدلة إلى ما بعد قليل.
إذاً: القول الأول: أنها واجبة، أعني: مسألة التأمين أنها واجبة.
القول الثاني: أنها سنة للجميع.
القول الثالث: ذهب أصحاب الإمام مالك : إلى أنه لا يسن للإمام أن يؤمن، أما الإمام مالك نفسه فله في المسألة أو عنه في المسألة روايتان:
الرواية الأولى: قال: لا يسن مطلقاً، يعني: لا يسن للإمام أن يؤمن مطلقاً، لا في السرية ولا في الجهرية، أما الرواية الثانية عن الإمام مالك قال: لا يسن له أن يؤمن في الجهرية.
إذاً: مالك عنه روايتان: قال: الأولى: لا يؤمن مطلقاً، والثانية: لا يؤمن في الجهرية، وأصحاب مالك كذلك منهم من رجح هذا، ومنهم من رجح هذا، لكن المشهور عن المالكية أنه لا يشرع للإمام أن يؤمن.
ما هي حجة مالك ومن وافقه على ترك التأمين للإمام؟ حجتهم: ما رواه مالك نفسه رحمه الله في موطئه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا قال الإمام: وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7]، فقولوا: آمين، فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ). فقال: إن قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إذا قال الإمام: وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7]، فقولوا: آمين )، دليل على أن قول: آمين للمأموم، كأن الإمام يقول: وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7]، والمأموم يقول: آمين، فإنه مثل قوله: ( وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد )، فيقول الإمام: سمع الله لمن حمده، ويقول المأموم: ربنا ولك الحمد، يعني: لا يقول مثل الإمام: سمع الله لمن حمده، وسيأتي الخلاف أيضاً في مسألة التسميع، وحديث أبي هريرة بهذا اللفظ الذي سقته: ( إذا قال الإمام: وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7]، فقولوا: آمين )، هو أيضاً رواه البخاري ورواه مسلم بلفظ مقارب، ورواه مالك في الموطأ، ورواه أيضاً أبو داود والترمذي .. وغيرهم.
واستدلالهم بهذا الحديث بهذا اللفظ وإن كان سائغاً، إلا أنه مدفوع بأن الحديث له ألفاظ أخرى، وينبغي حمل بعض الألفاظ على بعض، فإن اللفظ الآخر للحديث كما سقته قبل قليل: ( إذا أمن الإمام فأمنوا ).
وهذا حجة عليهم في أن الإمام يؤمن كما يؤمن المأموم، والألفاظ ينبغي ألا يضرب بعضها ببعض، أو يؤخذ من بعضها ويترك البعض الآخر، بل أن يفهم بعضها على ضوء البعض الآخر، ويحمل بعضها على بعض.
كما تمسك بعض المالكية بحديث أبي هريرة رضي الله عنه للإمام: [ لا تسبقني بآمين ]، وهذا اللفظ عن أبي هريرة رضي الله عنه رواه البخاري تعليقاً في الأذان، في صفة الصلاة كما سيأتي، ورواه أيضاً عبد الرزاق .. وغيرهما، وسيأتي الإشارة إلى روايات أخرى له، ولكن بهذا اللفظ أن أبا هريرة قال للإمام: [ لا تسبقني بآمين ]، قالوا: فإن قول أبي هريرة : [ لا تسبقني بأمين ]، معناه: لا تنازعني فيها، يعني: لا تقل: آمين كما أقول أنا، فكأنه قال: إن وظيفة الإمام هي القراءة، وقول: وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7]، أما وظيفة المأموم فهي أن يقول: آمين، فكأنه يقول للإمام: لا تنازعني على لفظة (آمين) فتقولها أنت كما أقولها أنا، وهذا الاستدلال ليس بجيد؛ لأن قول أبي هريرة : [ لا تسبقني بآمين ]، ظاهر في عدم سبق الإمام بها، كأنه يريد أن يوافقه عليها؛ لأنه جاء في الحديث: ( من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ).
وجاء حديث أبي هريرة مرفوعاً، يعني: من قول أبي هريرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم يعني: أن أبا هريرة قال: ( يا رسول الله لا تسبقني بآمين )، وكأن أبا هريرة رضي الله عنه كان يتأخر في الإقامة، ثم تسوية الصف .. أو ما شابه ذلك، فيشرع النبي صلى الله عليه وسلم أحياناً في الصلاة، وربما قرأ حتى (آمين)، فكأن أبا هريرة رضي الله عنه التمس من رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا يسبقه بقول: (آمين)، حتى يصل ويؤمِّن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه الصيغة من قول أبي هريرة : ( يا رسول الله! لا تسبقني بآمين )، رواها أبو داود في سننه، وقال الحافظ في فتح الباري : رجاله ثقات، لكن قيل: إن أبا عثمان -وهو الراوي عن أبي هريرة - لم يلق بلالاً، نعم هي في رواية عن بلال رضي الله عنه، وفي رواية أخرى عن أبي هريرة، فـأبو عثمان في رواية بلال عند أبي داود، وقيل: إنه لم يلقه، ورجح أيضاً الدارقطني المرسل، يعني: جاء في رواية (أن أبا هريرة )، أو (أن بلالاً ) مرسلاً فرجح الدارقطني المرسل.
إذاً: فالراجح في المسألة الأولى: وهي مسألة حكم التأمين أنه يستحب للإمام والمأموم والمنفرد أن يؤمنوا جهراً في الجهرية، وسراً في السرية؛ لمجموع الأدلة السابقة.
وربما يقول بعضكم: ما هي الصوارف عن الوجوب؟
فنقول: الصوارف عن الوجوب أمور: لعل منها قوله: ( إذا قال الإمام: وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7]، فقولوا: آمين )، فدل هذا على أنه لا يجب على الإمام أن يؤمِّن، وإذا لم يجب على الإمام، فإن الأصل عدم وجوبه أيضاً على غيره، فيؤخذ من هذا اللفظ عدم الوجوب، وإن كان يؤخذ منه استحباب أن يقوله الإمام والمأموم، وأن يجهروا به كما سوف يأتي.
أما بعض الطرائف التي أعددتها لكم، فهي عديدة، وقد اعتمدت فيها على الإمام حمد بن محمد أبي سليمان الخطابي رحمه الله، وهو من أئمة اللغة والأدب والحديث والفقه أيضاً، وله كتب نافعة مشهورة منها: كتاب غريب الحديث في ثلاث مجلدات، ومنها: كتاب الدعاء، ومنها: كتاب معالم السنن شرح سنن أبي داود، ومنها: كتاب العزلة، وله كتب أيضاً في الأدب واللغة .. وغيرها.
إذا كان ود المرء ليس بزائد على مرحباً أو كيف أنت وحالكا
أو القول إني وامق لك مشفق وأفعاله تبدي لنا غير ذلكا
لسانك معسول ونفسك بشة وعند الثريا من صديقك مالكا
وأنت إذا همت يمينك مرة لتفعل شيئاً نازعتها شمالكا
هذا والله أعلم .
القول الأول: أنه يستحب، يعني: في الصلاة الجهرية للإمام والمأموم أن يجهر بـ (آمين)، وهذا القول كما يقول الترمذي رحمه الله: وبه يقول غير واحد من أهل العلم، من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن بعدهم، ثم نسبه الترمذي، يعني: ذكر هذا القول أنه يرفع صوته بـ (آمين)، ونسبه إلى الإمام أحمد والشافعي وإسحاق .. وغيرهم، كما أن هذا القول نسب إلى طاوس من التابعين، وداود الظاهري، وابن خزيمة، وابن المنذر من الشافعية .. وغيرهم كثير، أنهم يقولون: يستحب له أن يجهر بـ(آمين)، وقال الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه : كتاب الصلاة، باب جهر الإمام بالتأمين، يعني: ما ورد في ذلك، ثم ساق عدة روايات معلقة، قال البخاري رحمه الله، وقال عطاء: ( آمين دعاء -يعني: كما سلف أنه يقول: اللهم استجب، ثم قال:- وقد أمن ابن الزبير رحمه الله، وأمن من وراءه، حتى إن للمسجد للجة)، باللام هكذا رواها البخاري وسيأتي أنه في رواية أخرى: (لرجه) والمعنى واحد، وقال: (وكان أبو هريرة رضي الله عنه ينادي الإمام: لا تفتني بـ (آمين) )، وهذه الرواية التي أسلفت لكم قبل قليل، ورواها البخاري تعليقاً، فهذا هو موضعهاً، (كان أبو هريرة ينادي الإمام: لا تفتني بـ (آمين) )، والرواية الأخرى أيضاً أسلفت: (لا تسبقني بآمين).
قال البخاري رحمه الله: وقال نافع : ( كان ابن عمر رضي الله عنه لا يدعه، ويحضهم عليه، وسمعت منه في ذلك خيراً )، أنه يذكر خيراً يعني: لمن أمن، انتهي كلام البخاري رحمه الله وتعليقه.
وقد روى البيهقي عن عطاء رحمه الله قال: ( أدركت مائتين من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم في هذا المسجد، فسمعتهم جميعاً، وسمعت لهم رجة بـ (آمين) )، سمع لهم رجة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم -والله تعالى أعلم- بالتأمين، أي: أنهم يرفعون أصواتهم بذلك، فهذه بعض الأقوال، التي تدل على مذهب وقول من ذهبوا إلى هذا القول، كما تدل على أدلتهم، فيمكن أن نقول كما في السابق مثلاً: من أدلة من قالوا بالجهر بآمين قول أبي هريرة رضي الله عنه: ( يا رسول الله! لا تسبقني بـ (آمين) )، أو قوله للإمام هذا الإمام اختلف هل هو مروان أو إمام كان بـالبحرين، كلام يطول، المهم قال: ( لا تسبقني بـ (آمين) )، فهو دليل على أنه يسمعها منه، ويريد أن يقولها معه.
كما أننا نقول من أدلتهم: قول عطاء : ( أنه أدرك مائتين من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان لهم رجة بالتأمين ).
ومن أدلتهم: ( أن ابن الزبير كان يؤمن، ويؤمن من وراءه، حتى إن للمسجد للجة أو لرجة )، فكل هذا يدل على أن التأمين مشهور عند أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ولا شك أنهم أخذوا هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
كما أن من الأدلة الصريحة في ذلك: قوله عليه الصلاة والسلام فيما رواه أبو هريرة : ( إذا أمّن الإمام فأمنّوا )، الحديث، وسبق، فإن تعليق النبي صلى الله عليه وسلم تأمين المأمومين على تأمين الإمام، دليل على أنهم يسمعونه، وإلا لم يكن لكونه يعلق هذا على هذا معنى، فإنهم لا يدرون متى يؤمن الإمام حتى يؤمنوا، إلا إذا كان الإمام يجهر بها، نعم، لا يدرون متى يؤمن الإمام لكي يؤمنوا، إلا إذا كانوا يسمعون جهره بها في الصلاة الجهرية، أيضاً كما هو معروف.
كما أن من أدلتهم: حديث أبي هريرة، وحديث وائل بن حجر أعني: حديث الباب الذي قرأناه قبل قليل، فهما صريحان في أن النبي صلى الله عليه وسلم يجهر بالتأمين، ويمد بها صوته.
القول الثاني في المسألة: أنه لا يستحب الجهر بالتأمين، بل يسن إخفاؤه، يسن إخفاء التأمين، وهذا مذهب أبي حنيفة والثوري وهو إحدى الروايتين عن مالك .
وهنا أختبركم إذاً: المذهب الثاني: هو أنه يسن إخفاء التأمين، وعدم الجهر به، وهذا مذهب أبي حنيفة والثوري وإحدى الروايتين عن مالك.
السؤال الآن هو: ما هي الرواية الثانية عن مالك؟
أنه لا يستحب له أن يقولها أصلاً لا جهراً ولا سراً، وهذا أسلفناه قبل قليل.
طيب. ما حجة من قالوا: لا يجهر بها؟ قالوا: لا يجهر بها أولاً لأنها دعاء، والدعاء يستحب للإنسان إخفاؤه، ولا شك أن الحجة عليهم قائمة؛ لأن هذا لا يكفي، فالإمام يدعو ويقول: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ [الفاتحة:6-7].
الدليل على من قالوا بعدم الجهر قائم، فإن الأحاديث السابقة صريحة في مشروعية الجهر واستحبابه، وأن النبي صلى الله عليه وسلم يجهر به وأمر به، وأخذه عنه أصحابه رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، فلا كلام مع كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا قياس مع النص كما هو معروف، وكل قياس مع النص فإنه يسمى عند الأصوليين: فاسد الاعتبار، فلا قياس مع النص، فقولهم: إنه دعاء، هذا تعليل في مواجهة نص صريح، وفعل واضح من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، كما أن الجهر بآخر الفاتحة كما ذكرت وهو دعاء حجة عليهم، وبعضهم استدلوا برواية في حديث وائل بن حجر : ( وخفض بها صوته )، وهذه الرواية قلنا عنها قبل قليل: إنها رواية شاذة، وقال البخاري أخطأ شعبة، وحديث سفيان أصح منه، فلا حجة فيها؛ لأنها رواية شاذة مخالفة لما رواه الثقات الأثبات.
قوله: (ما يجزيني منه)، يعني: ما يكفيني عنه، أو ما يقوم مقامه في حالة عجزي عنه، قال: ( فقال: له النبي صلى الله عليه وسلم: قل: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ) الحديث. يعني: إلى آخر الحديث.
وبقية الحديث لم يسقها المصنف رحمه الله، وهي في المصادر المذكورة، وبقية الحديث: ( فقال الرجل: يا رسول الله! هذا لله )، يعني: ذكر لله وتمجيد، ( هذا لله فما لي؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: قل: اللهم ارحمني وارزقني وعافني واهدني )، علمه أربع كلمات: (اللهم ارزقني وارحمني وعافني واهدني)، ( ثم قام الرجل، فحرك النبي صلى الله عليه وسلم يده، وقال: لقد ملأ هذا يده من الخير )، أو كما قال عليه الصلاة والسلام.
وقد ذكر المصنف أيضاً أنه صححه ابن حبان، والدارقطني، والحاكم، فهؤلاء الثلاثة صححوه، وكذلك قال المنذري : إسناده جيد، والحاكم صححه كما ذكر المصنف وقال: على شرط البخاري، ووافقه الذهبي على ما قال، والنووي رحمه الله في المجموع ضعف الحديث، وقال: إنه من رواية إبراهيم السكسكي وهو ضعيف، وقد نسيت أن أراجع إبراهيم هذا، فلعل بعض الإخوة يراجعه، ويوافينا بحاله في الأسبوع القادم، هل الأمر كما قال النووي ضعيف أم أن في المسألة خلافاً وأقوالاً.
طيب. فإن لم يستطع أن يتعلمها وقت الصلاة؟ ننتقل إلى المرحلة الثانية وهي؟
هو إن استطاع أن يصلي مع الإمام فهذا حسن، ما استطاع أن يصلي مع الإمام؟
يقرأ من المصحف إذا كان ما يحفظ، لكنه يقرأ نظراً، يجب عليه أن يحمل المصحف أو أي شيء تكون فيه الفاتحة ويقرأ فيه، إذا كان يجيد القراءة نظراً، ولكنه لا يحفظ الفاتحة.
فإذا كان لا يقرأ من المصحف، فإن استطاع أو إن كان يحفظ آيات من القرآن الكريم قال بعض الفقهاء: سبع آيات، فإنه يجب عليه أن يقرأ هذه الآيات السبع، لماذا يقرأ الآيات السبع؟
أولاً: لأن القرآن هو أفضل الذكر، وهذا لا إشكال فيه.
ثانياً: لأن الله تعالى يقول: فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ [المزمل:20].
وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال للمسيء صلاته: ( ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن )، ولا شك أن هذه الآيات السبع إذا تيسرت له، أو حتى أقل من سبع إذا تيسرت له فهي تدخل في عموم الآية والحديث، وهي من أعظم الذكر، لكن إن كانت أقل من سبع قال بعض الفقهاء: فإنه يرددها حتى تكون بقدر الفاتحة أو أكثر منها، وهذا أيضاً لا دليل عليه، لكنه يقال التماساً، وإن رددها فلا بأس بذلك.
فإن لم يكن وأحسن -يعني: هذه مرحلة رابعة وأعتبرها خامسة- بعض الفاتحة، كان يجيد قراءة بعض الفاتحة، فإنه يطالب بأن يردد هذا البعض من الفاتحة إذا كان يقوم به المعنى، فإنه يردده ويصلي، فإذا لم يكن ذلك، وكان يجيد شيئاً من القرآن كما ذكرنا، يعني: دون سبع آيات، آية، فإنه يكررها عندهم سبع مرات، فإن لم يكن هذا ولا ذاك، فإنه يذكر الله تعالى، ولا يتعين ذكراً خاصاً، فإن قال: ( سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم )، كما في حديث ابن أبي أوفى، فهذا حسن، وإن ذكر الله تعالى بغيره من الأذكار، فلا حرج أيضاً في ذلك، فكل ذكر يذكر الله تعالى به لا حرج عليه فيه، إن أحسن ذكراً معيناً.
الدعاء هل يصلح أو لا يصلح؟ الأقرب أيضاً أن الدعاء إن كان دعاءً بأمر شرعي أخروي فإنه يصلح؛ لدخوله في عموم الذكر، ولو خلط معه أيضاً دعاءً بأمر من أمر الدنيا.
ومن غرائب بعض الفقهاء أنهم قالوا: إن كان لا يجيد الفاتحة، ويجيد شيئاً من القرآن، بعدد آيات الفاتحة، أو بعدد كلماتها، أو بعدد حروفها جاز له ذلك، فأنا أتعجب أقول: سبحان الله! هذا الإنسان الذي الآن ما يعرف الفاتحة، كيف يعرف الحكم الفقهي أولاً؟ يعني: الآن نحن الحمد لله يمكن أكثر الحضور يحفظون القرآن كاملاً، مع ذلك يمكن ما يستطيعون أن يضبطوا المسائل الفقهية، كما ذكر بعض الفقهاء: أنه بعدد حروف الفاتحة، وإلا بعدد آياتها، فهذا الإنسان لنفترض أنه أعرابي، أو حديث عهد بالإسلام، أو أنه رجل ثقيل الذهن بليد لا يحفظ ولا يتابع، والآن هو عاجز عن حفظ الفاتحة، مع ذلك فإن الفقهاء يكلفونه بأن يحفظ المسائل الفقهية، أنه يجب عليه أن يقرأ سبع آيات، أو يرددها، أو يقرأ بعدد آيات الفاتحة، أو بعدد كلماتها، أو بعضهم يقول: بعدد حروفها، وأنى لهذا المسكين أن يعدد حروف الفاتحة، ويعدد سبع آيات، أو عدد الحروف الموافقة لها .. إلى غير ذلك؟! هذا من غرائب الفقهاء عفا الله تعالى عنا وعنهم.
على كل حال هذا المذهب الذي ذكرت هو مذهب الشافعي والإمام أحمد رحمهما الله تعالى.
في الأسبوع القادم عندنا إن شاء الله تعالى حديث أبي قتادة وحديث أبي سعيد الخدري وحديث سليمان بن يسار ثلاثة أحاديث في القراءة في الصلاة.
هذا وأسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياكم لما يحب ويرضاه.
الجواب: إن أمكن تلقينه لقن، نعم، هذه تضاف: إن أمكن تلقينه لقن.
الجواب: هذا المشهور أن القولين للإمام والمأموم، بعضهم فرق فقال: يجهر المأموم ولا يؤمن الإمام، يعني: هذا لا داعي لتشقيقه، وإلا هو يصلح لذلك.
الجواب: هذه! الله أعلم، أنه يقولها في الجلسة بين السجدتين، مظنة هذا الدعاء في الجلسة بين السجدتين.
الجواب: نعم. يسر بها، أنا أرى أنه إذا كان يصلى بأناس لا يرون الجهر، ويحدث فتنة بينهم، خاصة إذا كان في بعض البلاد مثلاً، التي غلب عليها مذاهب معينة، يرون أن الجهر أو عدم الجهر على حسب مذهبهم، فيرون أن الجهر بالتأمين مخالف، وينكرون على من فعله، كما يرون أن عدم الجهر بالبسملة، ويرونه نوعاً من التعصب، وبعضهم يغضبون من أجله، وربما كان سبباً في إحداث بلبلة، وقد رأينا بأعيننا شيئاً من ذلك كثيراً، فهذه المسائل يتوسع الإنسان فيها، وقد وسع الله تعالى فيها على العباد.
الجواب: لعله لا يصح الكلام هذا للدارقطني بأنه لا يثبت في الجهر حديث ولا يصح، لعل هذا القول عن الدارقطني لا يثبت؛ لأنه ما وقفت عليه، فينظر في ثبوته؛ لأن بعضهم نقلوه بصيغة التمريض، قالوا: نقل عن الدارقطني، أو روي عنه شيء من هذا.
المأموم والإمام يؤمنون في وقت واحد، هذا هو الصحيح، ولهذا قال: [ لا تسبقني بـ (آمين) ].
وقال: ( إذا قال الإمام غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7]، فقولوا: آمين )، ومعروف أن الإمام يقول: آمين.
الدليل الثالث: أنه قال: ( من وافق تأمينه تأمين الملائكة )، وموافقة تأمين الملائكة مطلوبة للإمام أو غير مطلوبة؟ مطلوبة، ومطلوبة للمأموم أو غير مطلوبة؟ مطلوبة، فكل هذه الأدلة وغيرها تدل على أن آمين يقولها الإمام والمأموم في وقت واحد، ومن العجيب أن بعض جهابذة العلماء المعاصرين سمعت عنه قولاً أنه يقولها بعد الإمام، إذا قال الإمام: آمين فقولوا: آمين.
وهذه نص الفقهاء على أنها من المسائل الفريدة التي يوافق المأموم فيها الإمام.
الجواب: يستحب أن يؤمن حتى خارج الصلاة، و(آمين) ليست من القرآن هذا معروف، لكنها دعاء، كما قال عطاء.
وقد ذكروا لها أكثر من وجه، بعضهم ذكرها بالتشديد، وبعضهم أنكر هذا، ما ندخل في متاهة، المهم المعتمد إحدى لغتين.
سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.
اللهم صل وسلم على محمد وآله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر