إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وحبيبه وخليله، وخيرته من خلقه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
الحديث الذي نبدأ به في هذه الليلة، فهو حديث أبي حميد الساعدي رضي الله عنه، من رواية البخاري كما ساقه المصنف أنه رضي الله عنه قال: ( رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كبر جعل يديه حذو منكبيه، وإذا ركع أمكن يديه من ركبتيه، ثم نصب ظهره، وإذا رفع رأسه استوى حتى يعود كل فقار مكانه، وإذا سجد وضع يديه غير مفترش ولا قابضهما، واستقبل بأطراف أصابع رجليه القبلة، وإذا جلس في الركعتين جلس على رجله اليسرى ونصب اليمنى، وإذا جلس في الركعة الأخيرة قدم رجله اليسرى، ونصب الأخرى، وقعد على مقعدته ).
وهذا الحديث من الأحاديث الشاملة في ذكر صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، مثله في ذلك حديث عائشة رضي الله عنها وسيأتي في صحيح مسلم، ومثله أيضاً حديث أبي هريرة رضي الله عنه وسيأتي.
فهذه الأحاديث تذكر صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم من حين أن يكبر ويرفع يديه للتكبير إلى أن يقعد للتشهد الأخير ويسلم؛ ولذلك فإن هذا الحديث شامل للصلاة كلها، فيصعب أن نتناول مسائله كلها مسألة مسألة وفقرة فقرة؛ لأننا لو فعلنا ذلك لأتينا على باب صفة الصلاة كله في حديث واحد، ولذا نأخذ من حديث أبي حميد رضي الله عنه بعض المسائل الظاهرة المتيسرة، وندع بعض المسائل الأخرى، نمر بها كمسائل أو فوائد ونترك الكلام عن تفصيلها إلى حينه إذا مر بها حديث يتعلق بها، ومن مقتضى هذا الأسلوب، أو هذه الطريقة أننا لن نكون في سرد صفة الصلاة مراعين للترتيب، يعني: بادئين بتكبيرة الإحرام، ثم دعاء الاستفتاح، ثم قراءة الفاتحة، ثم قراءة سورة بعدها، ثم الركوع.. وهكذا كلا، بل سوف نأخذ منها من المسائل حسب ما اتفق، ولا شك أن الطريقة التي يسلكها الفقهاء أنهم إذا ذكروا صفة الصلاة يبدءون بها مرتبة، فيبدءون بتكبيرة الإحرام، وينتهون بالسلام، وهذه الطريقة أفضل وأسلم وأحسن بلا شك، ولكن مقتضى طريقة سياق الأحاديث في بلوغ المرام لا تتيح لنا هذا، إنما نرجو إن شاء الله تعالى أنه إذا انتهى هذا الباب أو غيره، فإنه يمكن تلخيصه مرتباً كما هي الحال في طريقة الفقهاء، فتلخص مسائل صفة الصلاة متسلسلة، من تكبيرة الإحرام إلى السلام فيما بعد، أما الآن فسوف نأخذ من المسائل بإذن الله تعالى كيفما اتفق، وكيفما تيسر.
وحديث أبي حميد سبق أن ذكرت في الدرس الماضي تخريجه، من خرجه، وذكرت أنه كان قاله في ملأ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عشرة، ذكرت بعضهم من بني ساعدة: كـسهل بن سعد وأبي أسيد، ومنهم أبو هريرة، ومنهم محمد بن مسلمة، ومنهم أبو قتادة، وأن أبا حميد ذكر: ( أنه كان أحفظهم لصفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا له: لم لَم تكن أقدمنا له صحبة، ولا أكثرنا له إتياناً أو اتباعاً؟ فقال: بلى )، وفي رواية: أنه قال: ( إنني تتبعت ذلك حتى حفظته، فقالوا: فاعرض، فعرض ما عنده، فقالوا له: صدقت ) .. في آخر الحديث.
إذاً: حديث أبي حميد ذكر فيه صفة الجلوس للتشهد، سواء في ذلك التشهد الأول أو التشهد الأخير؛ ولذا سنبحث أقوال أهل العلم في الجلوس للتشهد الأول والأخير.
فأقول: في هذه المسألة -مسألة الجلوس للتشهد الأول والأخير- ثلاثة أقوال لأهل العلم:
طيب الإنسان إذا ثنى رجله اليسرى ونصب اليمنى ماذا يمكن أن يفعل بعد ذلك؟ هناك أكثر من احتمال:
الاحتمال الأول: أنه يقعد على اليسرى، وهذه الجلسة تسمى بماذا؟ إذا فرش اليسرى، وقعد عليها، ونصب اليمنى، هذه الجلسة تسمى: جلسة الافتراش، فهذا احتمال.
الاحتمال الثاني: أن يجلس على الأرض، أن يجلس على مقعدته ويجعل اليسرى مفروشة خارجاً، واليمنى منصوبة، وهذا ما يسمى بالتورك، أو بالأصح هذه أحد صفات التورك.
ومقصود ابن عمر رضي الله عنه -والله تعالى أعلم- الصورة الثانية، يعني: أن تفرش اليسرى وتنصب اليمنى، وتفضي بمقعدتك إلى الأرض، ومما يدل على أن هذا هو المقصود: أن مالكاً نفسه روى في الموضع نفسه من الموطأ، عن القاسم بن محمد : [ أنه نصب رجله اليمنى، وثنى رجله اليسرى، وجلس على وركه الأيسر، ثم قال: إني رأيت عبد الله بن عبد الله بن عمر يفعله ويقول: إن أباه كان يفعل ذلك ].
إذاً: القاسم روى عن عبد الله بن عبد الله عن أبيه الذي هو عبد الله بن عمر نفسه أنه فعله، كان ينصب اليمنى ويفرش اليسرى، ويجعل وركه على الأرض، والورك: هو ما فوق الفخذ، فدل على أن ابن عمر رضي الله عنه كان يقصد التورك، حينما قال: ( إنما سنة الصلاة أن تنصب رجلك اليمنى، وتثني رجلك اليسرى ) أنه كان يقصد جلسة التورك، أو ما يسمى بالتورك؛ ولذلك ذهب الإمام مالك إلى أن التورك سنة في التشهد الأول، وسنة في التشهد الأخير، نقل هذا عنه ابن عبد البر في كتاب التمهيد، وقال: إن مالك يرى هذا في التشهد الأول والتشهد الأخير للرجل والمرأة على السواء.
ومن أدلتهم: ما سبق من فعل ابن عمر رضي الله عنه وقوله فأما فعله فقد لا يكون فيه حجة ظاهرة، لكن الحجة أكثر في قوله؛ لأنه قال: ( إنما سنة الصلاة )، وقد جرى قول كثير من أهل العلم وأهل المصطلح: على أن الصحابي إذا قال: (من السنة كذا)، أن المقصود سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، فإذا قال: (من السنة كذا) أو: (جرت السنة على كذا)، فإنه يفهم أنه يعني سنة النبي عليه الصلاة والسلام، وهكذا قول ابن عمر هاهنا: ( إنما سنة الصلاة ) يعني: السنة المأثورة، والطريقة المتبعة عن الرسول عليه الصلاة والسلام، هذا دليل.
الدليل الثاني لهم: حديث عبد الله بن الزبير رضي الله عنه، وهو في صحيح مسلم، رواه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب صفة الجلوس للتشهد، من حديث عبد الله بن الزبير رضي الله عنه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قعد في الصلاة، جعل رجله أو قدمه اليسرى بين فخذه وساقه، وفرش اليمنى )، قوله: (إذا قعد في الصلاة) هل المقصود الجلسة بين السجدتين؟ لا، ليس المقصود الجلسة بين السجدتين باتفاقهم؛ لأن هذه الجلسة لم يقل أحد من أهل العلم: إنها مشروعة بين السجدتين، وإنما قالوا: (إذا قعد في الصلاة) يعني: إذا قعد للتشهد، فكونه صلى الله عليه وسلم يجعل قدمه اليسرى بين فخذه وساقه، فهذا دليل على أن وركه سيكون في أي مكان؟ سيكون وركه على الأرض، وهذه الصورة هي أيضاً إحدى صور التورك.
وقوله: (إذا قعد في الصلاة) يدل على التشهد، قالوا: فإن هذا دليل على أن التورك مشروع في التشهد الأول، وفي التشهد الأخير على حد سواء، وقد ذكر هذا الاستدلال لهم الإمام النووي في كتاب المجموع، لكن يعكر على هذا الاستدلال أن مسلماً ساق الحديث بروايات عدة، وفي بعض الروايات قال: ( إذا قعد في الصلاة يدعو )، فقوله: (يدعو) دليل على أن المقصود التشهد الأول أو الأخير، هو يرجح أن المقصود بالقعود هنا القعود للتشهد الأخير؛ لأن الدعاء مشروع في التشهد الأخير، كما هو معروف، وليس التشهد الأول من مواضع الدعاء، إلا أن يقول: (اللهم صل على محمد) فهذا لا بأس به لو فعله أحياناً، المهم أن قوله: ( إذا قعد يدعو ) دليل على أن عبد الله بن الزبير رضي الله عنه، كان يحكي ويروي صفة قعود النبي صلى الله عليه وآله وسلم للتشهد الأخير.
فهذه أهم أدلتهم، وقد ذكر لهم ابن قدامة في المغني دليلاً ثالثاً، لو ثبت وصح، لكان من أقوى وأصح وأصرح أدلتهم، فقد ذكر في المغني عن ابن مسعود رضي الله عنه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجلس في وسط الصلاة، وفي آخرها متوركاً )، ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجلس في وسط ) هذا المقصود به التشهد الأول، ( وفي آخرها ) المقصود التشهد الأخير متوركاً، لكن ابن قدامة رحمه الله تعالى ساق هذا الحديث بلا زمام ولا خطام ولم يعزه لأحد، ولم أجده في شيء من الكتب، التي تيسر لي الاطلاع عليها؛ ولذلك لا يحتج بهذا الحديث، اللهم إلا أن يثبت، ولا أظنه يثبت بحال. هذه أدلتهم.
إذاً: هذا هو القول الأول قول مالك رحمه الله تعالى أنه يتورك في التشهد الأول وفي التشهد الأخير وسوف نذكر صفة التورك بعد قليل.
إذاً: الترمذي زاد نسبته لـعبد الله بن المبارك، وزعم أنه مذهب جمهور أهل العلم.
ودليل أهل هذا القول: هو حديث وائل بن حجر رضي الله عنه، وحديث وائل معروف في السنن كلها، رواه أبو داود، والنسائي، والترمذي، وابن ماجه، والدارمي .. وغيرهم، لكن اللفظ الذي استدلوا به من حديث وائل بن حجر رضي الله عنه قال: ( رأيت النبي صلى الله عليه وسلم إذا جلس في الصلاة أضجع رجله اليسرى، ونصب اليمنى )، قوله: (أضجع رجله اليسرى) يعني: فرشها، (ونصب اليمنى)، وهذا الحديث رواه أبو داود ورواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح، ورواه أيضاً كما ذكرت النسائي وابن ماجه والدارمي وأحمد .. وغيرهم، وكذلك قال عنه الإمام ابن قدامة في المغني بعدما ذكره، وذكر حديث أبي حميد السابق قال: حديثان حسنان صحيحان، فحديث وائل بن حجر عند ابن قدامة حديث حسن صحيح، وهذا الحديث يدل بظاهره: على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفترش في التشهد الأول والأخير؛ لأنه قال: ( أضجع رجله اليسرى، ونصب اليمنى )، ولم يذكر تشهداً من التشهدين، لم يذكر في التشهد الأول أو الأخير، فدل على أن هذا هو فعل النبي صلى الله عليه وسلم في كلا التشهدين.
ومن أدلتهم أيضاً: حديث عائشة رضي الله عنها وسيأتي بتمامه، وقد أخرجه مسلم في صحيحه، ذكرت صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، وقالت في آخر الحديث: ( وكان يفرش رجله اليسرى، وينصب اليمنى، وكان يقول في كل ركعتين: التحية )، فهو كحديث وائل بن حجر في أنه ذكر الافتراش، ولم يذكر غيره، هذا هو القول الثاني، وهذان دليلان له.
إذاً: القول الثاني أن الافتراش هو المشروع في التشهد الأول، وفي التشهد الأخير، ولأن الافتراش قد لا يرد ذكر صفته الآن، فلا بأس أن نذكر صفته، فصفة الافتراش: هو أن يفرش القدم اليسرى، يعني: يجعل مفصل القدم اليسرى إلى الأرض، ويقعد عليها، يقعد فوقها، أما اليمنى فتكون منصوبة، أصابعها على الأرض، مستقبلة القبلة، هذا هو الافتراش، وهذه إحدى الجلسات في الجلسة بين السجدتين كما سيأتي، وهي أيضاً الجلسة في التشهد الأول عند جماعة من أهل العلم، وهي الجلسة في التشهد الأخير عند أبي حنيفة وسفيان الثوري، وعبد الله بن المبارك، ونسبها الترمذي إلى أن العمل عليها عند أكثر أهل العلم.
إذاً: لو أردنا نقلب الأقوال بطريقة أخرى، لأنه بعضهم يسوقها بطريقة ثانية فنقول: فيما يتعلق بالتشهد الأول لو سألك سائل وقال لك: ما هي صفة الجلوس في التشهد الأول، واذكر أقوال أهل العلم فيه؟
تقول: صفة الجلوس في التشهد الأول اختلف العلماء فيها على قولين:
الأول: أنه يجلس في التشهد الأول متوركاً، وهذا مذهب مالك.
القول الثاني: أنه يجلس في التشهد الأول مفترشاً، وهذا مذهب جمهور أهل العلم، بقية الأئمة الثلاثة ومن وافقهم كما ذكرنا.
ولو سألك سائل وقال لك: ما هي صفة الجلوس للتشهد الأخير؟
تقول: انقسم أهل العلم فيها على قولين:
الأول: أنه يجلس متوركاً في التشهد الأخير، وهذا مذهب الجمهور: مالك وأحمد والشافعي وجمهور أهل العلم.
القول الثاني: أنه يجلس مفترشاً، وهذا مذهب أبي حنيفة.
إذاً: القول الثالث في المسألة: هو القول بالتفريق بين التشهد الأول والتشهد الأخير، فنقول: أن يفترش للتشهد الأول، ويتورك في التشهد الأخير، وهذا مذهب الشافعي وأحمد وإسحاق كما أسلفت.
أدلة أصحاب هذا القول هي حديث الباب؛ حديث أبي حميد رضي الله عنه الذي قرأناه قبل قليل، فإن حديث أبي حميد صريح جداً، في أن صفة الجلوس للتشهد الأول تختلف عن صفة الجلوس للتشهد الأخير، فإنه لما ذكر الجلوس في التشهد الأول قال: ( وإذا جلس في الركعتين، جلس على رجله اليسرى، ونصب اليمنى )، فهذا هو الافتراش، وقوله: (في الركعتين) يعني: بعد الركعتين الأوليين، أي في التشهد الأول، ثم ذكر الجلوس في التشهد الأخير فقال: ( وإذا جلس في الركعة الأخيرة، قدم اليسرى، ونصب الأخرى، وقعد على مقعدته )، فهذا هو التورك.
إذاً: حديث أبي حميد هو أهم دليل لمن قالوا بالتفريق بين التشهد الأول، والتشهد الأخير، في صفة الجلوس، وهو صريح في ذلك.
وأما الأحاديث الأخرى، أحاديث الفريق الأول، وأحاديث الفريق الثاني، فليست صريحة في ذلك.
ولهذا قال أهل العلم: إن حديث أبي حميد فيه التفريق والتفصيل، أما الأحاديث الأخرى كحديث وائل بن حجر، وحديث عائشة، وحديث عبد الله بن عمر، فإنها مطلقة غير مبينة ولا مفصلة، فينبغي حملها على حديث أبي حميد، فنأتي مثلاً لحديث عبد الله بن عمر الذي استدل به مالك على أن السنة التورك في كل تشهد، فنقول: المقصود بحديث ابن عمر أي التشهدين؟ التشهد الأخير، كما دل على ذلك حديث أبي حميد، ونأتي مثلاً إلى حديث عائشة وحديث وائل بن حجر في صفة الافتراش، فنقول: المقصود بهذين الحديثين التشهد الأول، كما دل على ذلك أيضاً حديث أبي حميد .
فتلك الأحاديث مجملة غير مبينة ولا مفصلة، وحديث أبي حميد مبين مفصل، فينبغي أن تحمل على هذا الحديث.
وبطريقة أخرى قال الإمام ابن قدامة : إن حديث أبي حميد فيه زيادة، يجب الأخذ بها، والمصير إليها، ففيه تفصيل لا يتوفر في حديث وائل بن حجر، ولا في حديث ابن عمر، ولا في حديث عائشة، ولا في حديث عبد الله بن الزبير، ولا في حديث غيرهم، ففيه تفصيل وتفريق لا يوجد في غيره من الأحاديث، هذا من حيث المعنى.
أمر آخر يرجح حديث أبي حميد : أنه قاله بحضرة عشرة من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، ذكرتهم قبل قليل، وأقروه على ما قال، وقالوا له: صدقت، هذا فضلاً عن أن الحديث صحيح الإسناد قوي رواه البخاري .. وغيره كما أسلفت .
فلذلك فإن حديث أبي حميد هو أقوى الأحاديث في هذا الباب، ويجب الأخذ به، يعني: من حيث الترجيح، وإلا أصل قضية التورك والافتراش ليس فيها وجوب، إنما هي -والله تعالى أعلم- محمولة على الفضيلة والاستحباب لا على الوجوب، وإنما أقول: إنه أولى أن يؤخذ به من غيره من الأحاديث؛ لأن فيه تفريقاً بين صفة الجلوس في التشهد الأول، وبين صفة الجلوس في التشهد الأخير، وهذا ما قرره الإمام النووي في المجموع، وابن قدامة .. وغيرهما من أهل العلم، وهو حجة الإمام الشافعي وأحمد في صفة الجلوس في التشهدين.
ذكر العلماء عدة حكم لهذه المغايرة:
منها: لإزالة اللبس والشك الذي قد يعرض للمصلي بين التشهد الأول والأخير، فإنه إذا غاير بين الجلستين، عرف أنه الآن في التشهد الأول، أو في التشهد الأخير.
ومنها: أن التشهد الأول قصير، يسن عدم تطويله، بخلاف التشهد الأخير، فإنه يسن تطويله والدعاء فيه، ومما جاء في ذلك، في قصر التشهد الأول، وعدم تطويله: حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا جلس في الأوليين -يعني: للتشهد الأول- كأنه على الرضف )، بفتح الراء وسكون الضاد، والرضف: جمع رضفة وهي الحجارة المحماة، يعني: كأن الرسول صلى الله عليه وسلم يجلس على حجارة حامية، وهذا دليل على أنه لا يطول التشهد الأول، وهذا الحديث رواه الترمذي وأبو داود والنسائي، ولكنه منقطع؛ لأنه من رواية أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه، وأبو عبيدة هذا لم يدرك أباه، فالحديث منقطع ولكن له شواهد: منها: ما رواه ابن أبي شيبة عن أبي بكر رضي الله عنه من فعله: [ أنه كأنما يجلس على الرضف ] وإسناده كما يقول الحافظ ابن حجر : صحيح.
إذاً: الحديث وإن لم يثبت مرفوعاً، فقد ثبت من فعل أبي بكر رضي الله عنه، عند ابن أبي شيبة .
قال ابن حجر في فتح الباري : وإسناده صحيح، وجاء نحو ذلك عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه، فهذا يعزز الحديث المرفوع، أن التشهد الأول يشرع عدم تطويله، ومعروف ماذا يقول في التشهد الأول، يقتصر على قوله في التشهد: ( وأشهد أن محمداً عبده ورسوله )، وقد يزيد أحياناً الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فهذه من حكم التفريق بينهما.
أيضاً من الحكم في التفريق بين التشهدين أنه في التشهد الأول يعقبه حركة؛ فهو في التشهد الأول يستعد ليقوم بالركعة الثالثة، أما في التشهد الأخير فليس بعده قيام، وإنما انتهت به الصلاة.
أمر رابع أو حكمة رابعة: لإعلام من أتوا إلى المسجد، وفاتتهم الصلاة ما قدر ما فاتهم من الصلاة، فإذا جاء المسبوق للإمام، فإنه يعرف إن كان الإمام في التشهد الأول أو كان في التشهد الأخير، هذا قال به بعضهم، وهذا يفتقر إلى أمور:
منها: أن يكون الإمام فقيهاً، بحيث يكون يعرف ماذا يفعل في التشهد الأول، أو كيف يجلس في التشهد الأول، وكيف يجلس في التشهد الأخير.
وكذلك أن يكون المسبوق أيضاً فقيهاً على الأقل في هذه المسألة؛ ليعرف الفرق بين التشهد الأول والتشهد الأخير.
ثم نسأل: وحتى إذا عرف الفرق بينهما ماذا يترتب على ذلك؟ هل يترتب عليه كبير طائل؟
الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: ( فائتوها وعليكم السكينة -وفي رواية: فائتوها وأنتم تمشون، ولا تأتوها وأنتم تسعون- فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا )، فهو مأمور بأن يتبع الإمام، وينضم معه في الصلاة، وليس بشرط أن يعرف قدر ما فاته من الصلاة.
على كل حال هذه الحكم الأربع ذكرها الفقهاء، في بيان الحكمة في التفريق بين التشهد الأول والتشهد الأخير.
فأما الإمام الشافعي رحمه الله فإنه رأى أن يتورك الإنسان في كل تشهد يعقبه سلام، هذا مذهب الشافعي، فكل تشهد يسلم فيه، فإنه يشرع للإنسان أن يتورك فيه؛ لماذا؟ قال لك: لأنه يسن تطويل هذا التشهد، لا يقتصر فيه على قوله: (وأشهد أن محمداً عبده ورسوله) بل يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم فيه ويدعو، فهو تشهد يسن تطويله، وليس بعده قيام ولا تحرك؛ فلذلك استحب أن يتورك فيه، هذا مذهب الإمام الشافعي .
أما الإمام أحمد فإنه يخالفه في ذلك، ويقول: لا يشرع للإنسان التورك، إلا في الصلاة التي فيها تشهدان، أما إذا لم يكن في الصلاة إلا تشهد واحد، فإنه يشرع له أن يفترش فيه؛ لماذا؟ قال الإمام أحمد والحنابلة في ذلك: للأحاديث السابقة، ما هي الأحاديث السابقة؟ قالوا: حديث وائل بن حجر الذي ذكرناه في أدلة الحنفية، ومثل: حديث عائشة ذكرناه في أدلة الحنفية، وهما حديثان يدلان على أن الأصل في الجلوس للتشهد الافتراش.
طيب لماذا نحن أخرجنا نحن التشهد الأخير من هذا؟ لحديث أبي حميد، فإنه صريح في أن التشهد الأخير يتورك فيه.
طيب ما عدا التورك الأخير، فإنه يبقى على الأصل الذي هو الافتراش، على ما يقتضيه حديث وائل بن حجر، وعلى ما يقتضيه حديث عائشة رضي الله عنهما .. وغيرهما من الأحاديث.
إذاً: الإمام أحمد والحنابلة قالوا: إذا لم يكن في الصلاة إلا تشهد واحد، فإنه يطول وليس بعده قيام.
فنقول لهم: نعم هو تشهد يطول وليس بعده قيام، لكن من أين لنا أن الحكمة في التفريق بين التشهد الأول والأخير، أن التشهد الأول قصير وبعده قيام؟
هذا باجتهادنا قلناه، لكن ليس فيه دليل، وما الذي يمنع أن يكون المقصود من جعل الافتراش للتشهد الأول، والتورك للتشهد الأخير، أن يكون المقصود في ذلك التفريق بينهما، فيكون ذلك في الصلاة، التي فيها تشهدان فقط، أما الصلاة التي ليس فيها إلا تشهد واحد، فإن اللبس فيها منتف مرفوع حينئذ، ولا داعي للتفريق بينهما.
على كل حال دلت السنة بظاهرها وليست دلالة قطعية نصية، وإنما دلالة بظاهرها على أن الافتراش هو المشروع في الصلاة التي ليس فيها إلا تشهد واحد.
فخلاصة القول في مسألة الافتراش: أن الراجح كما يلي:
إن كان في الصلاة تشهدان، شُرع للإنسان أن يفترش في التشهد الأول، ويتورك في التشهد الأخير، فإن لم يكن في الصلاة إلا تشهد واحد، فإنه يشرع للمصلي أن يفترش فيه ولا يتورك، هذا هو الظاهر مما تدل عليه السنة، وهو على كل حال مذهب الإمام أحمد.
وحينئذ الفجر لا تورك فيه، وإنما فيه الافتراش، فلا على القول الذي رجحناه الآن، أنه لا تورك في صلاة الفجر، ففي حديث أبي حميد ذكر الصلاة التي فيها تشهدان فقط، فيقتصر منه على موضع الدلالة.
وحجة من قالوا بذلك قالوا: إن هذا من باب المتابعة والاقتداء بالإمام.
وهذا ذكره بعض فقهاء الشافعية، كالإمام الجويني ووالده والرافعي، وذكره أيضاً بعض الحنابلة وجهاً أو رواية عن الإمام أحمد، كما في المغني، هذا الأول.
الوجه الثاني: عند الشافعية أيضاً، وقد ذكره النووي ونسبه لجمهور الشافعية، وصححه من مذهب الشافعي رحمه الله تعالى، وذكره أيضاً ابن قدامة وجهاً عند الحنابلة، وكأنه رواية عن الإمام أحمد .
الوجه الثاني: أنه يجلس مفترشاً، ولماذا يجلس مفترشاً في هذه الحالة؟ ما هي العلة؟
لأنه ليس تشهداً أخيراً بالنسبة له، وقد سبق أن ذكرنا قبل قليل: أن الأصل في الجلوس للتشهد أنه يجلس مفترشاً، إلا في التشهد الأخير بدلالة حديث أبي حميد، وما عداه يبقى على أصل الافتراش، فقال هؤلاء: إذا كان المأموم مسبوقاً، فإنه يجلس مفترشاً غير متورك؛ لأن هذا هو الأصل، باعتبار أن هذا ليس تشهداً أخيراً بالنسبة له، هل يتصور وجود قول ثالث في المسألة؟ التخيير، وهذا محتمل، فالإمام أحمد نقل عنه ابن قدامة في المغني رواية: أنه سئل: هل يتورك؟ قال: إن شاء.
وهذا فتح الله به علينا عن طريق أحد الأخوة، فجزاه الله خيراً، يعني: ما كان في ذهني الحقيقة هذا، يعني: مر عليَّ وغفلت عنه: أنه يكون مخيراً في هذا، وقد يؤخذ من قول الإمام أحمد لما سئل: هل يتورك؟ قال: إن شاء. فدل على أن المسألة عنده واسعة، يفعل هذا أو ذاك.
إذاً: نسأل سؤالاً: هل يتصور وجود قول رابع؟
نعم يتصور، وقد ذكر هذا القول عن بعض الشافعية قالوا: إن كان المأموم في التشهد الأول فإنه يفترش، وإن كان في غيره فإنه يتورك، وإن كان المسبوق في التشهد الأول، فإنه يفترش، وإن كان في غيره، فإنه يتورك.
يعني: لو فرض أن المأموم جاء بعد الركعة الثانية، فأدرك مع الإمام ركعتين، التشهد الأخير بالنسبة للإمام يكون تشهداً أول بالنسبة للمسبوق المأموم، طيب المأموم هنا في التشهد الأول، ماذا يشرع له في التشهد الأول؟
أن يفترش كما سبق، فقالوا: يلتزم بالسنة فيفترش، لكن إن كان المأموم مثلاً مسبوقاً بركعة، فالتشهد الأخير بالنسبة له هنا يعتبر زيادة، ليست في موضع التشهد الأول، فنقول: جلوس المأموم حينئذ للتشهد لمجرد المتابعة، فقالوا: ما دام جلس للمتابعة، فينبغي أن يتابع أيضاً في الصفة، فيتورك كما تورك إمامه.
إذاً: صار في المسألة تقريباً أربعة أوجه:
إما أن يتورك، أو يفترش، أو يكون مخيراً، أو يختلف ما إذا كان التشهد الأخير للإمام، في موضع التشهد الأول للمأموم، أو ليس كذلك.
والذي يظهر لي وأظنه أقوى، وإن كانت المسألة بحمد الله تعالى واسعة، لكن كأن الأقوى من ذلك أن يكون الأجود للمأموم المسبوق أن يفترش ولا يتورك.
ومن دليلنا على أنه يفترش أمران:
أولهما: حديث عائشة ووائل بن حجر وسبقا، فإنهما دليلان، واستدل بهما الحنابلة أنفسهم على أن الإنسان فيما عدا التشهد الأخير، فالأصل الافتراش.
والدليل الثاني: أنه عُلم أن المأموم لو جاء بعد مضي ركعتين، فكان التشهد الأخير بالنسبة للإمام تشهداً أول بالنسبة له، فإنه يسن له حينئذ أن يفترش متابعة للسنة، فدل على أنه في غيره يكون الأمر كذلك.
فالأقوى والأقرب أن يقال: يشرع للمأموم المسبوق أن يفترش، إذا جلس إمامه للتشهد الأخير.
والمسألة على كل حال الأمر فيها إن شاء الله واضح وواسع أيضاً.
أما الافتراش فقد سبق، ولعل أحدكم أن يطبق لنا، أتمنى أن يكون هناك مرتفع، ممكن المنبر، هل ترون المنبر لو جلس عليه أحد؟
التورك له عدة صور كأنها تصل إلى أربع:
الصورة الأولى من صور التورك: ما ورد في حديث عبد الله بن الزبير رضي الله عنه وسبق، وما هي صورة التورك عند مسلم في حديث عبد الله بن الزبير ؟ التورك الذي ذكره عبد الله بن الزبير عن النبي صلى الله عليه وسلم: يجعل قدمه اليسرى بين فخذه وساقه، هذا حديث عبد الله بن الزبير أنه يفرش اليمنى ويجعل اليسرى بين فخذه وساقه، طيب هذه الصفة كما أشرنا يطبقها الأخ الآن، نلاحظ أن القدم اليسرى بين ساق اليمنى وبين الفخذ، واليمنى مفروشة، هذه هي الصفة الأولى من صفات التورك، وهي في صحيح مسلم من حديث عبد الله بن الزبير رضي الله عنه.
الصفة الثانية: وقد جاءت في سنن أبي داود والبيهقي .. وغيرهما، من حديث أبي حميد حديث الباب وسندها صحيح: ( أنه يفضي بمقعدته إلى الأرض ويخرج قدميه من الجهة الأخرى ) أي: يخرج قدميه اليمنى واليسرى من الجهة الأخرى، يعني: من الجهة اليمنى، يعني: تقريباً، كأن الساق اليمنى يكون فوق قدم اليسرى.
هذا قريب من الصفة الثانية، أنه يفضي بمقعدته إلى الأرض، ويخرج قدميه، يعني: تكون مقعدته كلها على الأرض، ليس على قدميه منها شيء، وهذه جاءت عند أبي داود والبيهقي من حديث أبي حميد نفسه من حديث الباب في بعض ألفاظه، وأيضاً هذه الصفة أو هذه الهيئة نقلها ابن قدامة في المغني، عن أبي الخطاب الكلوذاني صاحب الهداية من الحنابلة، وكذلك نقلها عن أصحاب الشافعي، وحينئذ لا يقعد على شيء من قدمه، وإنما ينحي عجزه كلها.
الصفة الثالثة من صفات التورك: هي أن يجعل قدمه اليسرى تحت فخذه وساقه، ويفرش اليمنى، وهذه أيضاً جاءت في إحدى روايات حديث ابن الزبير رضي الله عنه عند أبي داود، وسندها صحيح، بدل قوله: ( وجعل قدمه اليسرى بين فخذه وساقه )، قال: ( وجعل قدمه اليسرى تحت فخذه وساقه )، فننظر كيف تكون هذه الصورة، كونها تحت الفخذ معناه: أن اليسرى بعضها تحت الفخذ وبعضها تحت الساق، فتكون القدم اليسرى مفروشة واليمنى أيضاً مفروشة، فيكون بعض الفخذ وبعض الساق فوق الرجل اليسرى، هذا معنى قوله: ( تحت فخذه وساقه ) يعني: بعضها تحت فخذه وبعضها تحت ساقه، وهذا جاء في إحدى روايات ابن الزبير عند أبي داود .
والصفة الرابعة: كالصفة السابقة لكن بدلاً من كونه يفرش اليمنى فإنه ينصب اليمنى، وأما اليسرى فهي مفروشة، وهذه الصفة جاءت في بعض الأحاديث وذكرها الخرقي صاحب المختصر والقاضي وغيرهما من الحنابلة.
إذاً: في التورك أربع صفات أو أربع صور وكلها وردت والأمر فيها واسع، من فعل شيئاً منها فقد وافق السنة وإن غاير بينها ففعل هذا تارة وهذا تارة كان هذا أدعى إلى موافقة السنة، فإن هذه من السنن المختلفة التي ينبغي أن يفعل الإنسان شيئاً منها مرة ويفعل شيئاً منها مرة أخرى.
منها: مشروعية رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام إلى حذو المنكبين، وهذه سنة أجمع أهل العلم على أنها ليست واجبة، فيما ذكره غير واحد، رفع اليدين إلى حذو المنكبين.
ومن فوائده: مشروعية تمكين اليدين من الركبتين أثناء الركوع، وهو دليل على نسخ التطبيق الذي جاء في حديث عبد الله بن مسعود، والتطبيق: هو أن يقابل بين يديه، ويجعلهما بين ركبتيه، وهذا منسوخ كما دل عليه قوله: ( وأمكن يديه من ركبتيه ).
وفيه: دليل على مشروعية حني الظهر واستوائه في الركوع؛ لقوله: ( ثم هصر ظهره )، وفي رواية: ( ثم حنى ظهره )، عند البخاري، فـ(هصر) معناه: حنى ظهره من غير تقويس، لا يجعل ظهره مقوساً، ولا يركع ركوعاً خفيفاً، كما يفعله بعضهم، مجرد أنه يحني ظهره شيئاً يسيراً، بل يحني ظهره ويهصره هصراً شديداً من غير تقويس، ويكون رأسه مساوياً لظهره، كما سيأتي في حديث عائشة رضي الله عنها.
ومن فوائده: وجوب الطمأنينة في الصلاة؛ لقوله: ( وإذا رفع رأسه استوى، حتى يعود كل فقار مكانه )، والطمأنينة ليست محصورة في القيام من الركوع، بل هي مطلوبة في أعمال الصلاة كلها.
ومن فوائده: بيان صفة السجود وأنه يضع أعضاءه على الأرض.
ومن فوائده: بيان الهيئات المنهي عنها في السجود، فقد ذكر منها في الحديث هيئتين من الهيئات المنهي عنها: الهيئة الأولى: هي الافتراش نعم، والافتراش: هو أن يضع الإنسان ذراعيه على الأرض، هكذا وهو ساجد، وقد جاء في الحديث الآخر: ( ونهى أن يفترش الرجل ذراعيه افتراش السبع ) كما سيأتي من حديث عائشة، فهذا منهي عنه.
والهيئة الثانية المنهي عنها، والتي دل حديث أبي حميد على تجنبها، هي هيئة القبض، والقبض: هو أن يضم الإنسان عضديه إلى صدره، بحيث لا يأخذ كل عضو حقه من السجود، وهل يفرق بين الرجل والمرأة؟
ذكر البخاري ما يدل على أنه يذهب إلى أن الحكم فيهما واحد، ونقل عن أم الدرداء أنها كانت تجلس كذلك، وكانت فقيهة، ويعني بـأم الدرداء إحدى النساء من التابعين، وليست أم الدرداء الصحابية، ودل تبويب البخاري على أنه يرى أنما ثبت في حق الرجل من هيئات القعود والسجود ثبت في حق المرأة، إلا بدليل يخرجها عن ذلك.
ومن فوائد حديث أبي حميد أيضاً: مشروعية استقبال القبلة بأطراف أصابع الرجلين عند السجود.
ومنها: بيان صفة التشهد الأول، وأنه يجلس مفترشاً.
ومنها: بيان صفة التشهد الأخير، وأنه يجلس متوركاً.
ومن فوائده أيضاً: جواز مدح الإنسان نفسه، إذا أمن العجب أو الاغترار، فإن أبا حميد أثنى على نفسه، وذكر لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: أنه كان أعلمهم بصفة صلاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
ومنها: أن المتأخر قد يدرك ما لا يدركه المتقدم بسعيه وجده واجتهاده، كما حصل لـأبي حميد، فإنهم قالوا له: ( لم تكن أكثرنا له صحبة، ولا أكثرنا له إتياناً أو اتباعاً )، ومع ذلك أدرك ما لا يدركون من بيان صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لشدة متابعته لذلك، قال: ( إني تتبعت ذلك حتى علمته ).
ومنها أيضاً: بيان ما كان عليه أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم من العدل والإنصاف، فإنه لما قال أبو حميد ما قال، مما يمكن أن يعتبر دعوى في أول الحديث، قالوا له: (لم؟) فأنكروا عليه، لكن لما عرض لهم فرأوا من عرضه أنه فعلاً تتبع ذلك الأمر وضبطه صدقوه فيما قال.
هذا ما يتعلق بحديث أبي حميد .
الجواب: الصورة الرابعة من صور التورك: هي أن ينصب اليمنى، ويترك اليسرى تحته، ويفضي بمقعدته إلى الأرض.
الجواب: أي نعم، إذا كان في صلاة فيها ركعتان فيها تشهد واحد، كالفجر وأدرك ركعة واحدة، فهنا لا شك أنه يفترش عند جميعهم، والله تعالى أعلم.
الجواب: هذه أيضاً من الأشياء التي اختلفوا فيها، وكأن الإمام أحمد يذهب إلى أنه يلحق ما جلوسه بعد السلام بجلوسه قبل السلام، يعني: إن كان في صلاة فيها تشهدان كالرباعية والثلاثية، فإنه يتورك بعدما يجلس من سجوده، وإن كان في ثنائية فإنه يفترش في الجلوس بعد السهو.
الجواب: إذا تورك فإنه لا يستقبل غير القبلة، لكن صحيح أنه سوف يميل جسده جهة الأرض، بخلاف ما إذا افترش يكون جسده معتدلاً؛ لأنه صعد على قدمه، لكن إذا تورك يميل جسده إلى جهة الأرض لكنه مستقبل القبلة.
الجواب: هكذا، يعني: يضع يديه على ركبتيه، كأنه قابض على ركبته.
الجواب: ينبغي في فعل التورك وغيره من السنن، أن يراعي الإنسان من بجواره، فلا يضايقه.
الجواب: تكون أصابع الرجلين مستقبلات القبلة.
الجواب: لا يتورك إلا في التشهد الأخير، والتشهد الأخير إنما بالنسبة لإمامه، هذه هي القاعدة.
الجواب: صفة تكبيرة الإحرام: أن يرفع يديه حذو منكبيه، وقد سبق أن بينا المنكب ملتقى العضد بالكتف، وقد يطلق على الكتف نفسه، يرفع يديه حذو منكبيه مقارناً للتكبير فيقول: الله أكبر، ثم يضع يده اليمنى على اليسرى فوق صدره، كما سيأتي تفصيله إن شاء الله.
الجواب: لا بأس أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأول، ولو لم يستمر على ذلك، لكن يفعله أحياناً، فقد جاء في بعض الآثار.
أما الدعاء فقد ذهب ابن حزم إلى وجوبه في التشهد الأول، وهو قول شاذ لم يوافقه عليه أحد من أهل العلم.
أما التعوذات فهي في التشهد الأخير.
الجواب: الأمر سنة واسع، ابن عمر رضي الله عنه كان يجلس في الصلاة متربعاً، وهل تعرفون معنى التربع؟
نعم (كان يجلس ابن عمر هكذا في الصلاة متربعاً، فرآه رجل، ففعل مثل فعله، فنهاه ابن عمر ونهره، فقال: إنك تفعله، قال: إن رجلي لا تحملاني)، وفي رواية قال: (إني أشتكي)، فالأمر في ذلك واسع، وإن كان ابن عبد البر لما ذكر موضوع التربع هذا قال: أجمع أهل العلم على تحريمه في الصلاة، وأنه لا يجوز، لكن استدرك عليه ابن حجر رحمه الله: أن القول بأن ذلك محرم، وأن الإجماع على تحريمه فيه نظر، ولكن لعله يقصد الكراهية، لعله يقصد كراهيته، وليس التحريم الذي يأثم بفعله.
سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر